متن اصلی

(1) و من كتاب له عليه السلام إلى أهل الكوفة عند مسيره من المدينة إلى البصرة

مِنْ عَبْدِ اللَّهِ عَلِيٍّ أَمِيرِ الْمُؤْمِنِينَ إِلَى أَهْلِ الْكُوفَةِ جَبْهَةِ الْأَنْصَارِ وَ سَنَامِ الْعَرَبِ أَمَّا بَعْدُ فَإِنِّي أُخْبِرُكُمْ عَنْ أَمْرِ عُثْمَانَ حَتَّى يَكُونَ سَمْعُهُ كَعِيَانِهِ إِنَّ النَّاسَ طَعَنُوا عَلَيْهِ فَكُنْتُ رَجُلًا مِنَ الْمُهَاجِرِينَ أُكْثِرُ اسْتِعْتَابَهُ وَ أُقِلُّ عِتَابَهُ وَ كَانَ طَلْحَةُ وَ الزُّبَيْرُ أَهْوَنُ«» سَيْرِهِمَا فِيهِ الْوَجِيفُ وَ أَرْفَقُ حِدَائِهِمَا الْعَنِيفُ وَ كَانَ مِنْ عَائِشَةَ فِيهِ فَلْتَةُ غَضَبٍ فَأُتِيحَ لَهُ قَوْمٌ قَتَلُوهُ«» وَ بَايَعَنِي النَّاسُ غَيْرَ مُسْتَكْرَهِينَ وَ لَا مُجْبَرِينَ بَلْ طَائِعِينَ مُخَيَّرِينَ وَ اعْلَمُوا أَنَّ دَارَ الْهِجْرَةِ قَدْ قَلَعَتْ بِأَهْلِهَا وَ قَلَعُوا بِهَا وَ جَاشَتْ جَيْشَ الْمِرْجَلِ«» وَ قَامَتِ الْفِتْنَةُ عَلَى الْقُطْبِ فَأَسْرِعُوا إِلَى أَمِيرِكُمْ وَ بَادِرُوا جِهَادَ عَدُوِّكُمْ إِنْ شَاءَ اللَّهُ

عنوان

افشاى سران ناكثين

ترجمه مرحوم فیض

1- از نامه هاى آن حضرت عليه السَّلام است باهل كوفه در بين راه هنگاميكه از مدينه (براى جنگ با طلحه و زبير و پيروانشان) ببصره مى رفت

(چون به ماء العذيب رسيد اين نامه را براى اهل كوفه نوشت و آنان را از سبب كشته شدن عثمان آگاه ساخته بكمك و يارى خود طلبيد و آنرا بوسيله حضرت امام حسن و عمّار ابن ياسر فرستاد): (1) از بنده خدا علىّ امير المؤمنين بسوى اهل كوفه كه يارى كنندگان بزرگوار و از مهتران عرب مى باشند. (2) پس از حمد خدا و درود بر پيغمبر اكرم، من شما را از كار عثمان (و سبب كشته شدن او) آگاه مى سازم بطوريكه شنيدن آن مانند ديدن باشد (تا كسانى از اهل كوفه كه در آن واقعه نبودند مانند آنان باشند كه بودند و ديدند) مردم بعثمان (بر اثر كارهاى ناشايسته) زشتيهايش را نموده ناسزا گفتند و من مردى از هجرت كنندگان بودم كه (با پيغمبر اكرم از مكّه به مدينه براى صلح و آسايش آمده و از فتنه و فساد و خونريزى بيزار بوده دورى مى جستم، و) بسيار خواستار خوشنودى مردم از او بوده، و كمتر او را سرزنش مى نمودم (همواره او را پند و اندرز داده و بتغيير كردار دعوت مى كردم) و (لكن) آسانترين روش طلحه و زبير در باره او تند روى و آهسته ترين سوق دادنشان سخت راندن بود (هرگز او را نصيحت نكرده، بلكه هميشه درصدد بر پا نمودن فتنه و تباهكارى بودند، از اينرو مردم را از دور و نزديك گرد آورده به كشتن او ترغيب مى نمودند، چنانكه زبير مى گفت: او را بكشيد كه دين شما را تغيير داده، و عثمان هنگام محصور بودن در خانه خود مى گفت: واى بر طلحه كه او را چنين و چنان رعايت نمودم و اكنون در صدد ريختن خون من برآمده است) و ناگهان عائشه بى تأمّل و انديشه در باره او خشمناك گرديد (براى اينكه عثمان بيت المال را به خويشاوندان خود اختصاص داد بر آشفت و مردم را به كشتنش وادار نمود و گفت: اقتلوا نعثلا، قتل اللَّه نعثلا يعنى شيخ احمق و پير بى خرد را بكشيد خدا او را بكشد، و نعثل نام يهودىّ دراز ريشى بوده در مدينه كه عثمان را باو تشبيه نموده، روايت شده روزى عثمان بالاى منبر رفته و مسجد پر از جمعيّت بود، عائشه از پس پرده دست بيرون آورد و نعلين و پيراهن پيغمبر اكرم را بمردم نمود و گفت: اين كفش و پيراهن رسول خدا است كه هنوز كهنه نگشته و تو دين و سنّت او را تغيير دادى، و سخنان درشت بيكديگر گفتند) (3) پس (طلحه و زبير و عائشه مردم را به كشتن او ترغيب نمودند، و) گروهى براى كشتنش آماده شده او را كشتند (بنا بر اين بايد از ايشان خونخواهى نمود، نه آنكه آنان در صدد خونخواهى بر آيند) و مردم بدون اكراه و اجبار از روى ميل و اختيار با من بيعت نمودند (پس سبب مخالفت طلحه و زبير و پيروانشان با من و بر پا نمودن فتنه و آشوب چيست). (4) و بدانيد (بر اثر فتنه انگيزى طلحه و زبير و عائشه) سراى هجرت (مدينه) از اهلش خالى گشته، و اهلش از آن دور شدند (من ناچار از آنجا خارج شدم) و مانند جوشيدن ديگ به جوش و خروش آمده (بسبب هرج و مرج آرامش و آسايش آن از بين رفت) بر مدار (دين يعنى امام عليه السَّلام) تباهكارى رو آورد، پس بسوى سردار و پيشواى خود شتاب كنيد (او را كمك و يارى نمائيد) و براى جنگ با دشمنتان (طلحه و زبير و پيروانشان) بكوشيد اگر خدا بخواهد.

( . ترجمه و شرح نهج البلاغه فیض الاسلام، ج5، ص 831-833)

ترجمه مرحوم شهیدی

1 از نامه هاى اوست به مردم كوفه، هنگامى كه از مدينه به بصره مى رفت

از بنده خدا، على امير مؤمنان، به مردم كوفه كه در ميان انصار پايه اى ارجمند دارند، و در عرب مقامى بلند من شما را از كار عثمان آگاه مى كنم، چنانكه شنيدن آن همچون ديدن بود: مردم بر عثمان خرده گرفتند. من يكى از مهاجران بودم بيشتر خشنودى وى را مى خواستم و كمتر سرزنشش مى نمودم، و طلحه و زبير آسانترين كارشان آن بود كه بر او بتازند، و برنجانندش و ناتوانش سازند. عايشه نيز سر برآورد و خشمى را كه از او داشت، آشكار كرد و مردمى فرصت يافتند و كار او را ساختند. پس مردم با من بيعت كردند، نه نادلخواه و نه از روى اجبار بلكه فرمانبردار و به اختيار. و بدانيد كه مدينه مردمش را از خود راند، و مردم آن در شهر نماند.

ديگ آشوب جوشان گشت، و فتنه بر پاى و خروشان. پس به سوى امير خود شتابان بپوييد و در جهاد با دشمنتان بر يكديگر پيشى جوييد ان شاء اللّه.

( . ترجمه نهج البلاغه مرحوم شهیدی، ص 271)

شرح ابن میثم

1- من كتاب له عليه السّلام لأهل الكوفة، عند مسيره من المدينة إلى البصرة

مِنْ عَبْدِ اللَّهِ عَلِيٍّ أَمِيرِ الْمُؤْمِنِينَ إِلَى أَهْلِ الْكُوفَةِ- جَبْهَةِ الْأَنْصَارِ وَ سَنَامِ الْعَرَبِ- أَمَّا بَعْدُ فَإِنِّي أُخْبِرُكُمْ عَنْ أَمْرِ عُثْمَانَ- حَتَّى يَكُونَ سَمْعُهُ كَعِيَانِهِ- إِنَّ النَّاسَ طَعَنُوا عَلَيْهِ- فَكُنْتُ رَجُلًا مِنَ الْمُهَاجِرِينَ أُكْثِرُ اسْتِعْتَابَهُ- وَ أُقِلُّ عِتَابَهُ- وَ كَانَ طَلْحَةُ وَ الزُّبَيْرُ أَهْوَنُ سَيْرِهِمَا فِيهِ الْوَجِيفُ- وَ أَرْفَقُ حِدَائِهِمَا الْعَنِيفُ- وَ كَانَ مِنْ عَائِشَةَ فِيهِ فَلْتَةُ غَضَبٍ- فَأُتِيحَ لَهُ قَوْمٌ فَقَتَلُوهُ- وَ بَايَعَنِي النَّاسُ غَيْرَ مُسْتَكْرَهِينَ- وَ لَا مُجْبَرِينَ بَلْ طَائِعِينَ مُخَيَّرِينَ- وَ اعْلَمُوا أَنَّ دَارَ الْهِجْرَةِ قَدْ قَلَعَتْ بِأَهْلِهَا وَ قَلَعُوا بِهَا- وَ جَاشَتْ جَيْشَ الْمِرْجَلِ- وَ قَامَتِ الْفِتْنَةُ عَلَى الْقُطْبِ- فَأَسْرِعُوا إِلَى أَمِيرِكُمْ- وَ بَادِرُوا جِهَادَ عَدُوِّكُمْ إِنْ شَاءَ اللَّهُ

المعنى

أقول: كتب هذا الكتاب حين نزل بماء العذب متوجّها إلى البصرة و بعثه مع الحسن عليه السّلام و عمّار بن ياسر- رحمة اللّه عليه- . و عيانه: رؤيته. و الوجيف: ضرب من السير فيه سرعة و اضطراب. و العنف: ضدّ الرفق، و الفلتة: البغتة من غير تروّ. و اتيح: قدّر. و قلع المنزل بأهله: إذا نبابهم فلم يصلح لاستيطانهم، و قلعوا به: إذا لم يستقرّوا فيه و لم يثبتوا. و جاشت القدر: غلت. و المرجل: القدر من نحاس. و أعلم أنّه صدّر الفصل بمدحهم جذبا لهم إلى ما يريد هم له من نصرته على أهل البصرة، و استعار لهم لفظ الجبهة باعتبار أنّهم بالنسبة إلى الأنصار كالجبهة بالنسبة إلى الوجه في العزّة و الشرف و العلوّ، و كذلك استعار لفظ السنام باعتبار علوّهم و شرفهم في العرب بالإسلام و القوّة في الدين كشرف السنام و علوّه في الجمل. و قال قطب الدين الراوندىّ: المراد بجبهة الأنصار جماعتهم، و سنام العرب نجدهم و من ارتفع منهم حقيقة في الموضعين. و المعنى قريب ممّا قلناه إلّا أنّ اللفظين ليسا حقيقة لأنّ من علامات الحقيقه السبق إلى الفهم و لا واحد من المعنيين المذكورين يسبق من هذين اللفظين إلى الفهم. ثمّ ثنىّ بذكر الشبهة الّتي جعلها أصحاب الجمل و أهل الشام و من أراد الفساد في الأرض حجّة له حتّى كانت مبدءا لكلّ فتنة نشأت في الإسلام و هي شبهة قتل عثمان مع الجواب عنها، و هو قوله: أمّا بعد. إلى قوله: عيانه. و أمر عثمان شأنه و حاله الّتي جرت له. و قوله: حتّى يكون سمعه كعيانه. كناية عن تمام إيضاح ذلك الأمر لمن لم يشهده من أهل الكوفة.

و قوله: إنّ الناس طعنوا عليه. إشارة إلى مبدء قتله و هو طعن الناس عليه بالأحداث الّتي نقموها منه. يقال: طعن فيه بالقول و طعن عليه إذا ذكر له عيبا. و قد ذكرنا تلك المطاعن، و هذا القول كالمقدّمة للجواب عن نسبته إلى قتله، و كذلك قوله: فكنت رجلا. إلى قوله: عتابه. كصغرى قياس ضمير من الشكل الأوّل مبيّن فيه أنّه أبرء الناس من دم عثمان. و معنى قوله: اكثر استعتابه: أى اكثر طلب العتبى منه و الرجوع إلى ما يرضى به القوم منه، و اقلّ عتابه: أى ذكر ما أجده منه. قال الخليل: العتاب مخاطبة الإدلال و مذاكرة الموجدة. إنّما كان يقلّ عتابه لأنّه عليه السّلام كان يخاطبه فيما هو أهمّ من ذلك و هو إرضاؤه للقوم و استعتابه لهم ليدفعوا عنه و يطفئوا نار الفتنة، أو لأنّ حوله جماعة كمروان و غيره فكان عليه السّلام إذا عاتبه وصفا ما بينهما كدّرته تلك الجماعة. و قيل: أراد أنّى كنت اكثر طلب رضاه و اقلّ لائمته. و تقدير كبرى القياس: و كلّ من كان من المهاجرين بالصفة المذكورة معه فهو أبرء الناس من دمه و أقواهم عذرا في البعد عن قتله. و قوله: و كان طلحة و الزبير. إلى قوله: غضب. كصغرى قياس ضمير أيضا من الاولى ألزم فيه القوم السائرين إلى حربه و هم طلحة و الزبير و عايشه غير ما نسبوه إليه من الدخول في دم عثمان، و كنّى بقوله: أهون سيرهما فيه الوجيف. إلى قوله: العنيف. عن قوّة سعيهما في قتله و شدّة تلبّسهما بذلك و قد ذكرنا طرفا من حال طلحة معه و جمعه للناس في داره و منعه من ذويه، و روى أنّ عثمان قال و هو محصور: و يلي على ابن الحضرميّة يعني طلحة أعطيته كذا و كذا نهارا ذهبا و هو يروم دمى و يحرّض علىّ اللهمّ لا تمتّعه به و لقّه عواقب بغيه. و روى: أنّه لمّا امتنع على الّذين حصروه الدخول من باب الدار حملهم طلحة إلى دار بعض الأنصار و أصعدهم إلى سطحها و تسوّروا منها عليه. و روى: أنّ مروان قال يوم الجمل: و اللّه لا أترك ثارى من طلحة و أنا أراه و لأقتلنّه بعثمان. ثمّ رماه بسهم فقتله. و أمّا الزبير فروى أنّه كان يقول: اقتلوه فقد بدّل دينكم فقالوا له: ابنك تحامى عنه بالباب. فقال: و اللّه ما أكره أن يقتل عثمان و لو بدى بابنى. و حالهما في التحريض مشهور، و أمّا عايشه فروى أنّها كانت تقول: اقتلوا نعثلا قتل اللّه نعثلا، و أمّا الغضب الّذي وقع منها فلتة في حقّه فالسبب الظاهر فيه هو اختصاصه بمال المسلمين قرابته و بني أبيه و هو السبب العامّ في قيام الناس عليه و نفرتهم منه، و سائر الأحداث مقوّيات لذلك، و روى أنّه صعد المنبر يوما و قد غصّ المسجد بأهله فمدّت يدها من وراء ستر فيها نعلان و قميص، و قالت: هذان نعلا رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم و قميصه بعد لم تبل، و قد بدّلت دينه و غيّرت سنّته، و أغلظت له في القول فأغلظ لها. و كان ذلك القول منها من أشدّ ما حرّض الناس على قتله. و بالجملة فحال هؤلاء الثلاثة في التحريض على قتله كان أشهر من أن يحتاج إلى ذكر، و تقدير كبرى القياس: و كلّ من كان كذلك كان أولى بالدخول في دمه و أنسب إلى التحريض عليه. و قوله. فاتيح له قوم فقتلوه. يفهم منه نسبته لاجتماع الناس على قتله إلى التقدير الإلهي لينصرف أذهان السامعين بهذه النسبة الصادقة عن نسبة ذلك إليه عليه السّلام. و أفاد القطب الراوندى أنّه عليه السّلام إنّما بنى الفعل للمفعول و لم يقل: أتاح اللّه له أو أتاح الشيطان.

ليرضى بذلك الفريقان. و قوله. و بايعنى. إلى قوله: مخيّرين. صغرى قياس ضمير بيّن فيه خروج أصحاب الجمل عن طاعة اللّه و دخولهم في رذيلة الغدر و نكث العهد المستلزم لدخولهم في عموم قوله تعالى وَ الَّذِينَ يَنْقُضُونَ عَهْدَ اللَّهِ مِنْ بَعْدِ مِيثاقِهِ وَ يَقْطَعُونَ ما أَمَرَ اللَّهُ بِهِ أَنْ يُوصَلَ وَ يُفْسِدُونَ فِي الْأَرْضِ«» الآية، و قوله فَمَنْ نَكَثَ فَإِنَّما يَنْكُثُ عَلى نَفْسِهِ«» الآية. و تقدير الكبرى: و كلّ من بايعه الناس طائعين مخيّرين فلا يجوز لهم أن ينكثوا بيعته و يحاربوه للآيتين المذكورتين. و في نسخه الرضى- رحمه اللّه- مستكرهين بكسر الراء بمعنى كارهين يقال استكرهت الشي ء أى كرهته.

و قوله: و اعلموا. إلى قوله: المرجل. إعلام لأهل الكوفة باضطراب حال المدينة و أهلها حين علموا بمسير القوم إلى البصرة للفتنة و غرض ذلك الإعلام أن يهتمّوا همّة إخوانهم المؤمنين. و قيل: يحتمل أن يريد بدار الهجرة دار الإسلام و بلادها، و كنّى بقلعها بأهلها و قلعهم بها عن اضطراب امورهم بها و عدم استقرار قلوبهم من ثوران هذه الفتنة، و استعار لفظ الجيش ملاحظة لشبهها بالقدر في حال غليانها فإنّ اضطراب الناس و حركاتهم من هذه الفتنة يشبه ذلك، و كذلك نبّههم بذكر الفتنة و الحرب و قيامهما على القطب ليستعدّوا لها و ينفروا إليها. و لذلك أردفه بالأمر بسرعة المسير إلى أميرهم يعني نفسه و أن يبادروا جهاد عدوّهم، و ذكر لفظ القطب و قيامها عليه تنبيها به على المقصود. و علمت أنّ وجه استعارة الرحى للحرب هو مشابهتها في دورانها على من تدور عليه كما يشتمل دوران الرحى على الحبّ و تطحنه. و باللّه التوفيق.

( . شرح نهج البلاغه ابن میثم، ج4، ص 337-341)

ترجمه شرح ابن میثم

1- نامه امام (ع) به اهل كوفه هنگام سفر از مدينه به طرف بصره:

مِنْ عَبْدِ اللَّهِ عَلِيٍّ أَمِيرِ الْمُؤْمِنِينَ إِلَى أَهْلِ الْكُوفَةِ- جَبْهَةِ الْأَنْصَارِ وَ سَنَامِ الْعَرَبِ- أَمَّا بَعْدُ فَإِنِّي أُخْبِرُكُمْ عَنْ أَمْرِ عُثْمَانَ- حَتَّى يَكُونَ سَمْعُهُ كَعِيَانِهِ- إِنَّ النَّاسَ طَعَنُوا عَلَيْهِ- فَكُنْتُ رَجُلًا مِنَ الْمُهَاجِرِينَ أُكْثِرُ اسْتِعْتَابَهُ- وَ أُقِلُّ عِتَابَهُ- وَ كَانَ طَلْحَةُ وَ الزُّبَيْرُ أَهْوَنُ سَيْرِهِمَا فِيهِ الْوَجِيفُ- وَ أَرْفَقُ حِدَائِهِمَا الْعَنِيفُ- وَ كَانَ مِنْ عَائِشَةَ فِيهِ فَلْتَةُ غَضَبٍ- فَأُتِيحَ لَهُ قَوْمٌ فَقَتَلُوهُ- وَ بَايَعَنِي النَّاسُ غَيْرَ مُسْتَكْرَهِينَ- وَ لَا مُجْبَرِينَ بَلْ طَائِعِينَ مُخَيَّرِينَ- وَ اعْلَمُوا أَنَّ دَارَ الْهِجْرَةِ قَدْ قَلَعَتْ بِأَهْلِهَا وَ قَلَعُوا بِهَا- وَ جَاشَتْ جَيْشَ الْمِرْجَلِ- وَ قَامَتِ الْفِتْنَةُ عَلَى الْقُطْبِ- فَأَسْرِعُوا إِلَى أَمِيرِكُمْ- وَ بَادِرُوا جِهَادَ عَدُوِّكُمْ إِنْ شَاءَ اللَّهُ

لغات

وجيف: نوعى راه رفتن كه در آن شتاب و اضطراب وجود دارد.

عيانه: ديدن آن.

عنف: ضدّ نرمى و مدارا فلتة: ناگهانى، و بدون فكر و انديشه قلع النزل باهله: آب و هواى خانه به ساكنانش نساخت، و باعث تنفر طبع آنان شد، پس براى جاى دادن آنان در خود صلاحيت نداشت.

اتيح: قدرت و توانايى بر او پيدا شد قلعوا به: اهلش در آن استقرار نيافتند و ثبات نگرفتند جاشت القدر: ديگ به جوش آمد مرجل: ديگ مسى

ترجمه

«از بنده خدا على (ع) فرمانرواى مؤمنان به مردم كوفه يارى كنندگان بزرگوار و مهتران عرب، پس از حمد خدا و درود بر پيامبر اكرم من اكنون آن چنان شما را از امر عثمان آگاه مى كنم تا ببينيد آنچه را كه در باره وى مى شنويد: مردم، موقعى عثمان را مورد طعن و سرزنش قرار داده بودند كه من از مهاجران بودم و بسيار خواستار خوشنودى جامعه از او بودم و كمتر وى را سرزنش مى كردم، اما طلحه و زبير، آسانترين رفتارشان در باره او، تندروى و آهسته ترين آوازشان بسيار رنج آور بود، و عايشه نيز بطور بى سابقه بر او خشم گرفت، بنا بر اين گروهى بر او شوريدند و وى را به قتل رساندند، سپس بدون اكراه و اجبار بلكه با ميل و اختيار با من بيعت كردند. بهوش باشيد كه سراى هجرت از اهلش خالى و اهلش از آن دور شده اند، و مانند جوشيدن ديك به جوش و خروش آمده و آشوب بر مدار تباهكارى خود قرار گرفته است، پس به سوى فرمانرواى خود بشتابيد و براى جنگ با دشمنان بكوشيد، ان شاء اللَّه.»

شرح

اين نامه را حضرت در وقتى نوشت كه بر سرچشمه آب گوارايى در بين راه بصره فرود آمده بود، و همراه فرزندش امام حسن و عمّار ياسر آن را ارسال فرمود، رحمت خدا بر او باد.

امام (ع) در آغاز سخنان خود اهل كوفه را ستوده است تا ايشان را به منظور جنگ با اهل بصره، به يارى خود وادار كند، آنان را بطور استعاره جبهه انصار خوانده تا خاطر نشان كند كه آنها در عزت و شرافت و برترى و بزرگوارى نسبت به بقيه انصار مانند پيشانى نسبت به بقيه صورت مى باشند، و نيز واژه سنام را براى آنان استعاره آورده است تا بفهماند، همچنان كه كوهان شتر در بلندى قرار دارد و مايه شرافت تمام بدن وى مى باشد مردم كوفه نيز در ميان عرب برترى و شرافتشان به اسلام بيشتر و قوتشان در دين زيادتر است.

مرحوم قطب الدين راوندى گفته است، جبهه انصار يعنى جمعيت آنان، و سنام العرب يعنى علوّ و برترى آنان و كسانى از آنها كه بلندى و رفعت حقيقى را به دست آورده اند، اين معنا با آنچه كه در بالا ذكر كرديم نزديك به هم است، جز اين كه معناى حقيقى اين دو لفظ نيست، زيرا يكى از علامتهاى معناى حقيقى آن است كه متبادر به ذهن باشد و حال آن كه اين دو معنا متبادر نيست.

اما بعد... عيانه،

در اين جا، امام شبهه قتل عثمان را كه اصحاب جمل و اهل شام و بطور كلى، كسانى كه مى خواهند فساد به وجود آورند، بر سر زبانها انداخته بودند، و حتى مايه تمام آشوبها در اسلام قرار گرفته بود، ذكر كرده و پاسخ آن را نيز داده است:

حتى يكون سمعه كعيانه،

اين جمله كنايه از آن است كه مطلب را براى آنان كه آن زمان را درك نكرده بودند بطور كامل روشن و مو شكافى فرموده است.

ان النّاس طعنوا عليه،

اشاره به علت قتل عثمان فرموده است كه مردم به علت بدعتهايى كه انجام داده بود او را مورد سرزنش قرار دادند و از او انتقام گرفتند و ما در گذشته بسيارى از خلافها را كه عثمان انجام داده بود و مردم بر او عيب مى گرفتند، ذكر كرديم، در حقيقت اين گفتار، مانند مقدمه اى است براى پاسخ از آنان كه قتل عثمان را نسبت به وى داده اند، و نيز سخن حضرت: فكنت رجلا... عتابه، مانند مقدّمه اول و صغراى قياس مضمر از شكل اول مى باشد و استدلال مى كند بر آن كه او از همه مردم در مورد قتل عثمان بى گناهتر است.

معناى اين گفتار امام اكثر استعتابه، آن است كه بسيار از او خواستم كه به خود آيد و برگردد به سوى آنچه كه مورد رضايت مردم است و اقلّ عتابه، كمتر چيزهايى را كه از او مى ديدم برويش مى آوردم. خليل مى گويد: عتاب آن است كه طرف را از روى جرأت و فخر فروشى مورد خطاب قرار دهى، و خلاف موجود را گوشزدش كنى. امام كمتر به سرزنش او مى پرداخت بلكه در امور مهمتر از آن او را مورد خطاب قرار مى داد و از او مى خواست كه رضايت مردم را جلب كند تا از وى دفاع كنند و آتش آشوب را خاموش سازند، و يا اين كه جماعتى مثل مروان و غير او دور عثمان را گرفته بودند كه هر گاه حضرت از روى دوستى و صميميّت مطلبى را به او مى گفت اطرافيان به غرض حمل مى كردند و او را نسبت به امام (ع) مكدّر مى ساختند، احتمال سوم در معناى عبارت: من بيشتر رضايت او را جلب مى كردم و سرزنش كننده او را از اين عمل باز مى داشتم، و تقدير كبراى قياس اين است: هر كس از مهاجران، با عثمان چنين باشد، در مورد خون او، بى تقصيرترين مردم و معذورترين آنان، در دورى از قتل وى خواهد بود.

و كان طلحة و الزبير... غضب،

اين جمله نيز نخستين مقدمه از قياس مضمرى است كه حضرت به منظور تبرئه خود، از خون عثمان كه دشمنانش از قبيل طلحه، زبير و عايشه و جز آنان، بر او بسته بودند، به آن استدلال فرموده است. و با اين بيان كه آسانترين رفتارشان تندى و آهسته ترين آوازشان رنج آور بود، كنايه از آن است كه اين دو نفر در فراهم كردن قتل عثمان بسيار سعى و كوشش داشتند و دست اندر كار آن بودند، و مادر خطبه هاى قبل مقدارى از شرح حال طلحه را با عثمان بيان كرديم كه مردم را عليه وى شورانيد و يارانش را از يارى او باز داشت و روايت شده است كه عثمان موقعى كه در محاصره بود مى گفت: واى بر من از پسر حضرميّه يعنى طلحه، ديروز چقدر به او دينارهاى طلا بخشيدم ولى او، امروز مى خواهد خون مرا بريزد و مردم را عليه من تحريك مى كند، خدايا او را به مقصودش مرسان و سزاى ستمگريش را بر او وارد كن، و نقل شده است كه وقتى عثمان مهاجمان را مانع شد و نگذاشت از در خانه اش وارد شوند، طلحه آنها را از در خانه يكى از انصار هدايت كرد و از آن جا آنان را به پشت بام برد و توانستند خانه عثمان را در محاصره قرار دهند، و نيز نقل شده است كه مروان در جنگ جمل گفت: به خدا سوگند از طلحه در باره خون عثمان انتقام خواهم گرفت و هر گاه او را ببينم به قتلش مى رسانم و بالاخره روزى تيرى رها كرد و، وى را كشت، و در باره زبير نيز نقل شده است كه پيوسته مى گفت: بكشيد عثمان را كه دينتان را دگرگون كرده است، بعضى به او گفتند: پسرت كه دم در، از او حمايت مى كند گفت به خدا قسم راضيم كه عثمان كشته شود اگر چه پسرم پيشمرگ او شود، خلاصه اين كه حال اين دو نفر در وادار كردن مردم به قتل عثمان چيزى است كه جملگى برآنند اما از عايشه نقل شده است كه دمادم مى گفت نعثل«» را بكشيد خدا نعثل را بكشد، و اما خشمى كه عايشه بطور بى سابقه نسبت به عثمان پيدا كرد، دليل ظاهرش آن است كه وى اموال مسلمانان را در اختيار بنى اميه و خويشان نزديك خود قرار داده بود، كه ساير مردم را نيز، همين امر بر او بدبين كرد، و عليه او برخاستند، و بدعتهاى ديگر هم، اين مطلب را كمك مى كرد، روايت شده است، كه روزى عثمان بر منبر بالا رفته بود، در حالى كه جمعيت فراوان در مسجد نشسته بودند، عايشه از پشت پرده با دست خود يك جفت نعلين و پيراهنى را نشان داد و گفت: اينها كفشها و پيراهن رسول خداست كه هنوز كهنه نشده اما دين او را عوض كرده و سنت وى را تغيير داده اى و سخنان تند و درشتى به او گفت، عثمان نيز پاسخ وى را همچنان با درشتى داد، و اين عمل و گفتار عايشه، از مهمترين عللى بود كه مردم را به قتل عثمان واداشت، اجمالا وادار ساختن اين سه شخصيت مردم را به كشتن عثمان آن چنان مشهور است كه نيازى به توضيح ندارد.

گفتيم جمله صدر مطلب نخستين مقدمه قياس است، و اكنون مقدمه دوم يعنى كبراى قياس چنين فرض مى شود: هر كس چنين باشد و حالتى مثل اين سه نفر داشته باشد به داخل شدن در قتل عثمان و وادار كردن مردم بر آن سزاوارتر است.

فاتيح له قوم فقتلوه، از اين عبارت چنان برمى آيد كه حضرت اجتماع مردم بر كشتن عثمان را به مقدرات الهى نسبت مى دهد تا به اين دليل ذهنهاى مردم را از نسبت دادن آن به خودش منصرف سازد، و قطب راوندى در شرح خود گفته است اين كه امام جمله را به صورت مجهول آورده و آن را نسبت به خدا، يا شيطان نداده به اين دليل بوده است كه دو گروه را، راضى و خشنود كند.

و بايعنى... مخيرين،

اين جمله مقدمه اول قياس مضمرى است كه در آن استدلال شده بر آن كه اصحاب جمل از بندگى خدا خارج شده و به مكر و فريب گراييدند و پيمان شكنى كردند و در امرى داخل شدند كه خداوند مى فرمايد: «وَ الَّذِينَ يَنْقُضُونَ عَهْدَ اللَّهِ مِنْ بَعْدِ مِيثاقِهِ وَ يَقْطَعُونَ ما أَمَرَ اللَّهُ بِهِ أَنْ يُوصَلَ وَ يُفْسِدُونَ فِي الْأَرْضِ«»» و نيز مى فرمايد: «فَمَنْ نَكَثَ فَإِنَّما يَنْكُثُ عَلى نَفْسِهِ«»» و تقدير كبراى استدلال اين مى شود كه مردم با هر كس از روى ميل و اختيار بيعت كردند، روا نيست بيعت او را نقض كنند و با او از در جنگ در آيند به دليل اين دو آيه كه ذكر شد.

در نسخه مرحوم رضى عبارت امام مستكرهين به كسر «را» آمده است يعنى ناخوش دارندگان، وقتى مى گوييم استكرهت الشيئى، يعنى آن را خوش نداشتم.

و اعلموا... المرجل،

امام (ع) در اين سخن اهل كوفه را آگاه مى كند كه مردم مدينه، از اين كه شما براى آشوب و جنگ با من آمده ايد، پريشان حال و نگرانند، و مى خواهد بگويد كه همچون برادران با ايمان خود به امامشان بپيوندند، احتمال مى رود كه منظور از دار الهجره، سرزمينهاى اسلامى باشد، و واژه قلع كنايه از اين باشد كه مردم تمام سرزمينهاى اسلامى از اين آشوبگرى در اضطرابند و دلهايشان از گسترش يافتن آن مشوش مى باشد، و دلهاى مردم را به سبب ناراحتى و جنب و جوش در اين فتنه، تشبيه به ديگ در حال جوش كرده و از اين رو، واژه جيش را كه به معناى غليان است براى آن استعاره آورده است، و با ذكر آشوب و جنگ و اين كه فتنه بر مدار خود قرار گرفته است مردم را براى مبارزه عليه آن كوچ داده و از اين رو دستور مى دهد كه به سوى فرمانروايشان كه خود حضرت است بشتابند و براى جهاد با دشمن شتاب كنند، و پيش از اين دانستى كه وجه استعاره سنگ آسياب براى جنگ، آن است كه جنگ در گردش خود اهلش را مى چرخاند و نابود مى كند، چنان كه سنگ آسياب دانه را مى گرداند و آرد مى كند. توفيق از خداست.

( . ترجمه شرح نهج البلاغه ابن میثم، ج4، ص 573-579)

شرح مرحوم مغنیه

الرسالة - 1- الى أهل الكوفة:

من عبد اللّه عليّ أمير المؤمنين إلى أهل الكوفة جبهة الأنصار، و سنام العرب. أمّا بعد فإنّي أخبركم عن أمر عثمان حتّى يكون سمعه كعيانه. إنّ النّاس طعنوا عليه، فكنت رجلا من المهاجرين أكثر استعتابه و أقلّ عتابه، و كان طلحة و الزّبير أهون سيرهما فيه الوجيف، و أرفق حدائهما العنيف، و كان من عائشة فيه فلتة غضب فأتيح له قوم فقتلوه، و بايعني النّاس غير مستكرهين و لا مجبرين بل طائعين مخيّرين. و اعلموا أنّ دار الهجرة قد قلعت بأهلها و قلعوا بها، و جاشت جيش المرجل و قامت الفتنة على القطب، فأسرعوا إلى أميركم و بادروا جهاد عدوّكم إن شاء اللّه.

اللغة:

جبهة الأنصار: جماعتهم، و المراد بالأنصار هنا الأعوان، لا الصحابة الأنصار.

و المراد بالسنام الرفعة. و استعتابه: استرضاؤه. و الوجيف: العدو بسرعة.

و الفلتة: الهفوة و البغتة. و أتيح له: قدّر له. و دار الهجرة: المدينة. و قلعت بهم الدار: أخرجتهم. و قلعوا بها: خرجوا منها. و جاشت: غلت. و المرجل: القدر. و القطب: الذي عليه المدار.

الإعراب:

من عبد اللّه متعلق بمحذوف خبرا لمبتدأ محذوف، أي: هذه الرسالة كائنة أو تأتيكم من عبد اللّه، و الرسالة عطف بيان من هذه. كعيانه الكاف بمعنى مثل خبر يكون، و أهون مبتدأ، و الوجيف خبر، و الجملة خبر كان.

