إنّ اللّه تعالى أنزل كتابا هاديا بيّن فيه الخير و الشّرّ. فخذوا نهج الخير تهتدوا، و اصدفوا عن سمت الشّرّ تقصدوا. الفرائض الفرائض، أدوها إلى الله تؤدّكم إلى الجنّة. إنّ اللّه حرّم حراما غير مجهول، و أحل حلالا غير مدخول، و فضّل حرمة المسلم على الحرم كلّها، و شدّ بالإخلاص و التّوحيد حقوق المسلمين في معاقدها.
اللغة:
اصدفوا: أعرضوا. و السمت: الجهة. و غير مدخول: لا ضرر فيه أو فساد يوجب تحريمه و النهي عنه. و شدّ: ربط و أوثق. و معاقد: جمع معقد، و هو موضع العقد المبرم.
الإعراب:
الفرائض الأولى مفعول لفعل محذوف أي أدوا الفرائض، و الثانية توكيد، و غير مجهول صفة ل «حراما» و امامكم ظرف زمان متعلق بمحذوف خبرا لأن أي مضوا قبلكم.
المعنى:
(ان اللّه تعالى أنزل كتابا هاديا إلخ).. منح سبحانه الانسان العقل و القدرة و الإرادة، و أنزل شريعة تهدي الى حلاله و حرامه بيّنها على لسان نبيه كتابا و سنّة و لم يدع عذرا لمعتذر (فخذوا نهج الخير تهتدوا) الى حياة لا صعاب فيها و لا مشكلات، لأن كل ما فيه صلاح للناس فهو خير عند اللّه، و كل ما فيه فساد و ضرر فهو شر عنده تعالى (و اصدفوا عن سمت الشر تقصدوا) أي تستقيموا على الطريقة المثلى.
و تجدر الإشارة الى أن القرآن الكريم يهدف أولا و قبل كل شي ء الى غرس الإيمان في القلوب و نموه، لأنه الدافع و المحرك الى فعل الخير و ترك الشر، و من أجل التعليم و تربية النفوس على الإيمان الآمر الزاجر- أكثر سبحانه في كتابه من ضرب الأمثال: «وَ لَقَدْ ضَرَبْنا لِلنَّاسِ فِي هذَا الْقُرْآنِ مِنْ كُلِّ مَثَلٍ لَعَلَّهُمْ يَتَذَكَّرُونَ- 27 الزمر».
(الفرائض الفرائض إلخ).. و تشمل كل ما وجب، و لا تختص بالعبادات إلا في اصطلاح الفقهاء. قال تعالى: «وَ لِلنِّساءِ نَصِيبٌ مِمَّا تَرَكَ الْوالِدانِ وَ الْأَقْرَبُونَ مِمَّا قَلَّ مِنْهُ أَوْ كَثُرَ نَصِيباً مَفْرُوضاً- 7 النساء».. هذا، الى ان العبادة لا تؤدي بأحد الى الجنة اذا لم ينته معها عن الفحشاء و المنكر، و أقصى ما هنالك انه لا يحاسب عليها إن جاء بها على الوجه الأكمل.
(إن الله حرم حراما غير مجهول) أي بيّن لا شبهة فيه، فيجب تركه، أما المشتبه فيترك من باب التقوى، لأن الوقوع فيما يريب يجر الى الوقوع فيما يعيب. قال الرسول الأعظم (ص): «دع ما يريبك الى ما لا يريبك» أي دع ما يلقي الشك و القلق في نفسك الى ما يوجب راحتها و اطمئنانها (و أحل حلالا غير مدخول) أي لا ضرر في فعله و لا في تركه. و فيه ايماء الى ان الفعل لا يجب أو يحرم، لأن سلطة عليا أرادت ذلك، و ان علينا أن نسمع لها و نطيع على كل حال حتى و لو كان ضررا محضا.. كلا، بل نحن نطيع السلطة العليا التي ثبت لدينا بالدليل القاطع انها لا تأمر إلا بالطيبات، و لا تنهى إلا عن الخبائث: «الَّذِينَ يَتَّبِعُونَ الرَّسُولَ النَّبِيَّ الْأُمِّيَّ الَّذِي يَجِدُونَهُ مَكْتُوباً عِنْدَهُمْ فِي التَّوْراةِ وَ الْإِنْجِيلِ يَأْمُرُهُمْ- 157 الأعراف». و من هنا أجمع الفقهاء على انه حيثما تكون المصلحة فثم شرع اللّه.
كرامة الانسان:
(و فضل- اللّه- حرمة المسلم على الحرم كلها، و شد بالاخلاص و التوحيد حقوق المسلمين في معاقدها). المراد بالاخلاص و التوحيد الاسلام.. و لكل انسان حقوق تجب مراعاتها على كل الناس أيا كان دينه و مذهبه و رأيه، كحقه في الحياة، و حماية مصالحه، و إنصافه، و اعتباره بريئا حتى تثبت ادانته.. و لأهل كل ملة و دين حقوق على بعضهم البعض يحددها دينهم و شريعتهم. و من الحقوق التي فرضها الاسلام على كل مسلم أن يدافع جهد طاقته عن أي بلد مسلم يعتدي عليه عدو الدين و الانسانية اذا عجز هذا البلد عن صد العدو و ردعه، و منها ان للمسلم المعسر حقا معلوما في أموال المسلم الموسر.. الى غير ذلك من الحقوق الواجبة و المندوبة.
|