فلا تكونوا أنصاب الفتن، و أعلام البدع، و الزموا ما عقد عليه حبل الجماعة، و بنيت عليه أركان الطّاعة، و اقدموا على اللَّه مظلومين، و لا تقدموا على اللَّه ظالمين، و اتّقوا مدارج الشّيطان، و مهابط العدوان، و لا تدخلوا بطونكم لعق الحرام، فإنّكم بعين من حرّم عليكم المعصية، و سهّل لكم سبيل الطّاعة.
اللغه
(الأنصاب) جمع نصب كأسباب و سبب و هو العلم المنصوب في الطريق يهدى به، و في بعض النّسخ بالرّاء و (مدارج الشّيطان) جمع مدرجة و هى السّبل التّي يدرج فيها و (لعق الحرام) جمع لعقة اسم لما يلعق بالاصبع أو بالملعقة و هى بكسر الميم آلة معروفة، و اللعقة بالفتح المرّة منه من لعقه العقه من باب تعب لحسه باصبع و مصدره لعق و زان فلس.
المعنى
(فلا تكونوا أنصاب الفتن) أى رؤسائها يشار إليهم فيها (و أعلام البدع) الّتي يقتدى بها و هو نظير قوله عليه السّلام في كلماته القصار: كن في الفتنة كابن اللّبون لا ظهر فيركب و لا ضرع فيحلب.
(و الزموا ما عقد عليه حبل الجماعة) و هى القوانين الّتي ينتظم بها اجتماع الناس على الحقّ (و بنيت عليه أركان الطاعة) استعارة بالكناية و ذكر الأركان تخييل و البناء ترشيح (و اقدموا على اللَّه مظلومين و لا تقدموا على اللَّه ظالمين) يعني أنّه إذا دار الأمر بين الظالمية و المظلومية فكونوا راضين بالمظلوميّة، لأنّ الظلم قبيح عقلا و شرعا و الظالم مؤاخذ ملعون كتابا و سنة، أو لا تظلموا الناس و إن استلزم ترك الظلم مظلوميّتكم فانّ يوم المظلوم من الظالم أشدّ من يوم الظالم من المظلوم، و المظلوم منصور من اللَّه سبحانه قال تعالى: «وَ لا تَقْتُلُوا النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلَّا بِالْحَقِّ وَ مَنْ قُتِلَ مَظْلُوماً فَقَدْ جَعَلْنا».
و قال أبو جعفر عليه السّلام في رواية أبي بصير عنه عليه السّلام: ما انتصر اللَّه من ظالم إلّا بظالم، و ذلك قول اللَّه عزّ و جلّ: «وَ كَذلِكَ نُوَلِّي بَعْضَ الظَّالِمِينَ بَعْضاً».
(و اتّقوا مدارج الشيطان) و مسالكه (و مهابط العدوان) و محاله أو المواضع الّتي يهبط صاحبه فيها (و لا تدخلوا بطونكم لعق الحرام) أى لا تدخلوا بطونكم القليل منه فكيف بالكثير أو الاتيان باللّعق للتّنبيه على قلّة ما يكتسب من متاع الدّنيا المحرّم بالنّسبة الى متاع الآخرة و حقارته عنده (فانّكم بعين من حرّم عليكم المعصية و سهّل لكم سبيل الطّاعة) أى بعلمه كقوله تعالى: «تَجْرِي بِأَعْيُنِنا».
و لا يخفى ما في هذا التّعليل من الحسن و اللّطف في الرّدع عن المعاصي و الحثّ على الطاعات، فانّ العبد العالم بأنّه من مرئى من مولاه و مسمع منه يكون أكثر طاعة و أقلّ مخالفة من عبد مولاه غافل عنه و جاهل بأعماله و أفعاله و لتأكيد هذا المعنى عبّر بالموصول و قال: بعين من حرّم آه و لم يقل بعين اللَّه هذا و تسهيل سبيل الطاعة باعتبار أنّ اللَّه سبحانه ما جعل على المكلّفين في الدّين من حرج.
|