المعنى:

خرج الإمام (ع) من المدينة لحرب الناكثين و القاسطين بعد أربعة أشهر من خلافته، و لما انتهى الى الزّبدة- مكان بين مكة و الكوفة- كتب الى أهلها هذه الرسالة ، و كان أبو موسى الأشعري و اليها، و شريح الكندي قاضيها من قبل عثمان، فثبط الأشعري الناس، و حثهم شريح على المسير مع الإمام، و قال من جملة ما قال: «و اللّه لو لم يستنصر بنا لنصرناه سمعا و طاعة». و في تاريخ ابن الأثير حوادث سنة 36: «ان عدد الذين استجابوا للإمام من أهل الكوفة اثنا عشر ألف رجل و رجل». و نقل ابن الأثير عن أبي الطفيل انه قال: «سمعت عليا يقول: يأتيكم من أهل الكوفة اثنا عشر ألف رجل و رجل، فأحصيتهم، فما زادوا رجلا، و لا نقصوا رجلا». و أيضا نقل هذا بالحرف عبد الكريم الخطيب في كتابه: «علي بن أبي طالب» عن الطبري ج 5 ص 199.

(إن الناس طعنوا عليه إلخ).. أي على عثمان، و ذكرنا طرفا من هذه المطاعن في شرح الخطبة 3، و نعطف على ما سبق هذه الحكاية رواها ابن الأثير في حوادث سنة 35، و استغرقت أكثر من صفحتين بالقطع الكبير، و ملخصها ان عثمان حين أيقن بالقتل ذهب الى بيت الإمام و قال له: يا ابن عم، قد جاء من القوم ما ترى، و لك عندهم قدر، فردهم عني. فقال الإمام: و على أي شي ء أردهم عنك. قال: على ان أعمل بما تشير. قال الإمام: كلّمتك المرة بعد المرة، و تعد و ترجع و تعمل برأي مروان و غيره. قال عثمان: أنا أعصيهم و أطيعك. فركب علي و معه ثلاثون من المهاجرين و الأنصار، و ردوا الناس عن عثمان. و لكن سرعان ما جاء مروان و أصحابه و أفسدوا ما أصلح الإمام، فغضبت نائلة زوجة عثمان و أسمعت مروان ما يكره، فردّ عليها بما هو آلم و أوجع.

(و كان طلحة و الزبير إلخ).. نقل الشيخ محمد عبده في تعليقه على هذه الجملة: «إن أم المؤمنين عائشة أخرجت نعلي رسول اللّه (ص) و قميصه من تحت ستارها، و عثمان يخطب على المنبر، و قالت له: هذان نعلا رسول اللّه و قميصه لم تبل، و لقد بدلت من دينه، و غيّرت من سنّته. و جرى بينهما كلام المخاشنة.

فقالت عائشة: اقتلوا نعثلا. تشبهه برجل معروف، «فأتيح له أي قدر له قوم فقتلوه» أي ان القوم استجابوا بقصد أو غير قصد لأمر أم المؤمنين بقتل عثمان.

و تقدم الكلام عما كان منها و من طلحة و الزبير ضد عثمان في شرح الخطبة 22 و 135.

(و بايعني الناس غير مستكرهين إلخ).. تقدم مع الشرح في الخطبة 3 و الخطبة 90 (و اعلموا ان دار الهجرة إلخ).. خرج الإمام من المدينة متوجها الى العراق، و معه الكثير من أهل المدينة، و فيهم العديد من المهاجرين و الأنصار (و قامت الفتنة) التي أثارها الزبير و طلحة و أم المؤمنين (على القطب) أي بلغت الفتنة أشدها.

و من المفيد أن نشير هنا الى ما قاله ابن أبي الحديد في شرح هذه الخطبة، و يتلخص بأن أصحابه المعتزلة حكموا بهلاك أهل الجمل بكاملهم إلا من تاب، و ان عائشة تابت و اعترفت للإمام بخطئها، و سألته المعذرة، و انها قالت: ليتني مت قبل الجمل، و وددت ان لي من رسول اللّه عشرة بنين ثكلتهم كلهم، و لم يكن الجمل. أما الزبير فقد رجع عن الحرب تائبا، و اما طلحة فإنه قبل أن تخرج الروح منه مر به فارس، فقال له طلحة: من أي الفريقين أنت قال من أصحاب علي أمير المؤمنين. فقال له طلحة: امدد يدك أبايعك لعلي أمير المؤمنين، فمدها و بايعه.

و نحن لا نناقش هذه الرواية، لأنها اعتراف صريح بالخطأ، و أيضا لا نناقش هذه التوبة و نردها بقوله تعالى:«وَ لَيْسَتِ التَّوْبَةُ لِلَّذِينَ يَعْمَلُونَ السَّيِّئاتِ حَتَّى إِذا حَضَرَ أَحَدَهُمُ الْمَوْتُ قالَ إِنِّي تُبْتُ الْآنَ- 18 النساء». لا نرد و لا نناقش بعد الاعتراف بالخطأ.

( . فی ضلال نهج البلاغه، ج3، ص 375-378)

شرح منهاج البراعة خویی

من كتاب له عليه السّلام إلى أهل الكوفة عند مسيره اليهم من المدينة الى البصرة و هو الكتاب الأول من المختار من كتبه عليه السّلام.

من عبد اللّه علىّ أمير المؤمنين إلى الكوفة جبهة الأنصار و سنام العرب أمّا بعد فإنّي أخبركم عن أمر عثمان حتّى يكون سمعه كعيانه: إنّ النّاس طعنوا عليه فكنت رجلا من المهاجرين أكثر استعتابه و أقلّ عتابه و كان طلحة و الزّبير أهون سيرهما فيه الوجيف، و أرفق حدائهما العنيف، و كان من عائشة فيه فلتة غضب فاتيح له قوم فقتلوه، و بايعني النّاس غير مستكرهين و لا مجبرين، بل طائعين مخيّرين. و اعلموا أنّ دار الهجرة قد قلعت بأهلها و قلعوا بها، و جاشت جيش المرجل و قامت الفتنة على القطب، فأسرعوا إلى أميركم و بادروا جهاد عدوّكم إنشاء اللّه.

اللغة

قول الرضي رضوان اللّه عليه: عهوده إلى عمّاله يقال: عهد إلى فلان أوصاه و شرط عليه، قال الجوهري في الصحاح: العهد: الأمان، و اليمين، و الموثق، و الذمة، و الحفاظ، و الوصيّة و قد عهدت إليه أى أوصيته و منه اشتق العهد الّذي يكتب للولاة. و في المنجد: العهد ما يكتبه وليّ الأمر للولاة يأمرهم فيه باجراء العدالة و كان يعرف بالفرمان و الجمع عهود. و الوصايا جمع الوصية كغنية بمعنى النصيحة و يقال بالفارسية: اندرز، و هو اسم من الإيصاء: و بمعنى ما يعهده الإنسان بعد وفاته من وصى يصى إذا وصل الشي ء بغيره لأن الموصي يوصل تصرفه بعد الموت بما قبله و الأخير هو المقرر في كتب الفقه و في هذا الباب يذكر وصاياه عليه السّلام على كلّ واحد من المعنيين.

قوله عليه السّلام: (جبهة) الجبهة للنّاس و غيره معروفة و هي ما بين الحاجبين إلى قصاص مقدم الرأس أى موضع السجود من الرأس و لذا سمّي المنزل العاشر من من منازل القمر جبهة لأن كواكبها الأربع كالجبهة للكواكب الموسومة بالأسد و يقال: جبهة الأسد لذلك. في الصحاح و اللّسان، الجبهة من الناس بالفتح: الجماعة يقال جاءتنا جبهة من الناس أى جماعة منهم. و على الأول يقال لأعيان النّاس و أشرافهم و سادتهم و رؤسائهم جبهة من حيث إنّ الجبهة أعلا الأعضاء و أسناها و تسميتهم بذلك كتسميتهم بالوجوه. و المراد بالأنصار ههنا الأعوان و ليس يريد بهم بنى قبيلة و الأنصار جمع نصير كشريف و أشراف لا جمع ناصر لأنّه يجمع على النّصر كصاحب و صحب.

(السنام) بفتح أوّله كالسحاب: حدبة في ظهر البعير. الجمع: أسنمة.

و يقال بالفارسية: كوهان شتر. و من حيث إن السنام أعلا أعضاء البعير يقال لأعلا كلّ شي ء سنامه قال حسّان بن ثابت:

  • و انّ سنام المجد من آل هاشمبنو بنت مخزوم و والدك العبد

و كذا يقال السنام لمعظم كلّ شي ء و منه الحديث: الجهاد سنام الدين و لذا يقال لكبير القوم و رفيعهم سنامهم كما هو المراد من قوله عليه السّلام سنام العرم. و الصواب أن يكون السنام قرينة على أن المراد بالجبهة هو معناها الأوّل. (العيان) بالكسر كالضراب مصدر عاين يقال عاينه معاينة و عيانا إذا شاهده و رآه بعينه لم يشك في رؤيته إياه. (طعن) فيه و عليه بالقول طعنا و طعنانا من بابي نصر و منع: قدحه و عابه. و هو في الأصل كما في المفردات للراغب: الضرب بالرمح و بالقرن و ما يجرى مجراهما ثمّ استعير للوقيعة قال اللّه تعالى: وَ طَعْناً فِي الدِّينِ- و طَعَنُوا فِي دِينِكُمْ.

(الاستعتاب) من الأضداد يقال استعتبه إذا أعطاه العتبى و كذا إذا طلب منه العتبى، و العتبى هى الرضا. يقال: استعتبته فأعتبني أى استرضيته فأرضاني قال اللّه تعالى: وَ إِنْ يَسْتَعْتِبُوا فَما هُمْ مِنَ الْمُعْتَبِينَ (حم: 25) فالمعنى على الوجه الثاني أني طلبت منه العتبى و الرضا بمعنى أن يرجع عمّا أحدث ممّا صار سبب سخط القوم و طعنهم عليه حتّى يرضوا عنه. و هذا هو الأنسب بالمقام أو طلبت من القوم العتبى له على ما سيتضح في الشرح إنشاء اللّه تعالى و في الكنز: استعتاب خوشنودى خواستن و آشتى خواستن و بازگشتن خواستن از بدى و غير آن.

«بحث لغوى»

في قوله عليه السّلام (اقل عتابه) لطيفة لغوية لم يتعرضها الشرّاح و المترجمون بل في تفسيره عدلوا عن الصواب و ذلك لأن كلمة اقلّ ليس بمعنى اقلّ الشي ء إذا جعله قليلا او أتى بقليل و بالجملة أن معنى اقل ليس قبال اكثر و إن جعل قباله في اللّفظ كما ذهب إليه القوم على ما هو ظاهر كلام الشارحين المعتزلي و البحراني و صريح ترجمة المولى فتح اللّه القاساني حيث قال: و كم مى گردانيدم سرزنش او را و المولى الصالح القزويني حيث قال: و كمتر وقت عتاب مى نمودم، و كذا غيرهما من المترجمين بل الصواب أنّ المراد من اقل هنا النفى أى ما عاتبت عليه و هذا اللفظ يستعمل كثيرا في نفى أصل الشي ء قال الفاضل الأديب ابن الأثير في مادة- ق ل ل- من النهاية: و في الحديث انه كان يقلّ اللغو أى لا يلغو أصلا و هذا اللفظ يستعمل في نفى أصل الشي ء كقوله تعالى: فَقَلِيلًا ما يُؤْمِنُونَ انتهى قوله.

و الشيخ الإمام أبو على أحمد بن محمّد بن الحسن المرزوقي الأصفهاني في شرحه على الاختيار المنسوب إلى أبي تمام الطائى المعروف بكتاب الحماسة (طبع القاهرة 1371 ه- 1951 م) في شرح الحماسة 13 لتأبط شرا (ص 95) قوله:

  • قليل التشكّي للمهمّ يصيبهكثير الهوى شتّى النوى و المسالك

قال: و استعمل لفظ القليل، و القصد إلى نفى الكلّ، و هذا كما يقال فلان قليل الاكتراث بوعيد فلان، و المعنى لا يكترث. و على ذلك قولهم: قلّ رجل يقول كذا، و أقلّ رجل يقول كذا، و المعنى معنى النفي، و ليس يراد به إثبات قليل من كثير.

ثمّ قال: فإن قيل: من أين ساغ أن يستعمل لفظ القليل و هو للإثبات في النفي قلت: إنّ القليل من الشي ء في الأكثر يكون في حكم ما لا يتعدّ به و لا يعرّج عليه لدخوله بخفة قدره في ملكة الفناء و الدروس و الإمّحاء، فلمّا كان كذلك استعمل لفظه في النفى على ما في ظاهره من الإثبات محترزين من الردّ و مجملين في القول، و ليكون كالتعريض الّذي أثره أبلغ و أنكى من التصريح، و قوله: «كثير الهوى» طابق القليل بقوله كثير من حيث اللّفظ لا أنّه أثبت بالأول شيئا نزرا فقابله بكثير.

و في شرح الحماسة 105 (ص 322) قول الشاعر:

  • فقلت لها لا تنكرينى فقلّ مايسود الفتى حتّى يشيب و يصلعا

قال: و قوله «قلّ ما» يفيد النفى هنا و ما تكون كافة لقلّ عن طلب الفاعل و ناقلة له عن الاسم إلى الفعل، فاذا قلت: قلّ ما يقوم زيد فكأنك قلت ما يقوم زيد، يدلّ على ذلك أنّهم قالوا: قلّ رجل يقول ذاك إلا زيد، و أجرى مجرى ما يقول ذاك إلّا زيد.

و في شرح الحماسة 165 لتأبط شرا أيضا (ص 492) قوله:

  • قليل غرار النوم أكير همّهدم الثّار أو يلقى كميّا مسفّعا

قال: فإن قيل ما معنى قليل غرار النوم و إذا كان الغرار القليل من النّوم بدلالة قولهم ما نومه إلّا غرارا فكيف جاز أن تقول: قليل غرار النّوم و أنت لا تقول هو قليل قليل النوم قلت: يجوز أن يراد بالقليل النفى لا إثبات شي ء منه و المعنى: لا ينام الغرار فكيف ما فوقه و في شرح الحماسة 271 لدريد بن الصّمة (ص 819) قوله:

  • التشكّي للمصيبات حافظمن اليوم أعقاب الأحاديث في غد

قال: يريد بقوله «قليل» نفى أنواع التشكّى كلّها عنه على هذا قوله تعالى فَقَلِيلًا ما يُؤْمِنُونَ و قولهم: قلّ رجل يقول كذا و أقلّ رجل يقول ذاك.

و المعنى أنّه لا يتألم للنوائب تنزل بساحته و المصائب تتجدد عليه في ذويه و عشيرته و أنه يحفظ من يومه ما يتعقب أفعاله من أحاديث النّاس في غده إلخ.

و في شرح الحماسة 447 لمحمّد بن أبي شحاذ (ص 1201) قوله:

  • و قلّ غناء عنك مال جمعتهإذا كان ميراثا و اراك لاحد

قال: المراد بذكر القلّة ها هنا النفى لا إثبات شي ء قليل فيقول: لا يغنى عنك مال تجمعه إذا ذهبت عنه و تركته لورثتك إلخ.

و في مفردات الراغب: و قليل يعبّر به عن النفى نحو قلّما يفعل كذا إلّا قاعدا أو قائما و ما يجرى مجراه و على ذلك حمل قوله تعالى فَقَلِيلًا ما يُؤْمِنُونَ و إنّما فسّروا قوله تعالى فَقَلِيلًا ما يُؤْمِنُونَ بنفى الايمان عنهم لأن ظاهر الاية تدلّ على ذلك قال تعالى: أَ فَكُلَّما جاءَكُمْ رَسُولٌ بِما لا تَهْوى أَنْفُسُكُمُ اسْتَكْبَرْتُمْ فَفَرِيقاً كَذَّبْتُمْ وَ فَرِيقاً تَقْتُلُونَ. وَ قالُوا قُلُوبُنا غُلْفٌ بَلْ لَعَنَهُمُ اللَّهُ بِكُفْرِهِمْ فَقَلِيلًا ما يُؤْمِنُونَ (82 و 83 من البقرة) و إن كان يمكن أن تجعل الاية المتقدّمة عليها و هي قوله تعالى: أَ فَتُؤْمِنُونَ بِبَعْضِ الْكِتابِ وَ تَكْفُرُونَ بِبَعْضٍ قرينة على ارادة القلّة في قبال الكثرة فيها أو يؤوّل بوجوه اخرى على استفادة ذلك المعنى كما ذكر في التفاسير و لكن إفادة القليل معنى النفى في كلام العرب كثير، ففي مجمع البيان في تفسير هذه الاية قال: و الذي يليق بمذهبنا أن يكون المراد به لا إيمان لهم أصلا و إنما وصفهم بالقليل كما يقال قلّ ما رأيت هذا قطّ أى ما رأيت هذا قطّ.

و إنما اخترنا النفى من قوله عليه السّلام اقل عتابه، و أعرضنا عن حمله على ظاهره لدقيقة نأتي بها في الشرح.

و ليعلم أن هذه اللّفظة قد يستعمل في الكثرة على ما صرّح به المرزوقي في شرح الحماسة أيضا حيث قال: و قالوا أيضا أقلّ رجل يقول ذلك إلّا زيد و أنّهم أجروا خلافه مجراه فيقول: كثر ما يقول زيد و على ذلك هذا البيت.

  • صددت فأطولت الصدود و قلّماوصال على طول الصدود يدوم

انتهى (ص 322 شرح الحماسة 105). و لا يخفى أن هذا الاستعمال نزر جدّا بخلاف الأول.

و اعلم أنه يمكن أن يكون قوله عليه السّلام «اقل عتابه» من أقل فلان الشي ء إذا أطاقه و حمله و رفعه. قال تعالى: وَ هُوَ الَّذِي يُرْسِلُ الرِّياحَ بُشْراً بَيْنَ يَدَيْ رَحْمَتِهِ حَتَّى إِذا أَقَلَّتْ سَحاباً ثِقالًا سُقْناهُ لِبَلَدٍ مَيِّتٍ فَأَنْزَلْنا بِهِ الْماءَ (الأعراف: 56) أى حملت الرماح سحاباً ثقالا، و منه قوله صلّى اللّه عليه و آله في أبي ذر رضى اللّه عنه: ما أظلت الخضراء و لا أقلّت الغبراء أصدق من أبي ذر. و وجه التفسير على هذا الوجه يعلم في الشرح إن شاء اللّه تعالى.

ففي الجمع بين أقل بهذا المعنى بل بالمعنى الأوّل أيضا تحسين بديع و هو مراعاة النظير من وجوه تحسين الكلام المقرر في فنّ البديع و مراعاة النظير أن يجمع بين معنيين غير متناسبين بلفظين يكون لهما معنيان متناسبان و إن لم يكونا مقصودين ههنا نحو قوله تعالى الشَّمْسُ وَ الْقَمَرُ بِحُسْبانٍ. وَ النَّجْمُ وَ الشَّجَرُ يَسْجُدانِ و بالفارسية نحو قول الشاعر هر چه آن خسرو كند شيرين بود.

(عتاب) بالكثر مصدر ثان من باب المفاعلة كضراب يقال عاتبه عليه معاتبة و عتابا إذا لامه و واصفه الموجدة و خاطبه الإدلال. (الوجيف) وجف الشي ء بمعنى اضطرب، قال تعالى: قُلُوبٌ يَوْمَئِذٍ واجِفَةٌ و الوجيف ضرب من سير الإبل و الخيل فيه سرعة و اضطراب، أو جفت البعير: أسرعته. و في أقرب الموارد: وجف الفرس و البعير: عدا و سار العنق، و في حديث على: أهون سيرهما فيه الوجيف (حداء) بكسر أوله و ضمّه أيضا ككتاب و ذباب واوى من حدو: سوق الابل و الغناء لها. يقال حدا الابل و بالابل يحدو حدوا و حداء و حداء من باب نصر ساقها و غنّى لها فهو حاد. يقال حدت الريح السحاب أى ساقتها. (العنيف) الشديد من القول و السير. و الذي ليس له رفق بركوب الخيل. عنف به و عليه من باب كرم لم يرفق به و عامله بشدّة. (الفلتة) بالفتح، في الصحاح يقال كان ذاك الأمر فلتة أى فجأة إذا لم يكن عن تردّد و لا تدبّر. و في أقرب الموارد: حدث الأمر فلتة أى فجأة من غير تردّد و لا تدبّر حتّى كأنّه افتلت سريعا، قال: يقال: كانت بيعة أبي بكر فلتة.

(اتيح) تاح له الشي ء يتوح توحا من باب نصر و اتيح له الشي ء قدّر له و تهيّى ء و أتاح اللّه له الشي ء أى قدّره له، قاله في الصحاح. قال انيف بن حكيم النّبهاني:

  • و تحت نحور الخيل حرشف رجلةتتاح لغرّات القلوب نبالها

و هو من أبيات الحماسة (الحماسة 33 و 209) وصفهم بأن نبالهم تقدّر للقلوب الغارّة.

(مستكرهين) قال الفاضل الشارح المعتزلي: و قد ذكر أن خط الرضي رضوان اللّه عليه مستكرهين بكسر الرّاء و الفتح أحسن و أصوب و إن كان قد جاء استكرهت الشي ء بمعنى كرهته. انتهى.

أقول: الاستكراه قد جاء بمعنى الاكراه كما جاء بمعنى عدّ الشي ء و وجدانه كريها و من الأوّل حديث رفع عن امّتي الخطاء و ما استكرهوا عليه. أى ما اكرهوا عليه.

فلو قرئ المستكرهين بفتح الراء لكان بمعنى المكرهين و الإكراه و الإجبار واحد.

و قالوا في المعاجم: أكرهه على الأمر: حمله عليه قهرا، و كذا قالوا أجبره على الأمر أكرهه عليه فلو قرئ بالفتح للزم التكرار لأنه و المجبرين حينئذ بمعنى واحد فالكسر متعين كما اختاره الرضى. و المستكره بالكسر بمعنى الكاره أى ناخوش و ناپسند دارنده يقال: استكرهت الشي ء أي كرهته كما أشار إليه الفاضل الشارح، و في منتهى الأرب في لغة العرب: استكراه: بنا خواست و ستم بر كارى داشتن، و ناخوش شمردن.

و المراد بدار الهجرة مدينة الرسول صلّى اللّه عليه و آله و المنقول من الرواندي رحمه اللّه أن المراد بدار الهجرة ههنا الكوفة التي هاجر أمير المؤمنين عليّ عليه السّلام اليها.

أقول: و هذا عجيب جدّا و إنما هو من طغيان قلمه رحمه اللّه لأنّ أمير المؤمنين عليه السّلام أخبر أهل الكوفة بأنّ المدينة قد قلعت بأهلها و جاشت جيش المرجل على أنّه عليه السّلام حين كتب الكتاب إليهم كان نازلا في ذى قار بعيدا عن الكوفة و لم يصل إلى الكوفة و لم يقم فيها بعد فكيف يكتب إليهم يخبرهم عن أنفسهم و هذا ظاهر لا عائدة في الإطالة.

و قيل: يحتمل أن يريد بدار الهجرة دار الإسلام و بلادها.

أقول: و لا يخفى ضعف هذا الاحتمال و تكلّفه و سيتضح في الشرح أن المراد من المدينة مدينة الرسول صلّى اللّه عليه و آله ليست إلّا.

(قلعت بأهلها) يقال قلع المنزل بأهله إذا لم يصلح لاستيطانهم و منه قولهم كما في الصحاح، هذا منزل قلعة بالضمّ أي ليس بمستوطن.

و يمكن أن يقرأ الفعلان مجهولين و تكون الباء في الموضعين بمعنى مع فيكون آكد للمراد كما لا يخفى أو يقال: الباء زائدة للتأكيد و الفعل معلوم في كلا الموضعين كقوله تعالى: وَ كَفى بِاللَّهِ شَهِيداً لأن القلع متعد بنفسه يقال قلعه إذا انتزعه من أصله أو حوّله عن موضعه و المراد أن المدينة فارقت أهلها و أخرجتهم منه و كذا قلعوا بها أى انهم فارقوها و خرجوا منها و لم يستقروا فيه.

(المرجل): القدر اسم آلة على وزن مفعل. (بادروا) أى سارعوا أمر من المبادرة

الاعراب

يمكن أن يكون جبهة الأنصار و سنام العرب صفتين لأهل الكوفة كما يمكن أن يكونا بدلين بدل البعض من الكل أو الكلّ من الكلّ.

«إنّ النّاس طعنوا» بيان للأخبار. «من المهاجرين» ظرف مستقر منصوب محلا صفة للرجل، و يمكن أن تكون جملتا اكثر استعتابه و اقلّ عتابه صفتين له أيضا لأن الجملة نكرة، و لكن الظاهر أن الجملتين حالان لضمير كنت. لا يقال: فلم لم يأت بالواو الحالية لأنا نقول: المضارع المثبت المجرد من قد لا يقترن بالواو لأنّه يشبه اسم الفاعل في الزنة و المعنى و الواو لا تدخل اسم الفاعل و كذلك ما أشبهه و يكون قوله عليه السّلام على وزان قوله تعالى وَ لا تَمْنُنْ تَسْتَكْثِرُ فجملة تستكثر حال من فاعل تمنن المستتر فيه و لا تكون مقترنة بالواو و في الألفية لابن مالك.

  • و ذات بدء بمضارع ثبتحوت ضميرا و من الواو خلت

قال بعض: أهون سيرهما بدل من طلحة و الزبير و الوجيف خبر كان و كذا الكلام في أرفق حدائهما العنيف لأنها عطف على الأولى. قلت: الصواب أن ما ذهب إليه ذلك البعض و هم لأنّ الوجيف خبر أهون و جملة أهون سيرهما فيه الوجيف خبر كان و كذا الحكم في الجملة الثانية و ذلك لأنّ الوجيف لو كان خبر كان لصحّ حمله على الزبير و طلحة أن يقال طلحة و جيف مثلا و ليس كذلك لأن السير و جيف لما دريت أن الوجيف نوع من سير الابل، على أن فيه معايب اخرى لا تخفى على العارف بأحكام البدل و تركيب الجمل.

«من عائشة» يتعلق بفلتة قدم لسعة الظروف. و فلتة اسم كان و لم يقل كانت لأن تأنيث اسمه مجازى، و فيه خبر كان قدم على الاسم لأنّه ظرف: «فاتيح» الفاء للتسبيب لأن من قوله عليه السّلام: إنّ النّاس إلى هنا بيان مبدء سبب قتل القوم عثمان أي انّ النّاس لما طعنوا عليه و... فقدر له قوم فقتلوه على وزان قوله تعالى فَوَكَزَهُ مُوسى فَقَضى عَلَيْهِ. و الفاء في فقتلوه للترتيب الذكرى لأن أكثر وقوعه في عطف المفصل على المجمل نحو قوله تعالى: فَقَدْ سَأَلُوا مُوسى أَكْبَرَ مِنْ ذلِكَ فَقالُوا أَرِنَا اللَّهَ جَهْرَةً و المقام كذلك أيضا. و يمكن أن تكون للتعقيب نحو قوله تعالى: أَماتَهُ فَأَقْبَرَهُ و الفاء في «فأسرعوا» فصيحة و التقدير: إذا كان الأمر انجرّ إلى كذا فأسرعوا. اه

نقل الكتاب على صورة اخرى قد نقل ذلك الكتاب الذي كتبه عليه السّلام إلى أهل الكوفة عند مسيره إليهم من المدينة إلى البصرة على صورة اخرى قريبة مما في النهج في بعض الجمل الشّيخ الأجل المفيد قدّس سرّه في كتابه المترجم بالجمل، أو النصرة في حرب البصرة (ص 116 طبع النجف) و هذه صورته.

بسم اللّه الرحمن الرّحيم من عليّ بن أبي طالب إلى أهل الكوفة أما بعد فإنّي اخبركم من أمر عثمان حتى يكون أمره كالعيان لكم: إنّ النّاس طعنوا عليه فكنت رجلا من المهاجرين اظهر معه عتبه و أكره و أشقى به و كان طلحة و الزبير أهون سيرهما الرّجيف و قد كان من أمر عائشة و قتله ما عرفتم فلما قتله النّاس بايعاني غير مستنكرين طائعين مختارين و كان طلحة و الزبير أوّل من بايعني على ما بايعا به من كان قبلي ثمّ استأذناني في العمرة و لم يكونا يريدان العمرة فنقضا العهد و أذنا في الحرب و أخرجا عائشة من بيتها يتخذانها فتنة فسارا إلى البصرة و اخترت السير إليهم معكم و لعمرى إياى تجيبون انما تجيبون اللّه و رسوله و اللّه ما قاتلتهم و في نفسي شك و قد بعثت إليكم ولدى الحسن و عمارا و قيسا مستنفرين لكم فكونوا عند ظنّي بكم و السّلام.

أقول: و نقل الكتاب الدينوري في الإمامة و السياسة أيضا (ص 66 ج 1 طبع مصر 1377 ه)

المعنى

إنّما الحرىّ في المقام أن نذكر

الأحداث الّتي أحدثها عثمان

مما نقمها النّاس منه و طعنوا عليه و صارت سبب قتله ثمّ نتبعه علة وقوع فتنة الجمل.

أمّا أحداثه فنذكر طائفة منها ههنا عن الطبرى و المسعودى و غيرهما.

قال المسعودى في مروج الذهب

1- ذكر عبد اللّه بن عتبة أن عثمان يوم قتل كان عند خازنه من المال خمسون و مأئة ألف دينار و ألف ألف درهم

و قيمة ضياعه بوادى القرى و حنين و غيرهما مأئة ألف دينار و خلف خيلا كثيرا و إبلا

2- اقتني في أيامه جماعة من أصحابه الضياع و الدور منهم الزبير بن العوام

بنى داره بالبصرة و ابتني أيضا دورا بمصر و الكوفة و الاسكندرية و ما ذكر من دوره و ضياعه فمعلوم غير مجهول إلى هذه الغاية. و بلغ مال الزبير بعد وفاته خمسين ألف دينار و خلف الزبير ألف فرس و ألف عبد و ألف أمة و خططا بحيث ذكرنا من الأمصار

3- و كذلك طلحة بن عبيد اللّه التيمي

ابتني داره بالكوفة المعروفة بالكناس بدار الطلحتين و كانت غلته من العراق كلّ يوم ألف دينار و قيل أكثر من ذلك و بناحية سراة أكثر مما ذكرنا. و شيد داره بالمدينة و بناها بالاجر و الجصّ و الساج

4- و كذلك عبد الرّحمان بن عوف الزهري

ابتني داره و وسعها و كان على مربطه مأئة فرس و له ألف بعير و عشرة آلاف من الغنم و بلغ بعد وفاته ربع ثمن ماله أربعة و ثمانين ألفا.

5- و ابتني سعد بن أبي وقاص داره بالعقيق

فرفع سمكها و وسع فضاءها و جعل أعلاها شرفات.

6- و قد ذكر سعيد بن المسيّب أن زيد بن ثابت حين مات خلف من الذهب و الفضّة ما كان يكسر بالفئوس

غير ما خلف من الأموال و الضياع بقيمة مأئة ألف دينار.

7- و ابتنى المقداد داره بالمدينة في الموضع المعروف بالجرف على أميال من المدينة

و جعل أعلاها شرفات و جعلها مجصّصة الظاهر و الباطن.

8- و مات يعلي بن اميّة و خلف خمسمائة ألف دينار

و ديونا على النّاس و عقارات و غير ذلك من التركة ما قيمته مأئة ألف دينار.

ثمّ قال المسعودى: و هذا باب يتسع ذكره و يكثر وصفه فيمن تملك من الأموال في أيامه و لم يكن مثل ذلك في عصر عمر بن الخطاب بل كانت جادة واضحة و طريقة بيّنة و حجّ عمر فأنفق في ذهابه و مجيئه إلى المدينة ستة عشر دينارا و قال لولده عبد اللّه: لقد أسرفنا في نفقتنا في سفرنا هذا. و لقد شكا النّاس أميرهم سعد بن أبي وقاص و ذلك في سنة إحدى و عشرين فبعث عمر محمّد بن مسلمة الأنصارى حليف بني عبد الأشهل فخرق عليه باب قصر الكوفة و جمعهم في مساجد الكوفة يسألهم عنه فحمده بعضهم و ساءه بعض فعزله و بعث إلى الكوفة عمار بن ياسر على الثغر و عثمان ابن حنيف على الخراج و عبد اللّه بن مسعود على بيت المال و أمره أن يعلّم النّاس القرآن و يفقههم في الدين و فرض لهم في كلّ يوم شاة فجعل شطرها و سواقطها لعمار بن ياسر و الشطر الاخر بين عبد اللّه بن مسعود و عثمان بن حنيف فأين عمر ممن ذكرنا و أين هو عمن وصفنا و في الشافي للشريف المرتضى علم الهدى: و من ذلك أنّه كان يؤثر أهل بيته بالأموال العظيمة الّتي هي عدّة للمسلمين نحو ما روى أنّه دفع إلى أربعة أنفس من قريش زوّجهم بناته أربعمائة ألف دينار و أعطى مروان مائة ألف على فتح افريقيّة و يروى خمس إفريقية و غير ذلك و هذا بخلاف سيرة من تقدم في القسمة على النّاس بقدر الاستحقاق و ايثار الأباعد على الأقارب.

«جواب القاضى عبد الجبار في المغنى عن ذلك و اعتذاره منه»

قال- كما نقل عنه علم الهدى في الشافي- : و أمّا ما ذكروه من ايثاره أهل بيته بالأموال فقد كان عظيم اليسار كثير الأموال فلا يمتنع أن يكون إنّما أعطاهم من ماله و إذا احتمل ذلك وجب حمله على الصحة و حكى عن أبي على أنّ الّذي روي من دفعه إلى ثلاثة نفر من قريش زوّجهم بناته مأئة ألف دينار لكلّ واحد إنّما هو من ماله و لا رواية تصحّ في أنّه أعطاهم ذلك من بيت المال و لو صحّ ذلك لكان لا يمتنع أن يكون أعطى من بيت المال ليردّ عوضه من ماله لأنّ للإمام عند الحاجة أن يفعل ذلك كما له أن يقرض غيره.

قال: ثمّ حكى القاضي عن أبي عليّ أن ما روى من دفعه خمس افريقيّة لما فتحت إلى مروان ليس بمحفوظ و لا منقول على وجه يوجب قبوله و إنّما يرويه من يقصد التشنيع على عثمان. و حكي عن أبي الحسين الخيّاط أن ابن أبي سرح لمّا غزا البحر و معه مروان في الجيش ففتح اللّه عليه و غنموا غنيمة اشتر وى مروان الخمس من أبي سرح بمأة ألف و أعطاه أكثرها ثمّ قدم على عثمان بشيرا بالفتح و قد كانت قلوب المسلمين تعلقت بأمر ذلك الجيش فرأى عثمان أن يهب له ماله بقي عليه من المال و للإمام فعل ذلك ترغيبا في مثل ذلك الأمور.

قال: قال و هذا الصنيع منه كان في السنة الأولى من امامته و لم يتبرأ أحد منه فيها فلا وجه للتعلق به و ذكر فيما أعطاه لأقاربه أنّه وصلهم لحاجتهم و لا يمتنع مثله في الإمام إذا رآه صلاحا. و ذكر في اقطاعه بني اميّة القطائع ان الأئمة قد تحصل في أيديهم الضياع لا مالك لها من جهات و يعلمون أنّه لابدّ فيها ممن يقوم باصلاحها و عمارتها فيؤدّى عنها ما يجب من الحقّ و له أن يصرف ذلك إلى من يقوم به و له أيضا أن يزيد بعضا على بعض بحسب ما يعلم من الصلاح و التألف و طريق ذلك الاجتهاد.

«اعتراض الشريف علم الهدى على القاضى»

قال في الشافي: فأمّا قوله في جواب ما يسأل عنه من ايثاره أهل بيته بالأموال أنّه لا يمتنع أن يكون إنّما أعطاهم من ماله، فالرواية بخلاف ذلك و قد صرّح الرّجل أنّه كان يعطي من بيت المال صلة لرحمه و لما وقف على ذلك لم يعتذر منه بهذا الضرب من العذر و لا قال إنّ هذه العطايا من مالي و لا اعتراض لأحد فيه.

و قد روى الواقدى بإسناده عن الميسور بن عتبة أنّه قال: سمعت عثمان يقول إن أبا بكر و عمر كانا يتناولان في هذا المال ظلف أنفسهما و ذوى أرحامهما و إنّي ناولت فيه صلة رحمي.

و روى عنه أنّه كان بحضرته زياد بن عبيد اللّه الحارثي مولى الحارث بن كلدة الثقفي و قد بعث أبو موسى بمال عظيم من البصرة فجعل عثمان يقسمه بين أهله و ولده بالصحاف ففاضت عينا زياد دموعا لمّا رأى من صنيعه بالمال فقال: لا تبك فإن عمر كان يمنع أهله و ذوي أرحامه ابتغاء وجه اللّه و أنا أعطي أهلي و قرابتي ابتغاء وجه اللّه. و قد روى هذا المعنى عنه من عدّة طرق بألفاظ مختلفة.

و روى الواقدى بإسناده قال: قدمت إبل من إهل الصدقة على عثمان فوهبها للحرث بن الحكم بن أبي العاص.

أقول: كان الحرث هذا ابن عم عثمان فقد قدمنا أن الحكم بن أبي العاص كان عمّه.

قال: و روى أيضا أنّه وليّ الحكم بن أبي العاص صدقات قضاعة فبلغت ثلاثمأة ألف فوهبها له حين أتاه بها.

و روى أبو مخنف و الواقدى جميعا أنّ النّاس أنكروا على عثمان إعطائه سعيد ابن أبي العاص مأئة ألف فكلّمه عليّ عليه السّلام و الزبير و طلحة و سعد و عبد الرّحمان في ذلك فقال: إن لي قرابة و رحما، فقالوا: أما كان لأبي بكر و عمر قرابة و ذوو رحم فقال: إنّ أبا بكر و عمر كانا يحتسبان في منع قرابتهما و أنا أحتسب في عطاء قرابتي. قالوا: فهديهما و اللّه أحبّ إلينا من هديك.

و قد روى أبو مخنف انّه لمّا قدم على عثمان عبد اللّه بن خالد بن أسيد بن أبي العيص من مكة و ناس معه أمر لعبد اللّه بثلاثمأة ألف و لكلّ واحد من القوم مأئة ألف فصكّ بذلك على عبد اللّه بن الأرقم و كان خازن بيت المال فاستكثره و ردّ الصكّ به و يقال: إنّه سأل عثمان أن يكتب بذلك كتاب دين فأبى ذلك و امتنع ابن الأرقم أن يدفع المال إلى القوم، فقال له عثمان: إنّما أنت خازن لنا فما حملك على ما فعلت فقال ابن الأرقم: كنت أراني خازنا للمسلمين و إنّما خازنك غلامك و اللّه لا ألى لك بيت المال أبدا فجاء بالمفاتيح فعلّقها على المنبر و يقال: بل ألقاها إلى عثمان فدفعها عثمان إلى نائل مولاه.

و روى الواقدى: أن عثمان أمر زيد بن ثابت أن يحمل من بيت المال إلى عبد اللّه بن الأرقم في عقيب هذا الفعل ثلاثمأة ألف درهم فلمّا دخل بها عليه قال له: يا با محمّد إنّ أمير المؤمنين أرسل إليك يقول إنا قد شغلناك عن التجارة و لك ذو رحم ذات حاجة ففرّق هذا المال فيهم و استعن به على عيالك، فقال عبد اللّه بن الأرقم: ما لي إليه حاجة و ما عملت لأن يثيبني عثمان و اللّه لئن كان هذا من مال المسلمين ما بلغ قدر عملي أن اعطي ثلاثمأة ألف درهم، و لئن كان من مال عثمان ما أحبّ أن أزراه من ماله شيئا و ما في هذه الأمور أوضح من أن يشار إليه و ينبّه عليه.

و أمّا قوله «لو صحّ أنّه أعطاهم من بيت المال لجاز أن يكون ذلك على طريق القرض» فليس بشي ء لأن الروايات أوّلا يخالف ما ذكروه و قد كان يحبّ «يجب ظ» لما نقم عليه وجوه الصحابة إعطاء أقاربه من بيت المال أن يقول لهم: هذا على سبيل القرض و أنا أردّ عوضه و لا يقول ما تقدم ذكره من أنني أصل به رحمي.

على أنّه ليس للإمام أن يقترض من بيت المال إلّا ما ينصرف في مصلحة للمسلمين مهمة يعود عليهم نفعها أو في سدّ خلّة و فاقة لا يتمكّنون من القيام بالأمر معها فأمّا أن يقترض المال لينتدح و يمرح فيه مترفي بني اميّة و فسّاقهم فلا أحد يجيز ذلك.

فأمّا قوله حاكيا عن أبي عليّ «أن دفعه خمس أفريقيّة إلى مروان ليس بمحفوظ و لا منقول» فتعلل منه بالباطل لأنّ العلم بذلك يجري مجري الضروري و مجري ما تقدّم بسائره، و من قرأ الأخبار علم ذلك على وجه لا يتعرض فيه شكّ كما يعلم نظائره.

و قد روى الواقدى عن اسامة بن زيد عن نافع مولى الزبير عن عبد اللّه بن الزبير قال: أغزانا عثمان سنة سبع و عشرين افريقيّة فأصاب عبد اللّه بن سعد بن أبي سرح غنائم جليلة فأعطى عثمان مروان بن الحكم تلك الغنائم و هذا كما ترى يتضمن الزيادة على الخمس و يتجاوز إلى إعطاء الكل.

و روي الواقدي عن عبد اللّه بن جعفر، عن ام بكر بنت الميسور قالت: لمّا بني مروان داره بالمدينة دعي النّاس إلى طعامه و كان الميسور ممن دعاه فقال مروان و هو يحدّثهم: و اللّه ما انفقت في داري هذه من مال المسلمين درهما فما فوقه، فقال الميسور: لو أكلت طعامك و سكتّ كان خيرا لك لقد غزوت معنا افريقيّة و انّك لأقلّنا مالا و رقيقا و أعوانا و أخفّنا ثقلا فأعطاك ابن عمّك خمس افريقيّة و عملت على الصدقات فأخذت أموال المسلمين. و روي الكلبي عن أبيه عن أبي مخنف أنّ مروان ابتاع خمس افريقيّة بمأتي ألف أو بمأة ألف دينار و كلم عثمان فوهبها له فأنكر النّاس ذلك على عثمان، و هذا بعينه هو الّذي اعترف به أبو الحسين الخيّاط و اعتذر بأن قلوب المسلمين تعلّقت بأمر ذلك الجيش فرأى عثمان أن يهب لمروان ثمن ما ابتاعه من الخمس لمّا جاءه بشيرا بالفتح على سبيل الترغيب، و هذا الاعتذار ليس بشي ء لأنّ الّذي رويناه من الأخبار في هذا الباب خال من البشارة و إنّما يقتضي أنّه سأله ترك ذلك عليه فتركه أو ابتدأ هو بصلته و لو أتى بشيرا بالفتح كما ادّعوا لما جاز أن يترك عليه خمس الغنيمة العائدة على المسلمين و تلك البشارة لا يستحق أن يبلغ البشير بها مأتي ألف دينار و لا اجتهاد في مثل هذا و لا فرق بين من جوّز أن يؤدي الاجتهاد إلى مثله و من جوّز أن يؤدي الاجتهاد إلى دفع أصل الغنيمة إلى البشير بها، و من ارتكب ذلك الزم جواز أن يؤدي الاجتهاد إلى جواز اعطاء هذا البشير جميع أموال المسلمين في الشرق و الغرب.

و أما قوله: «انّه فعل ذلك في السنة الأولى من أيامه و لم يتبرّء أحد منه» فقد مضي الكلام فيه مستقصي.

فأمّا قوله: «إنّه وصل بني عمّه لحاجتهم و رأى في ذلك صلاحا» فقد بيّنا أن صلاته لهم كانت أكثر ممّا يقتضيه الحاجة و الخلّة و أنّه كان يصل منهم المياسير و ذوي الأحوال الواسعة و الضيّاع الكثيرة، ثمّ الصلاح الّذى زعم أنّه رآه لا يخلو من أن يكون عائدا على المسلمين أو على أقاربه، فان كان على المسلمين فمعلوم ضرورة أنّه لا صلاح لأحد من المسلمين في اعطاء مروان مأتي ألف دينار و الحكم بن أبي العاص ثلاثمأة ألف درهم و ابن أسيد ثلاثمأة ألف درهم إلى غير ذلك ممن هو مذكور، بل على المسلمين في ذلك غاية الضرر، و إن أراد الصلاح العائد على الأقارب فليس له أن يصلح أمر أقاربه بفساد أمر المسلمين و ينفعهم بما يضرّ به المسلمين.

فأمّا قوله «إن القطائع الّتي أقطعها بنى امية إنّما أقطعهم إياها لمصلحة يعود على المسلمين لأنّه كانت خرابا لا عامر لها فسلّمها إلى من يعمرها و يؤدي الحقّ فيها» فأوّل ما فيه أنّه لو كان الأمر على ما ذكره و لم يكن هذه القطائع على سبيل الصلة و المعونة لأقاربه لما خفى ذلك على الحاضرين و لكانوا لا يعدّون ذلك من مثالبه و لا يواقفونه عليه في جملة ما واقفوه عليه من أحداثه. ثمّ كان يجب لو فعلوا ذلك أن يكون جوابه لهم بخلاف ما روى من جوابه، لأنه كان يجب أن يقول لهم: و أى منفعة في هذه القطائع عائدة على قرابتي حتّى يعدّوا ذلك من جملة صلاتي لهم و إيصال المنافع إليهم و إنما جعلتهم فيها بمنزلة الأكرة الّذين ينتفع بهم أكثر من انتفاعهم و ما كان يجب أن يقول ما تقدمت روايته من أنى محتسب في اعطاء قرابتي و أن ذلك على سبيل الصلة لرحمي إلى غير ذلك ممّا هو خال من المعنى الذي ذكروه. انتهى.

أقول: و من قوادحه ما فعل بعبد اللّه بن سعد قبل خلافته بعد ما هدر رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله دمه. تفصيله أن عبد اللّه بن سعد بن أبي سرح يكنى أبا يحيى و هو أخو عثمان بن عفان من الرضاعة أرضعت امه عثمان أسلم قبل الفتح و هاجر إلى رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و كان يكتب الوحى لرسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله ثمّ ارتدّ مشركا و صار إلى قريش بمكّة فقال لهم: إنّي كنت اصرّف محمّدا حيث اريد كان يملى عليّ عزيز حكيم فأقول أو عليم حكيم فيقول نعم كلّ صواب فلما كان يوم الفتح أمر رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله بقتله و قتل عبد اللّه بن خطل و مقيس بن صبابة و لو وجدوا تحت أستار الكعبة ففرّ عبد اللّه بن سعد إلى عثمان بن عفان فغيبه عثمان حتّى أتى به إلى رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله بعد ما اطمأن أهل مكّة فاستأمنه له فصمت رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله طويلا ثمّ قال: نعم فلمّا انصرف عثمان قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله لمن حوله: ما صمتّ إلّا ليقوم إليه بعضكم فيضرب عنقه فقال رجل من الأنصار: فهلا أومأت إلىّ يا رسول اللّه فقال: إنّ النبيّ لا ينبغي أن يكون له خائنة الأعين قاله في اسد الغابة.

و في الصّافي للفيض في تفسير القرآن في ضمن قوله تعالى: وَ مَنْ أَظْلَمُ مِمَّنِ افْتَرى عَلَى اللَّهِ كَذِباً أَوْ قالَ أُوحِيَ إِلَيَّ وَ لَمْ يُوحَ إِلَيْهِ شَيْ ءٌ وَ مَنْ قالَ سَأُنْزِلُ مِثْلَ ما أَنْزَلَ اللَّهُ (الأنعام: 94) في الكافي و العيّاشي عن أحدهما عليهما السّلام نزلت الاية في ابن أبي سرح الذي كان عثمان استعمله على مصر و هو ممّن كان رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله يوم فتح مكّة هدر دمه و كان يكتب لرسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله فاذا أنزل اللّه عزّ و جلّ إنّ اللّه عزيز حكيم كتب إنّ اللّه عليم حكيم فيقول له رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله: دعها فان اللّه عليم حكيم و كان ابن أبي سرح يقول للمنافقين إنّي لأقول من نفسي مثل ما يجي ء به فما يغيّر عليّ فأنزل اللّه تبارك و تعالى فيه الذي أنزل.

و القمي عن الصّادق عليه السّلام قال: إنّ عبد اللّه بن سعد بن أبي سرح أخا عثمان من الرضاعة أسلم و قدم المدينة و كان له خطّ حسن و كان إذا انزل الوحى على رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله دعاه فكتب ما يمليه عليه رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله فكان إذا قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله: سميع بصير يكتب سميع عليم و إذا قال: و اللّه بما يعملون خبير يكتب بصير، و يفرق بين التاء و الياء و كان رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله يقول: هو واحد فارتدّ كافرا و رجع إلى مكّة و قال لقريش: و اللّه ما يدرى محمّد ما يقول أنا أقول مثل ما يقول فلا ينكر عليّ ذلك فأنا أنزل مثل ما ينزل فأنزل اللّه على نبيّه في ذلك:- وَ مَنْ أَظْلَمُ مِمَّنِ افْتَرى - إلى قوله: وَ مَنْ أَظْلَمُ مِمَّنِ- فلما فتح رسول اللّه مكة أمر بقتله فجاء به عثمان قد أخذ بيده و رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله في المسجد فقال يا رسول اللّه اعف عنه فسكت رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله ثمّ أعاد فسكت ثمّ أعاد فقال هو لك فلمّا مرّ قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله لأصحابه: ألم أقل من رآه فليقتله فقال رجل كانت عيني إليك يا رسول اللّه أن تشير إلىّ فأقتله فقال رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله: إن الأنبياء لا يقتلون بالاشارة فكان من الطلقاء.

و قال ابن هشام في السيرة النبوية: قال ابن إسحاق: و كان رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله قد عهد إلى امرائه من المسلمين حين أمرهم أن يدخلوا مكة، أن لا يقاتلوا إلّا من قاتلهم، إلّا أنّه قد عهد في نفر سمّاهم أمر بقتلهم و إن وجدوا تحت أستار الكعبة منهم عبد اللّه بن سعد أخو بني عامر بن لؤىّ.

قال: و إنما أمر رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله بقتله لأنّه قد كان أسلم و كان يكتب لرسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله الوحى فارتدّ مشركا راجعا إلى قريش ففرّ إلى عثمان بن عفان و كان أخاه للرضاعة فغيّبه حتّى أتى به رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله بعد أن اطمأن النّاس و أهل مكّة فاستأمن له، فزعموا أن رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله صمت طويلا، ثمّ قال: نعم

فلمّا انصرف عنه عثمان، قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله لمن حوله من أصحابه: لقد صمتّ ليقوم إليه بعضكم فيضرب عنقه فقال رجل من الأنصار: فهلّا أومأت إليّ يا رسول اللّه قال: إنّ النّبي لا يقتل بالاشارة.

قال ابن هشام: ثمّ أسلم بعد فولّاه عمر بن الخطّاب بعض أعماله ثمّ ولاه عثمان بن عفان بعد عمر.

و قال الطبرسي في مجمع البيان في تفسير القرآن ضمن الاية المذكورة و قيل: المراد به عبد اللّه بن سعد بن أبي سرح أملى عليه رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله ذات يوم وَ لَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنْسانَ مِنْ سُلالَةٍ مِنْ طِينٍ- إلى قوله تعالى- ثُمَّ أَنْشَأْناهُ خَلْقاً آخَرَ فجرى على لسان ابن ابي سرح فتبارك اللّه احسن الخالقين فأملأه عليه و قال هكذا انزل فارتدّ عدو اللّه و قال: لئن كان محمّد صادقا فلقد اوحى إليّ كما أوحى إليه و لئن كان كاذبا فلقد قلت كما قال و ارتدّ عن الاسلام و هدر رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله دمه فلما كان يوم الفتح جاء به عثمان و قد اخذ بيده و رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله في المسجد فقال: يا رسول اللّه اعف عنه فسكت رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله ثمّ اعاد فسكت ثمّ اعاد فسكت فقال هو لك فلما مرّ قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله لأصحابه: ألم اقل من رآه فليقتله فقال عباد بن بشر: كانت عيني إليك يا رسول اللّه ان تشير إليّ فأقتله، فقال صلّى اللّه عليه و آله: الأنبياء لا يقتلون بالاشارة.

اقول: لا كلام في ارتداد ابن أبي سرح و إنّما الاختلاف في سبب ارتداده و جملته انه نبذ كتاب اللّه وراء ظهره و اتخذه سخريّا.

و لكن ما أتى به الفيض في الصافي من الرواية «في ان رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله إذا قال: سميع بصير يكتب ابن ابي سرح سميع عليم و إذا قال: و اللّه بما يعملون خبير يكتب بصير و يفرق بين التاء و الياء و كان رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله يقول هو واحد» ليست بصحيحة جدا لأنّ شدّة عناية رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و اهتمامه بحفظ القرآن و حراسته عن التحريف و التغيير يمنعنا عن قبول ذلك و سيأتى التحقيق الأنيق بعيد هذا في ان هذا المصحف المكتوب بين الدّفتين المتداول الان بين الناس جميع ما نزل عليه صلّى اللّه عليه و آله في نيف و عشرين سنة من غير زيادة و نقصان و تصحيف و تحريف و انّ تركيب السور من الايات و ترتيب السور على ما هو في المصحف توقيفي كان بأمر اللّه تعالى و أمر امين الوحى عليه السّلام و امر رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله.

على أنّ صدر كل آية يدل على انه يناسب و يقتضى كلمات خاصّة في ختامها و لا يوافق غيرها كما لا يخفى على العارف بأساليب الكلام و فنون الأدب سيما كتاب اللّه الذي أعجز العالمين عن ان يتفوّهوا باتيان مثله و إن كان سورة منها نحو الكوثر ثلاث آيات.

مثلا أن قوله تعالى: وَ أَسِرُّوا قَوْلَكُمْ أَوِ اجْهَرُوا بِهِ إِنَّهُ عَلِيمٌ بِذاتِ الصُّدُورِ. أَ لا يَعْلَمُ مَنْ خَلَقَ وَ هُوَ اللَّطِيفُ الْخَبِيرُ (الملك- 14 و 15) لا يناسب إنّه حكيم بذات الصدور، أو و هو السميع الخبير مثلا فان في الجمع بين يعلم و بين اللّطيف لطيفة حكميّة يدركها ذوق التألّه بخلاف الجمع بين يعلم و السميع.

و قوله تعالى: وَ الَّذِينَ يَرْمُونَ الْمُحْصَناتِ ثُمَّ لَمْ يَأْتُوا بِأَرْبَعَةِ شُهَداءَ فَاجْلِدُوهُمْ ثَمانِينَ جَلْدَةً وَ لا تَقْبَلُوا لَهُمْ شَهادَةً أَبَداً وَ أُولئِكَ هُمُ الْفاسِقُونَ. إِلَّا الَّذِينَ تابُوا مِنْ بَعْدِ ذلِكَ وَ أَصْلَحُوا فَإِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ (النور- 5 و 6) يناسب التوبة الغفور الرحيم دون أنّه عزيز ذو انتقام، أو حكيم عليم و أمثالها و كذا في الايات الأخر فتدبّر فيها بعين العلم و المعرفة.

على أنا نرى الحجج الالهيّة يمنعون النّاس عن التصرّف في الأدعيّة و تحريفها روى محمّد بن بابويه عليه الرحمة في كتاب الغيبة باسناده عن عبد اللّه بن سنان قال: قال أبو عبد اللّه عليه السّلام: سيصيبكم شبهة فتبقون بلا علم و لا إمام هدى و لا ينجو فيها إلّا من دعا بدعاء الغريق قلت: كيف دعاء الغريق قال عليه السّلام: تقول: يا اللّه يا رحمن يا رحيم يا مقلّب القلوب ثبّت قلبي على دينك فقلت: يا مقلّب القلوب و الأبصار ثبّت قلبي على دينك، فقال عليه السّلام: إنّ اللّه عزّ و جلّ مقلّب القلوب و الأبصار و لكن قل كما أقول: ثبت قلبي على دينك.

فاذا كان الدعاء توقيفيا و يردع الإمام عليه السّلام عن التحريف فكيف ظنك بالنبيّ صلّى اللّه عليه و آله مع القرآن

9- و قدم على عثمان عمّه الحكم بن أبي العاص و ابن عمّه مروان

و غيرهما من بني اميّة و مروان هو طريد رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله الّذي غربه عن المدينة و نفاه عن جواره.

أقول: إنّ الحكم و ابنه مروان كليهما كانا طريدي رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و الصواب أن يقال: ان الحكم هو طريد رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله فان ابنه مروان كان طفلا حين طرده رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و السبب في ذلك انّ الحكم بن أبي العاص عمّ عثمان كان يحاكى مشية رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و ينقصه و كان يفعل ذلك استهزاء به و سخرية فرآه النّبيّ صلّى اللّه عليه و آله يوما و هو يفعل ذلك فقال له النّبيّ صلّى اللّه عليه و آله و قد غضب لذلك: أ تحكيني اخرج من المدينة فلا جاورتني فيها حيّا و لا ميّتا فطرده و ابنه مروان و نفاهما إلى بلاد اليمن و نفيا بهما مطرودين مدّة حياة النّبيّ صلّى اللّه عليه و آله فلمّا مات و ولي أبو بكر طمع عثمان أن يردّهما فكلم أبا بكر في ذلك فزبره و أغلظ عليه و قال: أ تريدني يا عثمان أن آوي طريد رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله كلّا لا يكون ذلك، فسكت عثمان حتّى ولي عمر فكلّمه أيضا في ردّهما فأبا عليه و قال: لا يكون منّي أن آوي طريد رسول اللّه و طريد أبي بكر اعزب عن هذا الكلام فسكت عثمان فلمّا ولي و استتمّ له الأمر كتب اليهما بأن أقدما المدينة فأقدمهما المدينة على رءوس الأشهاد مكرمين.

و قال ابن الأثير الجزري في اسد الغابة: الحكم بن أبي العاص بن اميّة الأموي أبو مروان بن الحكم يعدّ في أهل الحجاز عمّ عثمان بن عفّان أسلم يوم الفتح. و روي بإسناده إلى نافع بن جبير بن مطعم عن أبيه قال: كنا مع النّبيّ صلّى اللّه عليه و آله فمرّ الحكم بن أبي العاص فقال النّبيّ صلّى اللّه عليه و آله: ويل لامّتي مما في صلب هذا و هو طريد رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله نفاه من المدينة إلى الطائف و خرج معه ابنه مروان.

و قد اختلف في السبب الموجب لنفي رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله إياه فقيل: كان يتسمع سرّ رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و يطلع عليه من باب بيته و أنّه الّذي أراد رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله أن يفقأ عينه بمدري في يده لما اطلع عليه من الباب. و قيل: كان يحكى رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله في مشيته فالتفت يوما فرآه و هو يتخلج في مشيته فقال: كن كذلك، فلم يزل يرتعش في مشيته من يومئذ، فذكره عبد الرّحمان بن حسان بن ثابت في هجائه لعبد الرّحمان بن الحكم:

  • إن اللعين أبوك فارم عظامهإن ترم ترم مخلجا مجنونا

يمسي خميص البطن من عمل التقى

و يظل من عمل الخبيث بطينا

و معني قول عبد الرّحمان إن اللعين أبوك فروي عن عائشة من طرق ذكرها ابن أبي خيثمة أنّها قالت لمروان بن الحكم حين قال لأخيها عبد الرّحمان بن أبي بكر لمّا امتنع من البيعة ليزيد بن معاوية بولاية العهد ما قال: و القصّة مشهورة أمّا أنت يا مروان فأشهد أن رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله لعن أباك و أنت في صلبه و قد روي في لعنه و نقيه أحاديث كثيرة لا حاجة إلى ذكرها إلّا أن الأمر المقطوع به أن النّبيّ صلّى اللّه عليه و آله مع حلمه و إغضائه على ما يكره ما فعل به ذلك إلّا لأمر عظيم و لم يزل منفيّا حياة النّبيّ صلّى اللّه عليه و آله فلمّا ولّي أبو بكر الخلافة قيل له في الحكم ليردّه إلى المدينة فقال: ما كنت لأحلّ عقدة عقدها رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و كذلك عمر فلمّا ولّي عثمان الخلافة ردّه و قال: كنت قد شفعت فيه إلى رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله فوعدني بردّه و توفي في خلافة عثمان.

و فيه أيضا: مروان بن الحكم بن أبي العاص بن اميّة الأموي ابن عمّ عثمان ابن عفّان بن أبي العاص و لم ير النّبيّ صلّى اللّه عليه و آله لأنّه خرج إلى الطائف طفلا لا يعقل لما نفي النبيّ صلّى اللّه عليه و آله اباه الحكم و كان مع أبيه بالطائف حتّى استخلف عثمان فردّهما و اسكتب عثمان مروان و ضمّه إليه و نظر إليه علىّ يوما فقال: و يلك و ويل امّة محمّد منك و من بنيك. و كان يقال لمروان: خيط باطل و ضرب يوم الدار على قفاه فقطع أحد علياويه فعاش بعد ذلك أوقص و الأوقص الّذى قصرت عنقه، و لمّا بويع مروان بالخلافة بالشام قال أخوه عبد الرّحمان بن الحكم و كان ماجنا حسن الشعر لا يرى رأي مروان:

  • لحا اللّه قوما أمّروا خيط باطل على الناس يعطي ما يشاء و يمنع

أقول: قول عليّ عليه السّلام لمروان: ويلك و ويل امّة محمّد منك و من بنيك، إشارة إلى ما قاله رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله في أبيه الحكم: ويل لأمّتى ممّا في صلب هذا.

«جواب القاضي عبد الجبار عن ذلك و اعتذاره منه»

نقل الشريف المرتضى علم الهدى في الشافى جوابه عن ذلك عن كتابه المغنى إنّه قال: فأمّا ردّه الحكم بن أبي العاص فقد روي عنه إنّه لمّا عوتب في ذلك ذكر أنّه كان استأذن رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و إنّما لم يقبل أبو بكر و عمر قوله لأنّه شاهد واحد و كذلك روي عنهما فكأنّما جعلا ذلك بمنزلة الحقوق الّتى تخص فلم يقبلا فيه خبر الواحد و أجرياه مجري الشهادة فلمّا صار الأمر إلى عثمان حكم بعلمه لأنّ للحاكم أن يحكم بعلمه في هذا الباب و في غيره عند شيخينا و لا يفصلان بين حدّ و حقّ و لا أن يكون العلم قبل الولاية أو حال الولاية و يقولون إنّه أقوى في الحكم من البينة و الإقرار.

ثمّ ذكر عن أبي على أنّه يقطع به على كذب روايته في إذن الرسول صلّى اللّه عليه و آله في ردّه، فلابد من تجويز كونه معذورا.

ثمّ سأل نفسه في أن الحاكم إنّما يحكم بعلمه مع زوال التهمة و أن التهمة كانت في ردّ الحكم قوية لقرابته، و أجاب بأن الواجب على غيره أن لا يتّهمه إذا كان لفعله وجه يصحّ عليه لأنّه قد نصب منصبا يقتضى زوال التهمة عنه و حمل أفعاله على الصحة و لو جوّزنا امتناعه للتهمة لأدّى إلى بطلان كثير من الأحكام.

و حكى عن أبي الحسن الخيّاط أنّه لو لم يكن في ردّه إذن من رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله لجاز أن يكون طريقه الاجتهاد لأنّ النفى إذا كان صلاحا في الحال لا يمتنع أن يتغيّر حكمه باختلاف الأوقات و تغير حال المنفى و إذا جاز لأبى بكر أن يستردّ عمر من جيش اسامة للحاجة إليه و إن كان قد أمر رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله بنفوذه من حيث تغيرت الحال فغير ممتنع مثله في الحكم

«اعتراض علم الهدى عليه و ابطاله جوابه»

اعترض عليه في الشافى فقال: يقال له: أمّا ما ادعيته و بنيت الأمر في قصّة الحكم من أن عثمان لما عوتب في ردّه ادّعى أن الرسول صلّى اللّه عليه و آله أذن له في ذلك.

فهو شي ء ما سمع إلا منك و لا يدري من أين نقلته و في أي كتاب وجدته و ما رواه النّاس كلّهم بخلاف ذلك.

و قد روى الواقدي من طرق مختلفة و غيره أن الحكم بن أبى العاص لما قدم المدينة بعد الفتح أخرجه النبيّ صلّى اللّه عليه و آله إلى الطائف و قال: لا تساكننى في بلد أبدا فجاءه عثمان فكلّمه فأبى، ثمّ كان من أبى بكر مثل ذلك، ثمّ كان من عمر مثل ذلك فلمّا قام عثمان أدخله و وصله و أكرمه فمشى في ذلك عليّ عليه السّلام و الزبير و طلحة و سعد و عبد الرّحمان بن عوف و عمار بن ياسر حتّى دخلوا على عثمان فقالوا له: إنّك قد أدخلت هؤلاء القوم يعنون الحكم و من معه و قد كان النّبيّ صلّى اللّه عليه و آله أخرجه و أبو بكر و عمر، و إنا نذكرك اللّه و الاسلام و معادك فإن لك معادا و منقلبا و قد أبت ذلك الولاة من قبلك و لم يطمع أحد أن يكلّمهم فيه و هذا سبب نخاف اللّه تعالى عليك فيه.

فقال: إن قرابتهم منى حيث تعلمون و قد كان رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله حيث كلمته أطمعنى في أن يأذن له و إنّما أخرجهم لكلمة بلغته عن الحكم و لن يضرّكم مكانهم شيئا و في النّاس من هو شرّ منهم.

فقال علىّ عليه السّلام: لا أحد شرا منه و لا منهم. ثمّ قال علىّ عليه السّلام: هل تعلم أن عمر قال: و اللّه ليحملن بنى أبى معيط على رقاب النّاس و اللّه لئن فعل ليقتلنّه قال: فقال عثمان: ما كان منكم أحد يكون بينه و بينه من القرابة ما بينى و بينه و ينال من المقدرة ما أنال إلّا أدخله و في النّاس من هو شرّ منه. قال: فغضب علىّ عليه السّلام قال: و اللّه لتأتينا بشرّ من هذا إن سلمت و ستري يا عثمان غبّ ما تفعل، ثمّ خرجوا من عنده.

و هذا كما ترى خلاف ما ادّعاه صاحب الكتاب لأنّ الرجل لمّا احتفل ادّعى أن الرسول صلّى اللّه عليه و آله كان أطمعه في ردّه، ثمّ صرّح بأن رعايته فيه من القرابة هى الموجبة لردّه و مخالفة الرسول صلّى اللّه عليه و آله.

و قد روى من طرق مختلفة أن عثمان لمّا كلم أبا بكر و عمر في ردّ الحكم أغلظا له و زبراه و قال له عمر: يخرجه رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و تأمرنى أن أدخله و اللّه لو أدخلته لم آمن أن يقول قائل غيّر عهد رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و اللّه لئن اشق باثنين كما تنشق الأبلمة أحبّ إلىّ من أن اخالف لرسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله أمرا، و إياك يا ابن عفّان أن تعاودني فيه بعد اليوم. و ما رأينا عثمان قال في جواب هذا التعنيف و التوبيخ من أبى بكر و عمر: إن عندى عهدا من الرسول صلّى اللّه عليه و آله فيه لا استحق معه عتابا و لا تهجينا و كيف تطيب نفس مسلم موقر لرسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله معظم له بأن يأتي إلى عدوّ لرسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله مصرّح بعداوته و الوقيعة فيه حتّى بلغ به الأمر إلى أن كان يحكى مشيته فطرده رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و أبعده و لعنه حتّى صار مشهورا بأنّه طريد رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله فيؤويه و يكرمه و يردّه إلى حيث اخرج منه و يصله بالمال العظيم و يصله إما من مال المسلمين أو ماله ان هذا العظيم كبير قبل التصفح و التأمل و التعلل بالتأويل الباطل.

فأمّا قول صاحب الكتاب «إن أبا بكر و عمر لم يقبلا قوله لأنّه شاهد واحد و جعلا ذلك بمنزلة الحقوق الّتي تخصّ» فأوّل ما فيه أنّه لم يشهد عندهما بشي ء في باب الحكم على ما رواه جميع النّاس. ثمّ ليس هذا من الباب الّذي يحتاج فيه إلى الشاهدين بل هو بمنزلة كلّ ما يقبل فيه أخبار الاحاد و كيف يجوز أن يجري أبو بكر و عمر مجرى الحقوق ما ليس فيها.

و قوله: لابدّ من تجويز كونه صادقا في روايته لأن القطع على كذب روايته لا سبيل إليه، ليس بشي ء لأنا قد بيّنا أنّه لم يرو عن الرسول صلّى اللّه عليه و آله إذنا و إنّما ادّعى أنّه، اطمعه في ذلك و إذا جوزّنا كونه صادقا في هذه الرواية بل قطعنا على صدقه لم يكن معذورا.

فأمّا قوله: «الواجب على غيره أن لا يتّهمه إذا كان لفعله وجه يصحّ عليه لانتصابه منصبا يفضي إلى زوال التهمة» فأوّل ما فيه أن الحاكم لا يجوز أن يحكم بعلمه مع التهمة و التهمة قد يكون لها أمارات و علامات فما وقع فيها عن أمارات و أسباب تتهم في العادة كان مؤثرا و ما لم يكن كذلك و كان مبتدأ فلا تأثير له، و الحكم هو عمّ عثمان و قريبه و نسيبه و من قد تكلم فيه و في ردّه مرّة بعد اخرى و لوال بعد وال و هذه كلّها اسباب التهمة فقد كان يجب أن يتجنّب الحكم بعلمه في هذا الباب خاصّة لتطرق التهمة فيه.

فأمّا ما حكاه عن الخيّاط من «أن الرّسول صلّى اللّه عليه و آله لو لم يأذن في ردّه لجاز أن يردّه إذا رآه اجتهاده إلى ذلك لأن الأحوال قد تتغيّر» فظاهر البطلان لأنّ الرسول إذا حظر شيئا أو أباحه لم يكن لأحد أن يجتهد في إباحة المحظور او حظر المباح و من جوّز الاجتهاد في الشريعة لا يقدم على مثل هذا لأنّه إنّما يجوز عندهم فيما لا نصّ فيه و لو جوّزنا الاجتهاد في مخالفة ما تناوله النصّ لم نأمن أن يؤدي اجتهاد مجتهد إلى تحليل الخمر و اسقاط الصلاة بأن يتغير الحال و هذا هدم للشريعة. فأمّا استشهاده باسترداد عمر من جيش اسامة فالكلام في الأمرين واحد و قد مضى ما فيه.

10- ثمّ قال المسعودي: و كان عمّاله جماعة منهم الوليد بن عقبة بن أبي معيط على الكوفة و هو ممن أخبر النّبيّ صلّى اللّه عليه و آله أنّه من أهل النّار

و عبد اللّه بن أبي سرح على مصر و معاوية بن أبي سفيان على الشام و عبد اللّه بن عامر على البصرة، و صرف عن الكوفة الوليد بن عقبة و ولاها سعيد بن العاص و كان السبب في صرف الوليد و ولاية سعيد على ما روي أن الوليد بن عقبة كان يشرب مع ندمائه و مغنّيه من أول الليل إلى الصباح فلما آذنه المؤذنون بالصلاة خرخ منفصلا في غلائله فتقدم إلى المحراب في صلاة الصبح فصلّى بهم أربعا و قال: تريدون أن أزيدكم و قيل: انّه قال في سجوده و قد أطال: اشرب و اسقنى، فقال له بعض من كان خلفه في الصف الأوّل: ما تريد لا زادك اللّه مزيد الخير و اللّه لا أعجب إلّا ممن بعثك إلينا واليا و علينا أميرا و كان هذا القائل: عتاب بن غيلان الثقفي.

قال: و خطب النّاس الوليد فحصبه النّاس بحصباء المسجد فدخل قصره يترنح و يتمثل بأبيات لتأبط شرا:

  • و لست بعيدا عن مدام و قينةو لا بصفا صلد عن الخير معزل

و لكنني أروي من الخمر هامتي

و أمشي الملا بالساحب المتسلسل

و في ذلك يقول الحطيئة كما في الشافي و المروج:

  • شهد الحطيئة يوم يلقى ربّهإن الوليد أحقّ بالعذر

نادى و قد تمت صلاتهم

أ أزيدكم ثملا و ما يدرى

  • ليزيدهم اخرى و لو قبلوامنه لزادهم على عشر

فأبوا أبا وهب و لو فعلوا

لقرنت بين الشفع و الوتر

  • حبسوا عنانك في الصلاة و لوخلّوا عنانك لم تزل تجري

و اشاعوا بالكوفة فعله و ظهر فسقه و مداومته شرب الخمر فهجم عليه جماعة من المسجد منهم أبو زينب بن عوف الأزدي و أبو جندب بن زهير الأزدى و غيرهما فوجوده سكران مضطجعا على سريره لا يعقل فأيقظوه من رقدته فلم يستيقظ ثمّ تقايا عليهم ما شرب من الخمر فانتزعوا خاتمه من يده و خرجوا من فورهم إلى المدينة فأتوا عثمان بن عفّان فشهدوا عنده على الوليد أنّه شرب الخمر فقال عثمان: و ما يدريكما أنّه شرب خمرا فقالا: هي الخمر الّتي كنا نشربها في الجاهلية و أخرجا خاتمه فدفعاه إليه فرزأهما و دفع في صدورهما و قال: تنحّيا عنّي فخرجا و أتيا عليّ بن أبي طالب عليه السّلام و أخبراه بالقصّة فأتي عثمان و هو يقول: دفعت الشهود و أبطلت الحدود فقال له عثمان: فما تري قال: أري أن تبعث إلى صاحبك فإن أقاما الشهادة عليه في وجهه و لم يدل بحجّة أقمت عليه الحدّ فلمّا حضر الوليد دعاهما عثمان فاقاما الشهادة عليه و لم يدل بحجّة فألقى عثمان السوط إلى عليّ فقال عليّ لابنه الحسن قم يا بنيّ فأقم عليه ما أوجب اللّه عليه فقال: يكفيه بعض ما تري فلمّا نظر إلى امتناع الجماعة عن إقامة الحدّ عليه توقيا لغضب عثمان لقرابته منه أخذ علىّ السوط و دنا منه فلما أقبل نحوه سبّه الوليد و قال يا صاحب مكس، فقال عقيل بن أبي طالب و كان ممن حضر: إنّك لتتكلّم يا ابن أبي معيط كانّك لا تدري من أنت و أنت علج من أهل صفورية- و هي قرية بين عكا و اللجون من أعمال الأردن من بلاد طبرية كان ذكر أن أباه كان يهوديّا منها- فأقبل الوليد يزوغ من عليّ فاجتذبه فضرب به الأرض و علاه بالسوط فقال عثمان: ليس لك أن تفعل به هذا قال: بلى و شرّ من هذا إذا فسق و منع حقّ اللّه تعالى أن يؤخذ منه.

أقول: ان الوليد بن عقبة بن أبي معيط كان أخا عثمان لامه.

11- و ولى عثمان الكوفة بعد الوليد بن عقبة سعيد بن العاص فلمّا دخل سعيد الكوفة واليا أبي أن يصعد المنبر حتّى يغسل و أمر بغسله و قال: انّ الوليد كان نجسا رجسا فلمّا اتّصلت أيام سعيد بالكوفة ظهرت منه امور منكرة و اشتبه بالأموال و قال في بعض الأيّام و كتب به إلى عثمان إنما هذا السواد فطير لقريش فقال له الأشتر و هو مالك الحرث النخعي: أ تجعل ما أفاء اللّه علينا بظلال سيوفنا و مراكز رماحنا بستانا لك و لقومك ثمّ خرج إلى عثمان في سبعين راكبا من أهل الكوفة فذكروا سوء سيرة سعيد بن العاص و سألوا عزله عنهم فمكث الأشتر و أصحابه أياما لا يخرج لهم من عثمان في سعيد شي ء و امتدت أيّامهم بالمدينة و قدم على عثمان امراؤه من الأمصار، منهم عبد اللّه بن سعد بن أبي سرح من مصر و معاوية من الشام و عبد اللّه بن عامر من البصرة و سعيد بن العاص من الكوفة فأقاموا بالمدينة أيّاما لا يردهم إلى أمصارهم كراهة أن يرد سعيدا إلى الكوفة و كره أن يعزله حتّى كتب إليه من بأمصارهم يشكون كثرة الخراج و تعطيل الثغور فجمعهم عثمان و قال: ما ترون فقال معاوية أمّا أنا فراض بي جندي. و قال عبد اللّه بن عامر بن كريز ليكفك امرؤ ما قبله أكفك ما قبلي و قال عبد اللّه بن سعد بن أبي سرح ليس بكثير عزل عامل للعامة و تولية غيره. و قال سعيد بن العاص إنّك إن فعلت هذا كان أهل الكوفة هم الذين يولّون و يعزلون و قد صاروا حلقا في المسجد ليس لهم غير الأحاديث و الخوض فجهزهم في البعوث حتّى يكون همّ أحدهم أن يموت على ظهر دابته فسمع مقالته عمرو بن العاص فخرج إلى المسجد فاذا طلحة و الزبير جالسان في ناحية منه فقالا له: إلينا فصار إليهما فقالا: فما وراءك قال ابشر ما ترك شيئا من المنكر الا أتى به و أمر به و جاء الأشتر فقالا له إن عاملكم الذي قمتم فيه خطباء قد ردّ عليكم و أمر بتجهيزكم في البعوث و بكذا و كذا.

فقال الأشتر: و اللّه قد كنا نشكو سوء سيرته و ما قمنا به خطباء فكيف و قد قمنا و ايم اللّه على ذلك لو لا اني انفدت النفقة و أنضيت الظهر لسبقته إلى الكوفة حتّى امنعه دخولها. فقالا له: فعندنا حاجتك الّتي تفوتك في سفرك. قال: فاسلفاني إذا مأئة ألف درهم فأسلفه كلّ واحد منهما خمسين ألف درهم فقسمها بين أصحابه و خرج إلى الكوفة فسبق سعيد و صعد المنبر و سيفه في عنقه ما وضعه بعد. ثمّ قال: أمّا بعد فان عاملكم الذي انكرتم تعديه و سوء سيرته قد ردّ عليكم و امر بتجهيزكم في البعوث فبايعوني على أن يدخلها فبايعه عشرة آلاف من أهل الكوفة و خرج راكبا متخفّيا يريد المدينة أو مكّة فلقى سعيدا بواقصة فأخبره بالخبر فانصرف إلى المدينة كتب الأشتر إلى عثمان انا و اللّه ما منعنا عاملك إلّا ليفسد عليك عملك ولّ من أحببت فكتب إليهم انظروا من كان عاملكم أيّام عمر بن الخطّاب فولّوه فنظروا فاذا هو أبو موسى الأشعري فولّوه.

أقول: هذا ما نقله المسعودي في مروج الذّهب و غيره من المورخين بلا خلاف و من تأمل فيه يجد أن عثمان اضطر حينئذ إلى إجابتهم إلى ولاية أبي موسى و لم يصرف سعيدا مختارا بل ما صرفه جملة و انما صرفه أهل الكوفة عنهم.

و كان سعيد هذا أحد الذين كتبوا المصحف لعثمان بن عفّان و لمّا قتل عثمان لزم بيته فلم يشهد الجمل و لا صفين فلما استقر الأمر لمعاوية أتاه و عاتبه معاوية على تخلفه عنه في حروبه فاعتذر هو فقبل معاوية عذره ثمّ ولّاه المدينة فكان يوليه إذا عزل مروان عن المدينة و يولى مروان إذا عزله. و قتل أبوه العاص يوم بدر كافرا قتله عليّ بن أبي طالب عليه السّلام.

و في اسد الغابة: استعمله عثمان على الكوفة بعد الوليد بن عقبة بن أبي معيط و غزا طبرستان فافتتحها و غزا جرجان فافتتحها سنة تسع و عشرين أو سنة ثلاثين و انتقضت آذربيجان فغزاها فافتتحها في قول.

في الشافي للشريف المرتضى علم الهدى: و من أحداث عثمان أنّه ولي امور المسلمين من لا يصلح لذلك و لا يؤتمن عليه و من ظهر منه الفسق و الفساد و من لا علم له مراعاة لحرمة القرابة و عدولا عن مراعاة حرمة الدّين و النظر للمسلمين حتّى ظهر ذلك منه و تكرّر و قد كان عمر حذّر من ذلك فيه من حيث وصفه بأنه كلّف باقاربه و قال له إذا ولّيت هذا الأمر لا تسلّط بني أبي معيط على رقاب النّاس فوجد منه ما حذّره و عوتب في ذلك فلم ينفع العتب فيه و ذلك نحو استعماله الوليد ابن عقبة و تقليده إياه حتى ظهر منه شرب الخمر و استعماله سعيد بن العاص حتى ظهرت منه الأمور الّتي عندها أخرجه أهل الكوفة، و توليته عبد اللّه بن سعد بن أبي سرح و عبد اللّه ابن عامر بن كريز حتّى يروى عنه في أمر ابن أبي سرح أنّه لما تظلّم منه أهل مصر و صرفه عنهم لمحمّد بن أبي بكر و غيره ممّن يرد عليه و ظفر بذلك الكتاب و لذلك عظم التظلم من بعد و كثر الجمع و كان سبب الحصار و القتل و حتّى كان من أمر مروان و تسلّطه عليه و على اموره ما قتل بسببه و ذلك ظاهر لا يمكن دفعه.

«اعتذار القاضى عبد الجبار من ذلك و جوابه عنه في المغنى»

نقل عنه علم الهدى في الشافي انّه قال: أمّا ما ذكروه من توليته من لا يجوز أن يستعمل فقد علمنا أنّه لا يمكن أن يدّعى أنّه حين استعملهم علم من أحوالهم خلاف الستر و الصلاح لأنّ الّذي ثبت عنهم من الأمور حدث من بعد و لا يمتنع كونهم في الأول مستورين في الحقيقة أو مستورين عنده و انّما يجب تخطئته لو استعملهم و هم في الحال لا يصلحون لذلك. فان قيل لما علم بحالهم كان يجب أن يعزلهم، قيل له: كذلك فعل لأنّه استعمل الوليد بن عقبة قبل ظهور شرب الخمر منه فلما شهدوا بذلك جلده الحدّ و صرفه و قد روى مثله عن عمر لأنّه ولى قدامة بن مظعون بعض أعماله فشهدوا عليه بشرب الخمر فأشخصه و جلده الحد فإذا عدّ ذلك في فضائل عمر لم يجز أن يعدّ ما ذكروه في الوليد من معايب عثمان و يقال: إنّه لمّا أشخصه اقيم عليه الحدّ بمشهد أمير المؤمنين عليه السّلام و اعتذر من عزله سعد بن أبي وقاص بالوليد بأن سعدا شكاه أهل الكوفة فأدّاه اجتهاده إلى عزله بالوليد.

ثمّ قال: فأمّا سعيد بن العاص فإنّه عزله عن الكوفة و ولى مكانه أبا موسى الأشعري، و كذلك عبد اللّه بن سعد بن أبي سرح عزله و ولّي مكانه محمّد بن أبي بكر و لم يظهر له في باب مروان ما يوجب أن يصرفه عمّا كان مستعملا فيه و لو كان ذلك طعنا لوجب مثله في كلّ من ولّى و قد علمنا أنّه عليه السّلام ولى الوليد بن عقبة فحدث منه ما حدث و حدث من بعض أمير المؤمنين الخيانة كالقعقاع بن شور فانّه ولاه على ميسان (خراسان- ل خ) فأخذ مالها و لحق بمعاوية و كذلك فعل الأشعث ابن قيس بمال آذربايجان. و ولى أبا موسى الحكم و كان منه ما كان. و لا يجب أن يعاب أحد بفعل غيره.

فأمّا إذا لم يلحقه عيب في ابتداء الولاية فقد زال العيب فيما عداه. فقولهم: انّه قسم الولايات في أقاربه و زال عن طريقة الاحتياط للمسلمين و قد كان عمر حذّر من ذلك فليس بعيب لأنّ تولية الأقارب كتولية الأباعد و انّه يحسن إذا كانوا على صفات مخصوصة.

و لو قيل إن تقديمهم أولى لم يمتنع ذلك إذ كان المولى لهم أشد تمكنّا من عزلهم و الاستبدال بهم لمكان أقرب و قد ولّى أمير المؤمنين عليه السّلام عبد اللّه بن عبّاس البصرة و عبيد اللّه بن عبّاس و قثم بن العباس مكّة حتّى قال الأشتر عند ذلك: على ما ذا قتلنا الشّيخ أمس فيما يروى و لم يكن ذلك بعيب إذا أدّى ما وجب عليه في اجتهاده.

«اعتراض علم الهدى عليه و ابطاله جوابه»

اعترض عليه الشريف المرتضى علم الهدى في الشافي أنّه يقال له: أمّا اعتذاره في ولاية عثمان من ولّاه من الفسقة بانه لم يكن عالما بذلك من حالهم قبل الولاية و إنّما تجدّد منهم ما تجدّد فعزلهم فليس بشي ء يعول على مثله لأنه لم يولّ هؤلاء النفر إلا و حالهم مشهورة في الخلاعة و المجانة و التحرم و التهتك و لم يختلف اثنان في أن الوليد بن عقبة لم يستأنف التظاهر بشرب الخمر و الاستخفاف بالدين على استقبال ولايته الكوفة بل هذه كانت سنته و العادة المعروفة منه و كيف يخفى على عثمان و هو قريبه و لصيقه و أخوه لأمّه من حاله ما لا يخفى على الأجانب الأباعد فلهذا قال له سعد بن أبي وقاص في رواية الواقدي و قد دخل الكوفة: يا با وهب أميرا أم زائرا قال: بل أميرا، فقال سعد: ما أدرى أحمقت بعدك أم كسست بعدي قال: ما حمقت بعدى و لا بعدك، و لكن القوم ملكوا فاستأثروا فقال سعد: ما أراك إلّا صادقا.

و في رواية ابي مخنف لوط بن يحيى: انّ الوليد لما دخل الكوفة مرّ على مجلس عمرو بن زرارة النخعي فوقف فقال عمرو: يا معشر بني اسد بئس ما استقبلنا به «ج 14» اخوكم ابن عفان من عدله ان ينزع عنا ابن ابي وقاص الهين اللين السهل القريب و يبعث علينا اخاه الوليد الأحمق الماجن الفاجر قديما و حديثا و استعظم النّاس مقدمه و عزل سعد به و قالوا: اراد عثمان كرامة اخيه بهوان امّة محمّد صلّى اللّه عليه و آله.

و هذا تحقيق ما ذكرناه من أن حاله كانت مشهورة قبل الولاية لا ريب فيها على أحد فكيف يقال إنه كان مستورا حتّى ظهر منه ما ظهر.

و في الوليد نزل قوله تعالى أَ فَمَنْ كانَ مُؤْمِناً كَمَنْ كانَ فاسِقاً لا يَسْتَوُونَ (السجدة- 20) فالمؤمن ههنا عليّ بن أبي طالب عليه السّلام و الفاسق الوليد على ما ذكره أهل التأويل.

و فيه نزل قوله تعالى: يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ جاءَكُمْ فاسِقٌ بِنَبَإٍ فَتَبَيَّنُوا أَنْ تُصِيبُوا قَوْماً بِجَهالَةٍ فَتُصْبِحُوا عَلى ما فَعَلْتُمْ نادِمِينَ و السبب في ذلك انه كذب على بني المصطلق عند رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و ادّعى أنّهم منعوه الصدقة، و لو قصصنا مخازيه المتقدمة و مساويه لطال الشرح.

و أمّا شربه الخمر بالكوفة و سكره حتى دخل عليه من دخل و أخذ خاتمه من اصبعه و هو لا يعلم فظاهر قد سارت به الركبان و كذلك كلامه في الصلاة و التفاته إلى من يقتدى به فيها و هو سكران و قوله أزيدكم فقالوا لا قد قضينا صلاتنا حتّى قال الحطيئة في ذلك شعرا: شهد الخطيئة يوم يلقى ربه- الأبيات المذكورة آنفا و قال أيضا فيه:

  • تكلم في الصلاة و زاد فيهاعلانية و جاهر بالنفاق

و مج الخمر في سنن المصلّى

و نادى و الجميع إلى افتراق

  • أ أزيدكم على أن تحمدونيفما لكم و مالي من خلاق

فأمّا قوله: «إنّه جلده و عزله» فبعد أي شي ء كان ذلك و لم يعزله إلّا بعد أن دافع و مانع و احتج عنه و ناضل، فلو لم يكن أمير المؤمنين عليه السّلام قهره على رأيه لما عزله و لا مكّن من جلده.

و قد روى الواقدي أن عثمان لما جاءه الشهود يشهدون على الوليد بشرب الخمر أوعدهم و تهدّدهم. قال الراوي: و يقال: إنّه ضرب بعض الشهود أسواطا فأتوا أمير المؤمنين عليه السّلام فشكوا فأتي عثمان فقال: عطلت الحدود و ضربت قوما شهودا على أخيك فقلبت الحكم و قد قال عمر: لا تحمل بني امية و آل أبي معيط على رقاب النّاس، قال: فما ترى قال: أرى أن تعزله و لا تولّيه شيئا من أمور المسلمين، و أن تسأل عن الشهود فإن لم يكونوا أهل ظنّة و لا عداوة أقمت على صاحبك الحدّ.

و تكلم في مثل ذلك طلحة و الزبير و عايشة و قالوا أقوالا شديدة و أخذته الألسن من كلّ جانب فحينئذ عزله و مكّن من إقامة الحدّ عليه.

و روي الواقدي أن الشهود لمّا شهدوا عليه في وجهه و أراد عثمان أن يحدّه ألبسه جبّة خزّ و أدخله بيتا فجعل إذا بعث إليه رجلا من قريش ليضربه قال له الوليد انشدك اللّه أن تقطع رحمي و تغضب أمير المؤمنين فيكفّ، فلمّا رأي أمير المؤمنين عليه السّلام ذلك أخذ السوط و دخل عليه فجلّده به فأيّ عذر له في عزله و جلده بعد هذه الممانعة الطويلة و المدافعة التامة.

و قصّة الوليد مع الساحر الّذي يلعب بين يديه و يغرّ النّاس بمكره و خديعته و أن جندب بن عبد اللّه الأزدي امتعض من ذلك و دخل عليه فقتله و قال له: أحي نفسك إن كنت صادقا و أن الوليد أراد أن يقتل جندبا بالساحر حتى أنكر الأزد ذلك عليه فحبسه و طال حبسه حتّى هرب من السجن معروفة مشهورة. أقول: و سيأتي نقل القصة.

قال: فان قيل: قد وليّ رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله الوليد بن عقبة صدقة بني المصطلق و وليّ عمر الوليد أيضا صدقة بني تغلب فكيف يدعون أنّ حاله في أنّه لا يصلح للولاية ظاهرة قلنا: لا جرم أنّه غر رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و كذب على القوم حتّى نزلت الاية الّتي قدمنا ذكرها فعزله و ليس خطب ولاية الصدقة خطب ولاية الكوفة. فأمّا عمر لمّا بلغه قوله:

  • إذا ما شددت الرأس منّي بمشورفويلك منّي تغلب ابنة وائل

عزله. و أمّا عزل أمير المؤمنين عليه السّلام بعض أمرائه لمّا ظهر منه الحدث كالقعقاع ابن شور و غيره و كذلك عزل عمر قدامة بن مظعون لما شهدوا عليه بشرب الخمر و جلده له، فانّه لا يشبه ما تقدّم لأن كلّ واحد ممن ذكرناه لم يولّ الأمر إلّا من هو حسن الظن عند توليته فيه حسن الظاهر عنده و عند النّاس غير معروف باللعب (باللّعنة- خ ل) و لا مشهور بالفساد، ثمّ لمّا ظهر منه ما ظهر لم يحام عنه و لا كذّب الشهود عليه و كابرهم بل عزله مختار أغير مضطرّ و كلّ هذا لم يجر في امراء عثمان، و لأنّا قد بيّنا كيف كان عزل الوليد و إقامة الحدّ عليه.

فأمّا أبو موسى فإن أمير المؤمنين عليه السّلام لم يولّه الحكم مختارا لكنّه غلب على رأيه و قهر على أمره و لا رأى لمقهور.

فأمّا قوله «إن ولاية الأقارب كولاية الأباعد بل الأباعد أجدر و أولى أن يقدم الأقارب عليهم من حيث كان التمكن من عزلهم أشدّ و ذكر تولية أمير المؤمنين عليه السّلام عبد اللّه و عبيد اللّه و قثما بني العبّاس و غيرهم» فليس بشي ء لأن عثمان لم تنقم عليه تولية الأقارب من حيث كانوا أقارب بل من حيث كانوا أهل بيت الظنّة و التهمة و لهذا حذّره عمر منهم و أشعر بأنّه يحملهم على رقاب النّاس، و أمير المؤمنين عليه السّلام لم يولّ من أقاربه متهما و لا ظنينا و حين أحسّ من ابن عبّاس بعض الريبة لم يمهله و لا احتمله و كاتبه بما هو مشهور سائر ظاهر، و لو لم يجب على عثمان أن يعدل عن ولاية أقاربه إلّا من حيث جعل عمر ذلك سبب عدوله عن النصّ عليه و شرط عليه يوم الشورى أن لا يحمل أقاربه على النّاس و لا يؤثرهم لمكان القرابة بما لا يؤثر به غيرهم لكان صادقا قويّا فضلا عن أن ينضاف إلى ذلك ما انضاف من خصالهم الذميمة و طرائفهم القبيحة.

فأمّا سعيد بن العاص فإنّه قال في الكوفة: إنّما السواد بستان لقريش تأخذ منه ما شائت و تترك حتّى قالوا له أ تجعل ما أفاء اللّه علينا بستانا لك و لقومك و نابذوه و أفضى ذلك الأمر إلى تسييره من سير من الكوفة و القصّة مشهورة ثمّ انتهى الأمر إلى منع أهل الكوفة سعيدا من دخولها و تكلموا فيه و في عثمان كلاما ظاهرا حتّى كادوا يخلعون عثمان فاضطرّ حينئذ إلى إجابتهم إلى ولاية أبي موسى فلم يصرف سعيدا مختارا بل ما صرفه جملة و إنّما صرفه أهل الكوفة عنهم.

12- قال المسعودي: و في سنة خمس و ثلاثين كثر الطعن على عثمان و ظهر عليه النكير لأشياء ذكروها من فعله منها ما كان بينه و بين عبد اللّه بن مسعود و انحراف هذيل عن عثمان من أجله.

و في أسد الغابة: عبد اللّه بن مسعود بن غافل الهذلي كان اسلامه قديما أوّل الاسلام سادس ستة في الاسلام و كان أوّل من جهر بالقرآن بمكة بعد رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و هاجر الهجرتين جميعا إلى الحبشة و إلى المدينة و صلّى القبلتين و شهد بدرا و احدا و الخندق و بيعة الرضوان و سائر المشاهد مع رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله، و أمّ عبد اللّه بن مسعود امّ عبد بنت عبدود بن سوداء من هذيل أيضا.

و فيه بإسناده إلى عبد الرّحمن بن يزيد قال: أتينا حذيفة فقلنا حدّثنا بأقرب النّاس من رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله هديا و دلّا فنأخذ عنه و نسمع منه قال: كان أقرب النّاس هديا و دلّا و سمتا برسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله ابن مسعود و لقد علم المحفوظون من أصحاب محمّد أن ابن امّ عبد هو من أقربهم إلى اللّه زلفي.

و فيه عن عليّ عليه السّلام قال: أمر النّبيّ صلّى اللّه عليه و آله ابن مسعود فصعد على شجرة يأتيه منها بشي ء فنظر أصحابه إلى ساق عبد اللّه فضحكوا من حموشة ساقيه فقال رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله: ما تضحكون لرجل عبد اللّه أثقل في الميزان يوم القيامة من احد.

و فيه عن حبة بن جوين عن عليّ عليه السّلام قال: كنا عنده جلوسا فقالوا: ما رأينا رجلا أحسن خلقا و لا أرفق تعليما و لا أحسن مجالسة و لا أشدّ ورعا من ابن مسعود.

قال عليّ عليه السّلام: انشدكم اللّه أ هو الصدق من قلوبكم قالوا: نعم، قال: اللّهم اشهد أني أقول مثل ما قالوا و أفضل.

و فيه في سبب اسلامه بإسناده إلى عبد اللّه بن مسعود قال: كنت غلاما يافعا في غنم لعقبة بن أبي معيط أرعاها فأتي النّبيّ صلّى اللّه عليه و آله و معه أبو بكر فقال: يا غلام هل معك من لبن فقلت: نعم، و لكني مؤتمن فقال: ائتني بشاة لم ينز عليها الفحل فأتيته بعناق أو جذعة فاعتقلها رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله فجعل يمسح الضرع و يدعو حتّى انزلت فأتاه أبو بكر بصحوة فاحتلب فيها ثمّ قال لأبي بكر: اشرب فشرب أبو بكر ثمّ شرب النّبيّ صلّى اللّه عليه و آله بعده ثمّ قال للضرع: اقلص فقلص فعاد كما كان. ثمّ أتيت فقلت: يا رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله علّمني من هذا الكلام أو من هذا القرآن فمسح رأسي و قال: إنّك غلام معلم فلقد أخذت منه سبعين سورة ما نازعني فيها بشر.

و فيه: و قال أبو طيبة مرض عبد اللّه فعاده عثمان بن عفان فقال: ما تشتكى قال: ذنوبي. قال: فما تشتهى قال: رحمة ربي. قال: ألا آمر لك بطبيب قال: الطبيب أمرضني. قال: ألا آمر لك بعطاء قال: لا حاجة لي فيه. قال: يكون لبناتك، قال: أتخشى على بناتي الفقر إنّي أمرت بناتي أن يقرأن كلّ ليلة سورة الواقعة إنّي سمعت رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله يقول: من قرأ الواقعة كلّ ليلة لم تصبه فاقة أبدا. قال: و إنما قال له عثمان ألا آمر لك بعطائك لأنه كان قد حبسه عنه سنتين.

توفي ابن مسعود بالمدينة سنة اثنتين و ثلاثين من الهجرة و دفن ليلا اوصى بذلك و لم يعلم عثمان بدفنه فعاتب الزبير على ذلك و صلّى عليه عمّار و قيل صلّى عليه الزبير.

و في الشافي لعلم الهدى الشريف المرتضى: و قد روى كلّ من روى سيرة من أصحاب الحديث على اختلاف طرقهم ان ابن مسعود كان يقول: ليتني و عثمان برمل عالج يحثى علىّ و احثى عليه حتى يموت الأعجز منى و منه.

و فيه: و رووا انه كان يطعن عليه فيقال له ألا خرجت إليه لنخرج معك فيقول: و اللّه لئن ازاول جبلا راسيا أحبّ إليّ من أن ازاول ملكا مؤجلا. و كان يقول في كلّ يوم جمعة بالكوفة جاهرا معلنا: إنّ أصدق القول كتاب اللّه و أحسن الهدى هدى محمّد صلّى اللّه عليه و آله و شرّ الأمور محدثاتها و كلّ محدث بدعة و كلّ بدعة ضلالة و كلّ ضلالة في النّار، و إنما يقول ذلك معرضا بعثمان حتّى غضب الوليد من استمرار تعرّضه و نهاه عن خطبته هذه فكتب إلى عثمان فيه فكتب عثمان يستقدمه عليه.

و فيه: و روى أنه لما خرج عبد اللّه بن مسعود إلى المدينة مزعجا عن الكوفة خرج النّاس معه يشيّعونه و قالوا: يا با عبد الرّحمن ارجع فو اللّه لا يوصل إليك أبدا فانا لا نأمنه عليك، فقال: أمر سيكون و لا احب أن أكون أوّل من فتحه.

أقول: الظاهر أنه يريد من قوله أمر سيكون قيام النّاس على عثمان و قتلهم إيّاه لمّا رأى الأمور المحدثة المنكرة منه و كلام النّاس و سخطهم في عثمان و أفعاله.

و في الشّافي: و قد روى عنه من طرق لا تحصى كثرة انه كان يقول: ما يزن عثمان عند اللّه جناح ذباب. و تعاطي شرح ما روى عنه في هذا الباب يطول و هو أظهر من أن يحتاج إلى الاستشهاد عليه. و انه بلغ من اصرار عبد اللّه على مظاهرته بالعداوة أن قال لما حضره الموت من يتقبل منّي وصيّة اوصيه بها على ما فيها فسكت القوم و عرفوا الذي يريد فأعادها فقال عمار بن ياسر: فانا أقبلها. فقال ابن مسعود: لا يصلّى علىّ عثمان. فقال: ذلك لك. فيقال: انه لما دفن جاء عثمان منكرا لذلك فقال له قائل: إن عمارا ولّى هذا الأمر. فقال لعمار: ما حملك على أن لم تؤذني فقال له: إنه عهد إلىّ ألّا اوذنك فوقف على قبره و أثنى عليه ثمّ انصرف و هو يقول رفعتم و اللّه بايديكم عن خير من بقى فتمثل الزبير بقول الشّاعر:

  • لأعرفنك بعد الموت تندبنيو في حياتي ما زوّدتني زادي

و فيه: لما مرض ابن مسعود مرضه الذي مات فيه فأتاه عثمان عائدا فقال: ما تشتكى قال: ذنوبي. قال: فما تشتهى قال: رحمة ربّي قال: أ لا أدعو لك طبيبا قال: الطبيب أمرضني. قال فلا آمر لك بعطائك قال: منعتنيه و أنا محتاج إليه و تعطينيه و أنا مستغن عنه. قال: يكون لولدك، قال: رزقهم على اللّه. قال: استغفر لي يا با عبد الرحمن، فقال: أسأل اللّه أن يأخذ لي منك بحقي.

و فيه: ان كل من قرأ الأخبار علم أن عثمان أمر باخراجه من المسجد على أعنف الوجوه و بأمره جرى ما جرى عليه و لو لم يكن بأمره و رضاه لوجب أن ينكر على مولاه كسره لضلعه و يعتذر إلى من عاتبه على فعله بأن يقول: انني لم آمر بذلك و لا رضيته من فاعله و قد انكرت على من فعله و في علمنا بأن ذلك لم يكن دليل على ما قلناه. و قد روى الواقدي باسناده و غيره ان عثمان لما استقدمه المدينة دخلها ليلة جمعة فلمّا علم عثمان بدخوله قال: أيها النّاس انّه قد طرقكم الليلة دويبة من تمشى على طعامه يقي و يسلح. فقال ابن مسعود: لست كذلك و لكنني صاحب رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله يوم بدر و صاحبه يوم بيعة الرضوان و صاحبه يوم الخندق و صاحبه يوم حنين، قال: فصاحت عايشة أيا عثمان أتقول هذا لصاحب رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله فقال عثمان: اسكتى.

ثمّ قال لعبد اللّه بن زمعة بن الأسود بن المطلب بن اسد بن عبد العزى ابن قصى: أخرجه إخراجا عنيفا فأخذه ابن زمعة فاحتمله حتّى جاء به باب المسجد فضرب به الأرض فكسر ضلعا من أضلاعه. فقال ابن مسعود: قتلني ابن زمعة الكافر بأمر عثمان.

و في رواية اخرى أن ابن زمعة مولى لعثمان أسود كان مسدما طوالا.

و في رواية اخرى أن فاعل ذلك يحموم مولى عثمان.

و في رواية أنه لما احتمله ليخرجه من المسجد ناداه عبد اللّه انشدك اللّه أن تخرجني من مسجد خليلي رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و هو الذي يقول فيه رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله: لساقا ابن امّ عبد أثقل في الميزان يوم القيامة من جبل احد.

13- قال المسعودي في مروج الذهب و غيره: و من ذلك ما نال عمار بن ياسر من الفتن و الضرب و انحراف بني مخزوم عن عثمان من أجله.

و في تلخيص الشافي للشيخ الطوسي: و من ذلك إقدامه على عمّار حتى روى أنّه صار به فتق و كان أحد من ظاهر المتظلمين على قتله و كان يقول: قتلناه كافرا.

أقول: قد ذكرنا في المجلّد الخامس عشر في شرح الخطبة 236 طائفة من الأقوال و الأخبار في ترجمة عمّار و مناقبه و فضائله فلا حاجة إلى الاعادة فراجع.

قال ابن جمهور الاحسائي في المجلى: و من قوادح عثمان ضربه لعمار بن ياسر حتّى أخذه الفتق على ما رواه الثقات من أهل السيرة ان عمّار بن ياسر قام في المسجد يوما و عثمان يخطب على المنبر فوبّخه بأحداثه و افعاله فنزل عثمان فركضه برجله حتّى ألقاه على قفاه و داس في بطنه برجله و أمر أعوانه من بني اميّة فضربوه حتى غشى عليه و هو مع ذلك يشتم عمارا و يسبه و تركه و مضى إلى منزله فاحتمل عمّار إلى منزله و هو لما به فلما أفاق من غشوته دخل عليه النّاس فلامه بعض و قال و ما لك و التعرض لعثمان و قد علمت أفعاله و أحداثه فقال: إنما حملني على ذلك كلام سمعت من رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله فانّه قال: أفضل الأعمال كلمة حق تقولها بين يدي إمام جائر فأردت أن أنال هذه الدرجة و أن لي و لعثمان موقفا عند اللّه يوم القيامة.

«جواب القاضي عبد الجبار و شيخه أبي على عن ذلك»

قال علم الهدى في الشافي: قال صاحب الكتاب «يعني القاضي عبد الجبار صاحب الكتاب المعروف بالمغني من الحجاج في الإمامة»: فاما ما طعنوا به من ضربه عمّارا حتى صار به فتق فقد قال شيخنا أبو علي إن ذلك غير ثابت و لو ثبت انه ضربه للقول العظيم الذي كان يقوله لم يجب أن يكون طعنا لأن للإمام تأديب من يستحق ذلك و ممّا يبعّد صحة ذلك أن عمارا لا يجوز أن يكفره و لما يقع منه ما يستوجب الكفر لأن الذي يكفر به الكافر معلوم و لأنّه لو كان قد وقع ذلك لكان غيره من الصحابة أولى بذلك و لوجب أن يجتمعوا على خلعه و لوجب أن لا يكون قتله لهم مباحا بل كان يجب أن يقيموا إماما يقتله على ما قدمنا القول فيه و ليس لأحد ان يقول انما كفره من حيث وثب على الخلافة و لم يكن لها اهلا لأنا قد بيّنا القول في ذلك، لأنه كان مصوبا لأبي بكر و عمر على ما قدمنا من قبل، و قد بيّنا ان صحة إمامتهما يقتضي صحة إمامة عثمان.

و روى إنّ عمّارا نازع الحسن عليه السّلام في أمره فقال عمّار قتل عثمان كافرا و قال الحسن عليه السّلام قتل مؤمنا و تعلق بعضهما ببعض فصارا إلى أمير المؤمنين عليه السّلام فقال: ما ذا تريد من ابن أخيك فقال إنّي قلت كذا و قال الحسن عليه السّلام كذا فقال أمير المؤمنين عليه السّلام أتكفر بربّ كان يؤمن به عثمان فسكت عمّار.

و حكى عن الخياط أن عثمان لما نقم عليه ضربه لعمار احتجّ لنفسه فقال جاءني سعد و عمّار فارسلا إلىّ أن ائتنا فانا نريد أن نذاكرك اشياء فعلتها فارسلت إليهما أني مشغول فانصرفا فموعد كما يوم كذا فانصرف سعد و أبي عمار أن ينصرف فأعدت الرّسول إليه فأبى أن ينصرف فتناوله بعض غلماني بغير أمري و و اللّه ما أمرت به و لا رضيت و ها أنا فليقتصّ منّي قال: و هذا من أنصف قول و أعدله.

«اعتراض الشريف المرتضى علم الهدى عليه»

قال علم الهدى في جوابه: انّه يقال له: قد وجدناك في قصة عثمان و عمّار بين أمرين مختلفين: بين دفع لما روى من ضربه و بين اعتراف بذلك و تأول له و اعتذار منه بأن التأديب المستحق لا حرج فيه و نحن نتكلّم على الأمرين: أمّا الدّفع لضرب عمّار فهو كالانكار لوجود أحد يسمى عمّارا أو لطلوع الشمس ظهورا و انتشارا و كلّ من قرأ الأخبار و تصفح السير يعلم من هذا الأمر ما لا تثنية عنه مكابرة و لا مدافعة و هذا الفعل يعني ضرب عمّار لم يختلف الرواة فيه و إنّما اختلفوا في سببه: فروى عبّاس عن هشام الكلبي عن أبي مخنف في اسناده قال: كان في بيت المال بالمدينة سفط فيه حليّ و جوهر فأخذ منه عثمان ما حلي به بعض أهله فأظهر النّاس الطعن عليه في ذلك و كلّموه فيه بكلّ كلام شديد حتّى أغضبوه فخطب فقال: لنأخذنّ حاجتنا من هذا الفي ء و إن زغمت أنوف أقوام فقال عليّ عليه السّلام إذا تمنع ذلك و يحال بينك و بينه فقال عمّار: اشهد اللّه ان أنفي أول راغم من ذلك فقال عثمان: أ علىّ يا ابن ياسر و سمية تجترى ء خذوه فأخذوه فدخل عثمان فدعا به فضربه حتّى غشي عليه ثمّ اخرج فحمل إلى منزل امّ سلمة زوج النّبيّ صلّى اللّه عليه و آله رحمة اللّه عليها فلم يصلّ الظهر و العصر و المغرب فلمّا أفاق توضّأ و صلّى و قال: الحمد للّه ليس هذا أوّل يوم اوذينا فيه في اللّه فقال هشام بن الوليد بن المغيرة المخزومي و كان عمّار حليفا لبني مخزوم، يا عثمان أمّا عليّ فاتّقيته و أمّا نحن فاجترأت علينا و ضربت أخانا حتّى اشفيت به على التلف أما و اللّه لئن مات لأقتلن به رجلا من بني اميّة عظيم السيرة و إنّك لها أنا ابن القسرية، قال: فانّهما قسريتان و كانت امّه و جدّته قسريتين من بجيلة فشتمه عثمان و أمر به فاخرج فأتي به امّ سلمة فإذا هي قد غضبت بعمّار و بلغ عايشة ما صنع بعمّار فغضبت و أخرجت شعرا من شعر رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و نعلا من نعاله و ثوبا من ثيابه و قالت: ما أسرع ما تركتم سنة رسولكم و هذا شعره و ثوبه و نعله لم يبل بعد.

و روي آخرون أن السبب في ذلك أن عثمان مرّ بقبر جديد فسأل عنه فقيل: عبد اللّه بن مسعود فغضب على عمّار لكتمانه إياه موته إذا كان المتولى للصلاة عليه و القيام بشأنه فعندها وطى ء عثمان عمارا حتّى أصابه الفتق.

و روي آخرون أن المقداد و طلحة و الزبير و عمارا و عدّة من أصحاب رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله كتبوا كتابا عدّدوا فيه أحداث عثمان و خوّفوه ربّه و أعلموه أنّهم مواثبوه إن لم يقلع. فأخذ عمّار الكتاب فأتاه به فقرأه منه صدرا. فقال عثمان: أعلىّ تقدم من بينهم فقال: لأنّي أنصحهم لك. فقال: كذبت يا ابن سميّة. فقال: أنا و اللّه ابن سميّة و أنا ابن ياسر فأمر غلمانه فمدّوا بيديه و رجليه فضربه عثمان برجليه و هي في الخفين على مذاكيره فأصابه الفتق و كان ضعيفا كبيرا فغشي عليه.

فضرب عمّار على ما ترى غير مختلف فيه بين الرواة و إنّما اختلفوا في سببه، و الخبر الّذي رواه صاحب الكتاب و حكاه عن الخيّاط ما نعرفه و كتب السير المعروفة خالية منه و من نظيره و قد كان يجب أن يضيفه إلى الموضع الّذي أخذه منه، فإنّ قوله و قول من اسند إليه ليسا بحجة. و لو كان صحيحا لكان يجب أن يقول بدل قوله ها أنا فليقتصّ منّي و إذا كان ما أمر بذلك و لا رضيه و إنّما ضربه الغلام: هذا الغلام الجاني فليقتصّ منه فإنّه أولى و أعدل و بعد فلا تنافي بين الروايتين لو كان ما رواه معروفا لأنّه يجوز أن يكون غلامه ضربه في حال اخرى و الروايات إذا لم تتعارض لم يجز اسقاط شي ء منها.

فأمّا قوله: إن عمارا لا يجوز أن يكفره و لم يقع منه ما يوجب الكفر، فان تكفير عمّار له معروف قد جاءت به الروايات.

و قد روي من طرق مختلفة و باسانيد كثيرة أن عمارا كان يقول: ثلاثة يشهدون على عثمان بالكفر و أنا الرابع و أنا الرابع و أنا شرّ الأربعة و من لم يحكم بما أنزل اللّه فأولئك هم الكافرون و أنا أشهد أنّه قد حكم بغير ما أنزل اللّه.

و روي عن زيد بن أرقم من طرق مختلفة انّه قيل: بأي شي ء أكفرتم عثمان قال: بثلاث: جعل المال دولة بين الأغنياء، و جعل المهاجرين من أصحاب رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله بمنزلة من حارب اللّه و رسوله، و عمل بغير كتاب اللّه.

و روي عن حذيفة انّه كان يقول: ما في عثمان بحمد اللّه أشكّ لكنّني أشكّ في قاتله أ كافر قتل كافرا أم مؤمن خاض إليه الفتنة حتّى قتله و هو أفضل المؤمنين إيمانا.

فأمّا ما رواه من منازعة الحسن عليه السّلام عمارا في ذلك و ترافعهما فهو أولا غير رافع لكون عمّار مكفرا له بل هو شاهد من قوله بذلك. و إن كان الخبر صحيحا فالوجه فيه أن عمارا علم من لحن كلام أمير المؤمنين عليه السّلام و عدوله عن أن يقضى بينهما بصريح القول: انّه متمسك بالتقيّة فأمسك عمّار لما فهم من غرضه.

فأمّا قوله لا يجوز أن يكفره من حيث وثب على الخلافة لأنّه كان مصوبا لأبى بكر و عمر و لما تقدّم من كلامه في ذلك فلابد إذا حملنا تكفير عمّار للرجل على الصحة من هذا الوجه أن يكون عمّار غير مصوب للرجلين على ما ادّعى.

فأمّا قوله عن أبى على انّه لو ثبت انّه ضربه للقول العظيم الّذي كان يقول فيه لم يكن طعنا لأن للإمام تأديب من يستحق ذلك، فقد كان يجب أن يستوحش صاحب الكتاب أو من حكى كلامه من أبى على و غيره من أن يعتذر من ضرب عمار و قذه حتّى لحقه من الغشى و ترك له الصلاة و وطيه بالاقدام امتهانا و استخفافا بشي ء من العذر فلا عذر يسمع من إيقاع نهاية المكروه بمن روى أن النّبيّ صلّى اللّه عليه و آله قال فيه: عمّار جلدة ما بين العين و الأنف و متى تنك الجلد تدم الأنف.

و روي أنّه صلّى اللّه عليه و آله قال: ما لهم و لعمار يدعوهم إلى الجنّة و يدعونه إلى النار و روي العوام بن حوشب عن سلمة بن كهيل عن علقمة عن خالد بن الوليد أن رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله قال: من عاد عمارا عاداه اللّه و من أبغض عمار أبغضه اللّه.

و أىّ كلام غليظ سمعه من عمّار يستحق به ذلك المكروه العظيم الّذي يتجاوز المقدار الّذي فرضه اللّه تعالى في الحدود و إنّما كان عمّار و غيره ينثوا عليه أحداثه و معايبه أحيانا على ما يظهر من سيئ أفعاله و قد كان يجب عليه أحد الأمرين إما أن ينزع عما يواقف عليه من تلك الأفعال أو أن يبين عذره فيها أو براءته منها ما يظهر و ينتشر و يشتهر فان أقام مقيم بعد ذلك على توبيخه و تفسيقه زجره عن ذلك بوعظ أو غيره و لا يقدم على ما تفعله الجبابرة و الأكاسرة من شفاء الغيظ بغير ما أنزل اللّه تعالى و حكم به.

و في الإمامة و السياسة لابن قتيبة الدينوري: ذكروا أنّه اجتمع ناس من أصحاب النّبيّ عليه الصلاة و السّلام فكتبوا كتابا و ذكروا فيه ما خالف فيه عثمان من سنة رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سنة صاحبيه- و بعد ما أتى بكثير من أحداثه قال: ثمّ تعاهد القوم ليدفعنّ الكتاب في يد عثمان و كان ممن حضر الكتاب عمار بن ياسر و المقداد ابن الأسود و كانوا عشرة فلمّا خرجوا بالكتاب ليدفعوه إلى عثمان و الكتاب في يد عمّار جعلوا يتسلّلون عن عمّار حتّى بقي وحده فمضى حتّى جاء دار عثمان فاستأذن عليه فأذن له في يوم شات فدخل عليه و عنده مروان بن الحكم و أهله من بني امية فدفع عليه الكتاب فقرأه فقال له: أنت كتبت هذا الكتاب قال: نعم، قال: و من كان معك قال: كان معي نفر تفرقوا فرقا منك، قال: من هم قال: لا أخبرك بهم، قال: فلم اجترأت عليّ من بينهم فقال مروان: يا أمير المؤمنين إنّ هذا العبد الأسود (يعني عمارا) قد جرّأ عليك النّاس و إنّك إن قتلته نكلت به من ورائه، قال عثمان: اضربوه فضربوه و ضربه عثمان معهم حتّى فتقوا بطنه فغشي عليه فجرّوه حتّى طرحوه على باب الدار- إلى آخر ما قال.

14- قال المسعودي في مروج الذهب: و من ذلك فعل الوليد بن عقبة في مسجد الكوفة

و ذلك أنّه بلغه عن رجل من اليهود من ساكني قرية من قري الكوفة مما يلي جسر بابل يقال له: زرارة يعمل أنواعا من الشعبذة و السحر يعرف بمطروي فاحضر فأراه في المسجد ضربا من التخاييل و هو أن أظهر له في الليل فيلا عظيما على فرس في صحن المسجد ثمّ صار اليهودي ناقة يمشي على جبل ثمّ أراه صورة حمار دخل من فيه ثمّ خرج من دبره ثمّ ضرب عنق رجل ففرق بين جسده و رأسه ثمّ أمرّ السيف عليه فقام الرّجل و كان جماعة من أهل الكوفة حضورا منهم جندب بن كعب الأزدي فجعل يستعيذ باللّه من فعل الشيطان و من عمل يبعد من الرحمن و علم أن ذلك هو ضرب من التخييل و السحر فاخترط سيفه و ضرب به اليهودي ضربة أدار رأسه ناحية من بدنه و قال: جاء الحقّ و زهق الباطل إنّ الباطل كان زهوقا.

و قد قيل ان ذلك كان نهارا و أن جندبا خرج إلى السوق و دنا من بعض الصياقلة و أخذ سيفا و دخل فضرب به عنق اليهودي و قال: إن كنت صادقا فأحى نفسك فأنكر عليه الوليد ذلك و أراد أن يقيده به فمنعه الأزد فحبسه و أراد قتله غيلة و نظر السجّان إلى قيامه ليله إلى الصبح فقال له: انج بنفسك فقال له جندب: تقتل بي. قال: ليس ذلك بكثير في مرضاة اللّه و الدفع عن وليّ من أولياء اللّه، فلما اصبح الوليد دعا به و قد استعدّ لقتله فلم يجده فسأل السجّان فأخبره بهربه فضرب عنق السجان و صلبه بالكناس.

قال ابن الأثير الجزري في اسد الغابة: جندب بن كعب بن عبد اللّه الأزدي أحد جنادب الأزد و هو قاتل الساحر عند الأكثر و ممن قاله الكلبي و البخاري روى عنه الحسن.

قال: اخبرنا إبراهيم بن محمّد بن مهران الفقيه و غيره قالوا باسنادهم عن محمّد ابن عيسى أخبرنا أحمد بن منيع أخبرنا أبو معاوية عن اسماعيل بن مسلم عن الحسن عن جندب قال: قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله: حدّ الساحر ضربة بالسيف. قد اختلف في رفع هذا الحديث فمنهم من رفعه بهذا الاسناد و منهم من وقفه على جندب.

و كان سبب قتله الساحر أن الوليد بن عقبة أبي معيط لما كان أميرا على الكوفة حضر عنده ساحر فكان يلعب بين يدي الوليد يريه أنّه يقتل رجلا ثمّ يحييه و يدخل في فم ناقة ثمّ يخرج من حيائها فأخذ سيفا من صيقل و اشتمل عليه و جاء إلى الساحر فضربه ضربة فقتله ثمّ قال له: أحى نفسك ثمّ قرأ:«أَ فَتَأْتُونَ السِّحْرَ وَ أَنْتُمْ تُبْصِرُونَ» فرفع إلى الوليد فقال: سمعت رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله يقول: حدّ الساحر ضربة بالسيف فحبسه الوليد فلمّا رأى السجّان صلاته و صومه خلّى سبيله.

و في الشّافي و تلخيصه: انّ الوليد اراد أن يقتل جندبا بالساحر حتّى انكر الأزد ذلك فحبسه و أطال حبسه حتّى هرب من السجن.

و قال في اسد الغابة: فأخذ الوليد السجّان فقتله و قيل: بل سجنه فأتاه كتاب عثمان باطلاقه و قيل: بل حبس الوليد جندبا فأتى ابن أخيه إلى السجّان فقتله و أخرج جندبا فذلك قوله:

  • أفي مضرب السحّار يحبس جندبو يقتل أصحاب النّبيّ الأوائل

فان يك ظنى بابن سلمى و رهطه

هو الحق يطلق جندب و يقاتل

و انطلق إلى أرض الروم فلم يزل يقاتل بها المشركين حتى مات لعشر سنوات مضين من خلافة معاوية

15- و من ذلك قصّة قتل الهرمزان

و قد قدّمنا الكلام فيه في شرح الخطبة 236 و جملته أن عثمان عطّل الحدّ الواجب في عبيد اللّه بن عمر فانه قتل الهرمزان بعد اسلامه فلم يقده به و قد كان أمير المؤمنين عليّ عليه السّلام يطلبه لذلك. و تلك القصّة على الاجمال أنّ الهرمزان كان من عظماء فارس و كان قد اسر في بعض الغزوات و جي ء به إلى المدينة فأخذه عليّ عليه السّلام فأسلم على يديه فأعتقه عليّ عليه السّلام فلما ضرب عمر في غلس الصبح و اشتبه الأمر في ضاربه سمع ابنه عبيد اللّه قوم يقولون: قتله العلج فظن أنهم يعنون الهرمزان فبادر عبيد اللّه إليه فقتله قبل أن يموت عمر فسمع عمر بما فعله ابنه فقال: قد أخطأ عبيد اللّه إنّ الذي ضربني أبو لؤلؤة و إن عشت لأقيدنّه به فإن عليّا لا يقبل منه الدية و هو مولاه فلما مات عمر و تولى عثمان طالب عليّ عليه السّلام بقود عبيد اللّه و قال: إنّه قتل مولاى ظلما و أنا وليّه فقال عثمان: قتل بالأمس عمر و اليوم يقتل ابنه حسب آل عمر مصابهم به و امتنع من تسليمه إلى عليّ عليه السّلام و منع عليّا حقّه و لهذا قال عليّ عليه السّلام لأن أمكنني الدهر منه يوما لأقتلنّه به فلما ولّى عليّ عليه السّلام هرب عبيد اللّه منه إلى الشّام و التجأ إلى معاوية و خرج معه إلى حرب صفين فقتله عليّ عليه السّلام في حرب صفين قال الأحسائي في المجلى: فانظر إلى عثمان كيف عطل حقّ عليّ عليه السّلام و خالف الكتاب و السنة برأيه و اللّه تعالى يقول«وَ مَنْ قُتِلَ مَظْلُوماً فَقَدْ جَعَلْنا لِوَلِيِّهِ سُلْطاناً».

و قال أبو جعفر الطبر في التاريخ: بعد ما بايع النّاس عثمان جلس في جانب المسجد و دعا عبيد اللّه بن عمرو و كان محبوسا في دار سعد بن أبي وقاص و هو الذي نزع السيف من يده بعد قتله جفينة و الهرمزان و ابنة أبي لؤلؤة و كان يقول: و اللّه لأقتلنّ رجالا ممّن شرك في دم أبي يعرض بالمهاجرين و الأنصار فقام إليه سعد فنزع السيف من يده و جذب شعره حتّى أضجعه إلى الأرض و حبسه في داره حتّى أخرجه عثمان إليه فقال عثمان لجماعة من المهاجرين و الأنصار: أشيروا علىّ في هذا الذي فتق في الاسلام ما فتق، فقال عليّ أرى أن تقتله فقال بعض المهاجرين: قتل عمر أمس و يقتل ابنه اليوم فقال عمرو بن العاص: يا أمير المؤمنين إنّ اللّه قد أعفاك أن يكون هذا الحدث كان و لك على المسلمين سلطان إنّما كان هذا الحدث و لا سلطان لك قال عثمان: أنا وليهم و قد جعلتها دية و احتملتها في مالي.

قال: و كان رجل من الأنصار يقال له زياد بن لبيد البياضي إذا رأى عبيد اللّه ابن عمر قال:

  • ألا يا عبيد اللّه ما لك مهربو لا ملجأ من ابن أروى و لا خفر

أصبت دما و اللّه في غير حلّه

حراما و قتل الهرمزان له خطر

  • على غير شي ء غير أن قال قائلأتتّهمون الهرمزان على عمر

فقال سفيه و الحوادث جمة

نعم اتّهمه قد أشار و قد أمر

  • و كان سلاح العبد في جوف بيتهيقلّبها و الأمر بالأمر يعتبر

فشكى عبيد اللّه بن عمر إلى عثمان زياد بن لبيد و شعره فدعا عثمان زياد بن لبيد فنهاه قال: فانشأ زياد يقول في عثمان:

  • أبا عمر و عبيد اللّه رهنفلا تشكك بقتل الهرمزان

فإنك إن غفرت الجرم عنه

فأسباب الخطا فرسا رهان

  • أ تعفو إذ عفوت بغير حقّفما لك بالذي تحكى يدان

فدعا عثمان زياد بن لبيد فنهاه و شذبه.

«اعتذار القاضى عبد الجبار من تعطيل عثمان الحد الواجب» «في عبيد اللّه بن عمر»

نقل علم الهدى في الشافي عن عبد الجبار بقوله: ثمّ ذكر ما نسب إليه من تعطيل الحدّ في الهرمزان و حكى عن أبي علي أنه لم يكن للهرمزان وليّ يطلب بدمه و الإمام وليّ من لا وليّ له و للوليّ أن يعفو كما له أن يقتل. و قد روى أنه سأل المسلمين أن يعفوا عنه فأجابوا إلى ذلك.

قال القاضي: و انما أراد عثمان بالعفو عنه ما يعود إلى عزّ الدّين لأنه خاف أن يبلغ العدوّ قتله فيقال: قتلوا إمامهم و قتلوا ولده و لا يعرفون الحال في ذلك فيكون شماتة.

و حكى عن الخياط أن عامة المهاجرين أجمعوا على الإيقاد بالهرمزان و قالوا: هو دم سفك في غير ولايتك فليس له وليّ يطلب به و أمره إلى الإمام فاقبل منه الدّية فذلك صلاح المسلمين.

قال: و لم يثبت أنّ أمير المؤمنين عليه السّلام كان يطلبه ليقتله بالهرمزان لأنّه لا يجوز قتل من عفى عنه وليّ المقتول و إنّما كان يطلبه ليضع من قدره و يصغر من شأنه.

قال: و يجوز أن يكون ما روى عن عليّ عليه السّلام انه قال: لو كنت بدل عثمان لقتله، يعني أنّه كان يرى ذلك أقوى في الاجتهاد و أقرب إلى التشدّد في دين اللّه.

«اعتراض علم الهدى على القاضى»

اعترض عليه الشريف المرتضى علم الهدى في الشافي بقوله: فأمّا الكلام في قتل الهرمزان و في العدول عن قتل قاتله و اعتذاره من ذلك بما اعتذر به من انه لم يكن له وليّ لأنّ الإمام ولىّ من لا وليّ له و له أن يعفو كما له أن يستوفي القود، فليس بشي ء لأنّ الهرمزان رجل من أهل فارس و لم يكن له وليّ حاضر يطالب بدمه و قد كان يجب أن يبذل الإنصاف لأوليائه و يؤمنوا متى حضروا حتّى ان كان له وليّ يطالب و حضر و طالب.

ثمّ لو لم يكن له وليّ لم يكن عثمان وليّ دمه لأنه قتل في أيّام عمر فصار عمر وليّ دمه و قد أوصى عمر على ما جاءت به الروايات الظاهرة بقتل ابنه عبيد اللّه إن لم يقم البينة العادية على الهرمزان و جفينة أنهما أمرا أبا لؤلؤة غلام المغيرة بن شعبة بقتله و كانت وصيته بذلك إلى أهل الشورى فقال: أيكم وليّ هذا الأمر فليفعل كذا و كذا ممّا ذكرناه، فلما مات عمر طلب المسلمون إلى عثمان إمضاء الوصيّة في عبيد اللّه بن عمر فدافع عنها و علّلهم فلو كان هو وليّ الدّم على ما ذكره لم يكن له أن يعفو و أن يبطل حدّا من حدود اللّه تعالى و أيّ شماتة للعدوّ في إقامة حدود اللّه تعالى و إنّما الشماتة كلّها من اعداء الاسلام في تعطيل الحدود و أيّ حرج في الجمع بين قتل الأب و الابن حتّى يقال كره أن ينتشر الخبر بأنّ الإمام و ابنه قتلا و إنما قتل أحدهما ظلما بغير أمر اللّه و الاخر بأمر اللّه تعالى.

و قد روى زياد بن عبد اللّه البكائي عن محمّد بن إسحاق عن أبان بن صالح أنّ أمير المؤمنين عليه السّلام أتى عثمان بعد ما استخلف فكلّمه في عبيد اللّه و لم يكلّمه أحد غيره فقال: اقتل هذا الفاسق الخبيث الّذي قتل امرأ مسلما فقال عثمان: قتلوا أباه بالأمس و أقتله اليوم و إنّما هو رجل من أهل الأرض فلما أبى عليه مرّ عبيد اللّه على عليّ عليه السّلام فقال له يا فاسق ايه أما و اللّه لئن ظفرت بك يوما من الدّهر لأضربنّ عنقك فلذلك خرج مع معاوية على أمير المؤمنين عليه السّلام.

و روى القناد عن الحسن بن عيسى بن زيد عن أبيه أنّ المسلمين لما قال عثمان إنّي قد عفوت عن عبيد اللّه بن عمر قالوا: ليس لك أن تعفو عنه. قال: بلى إنّه ليس لجفينة و الهرمزان قرابة من أهل الاسلام و أنا أولى بهما لأنّي وليّ أمر المسلمين و قد عفوت فقال عليّ عليه السّلام إنه ليس كما تقول إنما أنت في أمرهما بمنزلة اقصى المسلمين و إنما قتلهما في إمرة غيرك و قد حكم الوالي الذي قبلك الذي قتلا في امارته بقتله و لو كان قتلهما في امارتك لم يكن لك العفو عنه فاتق اللّه فانّ اللّه سائلك عن هذا. فلمّا رأى عثمان أنّ المسلمين قد أبوا إلّا قتل عبيد اللّه أمره فارتحل إلى الكوفة و ابتنى و أقطعه بها دارا و ارضا و هي التي يقال لها كويفة ابن عمر فعظم ذلك عند المسلمين و اكبروه و كثر كلامهم فيه.

و روى عن عبد اللّه بن حسن بن حسن بن عليّ بن أبي طالب عليه السّلام انّه قال: ما أمسى عثمان يوم ولي حتّى نقموا عليه في أمر عبيد اللّه بن عمر حيث لم يقتله بالهرمزان.

فأمّا قوله: إنّ أمير المؤمنين عليه السّلام لم يطلبه ليقتله بل ليضع من قدره فهو بخلاف ما صرّح به عليه السّلام من أنّه لم يكن إلّا لضرب عنقه.

و بعد فانّ وليّ الدّم إذا عفى عنه على ما ادّعوا لم يكن لأحد أن يستخفّ به و يضع من قدره كما ليس له أن يقتله.

و قوله: إنّ أمير المؤمنين عليه السّلام لا يجوز أن يتوعّده مع عفو الإمام عنه فإنما يكون صحيحا لو كان ذلك العفو مؤثرا و قد بينا انه غير مؤثر.

و قوله: يجوز أن يكون عليه السّلام ممّن يرى قتله أقوى في الاجتهاد و أقرب إلى التشدّد في دين اللّه فلا شك أنه كذلك و هذا بناء منه على أن كلّ مجتهد مصيب و قد بيّنا أن الأمر بخلاف ذلك، و إذا كان اجتهاد أمير المؤمنين عليه السّلام يقتضى قتله فهو الّذى لا يسوغ خلافه.

16- في المجلي: و من قوادحه عمله بالتكبّر و اظهاره لاعماله الجبابرة

و تزيينه بزيّ الجاهليّة و الملوك خلافا لما كان عليه النّبيّ صلّى اللّه عليه و آله و أصحابه من التواضع و الزهد و طريقة الصلحاء فاستعمل الحجاب و الغلمان و لبس الحرير و التزين بالمذهب و ضرب البوقات على بابه و كلّ هذه اعمال مخالفة للشريعة الأحمديّة و ما كان عليه الصحابة و الخلفاء المتقدمين عليه و لهذا نقموا عليه و ظهر بين المهاجرين و الأنصار فسقه و طلبوا منه الاعتزال عن امرتهم فأبى فقتلوه لعلمهم باستحقاقه لذلك و أن الخلافة لا يجوز لمن هو معلن بالفسق.

17- و فيه: و من قوادحه عيبهم إياه بأنّه لم يحضر غزاة بدر

الّتي كانت أوّل حرب امتحن به المؤمنون فجلس في بيته و تعلّل بمرض زوجته و كذلك بيعة الرضوان لم يحضرها و تخلف عنها متعلّلا بموت زوجته مع انّ اللّه تعالى يقول في أهلها «لَقَدْ رَضِيَ اللَّهُ عَنِ الْمُؤْمِنِينَ إِذْ يُبايِعُونَكَ تَحْتَ الشَّجَرَةِ» فكان محروما من ذلك الرضا و يوم احد انهزم و فرّ من الزحف أقبح فرار حتّى أنّه بقي في هزيمته مدّة ثلاثة أيّام لا يلتفت إلى وراه حتّى وصل إلى قرية قريب مكة يقال لها: السوارقية و لما رجع إلى المدينة بعد أن علم بسلامة النّبيّ صلّى اللّه عليه و آله قال له النّبي صلّى اللّه عليه و آله: لقد ذهبت فيها عريضة يا عثمان و لم يرد جوابا خجلا مما فعله.

18- و فيه: و من قوادحه أن الصّحابة بأجمعهم أجمعوا على حربه لأجل أحداثه الّتى نقموها عليه

و كانوا يومئذ بين خاذل و قاتل حتّى قتلوه في بيته بين ولده و نسائه في المدينة و دار الهجرة و منعوه من الماء ثلاثة أيام و هو بين ظهراني المسلمين مع أنّه خليفتهم و إمامهم لم يحم عنه منهم محام و لا له منهم قائم و ذلك دليل على اجماعهم على قتله و استحلالهم لدمه كما أجمعوا على خلافته حتّى قال بعض العلماء: إن المجمعين على قتل عثمان كانوا أكثر من المجمعين على بيعته و ما ذاك إلّا لعظم أحداثه حتّى بقى ثلاثة أيّام مرميا على الكناسة بعد قتله لم يجسر أحد أن يدفنه حتّى قام ثلاثة نفر من بنى أميّة فأخذوه بالليل بعد انتصافه سرقة و دفنوه لكيلا يعلم بهم أحد و ذلك دليل على عظم أحداثه و كبر معاصيه في الإسلام و أهله فلو لا انّه كان مستحقا لما فعلوه به، إلى آخر ما قال. و سنذكر تفصيل الكلام في قتله و ما ذكروا في المقام

19- و فيه: و من قوادحه قصته المشهورة مع أهل مصر

و ذلك انّه لما كثرت أحداثه و ظهرت بين المسلمين كثرت الشكايات منه و من عماله فورد إلى المدينة جماعة من أهل مصر يشكون من عامله عليهم عبد اللّه بن أبي سرح- إلى أن قال: و عزل عثمان عن أهل مصر عامله و قال: تختاروا لأنفسهم من شاءوا فقالوا: نريد محمّد بن أبي بكر فاستعمله على مصر و كتب له بها عهدا بحضرة الكل. ثمّ إنّ أهل مصر مع عاملهم محمّد بن أبي بكر لمّا خرجوا من المدينة كتب عثمان إلى عبد اللّه بن أبي سرح كتابا إنّك متى قدم عليك محمّد بن أبي بكر و أصحابه المصريين فاقتلهم و اصلبهم و ابق على عملك- إلى آخر ما قال و سيأتي تفصيله إن شاء اللّه تعالى.

20- و منها- كما في الامامة و السياسة لابن قتيبة الدينوري- : تركه المهاجرين و الأنصار

لا يستعملهم على شي ء و لا يستشيرهم و استغني برأيه عن رأيهم.

21- و فيه أيضا: إدراره القطائع و الأرزاق

و الأعطيات على أقوام بالمدينة ليست لهم صحبة من النّبي عليه الصلاة و السّلام ثمّ لا يغزون و لا يذبون.

22- و فيه أيضا: و ما كان من مجاوزته الخيزران إلى السوط

و انّه أوّل من ضرب بالسياط ظهور النّاس و إنّما كان ضرب الخليفتين قبله بالدرّة و الخيزران.

و في الشافي و تلخيصه: انّه جلّد بالسوط و من كان قبله يضرب بالدرّة.

23- في المجلي: و من قوادحه إحراقه المصاحف

الّتي هي كلام اللّه العزيز الواجب على أهل الاسلام تعظيمه و القيام بحرمته و أنّهم أجمعوا على أنّ من استخف بحرمته كان مرتدا خارجا من الإسلام و لا شي ء في الاستخفاف ابلغ من الحرق بالنّار، فقد نقل أهل السيرة انّه لمّا أراد اجتماع النّاس على مصحفه طلب المصاحف الّتي كانت في أيدي النّاس حتّى جمعها كلّها ثمّ انّه أحرقها. و في رواية اخرى أنّه وضعها في قدر و طبخها بالنّار حتّى تمزّقت و تفرّقت و لم يبق منها غير مصحف عبد اللّه بن مسعود فانّه طلبه منه فمنعه و لم يسلمه إليه فضربه على ذلك حتّى كسر بعض أضلاعه و منعه عطاءه و بقي عبد اللّه مريضا حتّى مات و دخل عليه عثمان في مرضه و طلب منه أن يحلّه فلم يرض أن يحلّه، و كيف صحّ له التهجم على الكتاب العزيز بهذه الأفعال الشنيعة و كيف صحّ له أن يضرب رجلا من أكابر الصحابة و فضلائهم و علمائهم على منعه ملكه لا يسلمه إليه حتّى مات بسبب ذلك الضرب، و من المعلوم للكل أن كلّ ذلك الفعل مخالف للشريعة محرّم بالكتاب و السنة.

و في الشافي: ثمّ من عظيم ما أقدم عليه جمعه النّاس على قراءة زيد و إحراقه المصاحف و إبطاله ما شك انّه منزل من القرآن و أنّه مأخوذ عن الرسول صلّى اللّه عليه و آله و لو كان ذلك مما يسوغ لسبق إليه الرسول عليه السّلام و لفعله أبو بكر و عمر.

«اعتذار القاضى عبد الجبار في المغنى من ذلك»

قال الشريف علم الهدى في الشافي نقلا عن القاضي أنّه حكى عن أبي عليّ في قصّة ابن مسعود و ضربه أنّه قال: لم يثبت عندنا ضربه إياه و لا صحّ عندنا طعن عبد اللّه عليه و لا إكفاره له و الذي يصحّ في ذلك أنه كره منه جمع النّاس على قراءة زيد و إحراقه المصاحف و ثقل ذلك عليه كما يثقل على الواحد منا تقديم غيره عليه و ذكر أن الوجه في جمع النّاس على قراءة واحدة تحصين القرآن و ضبطه و قطع المنازعة فيه و الاختلاف. قال القاضي: و ليس لأحد أن يقول لو كان واجبا لفعله رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و ذلك أن الإمام إذا فعله صار كأنه فعله و لأن الأحوال في ذلك يختلف. و قد روى عن عمر انه كان قد عزم على ذلك فمات دونه، و ليس لأحد أن يقول إنّ احراقه المصاحف إنّما كان استخفافا بالدين و ذلك لأنه إذا جاز من الرّسول صلوات اللّه عليه أن يخرب المسجد الذي بنى ضرارا و كفرا فغير ممتنع إحراق المصاحف.

«اعتراض الشريف المرتضى في الشافى على القاضى»

قال بعد ما اثبت ضرب عثمان ابن مسعود و طعنه عثمان- فأمّا قوله: إن ابن مسعود سخط جمعه الناس على قراءة زيد و إحراقه المصاحف و اعتذاره من جمع النّاس على قراءة واحدة بأن فيه تحصين القرآن و قطع المنازعة و الاختلاف فيه، ليس بصحيح و لا شك في أن ابن مسعود كره إحراق المصاحف كما كرهه جماعة من أصحاب رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و تكلموا فيه و ذكروا الرواة كلام كلّ واحد منهم في ذلك مفصّلا و ما كره عبد اللّه من تحريم قراءته و قصر النّاس على قراءة غيره إلّا مكروها و هو الذي يقول النّبيّ صلّى اللّه عليه و آله: من سرّه أن يقرأ القرآن غضّا كما انزل فليقرأ على قراءة ابن ام عبد.

و روى عن ابن عبّاس انّه قال قراءة ابن ام عبد هي القرائة الأخيرة إن رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله كان يعرض عليه القرآن في كلّ سنة في شهر رمضان فلمّا كان العام الذي توفي فيه صلّى اللّه عليه و آله عرض عليه دفعتين و شهد عبد اللّه ما نسخ منه و ما صحّ فهي القرائة الأخيرة.

و روى شريك عن الأعمش قال: قال ابن مسعود: لقد أخذت من فيّ رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله سبعين سورة و أن زيد بن ثابت لغلام يهودى في الكتاب له ذوابة.

أقول: قال في اسد الغابة: قال أبو وائل: لما شق عثمان المصاحف بلغ ذلك عبد اللّه فقال: لقد علم أصحاب محمّد أني اعلمهم بكتاب اللّه و ما أنا بخيرهم و لو إنّي اعلم أن أحدا أعلم بكتاب اللّه منّي تبلغنيه الابل لأتيته، فقال أبو وائل: فقمت إلى الخلق أسمع ما يقولون، فما سمعت أحدا من أصحاب محمّد ينكر ذلك عليه. انتهى.

قال الشريف علم الهدى: فأمّا اختلاف النّاس في القرائة و الأحرف فليس بموجب لما صنعه عثمان لأنّهم يروون أن النّبيّ صلّى اللّه عليه و آله نزل القرآن على سبعة أحرف كلّها شاف كاف فهذا الاختلاف عندهم في القرآن مباح مسند عن الرّسول صلّى اللّه عليه و آله فكيف يحظر عليهم عثمان من التوسع في الحروف ما هو مباح فلو كان في القرائة الواحدة تحصين القرآن كما ادعى لما أباح النّبيّ صلّى اللّه عليه و آله في الأصل إلّا القرائة الواحدة لأنّه أعلم بوجوه المصالح من جميع امته من حيث كان مؤيّدا بالوحى موقفا في كلّ ما يأتي و يذر و ليس له أن يقول: حدث من الاختلاف في أيّامه ما لم يكن في أيّام الرّسول صلّى اللّه عليه و آله و لا من جملة ما أباحه و ذلك أن الأمر لو كان على هذا لوجب أن ينهى عن القرائة الحادثة و الأمر المبتدع و لا يحمله ما حدث من القرائة على تحريم المتقدم المباح بلا شبهة.

و قول صاحب الكتاب: إن الإمام إذا فعل ذلك فكأنّ الرسول صلّى اللّه عليه و آله فعله.

فتعلّل بالباطل منه و كيف يكون ما ادّعى و هذا الاختلاف بعينه قد كان موجودا في ايّام الرسول صلّى اللّه عليه و آله و ما نهى عنه فلو كان سببا لانتشار الزيادة في القرآن و في قطعه تحصين له لكان عليه السّلام بالنهى عن هذا الاختلاف اولى من غيره، اللهم إلّا ان يقال: انّه حدث اختلاف لم يكن فقد قلنا ان الأمر لو كان على هذا- إلخ.

و أما قوله: إن عمر كان قد عزم على ذلك فمات دونه، فما سمعناه إلا منه«» فلو فعل ذلك أيّ فاعل كان لكان منكرا.

فأمّا اعتذاره من أن إحراق المصاحف لا يكون استخفافا بالدين بحمله إياه على تخريب مسجد الضرار و الكفر فبين الأمرين بون بعيد لأن البنيان إنّما يكون مسجدا و بيتا للّه تعالى بنيّة الباني و قصده و لو لا ذلك لم يكن بعض البنيان بأن يكون مسجدا أولى من بعض و لما كان قصده في الموضع الذي ذكره غير القربة و العبادة بل خلافها و ضدّها من الفساد و المكيدة لم يكن في الحقيقة مسجدا و ان سمى بذلك مجازا و على ظاهر الأمر، فهدمه لا حرج فيه و ليس كذلك ما بين الدفّتين لأنه كلام اللّه تعالى الموقر المعظم الّذي يجب صيانته عن البذلة و الاستخفاف فأيّ نسبة بين الأمرين.

ثمّ قال علم الهدى: قال صاحب الكتاب «يعني القاضي عبد الجبار صاحب المغني» فأمّا جمعه النّاس على قراءة واحدة فقد بينّا أن ذلك من عظيم ما حصّن به القرآن لأنه مع هذا الصنيع قد وقع فيه من الاختلاف ما وقع فكيف لو لم يفعل ذلك و لو لم يكن فيه إلا إطباق لجميع على ما أتاه من أيّام الصحابة إلى وقتنا هذا لكان كافيا.

و اعترض عليه علم الهدى حيث قال: أمّا ما اعتذر به من جمع النّاس على قراءة واحدة فقد مضى الكلام عليه مستقصى و بيّنا أن ذلك ليس تحصينا للقرآن و لو كان تحصينا لما كان رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله يبيح القراآت المختلفة. و قوله: لو لم يكن فيه إلّا إطباق الجميع على ما أتاه من أيام الصحابة إلى وقتنا هذا، ليس بشي ء لأنا نجد الاختلاف في القراآت الرجوع فيها إلى الحروف مستمرا في جميع الأوقات الّتي ذكرها إلى وقتنا هذا و ليس نجد المسلمين يوجبون على أحد التمسك بحرف واحد فكيف يدّعى إجماع الجميع على ما أتاه عثمان فإن قال: لم أعن بجمعه النّاس على قراءة واحدة إلّا أنّه جمعهم على مصحف زيد لأن ما عداه من المصاحف كان يتضمن من الزيادة و النقصان مما عداه ما هو منكر.

قيل له: هذا بخلاف ما تضمّنه ظاهر كلامك أوّلا و لا تخلو تلك المصاحف التي تعدّ مصاحف زيد من أن تتضمن من الخلاف في الألفاظ و الكلم ما أقرّ رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله عليه و أباح قراءته فان كان كذلك فالكلام في الزيادة و النقصان يجرى مجرى الكلام في الحروف المختلفة و أن الخلاف إذا كان مباحا و مرويا عن الرسول صلّى اللّه عليه و آله و منقولا فليس لأحد أن يحظره. و ان كانت هذه الزيادة و النقصان بخلاف ما أنزله اللّه تعالى و ما لم يبح الرسول صلّى اللّه عليه و آله تلاوته فهو أسوء ثناء على القوم الذين يقرون بهذه المصاحف كابن مسعود و غيره و قد علمنا أنه لم يكن منهم إلّا من كان علما في القرائه و الثقة و الأمانة و النزاهة عن أن يقرأ بخلاف ما أنزله اللّه و قد كان يجب أن يتقدم هذا الإنكار منه من غيره لأنّ انكار الزيادة في القرآن و النقصان لا يجوز تأخيره عن ولي الأمر قبله.

أقول: زيد بن ثابت هو أحد كتّاب الوحى كان يكتب لرسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله الوحى و غيره. قال في اسد الغابة و كانت ترد على رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله كتب بالسريانيّة فأمر زيدا فتعلّمها. قال: و كان زيد عثمانيا و لم يشهد مع علىّ شيئا من حروبه و كان يظهر فضل علىّ و تعظيمه. و هو الذي كتب القرآن في عهد أبي بكر و عثمان كما في الفهرست لابن النديم أيضا.

و هو الذي ذكر المسعودي في مروج الذهب عن سعيد بن المسيّب أن زيد ابن ثابت حين مات خلف من الذهب و الفضة ما كان يكسر بالفئوس غير ما خلف من الأموال و الضياع بقيمة مأئة ألف دينار اقتناها من عثمان لأنه كان عثمانيا.

و في الشافي لعلم الهدى أنّه روى الواقدى أن زيد بن ثابت اجتمع عليه عصابة من الأنصار و هو يدعوهم إلى نصر عثمان فوقف عليه جبلة بن عمرو بن حيّة المازني فقال له جبلة: ما يمنعك يا زيد أن تذب عنه أعطاك عشرة ألف دينار و أعطاك حدائق من نخل ما لم ترث من أبيك مثل حديقة منها.

انظر أيها القارئ الكريم في أمر رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله زيدا بتعلّم السريانيّة نظر دقّة أنّه صلّى اللّه عليه و آله كان في نشر العلوم و توسعة المعارف على ذلك الحدّ من الاهتمام و لم يكن دأبه العصبيّة و الجمود على لسان واحد و لغة واحدة و لا ريب أن لسان كلّ قوم سلّم للوصول إلى معارفهم و نيل علومهم و درك فنونهم و لم يمنع الناس نبيّ عن الارتقاء و لم يحرم عليهم ما فيه سعادتهم بل الأنبياء بعثوا لترويج العلوم و تهذيب النفوس و تشحيذ العقول قال عزّ من قائل هُوَ الَّذِي بَعَثَ فِي الْأُمِّيِّينَ رَسُولًا مِنْهُمْ يَتْلُوا عَلَيْهِمْ آياتِهِ وَ يُزَكِّيهِمْ وَ يُعَلِّمُهُمُ الْكِتابَ وَ الْحِكْمَةَ إلّا أنّ الأوباش و عبيد الدنيا المأسورين في قيود الوساوس الشيطانية و المحرومين من اللّذات الروحانية و المحجوبين عن جناب الربّ جلّ جلاله و المغفلين عن معنى التمدّن و التكامل لمّا تعوّدوا بما لا يزدادهم من الحق إلا بعدا و ران على قلوبهم ما كانوا يكسبون اشمأزّوا عمّا جاء من الشارع الحكيم فيما لم يوافق غرضا من أغراضهم الدنية.

«التبيان في عدم تحريف القرآن»

لما انجرّ البحث إلى إحراق عثمان مصاحف فلا بأس أن نشير إلى عدم تحريف القرآن الكريم في المقام فانّه كثيرا ما يتوهم بل كثيرا ما يسأل عن تحريفه و زيادته و نقصانه، و يختلج في بعض الأذهان أن ما بين الدفتين الذي بأيدي المسلمين الان ليس هو جميع ما أنزل على الرّسول الخاتم صلّى اللّه عليه و آله.

و اعلم أنّ الحق المحقق المبرهن بالبراهين القطعية من العقلية و النقلية أن ما في أيدي النّاس من القرآن الكريم هو جميع ما أنزل اللّه تعالى على رسوله خاتم النّبيين محمّد بن عبد اللّه صلّى اللّه عليه و آله و ما تطرّق إليه زيادة و نقصان أصلا و مبلغ سوره مأئة و أربع عشرة سورة من لدن رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله إلى الان بلا ريب و أنّ ترتيب الايات في السور توقيفي إنّما كان بأمر النّبيّ صلّى اللّه عليه و آله كما أخبر به الأمين جبرائيل عن أمر ربّه، و أنّ النّاس كانوا في عهد رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله قبل رحلته يعرفون السور بأساميها، و أنّ رسم الخط في القرآن المجيد هو الرسم المكتوب من كتّاب الوحى في زمن الرّسول صلّى اللّه عليه و آله، و أن آية بسم اللّه الرّحمن الرّحيم لم تكتب في أوّل البراءة لأنّها لم تنزل معها كما نزلت مع غيرها من السور 113 مرة و انها جزء كل سورة كما أنها جزء آية النمل بل انها آيتان فيه. و أن ما جاء من الأخبار و الاثار في جمع جم غفير من الصحابة القرآن في عهد الرسول صلّى اللّه عليه و آله أو بعد رحلته كما ورد أن جمع القرآن وقع على عهد أبي بكر فليس المراد أنهم رتّبوا الايات في السور و سيأتي الكلام في تحقيق ترتيب السور أيضا.

و كلّما ذكرنا هو مذهب المحققين من علمائنا الإماميّة رضوان اللّه عليهم و غيرهم من علماء العامّة هداهم اللّه إلى الصواب و من ذهب إلى خلاف ذلك فقد خبط خبط عشواء و سلك طريقة عمياء.

ثمّ إنّا لو نأتي بالبراهين في كلّ واحد مما اشرنا إليها و نبين بطلان قول المخالف على التفصيل لطال بها الكتاب و انتشر الخطاب و كثر بنا الخطب لكنا نورد جملة منها فإن فيها كفاية إن شاء اللّه تعالى لمن كان له قلب.

و اعلم أن ما جاء به النّبيّ صلّى اللّه عليه و آله من الأخبار المتواترة في فضائل السور بأساميها بل في فضائل بعض آيات القرآن و في وضع الايات في كلّ موضع خاص بأمر أمين الوحى، و أن بعض السور افتتح ببعض من الحروف المقطعة دون بعض

مثلا ان البقرة افتتحت بالم، و يونس بالر، و الرّعد بالمر، و الأعراف بالمص، و مريم بكهيعص، و الشعراء بطسم، و النمل بطس، و المؤمن بحم، و الشورى بحمعسق، و هكذا في السور الأخر، و أن بعضها لم يفتتح بها و أن سورة البراءة ليست مبدوّة ببسم اللّه الرحمن الرحيم، و قوله تعالى: سُورَةٌ أَنْزَلْناها وَ فَرَضْناها (النور- 2) و قوله تعالى (البقرة- 22) وَ إِنْ كُنْتُمْ فِي رَيْبٍ مِمَّا نَزَّلْنا عَلى عَبْدِنا فَأْتُوا بِسُورَةٍ مِنْ مِثْلِهِ وَ ادْعُوا شُهَداءَكُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ إِنْ كُنْتُمْ صادِقِينَ. و قوله (يونس- 39) أَمْ يَقُولُونَ افْتَراهُ قُلْ فَأْتُوا بِسُورَةٍ مِثْلِهِ وَ ادْعُوا مَنِ اسْتَطَعْتُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ إِنْ كُنْتُمْ صادِقِينَ و قوله تعالى (التوبة- 88) وَ إِذا أُنْزِلَتْ سُورَةٌ أَنْ آمِنُوا بِاللَّهِ إلخ. و قوله (هود- 16) أَمْ يَقُولُونَ افْتَراهُ قُلْ فَأْتُوا بِعَشْرِ سُوَرٍ مِثْلِهِ مُفْتَرَياتٍ وَ ادْعُوا مَنِ اسْتَطَعْتُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ إِنْ كُنْتُمْ صادِقِينَ- أدلة قطعية على أن تركيب السور من الايات كان بأمر النّبيّ صلّى اللّه عليه و آله و انّها كانت مرتّبة موسومة بأساميها في عهده صلّى اللّه عليه و آله قبل ارتحاله يعرفها الناس بها.

نقل أمين الاسلام في تفسيره مجمع البيان و الزمخشري في الكشاف و السيوطي في الاتقان و غيرهم من أجلاء العلماء عن ابن عبّاس و السدي أنّ قوله تعالى: وَ اتَّقُوا يَوْماً تُرْجَعُونَ فِيهِ إِلَى اللَّهِ ثُمَّ تُوَفَّى كُلُّ نَفْسٍ ما كَسَبَتْ وَ هُمْ لا يُظْلَمُونَ (البقرة- 280) آخر آية نزلت من الفرقان على رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و أن جبرئيل عليه السّلام قال له صلّى اللّه عليه و آله ضعها في رأس الثمانين و المأتين من البقرة، و هذا القول كأنما إجماعى و إنّما الاختلاف في مدّة حياة رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله بعد نزولها، فعن ابن عبّاس انه صلّى اللّه عليه و آله عاش بعدها احدا و عشرين يوما، و قال ابن جريح: تسع ليال و قال سعيد ابن جبير و مقاتل: سبع ليال و في الكشاف: قيل ثلاث ساعات.

أقول: وضع جميع الايات في مواضعها كان بأمر اللّه تعالى و إن لم يذكر في الجوامع لكلّ واحدة واحدة منها رواية عليحدة و لا ضير أن تكون الاية المتقدمة على آية في السورة متأخرة عنها نزولا.

قال الزمخشري في أوّل التوبة من الكشاف: فإن قلت: هلّا صدرت باية التسمية كما في سائر السور قال: قلت: سأل عن ذلك ابن عثمان عنهما فقال: إنّ رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله كان إذا انزلت عليه السورة أو الاية قال: اجعلوها في الموضع الذي يذكر فيه كذا و كذا و توفي رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و لم يبين لنا أين نضعها- إلخ.

أقول: فالرواية دالة صريحة على أن تركيب السور بالايات كان بأمره صلّى اللّه عليه و آله و أن آية البسملة لم ينزل مع البراءة و إلّا لجعلها في أوّلها و أن البسملة نزلت مأئة و ثلاث عشرة مرة مع كلّ سورة مفتتحة بها و هذه الرواية مروية في المجمع و الاتقان أيضا.

روى الطبرسي في المجمع و غيره في التفاسير و الجوامع و السير عن بريدة قال: قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله: تعلموا سورة البقرة و سورة آل عمران فانهما الزهراوان و انّهما تظلان صاحبهما يوم القيامة كانهما غمامتان أو غيابتان أو فرقان من طير صواف أقول: فالحديث يدلّ صريحا على أن هاتين السورتين كانتا في عهد رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله مرتّبتين متداولتين يعرفهما الناس.

و روى السيوطي في الاتقان و المفسرون منهم الطبرسي في أوّل سورة هود روى الثعلبي بإسناده عن إسحاق عن أبي جحيفة قال: قيل: يا رسول اللّه قد أسرع إليك الشيب قال صلّى اللّه عليه و آله: شيبتني هود و أخواتها.

و في رواية اخرى عن أنس بن مالك عن أبي بكر قال: قلت يا رسول اللّه: عجل إليك الشيب قال صلّى اللّه عليه و آله: شيبتني هود و أخواتها الحاقة و الواقعة و عم يتساءلون و هل أتيك حديث الغاشية.

قال الطبرسي في الفن الرابع من مقدمة مجمع البيان: و قد شاع في الخبر عن النبىّ صلّى اللّه عليه و آله انه قال: أعطيت مكان التوارة السبع الطول و مكان الإنجيل المثانى و مكان الزبور المئين و فضلت بالمفصّل. و رواها السيوطى في الإتقان و غيره أيضا في جوامعهم.

بيان

كلمة: الطول مكتوبة في النسخ المطبوعة و غيرها غالبا بالألف أعنى الطوال و لكنّه تصحيف و الصواب الطول كصرد جمع الطولى مؤنث الأطول قال ابن الأثير في النهاية: و قد تكرر في الحديث: اوتيت السبع الطول و الطول بالضم جمع الطولى مثل الكبر في الكبرى و هذا البناء يلزمه الالف و اللام أو الإضافة قال: و منه حديث ام سلمة كان يقرأ في المغرب بطولي الطوليين ثنيّة الطولى و مذكّرها الأطول أى انّه كان يقرأ فيها بأطول السورتين الطويلتين يعني الأنعام و الأعراف- انتهى و كذا في القاموس و مجمع البحرين.

أقول: إنّ هذه الأحاديث و أمثالها المروية من الفريقين عن رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله ممّا لا تعدّ كثرة تدلّ على أن السور كانت مرتبة قبل رحلة الرسول صلّى اللّه عليه و آله و كان النّاس يعرفونها بأساميها فلا حاجة إلى نقل جميع الأخبار الواردة في فضائل السور.

نعم إن ترتيب السور القرآن ليس على ترتيب النزول بل إن ترتيب آيات السور أيضا ليس على ترتيب النزول سواء كانت السورة نزلت جملة واحدة كسورة الأنعام كما في مجمع البيان و كثير من المفصل أو لم تكن.

ثمّ إن مما الهمت على أن ترتيب الايات في السور كان من أمر رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله أن بعض السور كالأنعام مثلا نزلت جملة واحدة، و أن أكثر آيات السّور نزلت نجوما و لا كلام في أن بعضها مقدم على البعض نزولا و تركيب السور منها ليس بترتيب نزولها ظاهرا و مع ذلك ركبت على نحو كان بين الايات المتّسقة في السور كمال البلاغة و الفصاحة على حدّ تحدّى اللّه تعالى عباده بالاتيان بعشر سور أو بسورة من القرآن و قال: لَئِنِ اجْتَمَعَتِ الْإِنْسُ وَ الْجِنُّ عَلى أَنْ يَأْتُوا بِمِثْلِ هذَا الْقُرْآنِ لا يَأْتُونَ بِمِثْلِهِ وَ لَوْ كانَ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ ظَهِيراً (الكهف- 91) و أني للبشر أن يؤلف جملا شتى نزلت في نيف و عشرين سنة في أحكام مختلفة تبلغ إلى ذلك الحدّ من الإعجاز فهل يسع أحدا أن يقول إن ترتيبها كذلك في السور لم يكن بأمر اللّه تعالى و أمر رسوله فانتبهوا يا اولى الالباب أَ فَلا يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآنَ وَ لَوْ كانَ مِنْ عِنْدِ غَيْرِ اللَّهِ لَوَجَدُوا فِيهِ اخْتِلافاً كَثِيراً (النساء- 85).

على أنّ الايات لو لم تكن في عهد رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله مرتبة و أن الصحابة رتّبوها بعده صلّى اللّه عليه و آله كما توهّم شرذمة قليل من غير تدبّر و تعمّق لم يكن لقوله تعالى: فَأْتُوا بِسُورَةٍ- أو بِعَشْرِ سُوَرٍ، و أمثالها معنى. قال السيوطى في الفصل الأول من النوع 18 من الاتقان: الإجماع و النصوص المترادفة على أن ترتيب الايات توقيفى لا شبهة في ذلك فنقله غير واحد منهم الزركشي في البرهان و أبو جعفر بن الزبير في مناسباته و عبارته: ترتيب الايات في سورها واقع بتوقيفه صلّى اللّه عليه و آله و أمره من غير خلاف في هذا بين المسلمين.

ثمّ كثيرا ما يقرع سمعك في التفاسير و الشروح أن هذه الاية مرتبطة بتلك الاية و تلك بهاته، مثلا قال الطبرسى في المجمع قوله تعالى: وَ إِنْ خِفْتُمْ أَلَّا تُقْسِطُوا فِي الْيَتامى (النساء- 3) متصلة بقوله تعالى: وَ يَسْتَفْتُونَكَ فِي النِّساءِ قُلِ اللَّهُ يُفْتِيكُمْ فِيهِنَّ (النساء- 127) فمرادهم أن تلك الايات متصل بعضها ببعض معنى و ذلك لأن القرآن يفسّر بعضه بعضا كالمبين للمجمل و المقيد للمطلق و الخاص للعام قال أمير المؤمنين عليّ عليه السّلام في النهج الخطبة 131: كتاب اللّه تبصرون به و تنطقون به و تسمعون به و ينطق بعضه ببعض و يشهد بعضه على بعض و لا يختلف في اللّه و لا يخالف بصاحبه عن اللّه- إلخ. و المراد من قوله عليه السّلام: يشهد بعضه على بعض أن بعضه يصدق بعضا و لا يضادّه كما قال اللّه تعالى: أَ فَلا يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآنَ وَ لَوْ كانَ مِنْ عِنْدِ غَيْرِ اللَّهِ لَوَجَدُوا فِيهِ اخْتِلافاً كَثِيراً (النساء- 85) و قال تعالى: ذلِكَ بِأَنَّ اللَّهَ نَزَّلَ الْكِتابَ بِالْحَقِّ وَ إِنَّ الَّذِينَ اخْتَلَفُوا فِي الْكِتابِ لَفِي شِقاقٍ بَعِيدٍ (البقرة- 173) و ليس مرادهم أن تلك الايات متصلة بالأخرى لفظا لما دريت من أن الايات رتّبت على عهد رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله بأمره و عليه جمهور العلماء المحققين.

أقول: و من جهة ارتباط المعنى عدّت سورتا و الضحى و الانشراح واحدة و جوزت قراءتهما في السورتين بل لم تجز قراءة واحدة منهما في الفريضة مع أنّه ورد النهى عن القرآن بين السورتين في ركعة فريضة و يجب أن يقرأ بين السورتين بسم اللّه الرّحمن الرّحيم لأنها جزء السورة و قول الشيخ الطوسى قدس اللّه سرّه بترك البسملة بين السورتين عليل لا يوافقه دليل، و كذا الفيل و قريش، قال السيد بحر العلوم قدّس سره في الدرّة.

  • و و الضحى و الإنشراح واحدةبالاتفاق و المعاني شاهدة

كذلك الفيل مع الإيلاف

و فصل بسم اللّه لا ينافي

و إنما قيدنا الركعة بالفريضة لأنه يجوز الجمع بين سور كثيرة في النوافل فاذا جمعها وجب أن يقرأ البسملة مع كلّ سورة و في النوع 19 من الاتقان قال: و في كامل الهذلى عن بعضهم انه قال: الضحى و الم نشرح سورة واحدة نقله الإمام الرازي في تفسيره عن طاوس و غيره من المفسرين.

و اعلم أن بسم اللّه الرّحمن الرحيم جزء آية من سورة النمل بل إنها آيتان فيها و أنها آية من كلّ سورة و لذا من تركها في الصلاة سواء كانت الصلاة فرضا أو ندبا بطلت صلاته و يجب الجهر بها فيما يجهر فيه بالقرائة و يستحب الجهر بها فيما يخافت فيه بالقرائة و هو مذهب أصحابنا الإماميّة و بين فقهاء الأمّة فيها خلاف و إن وافقنا فيه أكثرهم بل هو مذهب جلّ علماء السلف لو لا الكلّ.

قال في تفسير المنار: اجمع المسلمون على أن البسملة من القرآن و أنها جزء آية من سورة النمل. و اختلفوا في مكانها من سائر السور فذهب إلى أنها آية من كلّ سورة علماء السلف من أهل مكّة فقهائهم و قرّائهم و منهم ابن كثير و أهل الكوفة و منهم عاصم و الكسائي من القراء و بعض الصحابة و التابعين من أهل المدينة و الشافعي في الجديد و اتباعه و الثوري و أحمد في أحد قوليه و الامامية، و من المروي عنهم ذلك من علماء الصحابة علىّ عليه السّلام و ابن عبّاس و ابن عمر و أبو هريرة و من علماء التابعين سعيد بن جبير و عطاء و الزهري و ابن المبارك، و أقوى حججهم في ذلك إجماع الصحابة و من بعدهم على إثباتها في المصحف أوّل كلّ سورة سوى سورة برائة مع الأمر بتجريد القرآن عن كلّ ما ليس منه. و لذلك لم يكتبوا آمين في آخر الفاتحة، و أحاديث منها ما أخرجه مسلم في صحيحه من حديث أنس قال قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله: انزلت علىّ آنفا سورة فقرأ بسم اللّه الرّحمن الرّحيم، و روى أبو داود بإسناد صحيح عن ابن عباس أنّ رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله كان لا يعرف فصل السورة و في رواية انقضاء السورة- حتّى ينزل عليه بسم اللّه الرّحمن الرّحيم، و أخرجه الحاكم في المستدرك، و قال: صحيح على شرط الشيخين. و روى الدارقطنى من حديث أبى هريرة قال: قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله إذا قرأتم الحمد للّه فاقرءوا بسم اللّه الرّحمن الرّحيم فانّها امّ القرآن و السّبع المثاني، و بسم اللّه الرّحمن الرّحيم إحدى آياتها.

و ذهب مالك و غيره من علماء المدينة، و الأوزاعى و غيره من علماء الشام و أبو عمرو و يعقوب من قراء البصرة إلى أنها آية مفردة أنزلت لبيان رءوس السور و الفصل بينها، و عليه الحنفية، و قال حمزة من قراء الكوفة و روى عن أحمد أنّها آية من الفاتحة دون غيرها و ثمة أقوال اخر شاذّة (قاله في سورة الفاتحه).

أقول: لم يكن لهؤلاء الشرذمة القائلين بأن البسملة آية واحدة نزلت مرّة واحدة فقط حجّة قاطعة يعتدّ بها و لو أتوا بحجّة فهي داحضة بلا مريّة و ارتياب، و كيف و أن كثيرا من الايات كرّرت في القرآن نحو آية فبأي آلاء ربّكما تكذّبان إحدى و ثلاثين مرّة في الرّحمن، و آية ويل يومئذ للمكذبين عشر مرات في المرسلات، و آية إنّا كذلك نجزى المحسنين أربع مرّات في الصّافات، و آية الم ستّ مرّات: في مفتتح البقرة، آل عمران، العنكبوت الروم، لقمن، السجدة، و آية الر خمس مرّات: في مفتتح يونس، هود، يوسف، إبراهيم الهجر، و آية حم ستّ مرّات: مفتتح المؤمن، فصلت، الزخرف، الدخان، الجاثية، الأحقاف و مع سورة الشورى «حم عسق» تصير سبع مرّات، و آية طسم مرّتين: مفتتح الشعراء و القصص. و قوله تعالى: وَ ما أَنْتَ بِهادِي الْعُمْيِ عَنْ ضَلالَتِهِمْ إِنْ تُسْمِعُ إِلَّا مَنْ يُؤْمِنُ بِآياتِنا فَهُمْ مُسْلِمُونَ مرّتين (النمل- 85) و (الروم- 54) إلّا أن كلمة «هادي» في الثانية مكتوبة بلاياء أعنى «بهاد العمى» اتباعا للمصاحف التي كتبت على عهد النّبيّ صلّى اللّه عليه و آله كما سيأتي تحقيقه. و كذا طائفة من آيات اخر كررت في القرآن فأنى يجوز لهؤلاء أن يقولوا إنّها نزلت مرّة واحدة و ما دليلهم على ذلك فلم لم يكن البسملة نازلة كأخواتها غير مرّة على أن مذهبهم يضادّ صريح كثير من الأخبار المصرّحة في أن البسملة نزلت بعددها في القرآن، مع أن اهتمام رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و المسلمين و دأبهم و سيرتهم تجريد القرآن عن كلّ ما ليس منه و في النوع 18 من الإتقان عن أبي سعيد قال: قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله: لا تكتبوا عنّي شيئا غير القرآن.

و قال في أوّل التوبة من تفسير المنار: و لم يكتب الصحابة و لا من بعدهم البسملة في أولها لأنها لم تنزل معها كما نزلت مع غيرها من السور قال: هذا هو المعتمد المختار في تعليله و قيل رعاية لمن كان يقول إنّها مع الأنفال سورة واحدة و المشهور انه لنزولها بالسيف و نبذ العهود و قيل غير ذلك ممّا في جعله سببا و علة نظر، و قد يقال: انه حكمة لا علّة و ممّا قاله بعض العلماء في هذه الحكمة أنها تدل على أنّ البسملة آية من كلّ سورة أى لأن الاستثناء بالفعل كالاستثناء بالقول معيار العموم انتهى.

و قال في الاتقان (أوّل النوع 19 منه). اخرج القشيري الصحيح أنّ التسمية لم تكن في البراءة لأن جبرئيل عليه السّلام لم ينزل بها فيها.

و في الشاطبية:

  • و بسمل بين السورتين [ب]سنّة[ر] جال [ن]موها [د] ربة و تجمّلا

قال ابن القاصح في الشرح: أخبر أن رجالا بسملوا بين السورتين آخذين في ذلك بسنّة، نموها أى رفعوها و نقلوها و هم قالون و الكسائي و عاصم و ابن كثير و اشار اليهم بالباء و الراء و النون و الدال من قوله بسنة رجال نموها دربة. و أراد بالسنة التي نموها كتابة الصّحابة لها في المصحف و قول عائشة رضى اللّه عنها اقرءوا ما في المصحف و كان النّبيّ صلّى اللّه عليه و آله لا يعلم انقضاء السورة حتى تنزل عليه بسم اللّه الرّحمن الرّحيم ففيه دليل على تكرير نزولها مع كلّ سورة.

أقول: و روى عن أئمتنا عليهم السّلام نحو الرواية المروية عنها كما في تفسير العياشي عن صفوان الجمّال قال: قال لي أبو عبد اللّه عليه السّلام: ما أنزل اللّه من السماء كتابا إلا و فاتحته بسم اللّه الرّحمن الرحيم و إنّما كان يعرف انقضاء السورة بنزول بسم اللّه الرّحمن الرّحيم ابتداء للاخرى.

و كذا في الكافي عن يحيى بن أبي عمير الهذلي قال: كتبت إلى أبي جعفر عليه السّلام جعلت فداك تقول في رجل ابتدأ ببسم اللّه الرّحمن الرّحيم في صلاة وحده في أم الكتاب فلمّا صار إلى غير ام الكتاب من السورة تركها فقال العياشي: ليس بذلك بأس فكتب عليه السّلام بخطّه: يعيدها مرّتين على رغم أنفه يعني العياشي.

و صحيحة محمّد بن مسلم قال: سألت أبا عبد اللّه عليه السّلام عن السبع المثاني و القرآن العظيم هي الفاتحة قال: نعم قلت: بسم اللّه الرّحمن الرّحيم من السبع قال: نعم هى أفضلهنّ و غيرها من الرّوايات و الأخيرة تختصّ بامّ الكتاب.

  • و مهما تصلها أو بدأت براءةلتنزيلها بالسيف لست مبسملا

قال الشارح: تصلها الضمير فيه لبرائة اضمر قبل الذكر على شريطة التفسير يعني أنّ سورة براءة لا بسملة في أولها سواء وصلها القاري بالأنفال أو ابتدأ بها ثمّ ذكر الحكمة في ترك البسملة في أوّلها فقال لتنزيلها بالسيف يعني أن براءة نزلت على سخط و وعيد و تهديد و فيها السيف. قال ابن عباس سألت عليّا رضي اللّه عنه لم لم تكتب في براءة بسم اللّه الرّحمن الرحيم فقال: لأن بسم اللّه أمان و براءة ليس فيها أمان نزلت بالسيف.

أقول: لا كلام في أنّ المختار المعتمد في تعليل ترك البسملة أول البراءة هو عدم نزولها معها كما مضى غير مرّة و اختاره العالم عبده في تفسيره و لو تؤمّل في الأقوال الاخر حيث تصدّوا لتركها في براءة لعلم أن دليلهم عليل و من قال: القول «بأن ترك البسملة في براءة لنزولها بالسيف و نبذ العهود و البسملة آية رحمة» حكمة لا علة، فنعم القول هو لأن البسملة مذكورة في أوّل كثير من السور بدئت بالعذاب نحو: هل أتيك حديث الغاشية و سئل سائل بعذاب واقع و نحوهما و على هذا القول يحمل قول أمير المؤمنين عليّ عليه السّلام كما أتى به في المجمع (أول سورة برائة) و شرح الشاطبية انه لم ينزل بسم اللّه الرّحمن الرحيم على رأس سورة برائة لأن بسم اللّه للأمان و الرحمة و نزلت برائة لرفع الأمان بالسيف. و بالجملة العمدة في ذلك هي السماع و التعبد، و الأخبار الواردة في ذلك نحو قوله عليه السّلام لا تنافيها فانّه عليه السّلام يبين عدم نزولها في برائة بتلك الحكمة فهي ما نزلت معها كما صرح القشيرى و غيره ان جبرئيل عليه السّلام لم ينزل بها فيها.

فاذا علمت أنّ البسملة جزء من السور آية على حيالها فاعلم أنّه يترتب عليه كثير من المسائل الفقهيّة: مثلا من ابتداء بقراءة الفاتحة و لو نوى البسملة جزءا من الإخلاص مثلا لم تصح صلاته و كذا لو نوى في الإخلاص بسملة الفاتحة أو السورى الأخرى، و من كان جنبا و قلنا يحرم عليه قراءة سور العزائم لاقرائة آيات السجدة فقط فلو قرأ البسملة ناويا على أنها جزء من إحداها فعل حراما.

و من يصلّى الظهرين يجب اخفاتها عليه كما أن من يصلّى العشائين و الصبح يجب جهرها عليه و نظائرها و من جمع الفيل و القريش و الضحى و الانشراح يجب أن يبسمل بين السورتين.

«البيان في ترتيب سور القرآن»

لا شك أن تركيب السور من الايات توقيفي أعني أن وضع كلّ آية في موضع معين من السور التي لم تنزل جملة واحدة كان بأمر رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله أخبر به جبرئيل عن أمر ربّه و هو اجماع المسلمين قاطبة كما حققناه و إنّما قلنا في السور التي لم تنزل جملة واحدة لأنّ السّور الّتي نزلت جملة واحدة أعنى دفعة واحدة فالأمر فيها أوضح لأنها نزلت مترتبة الايات أولا كسورة الفاتحة و الأنعام و كثير من المفصّل.«» و إنما الكلام في أن ترتيب سور القرآن في الدفتين على تلك الهيئة المشهودة لنا الان أولها الفاتحة و آخرها الناس هل وقع في عهد رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و بأمره أيضا أم لا و بالجملة أن ترتيب السور أيضا كترتيب الايات توقيفي أم لا و الحقّ هو الأوّل كالأوّل و ذلك لأنّ القرآن كان على عهد النبيّ صلّى اللّه عليه و آله مجموعا مدوّنا جمعه غير واحد من الصحابة و قرءوه على النّبيّ صلّى اللّه عليه و آله و كان ترتيب السور كما هو في المصحف الان كترتيب الايات بأمر النّبيّ صلّى اللّه عليه و آله و هو مذهب المحققين من علماء المسلمين قديما و حديثا و من عدل عنه تمسّك ببعض الأخبار الشاذ الواحد أو الموضوع أو لم يصل إلى فهم مراد الخبر و نحن في غني عن نقل أقوالهم و ردّها و إبطالها لأنّها لا يزيد إلّا تطويل كلام لا طائل فيه فان الأمر بيّن.

قال ابن النديم في الفهرست (ص 41 طبع مصر، الفن الثالث من المقالة الأولى): الجمّاع للقرآن على عهد النّبيّ صلّى اللّه عليه و آله عليّ بن أبي طالب رضوان اللّه عليه، سعد بن عبيد بن النعمان بن عمرو بن زيد رضي اللّه عنه، أبو الدرداء عويمر ابن زيد رضى اللّه عنه، معاذ بن جبل بن أوس رضي اللّه عنه، أبو زيد ثابت بن زيد بن النعمان، ابي بن كعب بن قيس بن مالك بن امرى ء القيس، عبيد بن معاوية، زيد بن ثابت بن الضحاك.

و أتى السيوطي في النوع العشرين و غيره من الإتقان بعدة من جمع القرآن على عهد النّبيّ صلّى اللّه عليه و آله بطرق مختلفة من كبار المؤلفين قال: روى البخاري عن عبد اللّه بن عمرو بن العاص قال: سمعت النّبيّ صلّى اللّه عليه و آله يقول خذوا القرآن من أربعة من عبد اللّه بن مسعود و سالم و معاذ و ابى بن كعب.

و قال: أخرج النسائي بسند صحيح عن عبد اللّه بن عمر قال: جمعت القرآن فقرأت به كلّ ليلة فبلغ النّبيّ صلّى اللّه عليه و آله فقال اقرأه في شهر- الحديث.

قال: و أخرج ابن أبي داود بسند حسن عن محمّد بن كعب القرظي قال: جمع القرآن على عهد رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله خمسة من الأنصار: معاذ بن جبل و عبادة ابن الصامت و ابي بن كعب و أبو الدرداء و أبو أيّوب الأنصارى. و غيرها من الأخبار الواردة في أن القرآن جمع على عهد النّبيّ صلّى اللّه عليه و آله و كم من روايات دالة على أنّ عدّة من الصحابة قرأ القرآن عليه مرارا منهم أمير المؤمنين عليّ بن أبي طالب عليه السّلام و عبد اللّه بن مسعود و زيد بن ثابت و ابي بن كعب و غيرهم.

هؤلاء ممّن جمعوا القرآن على عهد النّبيّ صلّى اللّه عليه و آله و قرءوه عليه و ختموه عليه عدّة ختمات فكيف لم يكن القرآن على عهده مجموعا مرتّبا و احتمال أنّهم قرءوه و ختموه عليه صلّى اللّه عليه و آله مبثوثاً مبتورا مبتور جدّا و من تأمل أدنى تأمل في نظم السور و شدة اهتمام رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله في حراسة القرآن و توقّيه عن اجتهاد أحد و إعمال ذوق و سليقة فيه و عنايته بحفظه و قوله صلّى اللّه عليه و آله إنّي تارك فيكم الثقلين كتاب اللّه و أهل بيتى إلخ المروي من المسلمين بطرق كثيرة و في الرواية الواردة من فرق المسلمين في معارضة جبرئيل القرآن عليه صلّى اللّه عليه و آله في كلّ سنة مرة و في السنة التي توفى صلّى اللّه عليه و آله فيها مرتين و غيرهما من الأخبار في هذا المعنى علم أنه كان مجموعا مرتّبا آياته و سوره على ما هو في المصحف الان بلا تغيير و تبديل و زيادة و نقصان.

بيان

في مادة- ع ر ض- من النهاية الأثيرية: أن جبرئيل عليه السّلام كان يعارضه صلّى اللّه عليه و آله القرآن في كلّ سنة مرّة و أنّه عارضه العام مرّتين أي كان يدارسه جميع ما نزل من القرآن من المعارضة بمعنى المقابلة و منه عارضت الكتاب بالكتاب أى قابلته به.

و في الفصل الثّامن النوع الثّامن عشر من الإتقان: قال أبو بكر بن الأنبارى: أنزل اللّه القرآن كلّه إلى سماء الدّنيا ثمّ فرّقه في بضع و عشرين فكانت السورة تنزل لأمر يحدث و الاية جوابا لمستخبر و يوقف جبرئيل النّبيّ صلّى اللّه عليه و آله على موضع الاية و السورة فاتساق السور كاتساق الايات و الحروف كلّه عن النبيّ صلّى اللّه عليه و آله فمن قدّم سورة أو أخرّها فقد أفسد نظم القرآن.

و قال الكرماني في البرهان: ترتيب السور هكذا هو عند اللّه في اللّوح المحفوظ على هذا الترتيب و عليه كان صلّى اللّه عليه و آله يعرض على جبرئيل كل سنة ما كان يجتمع عنده منه و عرضه عليه في السنة التي توفّى فيها مرتين و كان آخر الايات نزولا وَ اتَّقُوا يَوْماً تُرْجَعُونَ فِيهِ إِلَى اللَّهِ فأمره جبرئيل أن يضعها بين آيتي الربا و الدين.

و قال الطّيبي: انزل القرآن أوّلا جملة واحدة من اللّوح المحفوظ إلى السماء الدّنيا ثمّ نزل مفرقا على حسب المصالح ثمّ اثبت في المصاحف على التأليف و النظم المثبت في اللّوح المحفوظ.

و قال البيهقي في المدخل: كان القرآن على عهد النّبيّ صلّى اللّه عليه و آله مرتّبا سوره و آياته على هذا الترّتيب- إلخ.

و قال أبو جعفر النحّاس: المختار أنّ تأليف السور على هذا الترتيب من رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله الحديث واثلة اعطيت مكان التّوراة السبع الطول، قال: فهذا الحديث يدلّ على أنّ تأليف القرآن مأخوذ عن النّبيّ صلّى اللّه عليه و آله و أنّه من ذلك الوقت- إلخ.

و قال ابن الحصار: ترتيب السور و وضع الايات موضعها إنّما كان بالوحى.

ثمّ السيوطى بعد نقل أقوال اخر من الأعاظم في أنّ ترتيب السور كترتيب الايات توقيفي قال: قلت: و ممّا يدلّ على أنّ ترتيب السور توقيفي كون الحواميم رتّبت ولاء و كذا الطواسين و لم ترتب المسبحات ولاء بل فصّل بين سورها و فصل بين طسم الشعراء و طسم القصص بطس مع أنّها أقصر منهما و لو كان الترتيب اجتهاديا لذكرت المسبحات ولاء و اخرت طس عن القصص و كذا نقل عدّة أقوال في النوع 62 منه في مناسبة الايات و السور و ترتيب كلّ واحد منهما على هذا النهج بأمره تعالى.

أقول: الأمر أبلج من الصبح و أبين من الشمس في رائعة النهار في أنّ تركيب سور هذا السّفر القيم الالهى و ترتيبها على هذا الأسلوب البديع لم يكن إلّا بأمره تعالى و من قال في القرآن غير ما حققنا افترى على اللّه و اختلق على كتابه و رسوله.

و ذهب شرذمة إلى أن ترتيب السور لم يكن على عهد رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و إنّما رتبت على عهد أبي بكر.

أقول: لو سلمنا بعد الإغماض عن ما تمسّكوا بها و استدلّوا عليها و اغتروا بظاهرها، أن سور القرآن رتّبت بعد رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله فإن أوّل من جمع القرآن بعده صلّى اللّه عليه و آله هو أمير المؤمنين و هو عليه السّلام كان عالما فيما نزلت الايات و أين نزلت و على من نزلت و كبار الصحابة تعلموا القرآن منه عليه السّلام و أخذوه عنه عليه السّلام و لا ريب انّه عليه السّلام كان أعرف بالقرآن من غيره و أجمعت الأمّة على انّه كان حافظ القرآن على عهد رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و قرأه عليه مرارا فلا ريب أن جمعه و ترتيبه حجة على أنّه عليه السّلام معصوم كما بينّا في شرح الخطبة 237 و كلّ ما جاء به المعصوم مصون من الخلل و حجة على بني آدم و هذا الترتيب المشهود الان في المصاحف و قراءته هو ترتيبه و قراءته عليه السّلام.

قال الفاضل الشارح المعتزلي في مقدمة شرحه على النهج في فضائله عليه السّلام (ص 6 طبع ايران 1304 ه): أما قراءة القرآن و الاشتغال به فهو المنظور إليه في هذا الباب اتفق الكل على أنّه عليه السّلام كان يحفظ القرآن على عهد رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و لم يكن غيره يحفظه ثمّ هو أوّل من جمعه، نقلوا كلّهم انّه تأخر عن بيعة أبي بكر فأهل الحديث لا يقولون ما تقوله الشيعة من أنّه تأخر مخالفته للبيعة بل يقولون تشاغل بجمع القرآن فهذا يدلّ على أنّه أوّل من جمع القرآن لأنّه لو كان مجموعا في حياة رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله لما احتاج إلى أن تشاغل بجمعه بعد وفاته صلّى اللّه عليه و آله و إذا رجعت إلى كتب القرآن وجدت أئمة القراء كلّهم يرجعون إليه كأبي عمرو بن العلاء و عاصم بن أبي النجود و غيرهما لأنّهم يرجعون إلى أبى عبد الرّحمان بن السلمي القاري و أبو عبد الرّحمان كان تلميذه و عنه أخذ القرآن فقد صار هذا الفن من الفنون الّتي ينتهى إليه أيضا مثل كثير مما سبق. انتهى قوله.

أقول: قد وردت أخبار كما أتى بها السيوطي في الاتقان و غيره في جوامعهم أن أمير المؤمنين عليه السّلام و غيره جمعوا القرآن فذهب قوم إلى أن السور رتبت في الدفتين باجتهاد الصحابة بعد رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله جمودا على ظاهرها و قد غفلوا أن ظاهرها لا تنافي أن يكون ترتيب السور و وضع كلّ واحدة منها في موضع خاص كما في المصحف الان بأمر النّبيّ صلّى اللّه عليه و آله كما هو الحقّ فإياك أن تعني من قول الفاضل المذكور و غيره أن القرآن جمع بعد النّبي أن ترتيب السور كان بعده صلّى اللّه عليه و آله و سنزيدك بيانا إن شاء اللّه تعالى.

قال ابن النديم في الفهرست (41 طبع مصر من الفن الثالث من المقالة الأولى): قال ابن المنادى حدّثني الحسن العبّاس قال: أخبرت عن عبد الرّحمان بن أبي حماد عن الحكم بن ظهير السدوسي عن عبد خير عن عليّ عليه السّلام أنّه رأي من النّاس طيرة عند وفاة النّبيّ صلّى اللّه عليه و آله فأقسم أنه لا يضع عن ظهره ردائه حتّى يجمع القرآن فجلس في بيته ثلاثة أيام حتّى جمع القرآن فهو أوّل مصحف جمع فيه القرآن من قلبه. ثمّ قال: و كان المصحف عند أهل جعفر و رأيت أنا في زماننا عند أبي يعلي حمزة الحسني رحمه اللّه مصحفا قد سقط منه أرواق بخط عليّ بن أبي طالب يتوارثه بنو حسن على مرّ الزمان.

و قد روي السيوطي في النوع الثامن عشر من الاتقان بسند حسن عن عبد خير قال: قال عليّ عليه السّلام: لما مات رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله آليت أن لا آخذ علىّ ردائي إلّا لصلاة جمعة حتّى أجمع القرآن فجمعته.

و روي أيضا بطريق آخر عن محمّد بن سيرين عن عكرمة قال لما كان بعد بيعة أبي بكر قعد علىّ بن أبي طالب في بيته فقيل لأبى بكر قد كره بيعتك فأرسل إليه- إلى أن قال: قال أبو بكر: ما أقعدك عنّي قال: رأيت كتاب اللّه يزاد فيه فحدثت نفسى أن لا ألبس ردائى إلّا لصلاة حتّى أجمعه قال له أبو بكر: فانّك نعم ما رأيت، قال محمّد: فقلت لعكرمة: ألفوه كما أنزل الأوّل فالأوّل قال: لو اجتمعت الإنس و الجن على أن يؤلفوه هذا التأليف ما استطاعوا.

قال: ابن الحجر في الصواعق المحرقة (ص 76 طبع مصر) باسناده عن سعيد ابن مسيب قال: لم يكن أحد من الصحابة يقول سلوني إلّا عليّ عليه السّلام و قال واحد من جمع القرآن و عرضه على رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله. و قال أيضا أخرج ابن سعد عن عليّ عليه السّلام قال: و اللّه ما نزلت آية إلّا و قد علمت فيم نزلت و أين نزلت و على من نزلت إن ربّي وهب لى قلبا عقولا و لسانا ناطقا. و قال: أخرج ابن سعد قال علىّ عليه السّلام: سلونى عن كتاب اللّه فانه ليس من آية إلّا و قد عرفت بليل نزلت أم بنهار أم في سهل أم في جبل.

قال: و أخرج الطبرانى في الأوسط عن ام سلمة قالت: سمعت رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله يقول: علىّ مع القرآن و القرآن مع علىّ لا يفترقان حتّى يردا علىّ الحوض.

و في الاتقان (طبع مصر 1318 ص 74 ج 1) قال ابن حجر: و قد ورد عن على انّه جمع القرآن على ترتيب النزول عقب موت النّبيّ صلّى اللّه عليه و آله أخرجه ابن أبى داود.

أقول: ابن حجر هذا هو الحافظ أحمد بن علىّ بن حجر العسقلانى صاحب كتاب الاصابة في معرفة الصحابة و تقريب التهذيب و غيرهما توفى سنة 852 ه و صاحب الصواعق المحرقة سميّه أحمد بن محمّد بن عليّ الهيتمى مات سنة 973 ه و جلال الدين السيوطى مات سنة 910 ه. ثمّ يستفاد ممّا روى ابن حجر أن القرآن الّذى جمع علىّ عليه السّلام غير القرآن المرتبة سوره على ما هو المصحف الان فهو عليه السّلام أراد أن يبين في هذا الجمع ترتيب نزول السور و الايات كما أن عالما يفسر القرآن و يبين فيه وجوه القراءات و آخر يبين في تفسيره لغات القرآن و آخر غريبه و آخر يجمع الأخبار الواردة المناسبة لكلّ آية في تفسيره و غيرها من التفاسير المختلفة أغراضا فان الكلّ ميسّر لما خلق له و يؤيّد ما ذهبنا إليه قوله عليه السلام نقله ثقة الاسلام الكليني في باب اختلاف الحديث من اصول الكافي باسناده عن سليم بن قيس الهلالى- في حديث طويل إلى أن قال عليه السّلام: فما نزلت على رسول اللّه آية من القرآن إلّا أقرأنيها و أملأها علىّ فكتبتها بخطّى و علّمنى تأويلها و تفسيرها و ناسخها و منسوخها و محكمها و متشابهها و خاصّها و عامّها و دعى اللّه أن يعطيني فهمها و حفظها فما نسيت آية من كتاب اللّه و لا علما أملأه علىّ و كتبته منذ دعا اللّه لى بما دعا و ما ترك شيئا علّمه اللّه من حلال و لا حرام و لا أمر و لا نهى كان أو يكون و لا كتاب منزل على أحد قبله من طاعة أو معصية إلّا علّمنيه و حفظته فلم أنس حرفا واحدا ثمّ وضع يده على صدرى و دعى اللّه لى أن يملأ قلبى علما و فهما و حكما و نورا فقلت يا نبي اللّه بأبى أنت و أمّى منذ دعوت اللّه لى بما دعوت لم أنس شيئا و لم يفتني شي ء لم أكتبه أ فتتخوّف علىّ النسيان فيما بعد فقال: لا لست أتخوّف عليك النسيان و الجهل.

و قوله عليه السّلام: كما في البحار (ج 19 ص 126): و لقد جئتهم بكتاب كملا مشتملا على التأويل و التنزيل و المحكم و المتشابه و الناسخ و المنسوخ إلخ- فعلى هذا لا يسع أحدا أن يقول بتا أنّه عليه السّلام جمع السور و رتّبها و لم تكن السور مرتبة على عهد النّبيّ صلّى اللّه عليه و آله و الأخبار الاخر أيضا الدّالة على أن أبا بكر و غيره جمعوه من هذا القبيل لا يدلّ على أن ترتيب سور القرآن لم يكن بأمر النّبيّ صلّى اللّه عليه و آله فمن تمسك بها لذلك الغرض فقد أخطأ.

قال الطبرسى في المجمع قوله تعالى «وَ أَظْهَرَهُ اللَّهُ عَلَيْهِ عَرَّفَ بَعْضَهُ وَ أَعْرَضَ عَنْ بَعْضٍ» (التحريم- 4): قرأ الكسائى وحده عرف بالتخفيف و الباقون عرّف بالتشديد و اختار التخفيف أبو بكر بن عياش و هو من الحروف العشر الّتى قال: إنّى أدخلتها في قراءة عاصم من قراءة على بن أبي طالب عليه السّلام حتّى استخلصت قراءته يعنى قراءة علىّ عليه السّلام و هى قراءة الحسن و أبى عبد الرّحمان السلمى و كان أبو عبد الرّحمان إذا قرأ إنسان بالتشديد حصبه- انتهى.

أقول: أبو بكر بن عيّاش و حفص بن سليمان البزاز راويان لعاصم بن أبى النجود بهدلة و عاصم من القراء السبعة الّذين تواترت قراءاتهم و لكن اعراب القرآن المتداول الان إنّما هو بقراءة حفص عن عاصم و يستفاد مما نقل الطبرسى عن ابن عياش أن قراءة عاصم هى قراءة أمير المؤمنين علىّ بن أبي طالب روحى له الفداء إلّا في عشر كلمات أدخلها أبو بكر في قراءة عاصم حتّى استخلصت قراءة علىّ عليه السّلام فالقراءة المتداولة هى قراءته عليه السّلام و كذا قال الطبرسى في الفن الثاني من مقدمة تفسيره في ذكر أسامى القراء: فأمّا عاصم فانّه قرأ على أبى عبد الرّحمان السلمى و هو قرأ على علىّ بن أبي طالب عليه السّلام.

فإنّما اختير في المصحف الكريم قراءة عاصم لسهولتها و جودتها و لأنّها أضبط من القراآت الاخرى و السرّ في ذلك إن قراءته قراءة أمير المؤمنين عليه السّلام و إن كان قراءة كلّ واحدة من القراءات السبع متواترة و جائزة.

قال العلامة الحليّ قدّس سرّه في المنتهى ما هذا نصّه: أضبط هذه القراءات السبع عند أرباب البصيرة هو قراءة عاصم المذكور برواية أبي بكر بن عياش و قال رحمه اللّه في التذكرة: إنّ هذا المصحف الموجود الان هو مصحف عليّ عليه السّلام.

قال المحقّق الطوسي قدّس سرّه في التجريد: و علىّ أفضل الصحابة لكثرة جهاده و... و كان أحفظهم لكتاب اللّه تعالى العزيز. و قال الفاضل القوشجي في شرحه: فإن أكثر أئمة القراءة كأبي عمرو و عاصم و غيرهما يسندون قراءتهم إليه فانّهم تلامذة أبي عبد الرّحمان السلمي و هو تلميذ عليّ رضي اللّه عنهما.

و بالجملة أنا نقول أولا إن ترتيب السور كالايات توقيفي و عليه جلّ المحققين من علماء الفريقين و الشواهد و البراهين عليه كثيرة و أن بعد النّبيّ صلّى اللّه عليه و آله لم يجمع القرآن مرتبا سوره على اجتهاد الصحابة لما دريت أن الأخبار الّتي تمسكوا بها غير دالة على ذلك و بعد الإغماض نقول: إن الفريقين اتّفقا في أن أمير المؤمنين عليه السّلام كان حافظا للقرآن على عهده صلّى اللّه عليه و آله و قرأ عليه غير مرة و كان أعرف به منهم و قال عليه السّلام (الخطبة 208 من النهج و كذا في الوافى ص 62 ج 1 نقلا من الكافي) و قد سأله سائل عما في أيدي النّاس: إنّ في أيدي النّاس حقّا و باطلا- إلى أن قال: و ليس كلّ أصحاب رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله من يسأله و يستفهمه حتّى أن كانوا ليحبّون أن يجي ء الأعرابي أو الطارى فيسأله عليه السّلام حتّى يسمعوا و كان لا يمرّ بي من ذلك شي ء إلّا سألت عنه و حفظته، و قال هؤلاء العظام من العلماء: إن القراءة المتداولة الان قراءته عليه السّلام و أنّه أوّل من جمع القرآن بعد النّبيّ صلّى اللّه عليه و آله و هو عليه السّلام كان معتمد الصحابة في العلوم و به يراجعون في القرآن و الأحكام سيما عند أصحابنا الإمامية القائلين بعصمته عليه السّلام و باتفاق الأمّة قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله فيه عليه السّلام أقضاكم علىّ و عليّ مع القرآن و القرآن معه و الحقّ معه حيث دار و.... فترتيب سور القرآن وقع على النهج الّذي أراده اللّه تعالى و رسوله.

ثمّ نقول: هب أن ترتيب السور في الدفتين كان بعد النّبيّ صلّى اللّه عليه و آله و إنّما كان على عهد أبي بكر و بأمره كما هو ظاهر طائفة من الأقوال و لا كلام في أن أمير المؤمنين عليّ عليه السّلام قرره و رضي به و إلا لبدّله في خلافته لو قيل انّه عليه السّلام لم يتمكن في عهد أبي بكر بذلك و هو عليه السّلام معصوم و تقريره و إمضاؤه حجة، على أن تركيب السور من الايات إجماعي لا خلاف فيه كما دريت فلو لم يكن ترتيب السور بالفرض بأمر المعصوم فما نزل على النّبيّ صلّى اللّه عليه و آله هو ما بين الدفتين الان و على كلّ حال ما زيد فيه و ما نقص منه شي ء فبذلك ظهر أن قول الفقيه البحراني في الحدائق و أضرابه: أن جمع القرآن في المصحف الان ليس من جمع المعصوم فلا حجة فيه، بعيد عن الصواب غاية البعد.

«البرهان على أن عثمان ما نقص من القرآن شيئا و ما زاد فيه» «شيئا بل انما جمع الناس على قراءة واحدة»

اعلم أن عناية الصحابة و غيرهم من المسلمين كانت شديدة في حفظ القرآن و حراسته الغاية و توفرت الدواعي على نقله و حمايته النهاية و توجه آلاف من النفوس إليه، و دريت أن عدّة من أصحاب الرسول صلّى اللّه عليه و آله كانوا حفّاظ القرآن على ظهر القلب كملا و أمّا من حفظ بعضه فلا يعدّ و لا يحصى فمن تأمل أدنى تأمل في سيرة الصحابة مع القرآن و شدّة عنايتهم في ضبطه و أخذه علم أن احتمال تطرق الزيادة و النقصان فيه واه جدا و لم يدّع أحد أن عثمان زاد في القرآن شيئا أو نقص منه شيئا لعدم تجويز العقل ذلك مع تلك العناية من المسلمين في حفظه و كان النّاس في أقطار الأرض عارفين بالقرآن و عدد سوره و آياته فأنّي كان لعثمان مجال ذلك بل أنّه جمع الناس على قراءة واحدة و لفظ بسائر القراءات ظنّا منه أن القرآن يصون بذلك من الزيادة و النقصان و أن كثرة القراءات توجب إدخال ما ليس من القرآن في القرآن، و دونك الأقوال و الاراء من جم غفير من المشايخ في ذلك.

قال ابن التين و غيره (النوع الثامن عشر من الإتقان طبع مصر 1318 ه ص 58 إلى 64): لمّا كثر الاختلاف في وجوه القراءة حتّى قرءوه بلغاتهم على اتساع اللغات فأدى ذلك بعضهم إلى تخطئة بعض فخشي عثمان من تفاقم الأمر في ذلك فنسخ تلك الصحف في مصحف واحد مرتبا لسوره و اقتصر من سائر اللغات على لغة قريش محتجا بأنّه نزل بلغتهم و إن كان قد وسع في قراءته بلغة غيرهم رفعا للحرج و المشقة في ابتداء الأمر فرأي أن الحاجة إلى ذلك قد انتهت فاقتصر على لغة واحدة.

و فيه أيضا: قال القاضي أبو بكر في الانتصار: إنّما قصد عثمان جمعهم على القراءات الثابتة المعروفة عن النّبيّ صلّى اللّه عليه و آله و إلغاء ما ليس كذلك و أخذهم بمصحف لا تقديم فيه و لا تأخير و لا تأويل أثبت مع تنزيل و لا منسوخ تلاوته كتب مع مثبت رسمه و مفروض قراءته و حفظه خشية دخول الفساد و الشبهة على من يأتي بعد.

قال: و قال الحارث المحاسبى: المشهور عند النّاس أن جامع القرآن عثمان و ليس كذلك إنّما حمل عثمان النّاس على القرائة بوجه واحد على اختيار وقع بينه و بين من شهده من المهاجرين و الأنصار لما خشى الفتنة عند اختلاف أهل العراق و الشام في حروف القراءات فأما قبل ذلك فقد كانت المصاحف بوجوه من القراءات المطلقات على الحروف السبعة التي انزل بها القرآن.

و فيه أيضا نقلا عن المحاسبي المذكور: و قد قال علي عليه السّلام لو وليت لعملت بالمصاحف التي عمل بها عثمان.

قال: و أخرج ابن أبي داود بسند صحيح عن سويد بن غفلة قال: قال عليّ عليه السّلام لا تقولوا في عثمان إلّا خيرا فو اللّه ما فعل الّذي فعل في المصاحف إلّا عن ملاء منّا قال: ما تقولون في هذه القراءة فقد بلغني أن بعضهم يقول إن قراءتي خير من قراءتك و هذا يكاد يكون كفرا قلنا: فما ترى قال: أرى أن يجمع النّاس على مصحف واحد فلا تكون فرقة و لا اختلاف قلنا: فنعم ما رأيت.

قال: قال القاضي أبو بكر في الانتصار: الذي نذهب إليه أن جميع القرآن الذي أنزله اللّه و أمر باثبات رسمه و لم ينسخه و لا رفع تلاوته بعد نزوله هو هذا الذي بين الدفتين الذي حواه مصحف عثمان و أنه لم ينقص منه شي ء و لا زيد فيه و أن ترتيبه و نظمه ثابت على ما نظمه اللّه و رتّبه عليه رسوله صلّى اللّه عليه و آله من آى السور لم يقدم من ذلك مؤخر و لا اخر منه مقدم و أن الأمة ضبطت عن النبىّ صلّى اللّه عليه و آله ترتيب آى كلّ سورة و مواضعها و عرفت مواقعها كما ضبطت عنه نفس القراءات و ذات التلاوة و أنه يمكن أن يكون الرسول صلّى اللّه عليه و آله قد رتّب سوره و أن يكون قد وكّل ذلك إلى الأمة بعده و لم يتولّ ذلك بنفسه قال: و هذا الثاني أقرب.

أقول: بل الأوّل متعيّن و لا نشك في أنّه صلّى اللّه عليه و آله تولى ترتيب السور أيضا بنفسه كما مرّ.

و فيه أيضا، قال البغوي في شرح السنة: الصحابة رضى اللّه عنهم جمعوا بين الدفتين القرآن الذي أنزله اللّه على رسوله من غير أن زادوا أو نقصوا منه شيئا خوف ذهاب بعضه بذهاب حفظته فكتبوه كما سمعوا من رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله من غير أن قدموا شيئا أو أخروا أو وضعوا له ترتيبا لم يأخذوه من رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و كان رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله يلقّن أصحابه و يعلّمهم ما نزل عليه من القرآن على الترتيب الذي هو الان في مصاحفنا بتوقيف جبريل إياه على ذلك و إعلامه عند نزول كلّ آية ان هذه الاية تكتب عقب آية كذا في سورة كذا فثبت أن سعى الصحابة كان في جمعه في موضع واحد لا في ترتيبه فانّ القرآن مكتوب في اللّوح المحفوظ على هذا الترتيب أنزله اللّه جملة إلى السماء الدّنيا ثمّ كان ينزله مفرقا عند الحاجة و ترتيب النزول غير ترتيب التلاوة.

قال: و أخرج ابن أبي داود من طريق محمّد بن سيرين عن كثير بن أفلح قال لمّا أراد عثمان أن يكتب المصاحف جمع له اثنى عشر رجلا من قريش و الأنصار فبعثوا إلى الربعة التي في بيت عمر فجي ء بها و كان عثمان يتعاهدهم فكانوا إذا تدارؤا في شي ء أخروه- إلخ.

قال: و أخرج عن ابن وهب قال: سمعت مالكا يقول: إنما الف القرآن على ما كانوا يسمعون من النّبيّ صلّى اللّه عليه و آله.

و قال في مناهل العرفان: أخرج البخاري عن ابن زبير قال: قلت لعثمان ابن عفان «الَّذِينَ يُتَوَفَّوْنَ مِنْكُمْ وَ يَذَرُونَ أَزْواجاً» نسختها الاية الأخرى فلم تكتبها أو تدعها و المعنى لما ذا تكتبها أو قال لما ذا تتركها مكتوبة مع أنها منسوخة قال: يا ابن أخي لا اغيّر شيئا من مكانه.

و غيرها من الأقوال و انّما نقلناها تأييدا فإنّ الأمر أوضح من ذلك و لا حاجة فيه إلى نقلها و إنما طعنوا عثمان في عمله لوجهين: الأول أن احراقه المصاحف كان استخفافا بالدين و الثاني أن ذلك ليس تحصينا للقرآن و لو كان تحصينا لما كان رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله يبيح القراءات المختلفة فقد مضى الكلام عليه مستقصى و أراد عثمان أن يجمع النّاس على قراءة واحدة و مع ذلك تكثرت حتّى بلغ متواترها إلى السبع.

«الكلام في رسم خط القرآن»

و من شدة عناية المسلمين و اهتمامهم بضبط القرآن المبين حفظهم كتابة القرآن و رسمه على الهجاء الذي كتبه كتّاب الوحى على الكتبة الأولى على عهد النّبيّ صلّى اللّه عليه و آله و إن كان بعض المواضع من الرسم مخالفا لأدب الرّسم فلا يجوز لأحد أن يكتب القرآن إلّا على ذلك الرّسم المضبوط من السلف بالتواتر ابقاء للقرآن على ما كان و حذرا من تطرق التحريف فيه و إن كان من الرسم بل نقول مخالفة رسم القرآن حرام بيّن لأنّ رسم القرآن من شعائر الدين و يجب حفظ الشعاعر لتبقى مصونة عن الشبهات و تحريف المعاندين إلى القيامة و تكون حجّة على النّاس يحتجوا به مطمئنين إلى آخر الدهر كما يجب حفظ حدود منى و مشعر و البيت و الروضة النبوية و غيرها و نأتي بعدة مواضع من القرآن حتّى يتبيّن لك أشدّ تبيين أنّ القرآن صين من جميع الوجوه عن التغيير و التبديل و التحريف و التصحيف و الزيادة و النقصان مثلا ان كلمة «مرضات» مكتوبة بالتاء المدودة في المصاحف: وَ مِنَ النَّاسِ مَنْ يَشْرِي نَفْسَهُ ابْتِغاءَ مَرْضاتِ اللَّهِ (البقرة- 204)، مَثَلُ الَّذِينَ يُنْفِقُونَ أَمْوالَهُمُ ابْتِغاءَ مَرْضاتِ اللَّهِ (البقرة- 268)، وَ مَنْ يَفْعَلْ ذلِكَ ابْتِغاءَ مَرْضاتِ اللَّهِ فَسَوْفَ نُؤْتِيهِ أَجْراً عَظِيماً (النساء 116)، يا أَيُّهَا النَّبِيُّ لِمَ تُحَرِّمُ ما أَحَلَّ اللَّهُ لَكَ تَبْتَغِي مَرْضاتَ أَزْواجِكَ (التحريم- 2).

و كلمة «نعمت» مكتوبة بالتاء المدودة أيضا في المصاحف: يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اذْكُرُوا نِعْمَتَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ (المائدة- 12) و كذا في عدة مواضع اخرى و لسنا في مقام الحصر.

و كلمة «رحمت» مكتوبة بالتاء المدودة في المصاحف كلها: فَانْظُرْ إِلى آثارِ رَحْمَتِ اللَّهِ (الروم- 51) و كذا مواضع اخرى.

كلمة «امرأت» مكتوبة بالتاء المدودة في المصاحف كلّها: إِذْ قالَتِ امْرَأَتُ عِمْرانَ (آل عمران- 36) و مواضع اخرى.

كلمة «بيّنت» مكتوبة بالتاء المدودة: فَهُمْ عَلى بَيِّنَةٍ مِنْهُ (الملائكة- 41) كلمة «يدع» في قوله تعالى: وَ يَدْعُ الْإِنْسانُ بِالشَّرِّ دُعاءَهُ بِالْخَيْرِ (بني إسرائيل- 14) مكتوبة بلا واو مع عدم الجازم.

كلمة «يؤت» مكتوبة في قوله تعالى: وَ سَوْفَ يُؤْتِ اللَّهُ الْمُؤْمِنِينَ أَجْراً عَظِيماً (النساء- 146) بلا ياء مع عدم الجازم.

كلمة «يعفوا» في قوله تعالى: يا أَهْلَ الْكِتابِ قَدْ جاءَكُمْ رَسُولُنا يُبَيِّنُ لَكُمْ كَثِيراً مِمَّا كُنْتُمْ تُخْفُونَ مِنَ الْكِتابِ وَ يَعْفُوا عَنْ كَثِيرٍ (المائدة- 16) مكتوبة بالألف مع انها بصيغة الإفراد.

و في جميع بسم اللّه الرّحمن الرّحيم في القرآن أسقط الف الاسم و قوله تعالى اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ مكتوب الفه.

و قوله تعالى: وَ ما أَنْتَ بِهادِي الْعُمْيِ عَنْ ضَلالَتِهِمْ إِنْ تُسْمِعُ إِلَّا مَنْ يُؤْمِنُ بِآياتِنا فَهُمْ مُسْلِمُونَ (النمل- 85) مكتوبة كلمة بهادى بالياء مع أن هذه الاية في سورة الروم الاية 54 مكتوبة بلا ياء.

و كذا كم من كلمات في القرآن يخالف رسمه قواعد النحو فكم من فعل ماض مثلا على صيغة الجمع لم يكتب في آخره الف و كم من فعل مفرد مكتوب آخره بالألف و كم من كلمة زيد في وسطه ألف مع عدم الاحتياج اليها و غيرها ممّا هى مذكورة في الشاطبيّة و الاتحاف و غيرهما و كثير من المشايخ ألفوا في رسم الخط رسائل عليحدة و لسنا في ذلك المقام و انما المراد أن يعلم القارى الكريم أن هذا القرآن المكتوب بين الدفتين هو الكتاب الذي نزل على خاتم النّبيّين صلّى اللّه عليه و آله حتّى أنّ الصحابة لم يعتنوا في رسم خطّه بقواعد النحو و رسوم خط العرب اتباعا للمصاحف الّتي كتبت على عهد النّبيّ صلّى اللّه عليه و آله حتّى لا يتغير خط القرآن و حروفه و لا يتوهم أحد فيه التصحيف.

قال السيوطي في الإتقان (النوع 76 منه ص 166 ج 2 طبع مصر 1318 ه) في مرسوم الخط و آداب كتابته أفرده بالتصنيف خلائق من المتقدمين و المتأخرين- إلى أن قال: القاعدة العربية أنّ اللفظ يكتب بحروف هجائية مع مراعاة الابتداء به و الوقف عليه، و قد مهد النحاة له اصولا و قواعد و قد خالفها في بعض الحروف خط المصحف الإمام، و قال أشهب: سئل مالك هل يكتب المصحف على ما أحدثه النّاس من الهجاء فقال: لا إلا على الكتبة الأولى رواه الداني في المقنع ثمّ قال: و لا مخالف له من علماء الأمة و قال الداني في موضع آخر: سئل مالك عن الحروف في القرآن مثل الواو و الألف أ ترى أن يغير من المصحف إذا وجد فيه كذلك قال: لا قال أبو عمرو: يعنى الواو و الألف المزيدتين في الرسم المعدومتين في اللفظ نحو أولو، قال: و قال الإمام أحمد: يحرم مخالفة خطّ مصحف عثمان في واو أو ياء أو الف أو غير ذلك.

أقول: ما قال أحمد في حرمة المخالفة حقّ كما بيّناه آنفا و لا حاجة في حرمته إلى رواية خاصّة لو لم تكن.

و فيه أيضا قال البيهقي في شعب الايمان: من يكتب مصحفا فينبغي أن يحافظ على الهجاء الّذي كتبوا به تلك المصاحف و لا يخالفهم فيه و لا يغير ممّا كتبوه شيئا فانهم كانوا أكثر علما و أصدق قلبا و لسانا و أعظم أمانة منا فلا ينبغي أن نظنّ بأنفسنا استدراكا عليهم.

«لما ذا يخالف رسم تلك الحروف القرآنيّة أصول رسم الخط»

علة ذلك هو ما ذكر العلامة ابن خلدون في الفصل الثلاثين من الباب الخامس من المقدمة ص 619 طبع مصر، قال: كان الخطّ العربيّ لأوّل الإسلام غير بالغ إلى الغاية من الإحكام و الاتقان و الاجادة و لا إلى التوسط لمكان العرب من البداوة و التوحش و بعدهم عن الصنائع و انظر ما وقع لأجل ذلك في رسمهم المصحف حيث رسمه الصحابة بخطوطهم و كانت غير مستحكمة في الاجادة فخالف الكثير من رسومهم ما اقتضته رسوم صناعة الخط عند أهلها ثمّ اقتفى التّابعون من السلف رسمهم فيها تبرّكا بما رسمه أصحاب الرسول صلّى اللّه عليه و آله و خير الخلق من بعده المتلقون لوحيه من كتاب اللّه و كلامه كما يقتفي لهذا العهد خطّ ولى أو عالم تبرّكا و يتبع رسمه خطئا أو صوابا و أين نسبة ذلك من الصحابة فيما كتبوه فاتبع ذلك و اثبت رسما و نبّه العلماء بالرسم على مواضعه و لا تلتفتنّ في ذلك إلى ما يزعمه بعض المغفلين من أنّهم كانوا محكمين لصناعة الخطّ و أنّ ما يتخيّل من مخالفة خطوطهم لأصول الرسم ليس كما يتخيّل بل لكلّها وجه يقولون في مثل زيادة الألف في «لا أذبحنّه» إنّه تنبيه على أن الذبح لم يقع، و في زيادة الياء في «بأييد» إنّه تنبيه على كمال القدرة الربّانيّة و أمثال ذلك ممّا لا أصل له إلّا التحكّم المحض و ما حملهم على ذلك إلّا اعتقادهم أن في ذلك تنزيها للصحابة عن توهّم النقص في قلة إجادة الخطّ و حسبوا أنّ الخطّ كمال فنزّهوهم عن نقصه و نسبوا إليهم الكمال باجادته و طلبوا تعليل ما خالف الاجادة من رسمه و ذلك ليس بصحيح، و اعلم أنّ الخطّ ليس بكمال في حقّهم إذا الخطّ من جملة الصنائع المدنيّة المعاشية كما رأيته فيما مرّ و الكمال في الصنائع إضافى بكمال مطلق إذ لا يعود نقصه على الذات في الدّين و لا في الخلال و إنّما يعود على أسباب المعاش و بحسب العمران و التعاون عليه لأجل دلالته على ما في النفوس و قد كان صلّى اللّه عليه و آله اميّا و كان ذلك كمالا في حقّه و بالنسبة إلى مقامه لشرفه و تنزهه عن الصنائع العمليّة الّتى هى أسباب المعاش و العمران كلّها و ليست الأميّة كمالا في حقنا نحن إذ هو منقطع إلى ربّه و نحن متعاونون على الحياة الدّنيا شأن الصنائع كلّها حتّى العلوم الاصطلاحيّة فان الكمال في حقّه هو تنزّهه عنها جملة بخلافنا- انتهى.

أقول: و ممّا ذكرنا ظهر أن ما ذهب إليه بعض المغفلين لم يكن له خبرة في علوم القرآن من أن أمثال هذه الأمور المخالفة لرسم الخطّ من عدم حذاقة الكاتب فلا يجب اتباعها غلط جدّا.

«يقرأ القرآن على القراءات السبع المتواترة دون الشواذ»

و ممّا ينادى بأعلى صوته عناية المسلمين بحفظ القرآن الكريم و حراسته عن كلّ ما يتوهّم فيه التحريف قراءتهم القرآن بالقراءات المتواترة السبع دون الشواذ و لو كان الرواية الشاذة مرويّا عن النّبيّ صلّى اللّه عليه و آله لأنّ اعتمادهم في القراءة و رسم الخطّ و ترتيب السور و الايات كلّها كان على السماع دون الاجتهاد. بل نقول: إن كلّ ما ينتسب إلى القرّاء السبعة من القراءات السبع و لم يثبت تواتره لا يجوز متابعته و إن كان موافقا لقياس العربيّة لأنّ المناط في اتباع القراءة هو التواتر فما يروى عن السبعة من الشواذ فحكمه حكم سائر القراءات الشاذ مثلا أن أمين الاسلام الطبرسى في المجمع قال: قرأ كلّ القراء- معايش- في قوله تعالى وَ لَقَدْ مَكَّنَّاكُمْ فِي الْأَرْضِ وَ جَعَلْنا لَكُمْ فِيها مَعايِشَ قَلِيلًا ما تَشْكُرُونَ (الأعراف- 12) بغير همز و روى بعضهم عن نافع- معائش- ، ممدودا مهموزا انتهى. فهذه الرواية عن النافع غير متواتر و إن كان النافع من السبعة، و لا يجوز القراءة بتلك القراءة الشاذة.

فان قلت: هل يوجد عكس ذلك في القراءات بأن يكون القارى من غير السبع كيعقوب بن إسحاق الحضرمى و أبو حاتم سهل بن محمّد السجستانى و يحيى بن وثاب و الأعمش و أبان بن تغلب و أضرابهم و يكون بعض قراءتهم متواترا أقول: و كم له من نظير و لكن من حيث أن تلك القراءة موافقة للقراءات السبع المتواترة فما وافقتها و إلّا لا يجوز الاتكال عليها و قراءة القرآن بها.

و إنّما اجتمع النّاس على قراءة هؤلاء و اقتدوا بهم فيها لسببين: أحدهما أنّهم تجرّدوا لقراءة القرآن و اشتدّت بذلك عنايتهم مع كثرة علمهم و من كان قبلهم أو في أزمنتهم ممن نسب إليه القراءة من العلماء و عدّت قراءتهم في الشواذ لم يتجرّد لذلك تجرّدهم و كان الغالب على اولئك الفقه أو الحديث أو غير ذلك من العلوم.

و الاخر أن قراءتهم وجدت مسندة لفظا أو سماعا حرفا حرفا من أوّل القرآن إلى آخره مع ما عرف من فضائلهم و كثرة علمهم بوجوه القرآن (قالهما الطبرسي في مقدمة تفسيره مجمع البيان).

أقول: على أن أئمتنا سلام اللّه عليهم قرروا تلك القراءات لأنّها كانت متداولة في عصرهم عليهم السّلام و كان الناس يأخذونها من القراء و لم يردّوهم و لم يمنعوهم عن أخذها عنهم بل نقول: إن قراءة أهل البيت عليهم السّلام يوافق قراءة أحد السبعة و قلّما ينفق أن تروى قراءة منهم عليهم خارجة عن المتواترات كما يظهر بالتتبع للخبير المتضلع في علوم القرآن.

فإن قلت: القرآن نزل على قراءة واحدة فكيف جاز قراءته بأكثر من واحدة فهل القراءات العديدة إلّا التحريف.

قلت: أوّلا إن اختلاف القراءات لا يوجب تحريف الكتاب و تغييره و باختلافها لا تزاد كلمة في القرآن و لا تنقص منه فإن اختلافها في الإعراب و ارجاع الضمير و كيفية التلفظ و الخطاب و الغيبة و الإفراد و الجمع و أمثالها في كلمات تصلح لذلك و في الجميع الايات و الكلمات القرآنية بذاتها محفوظة مثلا في قوله تعالى وَ ما أَرْسَلْنا مِنْ قَبْلِكَ إِلَّا رِجالًا نُوحِي إِلَيْهِمْ مِنْ أَهْلِ الْقُرى (يوسف- 109) قرأ أبو بكر عن عاصم يوحى بضم الياء و فتح الحاء على صيغة المجهول و قرأ حفص عن عاصم بضم النون و كسر الحاء على صيغة المتكلم و المعني على كلا الوجهين صحيح و اللفظ محفوظ و مصون. و في قوله تعالى وَ إِذا أَنْعَمْنا عَلَى الْإِنْسانِ أَعْرَضَ وَ نَأى بِجانِبِهِ (الإسراء- 84) قرأ أبو بكر عن عاصم بإمالة الهمزة في نئا و حفص عن عاصم بفتحها و معلوم انّه لا يوجب التحريف و التغيير، و في قوله تعالى فَاعْبُدُوهُ أَ فَلا تَذَكَّرُونَ (يونس- 4) قرأ أبو بكر عن عاصم بتشديد الذال و حفص بتخفيفها و هو لا يوجب تبديل ذات الكلمة، و في قوله تعالى مِنْ أَزْواجِنا وَ ذُرِّيَّاتِنا (الفرقان- 75) قرأ أبو بكر ذريتنا بالتوحيد و حفص بالجمع و أمثالها مما هي مذكورة في كتب الفن و التفاسير و لكلّ وجه متقن و حجّة متّبعة أجمع المسلمون على تلقيها بالقبول مع أنّها تنتهى إلى رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و لا يخفى على البصير المتتبع و المتضلّع في القراءات أنّها لا توجب التحريف بل يبيّن وجوه صحة التلفظ- مثلا ان قوله صلّى اللّه عليه و آله الدّنيا رأس كلّ خطيئة، يصح أن يقرأ على الوجهين الأوّل ما هو المشهور و الثاني أنّ الدينار (مقابل الدرهم) اس كلّ خطيئة بضم الهمزة و الجملة بذاتها محفوظة، أو ما أنشده القطب الشيرازي في مجلس كان فيه الشيعة و السني (أتى به الشيخ في الكشكول ص 135 طبع نجم الدولة):

  • خير الورى بعد النّبيّ من بنته في بيتهمن في دجى ليل العمى ضوء الهدى في زيته

يمكن أن يكون المراد من كلمة «من» رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و الضمير الأوّل يرجع إليه و الثاني إلى أمير المؤمنين عليّ عليه السّلام، أو يكون المراد منها أبو بكر و الضمير الأوّل يرجع إليه و الثاني إلى رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و هكذا في البيت الثاني و لا يوجب تغييرا في البيت.

و ثانيا نقول: إن رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و الأئمة الهدى أجازوا ذلك و هذا كما أن أحدنا نجوز أن يقرأ كلامه على وجهين مثلا ان الحكيم السبزواري قال في اللئالي المنتظمة:

  • فالمنطقى الكلّى بحمل أوّلىو غيره لشايع الحمل كلى

ثمّ أجاز في الشرح قراءة كلّي على وجهين و قال: كلي إما بضم الكاف مخفف كلّي و إما بكسرها أمر من و كل يكل و الياء للإطلاق و اللام (لشائع) على الأوّل للتعليل و على الثاني للاختصاص. انتهى. و هكذا الكلام في القرآن الكريم.

و العجب من صاحب الجواهر رحمه اللّه مال في صلاة الجواهر إلى عدم تواتر القراءات السبع و قال في ذيل بحث طويل في ذلك: فإن من مارس كلماتهم علم أن ليس قراءتهم إلّا باجتهادهم و ما يستحسنونه بأنظارهم كما يؤمي إليه ما في كتب القراءة من عدّهم قراءة النّبيّ صلّى اللّه عليه و آله و عليّ و أهل البيت عليهم السّلام في مقابلة قراءتهم و من هنا سموهم المتبحرين و من ذاك (كذا- و الظاهر: و ما ذاك) إلّا لأن أحدهم كان إذا برع و تمهر شرع للنّاس طريقا في القراءة لا يعرف إلّا من قبله و لم يرد على طريقة مسلوكة و مذهب متواتر محدود و إلّا لم يختصّ به بل كان من الواجب بمقتضى العادة أن يعلم المعاصر له بما تواتر إليه لاتحاد الفن و عدم البعد عن المأخذ و من المستبعد جدّا انا نطلع على التواتر و بعضهم لا يطلع على المتواتر إلى الاخر كما أنّه من المستبعد أيضا تواتر الحركات و السكنات مثلا في الفاتحة و غيرها من سور القرآن.

انتهى كلامه.

أقول: قد بيّنا أن القراءات السبع كان متواترا من عصر الأئمة إلى الان بل النّبى صلّى اللّه عليه و آله جوز اختلاف القراءة أيضا إلّا أن ما لم يوافق السبع المتواترة لا يفيد إلّا الظنّ بخلاف السبع فانّها إجماع المسلمين قاطبة من صدر الاسلام إلى الان و إجماع أهل الخبرة في كلّ فن حجة و لو خالف إجماعهم الخارج من فنّهم لا يضرّ الاجماع و من مارس كتب التفسير و القراءات حقّ الممارسة علم إجماع المسلمين جيلا بعد جيل في كلّ عصر حتّى في زمن الأئمة المعصومين في القراءات بالسماع و الحقّ في ذلك ما هو المنقول من العلامة قدّس سرّه في النهاية حيث قال: و مخالفة الجاهلين بالقراءة لا يقدح في إجماع المسلمين إذ المعتبر في الإجماع و الخلاف قول أهل الخبرة فلو خالف غير النحوى في رفع الفاعل و غير المتكلم في حدوث العالم أو وجوب اللطف على اللّه لم يقدح في إجماع المسلمين أو الشيعة أو النحاة.

على أن القراءات المتواترة ينتهى إلى النّبيّ صلّى اللّه عليه و آله بالأخرة كما ذكرنا آنفا أن القراء كلّهم يرجعون إلى أبى عبد الرّحمن بن السلمى القارى و هو أخذ عن أمير المؤمنين عليه السّلام و هو أخذ عن النّبيّ صلّى اللّه عليه و آله، قال ابن النديم في الفهرست (ص 49 من الفن الثالث من المقالة الأولى ط مصر): قرأ عاصم على أبي عبد الرّحمن السلمى و قرأ السلمى على علىّ عليه السّلام و قرأ علىّ عليه السّلام على النّبيّ صلّى اللّه عليه و آله، و قال أيضا (ص 45): علىّ بن حمزة الكسائي قرأ على عبد الرّحمن بن أبى ليلى و كان ابن أبى ليلى يقرأ بحرف علىّ عليه السّلام و كذا سائر القراء فعليك بالإتقان و الفن الثاني من مقدمة تفسير الطبرسى مجمع البيان و سائر الكتب المؤلفة في القراء و قراءات القرآن فلا مجال للوسوسة بعد ظهور البيان و تمام البرهان. و قد قال العلامة الحلىّ قدّس سرّه في التذكرة: «مسئلة» يجب أن يقرأ بالمتواتر من القراءات و هي سبعة و لا يجوز أن يقرأ بالشواذ و يجب أن يقرأ بالمتواتر من الايات و هو ما تضمّنه مصحف علىّ عليه السّلام لأنّ أكثر الصحابة اتفقوا عليه و حرق عثمان ما عداه.

«عدد آى القرآن و حروفه»

و مما يعلن بشدّة عناية المسلمين بضبط القرآن و حفظه عن التحريف عدّهم كلماته و آيه و حروفه حتّى فتحاته و كسراته و ضماته و تشديداته و مدّاته و أفرد السيوطى في الإتقان فصلا في ذلك. و في الوافي للفيض قدّس سرّه (274 م 5 طبع ايران 1324 ه): قال السيد حيدر بن علىّ بن حيدر العلوى الحسينى طاب ثراه في تفسيره الموسوم بالمحيط الأعظم: إن أكثر القراء ذهبوا إلى أن سور القرآن بأسرها مأئة و أربع عشرة سورة و أنّ آياته ستة آلاف و ستمائة و ست و ستون آية و إلى أن كلماته سبعة و سبعون الفا و أربعمائة و سبع و ثلاثون كلمة و إلى ان حروفه ثلاثمأة آلاف و اثنان و عشرون الفا و ستمائة و سبعون حرفا و إلى أن فتحاته ثلاثة و تسعون الفا و مائتان و ثلاثة و اربعون فتحة- إلخ.

روى الطبرسي في تفسير سورة هل أتى من المجمع رواية مستندة عن أمير المؤمنين عليّ بن أبي طالب أنّه عليه السّلام قال: سألت النّبيّ صلّى اللّه عليه و آله عن ثواب القرآن فأخبرني بثواب سورة سورة على نحو ما نزلت من السماء- إلى أن قال عليه السّلام: ثمّ قال النّبيّ صلّى اللّه عليه و آله جميع سور القرآن مأئة و أربع عشرة سورة، و جميع آيات القرآن ستة آلاف آية و مأتا آية و ست و ثلاثون آية، و جميع حروف القرآن ثلاثمأة ألف حرف و أحد و عشرون ألف حرف و مائتان و خمسون حرفا لا يرغب في تعلم القرآن إلّا السعداء و لا يتعهد قراءته إلّا أولياء الرّحمان. انتهى. و ذكر ابن النديم في الفهرست (ص 41 من المقالة الأولى) اختلاف النّاس في آى القرآن.

أقول: قد عدّ خلق كثير حروف القرآن و آخرون نقلوا منهم و ذكروا في تأليفاتهم و منهم المولى أحمد النراقي في الخزائن (ص 275 طبع طهران 1380 ه) ثمّ اختلف العادّون في مقدارها عددا و لا ريب أن تحديد أمثال هذه الأمور لا يخلو من اختلاف و الاختلاف ليس إلّا منهم لا من المصاحف فإنّه واحد نزل من عند واحد و ما بدّل منه شي ء و ما زيد فيه حرف و ما نقص منه كما علمت و إنما غرضنا في ذلك التوجه إلى اهتمام المسلمين قاطبة عصرا بعد عصر في ضبط كلام اللّه تعالى عن تحريف مّا و إن كان الاشتغال باستيعاب ذلك ممّا لا طائل تحته و لنعم ما قال السخاوى (الاتقان ص 72 ج 1): لا أعلم لعدّ الكلمات و الحروف من فائدة لأن ذلك إن أفاد فإنما يفيد في كتاب يمكن فيه الزيادة و النقصان و القرآن لا يمكن فيه ذلك.

و أمّا اختلاف الاى و سببه فهو ما قال السيوطي في الاتقان: أجمعوا على أن عدد آيات القرآن ستة آلاف آية ثمّ اختلفوا فيما زاد على ذلك- إلى أن قال و سبب اختلاف السبب في عدد الاى أن النّبيّ صلّى اللّه عليه و آله كان يقف على رءوس الاى للتوقيف فاذا علم محلها وصلها للتمام فيحسب السامع حينئذ انها ليست فاصلة.

قال الطبرسي في الفنّ الأوّل من مقدمة التفسير في تعداد آى القرآن و الفائدة في معرفتها: اعلم أن عدد أهل الكوفة أصح الأعداد و اعلاها إسنادا لأنه مأخوذ عن أمير المؤمنين عليّ بن أبي طالب عليه السّلام- إلى أن قال: و الفائدة في معرفة آى القرآن أن القارئ إذا عدّها بأصابعه كان أكثر ثوابا لأنه قد شغل يده بالقرآن مع قلبه و لسانه و بالحرىّ أن تشهد له يوم القيامة فانّها مسئولة و لأنّ ذلك أقرب إلى التحفظ فإن القاري لا يأمن من السهو و قد روى عبد اللّه بن مسعود عن النّبيّ صلّى اللّه عليه و آله انه قال: تعاهدوا القرآن فانّه وحشى و قال عليه الصلاة لبعض النساء: اعقدن بالأنامل فانهنّ مسؤلات و مستنطقات، قال حمزة بن حبيب و هو أحد القراء السبعة العدد مسامير القرآن.

و بالجملة ان عدّ أمثال تلك الأمور و تحديدها قلما يتفق أن يتحد الاثنان من العادّين و لا يغترّ القاري الكريم بتلك الاختلافات أن المصاحف كانت مختلفة. و العجب من الفيض رحمه اللّه تعالى قال في الوافي (ص 274 م 5): قد اشتهر اليوم بين النّاس أن القرآن ستة آلاف و ستمائة و ستّ و ستون آية ثمّ روى رواية الطبرسي المذكورة آنفا في المجمع عن النّبيّ صلّى اللّه عليه و آله، ثمّ جعل أحد الاحتمالات في اختلاف الرّواية و الشهرة اختلاف المصاحف حيث قال: فلعل البواقي تكون مخزونة عند أهل البيت عليهم السّلام و تكون فيما جمعه أمير المؤمنين عليه السّلام- إلخ.

لكنه (ره) عدل عنه و استبصر و قال في المقدمة السادسة من تفسيره الصافي بعد نقل عدّة روايات في تحريف الكتاب: أقول: و يرد على هذا كلّه اشكال و هو أنّه على هذا التقدير لم يبق لنا اعتماد على شي ء من القرآن إذ على هذا يحتمل كل آية منه أن يكون محرّفا و مغيّرا و يكون على خلاف ما أنزل اللّه فلم يبق لنا في القرآن حجّة أصلا فتنتفى فائدة الأمر باتّباعه و الوصيّة بالتمسك به إلى غير ذلك، و أيضا قال اللّه عزّ و جلّ إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا بِالذِّكْرِ لَمَّا جاءَهُمْ وَ إِنَّهُ لَكِتابٌ عَزِيزٌ لا يَأْتِيهِ الْباطِلُ مِنْ و قال إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَ إِنَّا لَهُ لَحافِظُونَ فكيف يتطرق إليه التحريف و التغيير- إلخ.

«رسم النحو في القرآن»

و ممّا يفحص عن شدة عناية المسلمين بضبط القرآن و يؤيده رسم النحو فيه قال ابن النديم في أوّل المقالة الثانية من الفهرست: زعم أكثر العلماء أن النحو اخذ عن أبي الأسود و هو أخذ عن أمير المؤمنين عليّ بن أبي طالب عليه السّلام- إلى أن قال: و قد اختلف النّاس في السبب الّذي دعا أبا الأسود إلى ما رسمه من النحو فقال أبو عبيدة أخذ النحو عن عليّ بن أبي طالب أبو الأسود و كان لا يخرج شيئا أخذه عن عليّ كرم اللّه وجهه إلى أحد حتّى بعث إليه زياد أن اعمل شيئا يكون للناس إماما و يعرف به كتاب اللّه فاستعفاه من ذلك حتّى سمع أبو الأسود قارئا يقرأ وَ أَذانٌ مِنَ اللَّهِ وَ رَسُولِهِ إِلَى بالكسر فقال: ما ظننت أن أمر النّاس آل إلى هذا فرجع إلى زياد فقال: أفعل ما أمر به الأمير فليبغني كاتبا لقنا يفعل ما أقول فأتى بكاتب من عبد القيس فلم يرضه فأتى باخر قال أبو العبّاس المبرّد أحسبه منهم فقال أبو الأسود: إذا رأيتني قد فتحت فمى بالحرف فانقط نقطة فوقه على أعلاه و إن ضممت فمى فانقط نقطة بين يدي الحرف و إن كسرت فاجعل النقطة من تحت الحرف فهذا نقط أبي الأسود. انتهى.

بيان

المراد من النقط ههنا هو الإعراب فنقطة الفوق بمعنى الفتحة و نقطة التحت أي الكسرة و نقطة بين يدي الحرف هي الضمّة.

«رجم الأوهام و الأباطيل»

و إن قيل: قد توجد عدة من السور في بعض الكتب و ما ذكرت في القرآن كسورة النورين نقلها صاحب كتاب دبستان المذاهب و أتى بها المحدث النورى في فصل الخطاب و الاشتياني في بحر الفوائد في شرح الفرائد (ص 101 طبع طهران) و سورة الحفد، و سورة الخلع، و سورة الحفظ، أتى بها المحدث النّوري في فصل الخطاب أيضا و نقل الأوليين السيوطي في أوّل النوع التاسع عشر من الإتقان، و سورة الولاية المنقولة في كتاب داورى للكسروى، فلم قلت إن القرآن 114 سورة و ما نقص منه شي ء قلت: أوّلا عدم كونها في القرآن دليل على عدم كونها من القرآن.

و ثانيا لو كانت أمثال هذه الكلمات تضحك بها الثكلى و تبكى بها العروس مما تحدّى اللّه تعالى عباده بقوله: فَأْتُوا بِسُورَةٍ مِنْ مِثْلِهِ (البقرة- 22 و يونس- 39) و قوله فَأْتُوا بِعَشْرِ سُوَرٍ مِثْلِهِ (هود- 16) و قوله تعالى: قُلْ لَئِنِ اجْتَمَعَتِ الْإِنْسُ وَ الْجِنُّ الاية لكان أعراب البادية و أصاغر الطلبة جميعا أنبياء يوحى إليهم فضلا عن أكابر العلماء، و قياس هذه السور المجعولة بالمقامات للحريري مثلا كقياس التبن بالتبر فضلا بالقرآن الكريم أعجز الحريرى و من فوقه عن أن تفوهوا بالاتيان بسورة منه و لو كانت نحو الكوثر ثلاث آيات.

و هذا هو أبو العلاء المعرّي الخرّيت في فنون الأدب و شئون الكلام و المشار إليه بالبنان في جودة الشعر و عذوبة النثر يضرب به المثل في العلوم العربية و كفى في فضله شاهدا كتابه: لزوم ما لا يلزم، و سقط الزند، و شرح الحماسة، و غيرها تصدّى للمعارضة بالقرآن على ما نقل ياقوت الحموي في معجم الأدباء في ترجمته فنأتي بما قال للمعارضة ثمّ انظر فيها بعين العلم و المعرفة حتّى يتبين لك أن نسبته إلى القرآن كيراعة إلى الشمس قال ياقوت: قرأت بخط عبد اللّه بن محمّد بن سعيد بن سنان الخفاجيّ في كتاب له ألّفه في الصرفة زعم فيه أن القرآن لم يخرق العادة بالفصاحة حتّى صار معجزة للنّبيّ صلّى اللّه عليه و آله و أنّ كلّ فصيح بليغ قادر على الإتيان بمثله إلّا أنّهم صرفوا عن ذلك لا أن يكون القرآن في نفسه معجز الفصاحة و هو مذهب لجماعة من المتكلمين و الرافضة منهم بشر المريسى و المرتضى أبو القاسم قال في تضاعيفه: و قد حمل جماعة من الأدباء قول أصحاب هذا الرأى على أنّه لا يمكن أحد من المعارضة بعد زمان التحدّى على أن ينظموا على اسلوب القرآن و أظهر ذلك قوم و أخفاء آخرون و ممّا ظهر منه قول أبي العلاء في بعض كلامه: اقسم بخالق الخيل، و الريح الهابّة بليل، ما بين الأشراط و مطالع سهيل، إن الكافر لطويل الذيل، و إن العمر لمكفوف الذيل، اتق مدارج السيل، و طالع التوبة من قبيل، تنج و ما اخالك بناج.

و قوله: أذلت العائذة أباها، و أصاب الوحدة و ربّاها، و اللّه بكرمه اجتباها أولاها الشرف بما حباها، أرسل الشمال و صباها، و لا يخاف عقباها.

بيان

قوله: ألفه في الصرفة: زعم قوم أن اللّه تعالى صرف القوى البشريّة عن المعارضة و لذلك عجزوا عن الاتيان بمثل القرآن و لو لا صرفه تعالى لهم لاستطاعوا أن يأتوا بمثله، و ذهب الاخرون إلى أنّه تعالى لم يصرفهم عنها و لكنهم ليسوا بقادرين على الاتيان بمثله، و نتيجة كلا القولين واحدة لاتفاقهما على عجز البشر إلى يوم القيامة عن الاتيان بمثله و لو بسورة سواء كان بصرف القوى أو لم يكن.

و المراد من المرتضى أبي القاسم هو الشّريف علم الهدى أخو الشريف الرّضي رضوان اللّه عليهما.

و لا يخفى على أولى الفضل و الدراية أن أمثال هذه الكلمات الملفقة من الرطب و اليابس لو تعارض القرآن الكريم لما تحدّي اللّه عباده به فإنّ الناس يستطيعون أن يأتوا بما هو أفضل منها لفظا و معنى.

ثمّ إنّ السور المنقولة من دبستان المذاهب و فصل الخطاب المذكورة آنفا كلمات لا يناسب ذيلها صدرها بل ليست جملها على اسلوب النحو و لا تفيد معنى فننقل شرذمة من سورة النورين حتّى يظهر لك سخافة ألفاظها و ركاكة تاليفها فمن آى تلك السورة المشوّهة: إنّ اللّه الذي نور السموات و الأرض بما شاء و اصطفى من الملائكة و جعل من المؤمنين اولئك في خلقه يفعل اللّه ما يشاء لا إله إلّا هو الرّحمن الرحيم و منها: مثل الذين يوفون بعهدك إنى جزيتهم جنات النعيم، و منها: و لقد ارسلنا موسى و هرون بما استخلف فبغوا هرون فصبر جميل فجعلنا منهم القردة و الخنازير و لعناهم إلى يوم يبعثون، و منها: و لقد أتينا بك الحكم كالذين من قبلك من المرسلين و جعلنا لك منهم وصيا لعلّهم يرجعون.

فانظر أنّ ذلك اللصّ المعاند الوضاع كيف لفّق بعض الجمل القرآنية بترّهاته تلبيسا على الضعفاء و خلّط الحقّ بالباطل تفتينا بين المسلمين، و لما رأى ضعفاء العقول كلمات شتى فيها نحو صبر جميل، نور السموات، إلى يوم يبعثون، لعلّهم يرجعون، المتخذة من القرآن تلقوها بالقبول حتّى رأيت مصحفا مطبوعا كتبت هذه السور في هامشه و ليس هذا إلا عمل الجهال من النسّاك و الصبيان من القراء الذين علموا مخارج حروف الحلق و أيقنوا أن ليس وراء ما علموا علم أصلا، و كأنما العارف شمس الدين محمّد الحافظ أخبر عنهم حيث قال:

  • آه آه از دست صرّافان گوهر ناشناسهر زمان خر مهره را با درّ برابر مى كنند

في تفسير آلاء الرّحمن للبلاغي طاب ثراه: و ممّا ألصقوه بالقرآن المجيد ما نقله في فصل الخطاب من كتاب دبستان المذاهب أنه نسب إلى الشيعة انهم يقولون إن إحراق المصاحف سبب إتلاف سور من القرآن نزلت في فضل عليّ و أهل بيته عليهم السّلام منها هذه السورة (النورين) و ذكر كلاما يضاهي خمسا و عشرين آية في الفواصل قد لفق من فقرات القرآن الكريم على اسلوب آياته فاسمع ما في ذلك من الغلط فضلا عن ركاكة اسلوبه الملفق: فمن الغلط (و اصطفى من الملائكة و جعل من المؤمنين اولئك في خلقه) ما ذا اصطفى من الملائكة و ما ذا جعل من المؤمنين و ما معنى اولئك في خلقه و منه: (مثل الذين يوفون بعهدك إني جزيته جنات النعيم) ليت شعرى ما هو مثلهم و منه: (و لقد ارسلنا موسى و هرون بما استخلف فبغوا هرون فصبر جميل) ما معنى هذه الدمدمة، و ما معنى بما استخلف و ما معنى فبغوا هرون و لمن يعود الضمير في بغوا و لمن الأمر بالصبر الجميل و من ذلك (و لقد آتينا بك الحكم كالذى من قبلك من المرسلين و جعلنا لك منهم وصّيا لعلّهم يرجعون) ما معنى آتينا بك الحكم و لمن يرجع الضمير الذي في منهم و لعلّهم وهل المرجع الضمير هو في قلب الشاعر و ما هو وجه المناسبة في لعلّهم يرجعون و من ذلك- إلى أن قال: هذا بعض الكلام في هذه المهزلة و أن صاحب فصل الخطاب من المحدثين المكثرين المجدين في التتبع للشواذ و انه ليعدّ أمثال هذا المنقول في دبستان المذاهب ضالة منشودة و مع ذلك قال انّه لم يجد لهذا المنقول أثر في كتب الشيعة، فيا للعجب من صاحب دبستان المذاهب من أين جاء نسبة هذه الدعوى إلى الشيعة و في أىّ كتاب لهم وجدها أ فهكذا يكون في الكتب و لكن لا عجب شنشنة أعرفها من أخزم فكم نقلوا عن الشيعة مثل هذا النقل الكاذب كما في كتاب الملل للشهرستاني و مقدمة ابن خلدون و غير ذلك ممّا كتبه بعض النّاس في هذه السنين و اللّه المستعان- انتهى.

«تحير الوليد بن المغيرة فيما يصف به القرآن»

(اجتماعه بنفر من قريش ليبيتوا ضدّ النّبيّ صلّى اللّه عليه و آله، و اتفاق قريش أن يصفوا الرّسول صلّى اللّه عليه و آله بالساحر و ما أنزل اللّه فيهم) كيف يحكم عاقل عارف بأنحاء الكلام أن تلك الأباطيل و الأضاليل وحى أوحى إلى رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و تحدى عباد اللّه بالإتيان بمثله، و قد بهت العرب العرباء في نظم القرآن الكريم و تحيّر فصحاء العرب في بيداء فصاحته و كلت السنة بلغائهم دون علوّ بلاغته و عجز العالمون عن أن يتدرجوا درج معانيه أو أن يتغوّصوا في بحر حقائقه، و هذا هو الخصم المبين الوليد بن المغيرة مع أنّه نشأ في حجر العرب العرباء تحير فيما يصف به القرآن، قال ابن هشام في السيرة (ص 270 ج 1 طبع مصر 1375 ه- 1955 م): إن الوليد بن المغيرة اجتمع إليه نفر من قريش و كان ذا سنّ فيهم و قد حضر الموسم فقال لهم: يا معشر قريش إنّه قد حضر هذا الموسم و إن وفود العرب ستقدم عليكم فيه و قد سمعوا بأمر صاحبكم هذا- يعني به رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله- فأجمعوا فيه رأيا واحدا و لا تختلفوا فيكذب بعضكم بعضا و يردّ قولكم بعضه بعضا، قالوا: فأنت يا أبا عبد شمس فقل و أقم لنا رأيا نقول به قال: بل أنتم فقولوا اسمع قالوا: نقول: كاهن، قال: لا و اللّه ما هو بكاهن لقد رأينا الكهان فما هو بزمزمة الكاهن و لا سجعه، قالوا: فنقول: مجنون، قال: ما هو بمجنون لقد رأينا الجنون و عرفناه فما هو بخنقه و لا تخالجه و لا وسوسته، قالوا: فنقول: شاعر، قال: ما هو بشاعر لقد عرفنا الشعر كلّه: رجزه و هزجه و قريضه و مقبوضه و مبسوطه فما هو بالشعر، قالوا: فنقول: ساحر، قال: ما هو بساحر لقد رأينا السحّار و سحرهم فما هو بنفثهم و لا عقدهم، قالوا: فما نقول يا أبا عبد شمس قال: و اللّه إن لقوله لحلاوة، و إن أصله لعذق، و إن فرعه لجناة و ما أنتم بقائلين من هذا شيئا إلّا عرف أنّه باطل و إنّ أقرب القول فيه لأن تقولوا ساحر جاء بقول هو سحر يفرّق به بين المرء و أبيه و بين المرء و أخيه و بين المرء و زوجته و بين المرء و عشيرته فتفرّقوا عنه بذلك فجعلوا يجلسون بسبل النّاس حين قدم الموسم لا يمرّ بهم أحد إلّا حذّروه إياه و ذكروا لهم أمره فأنزل اللّه تعالى في الوليد بن المغيرة و في ذلك من قوله: ذَرْنِي وَ مَنْ خَلَقْتُ وَحِيداً وَ جَعَلْتُ لَهُ مالًا مَمْدُوداً وَ بَنِينَ شُهُوداً وَ مَهَّدْتُ لَهُ تَمْهِيداً ثُمَّ يَطْمَعُ أَنْ أَزِيدَ كَلَّا إِنَّهُ كانَ لِآياتِنا عَنِيداً سَأُرْهِقُهُ صَعُوداً إِنَّهُ فَكَّرَ وَ قَدَّرَ فَقُتِلَ كَيْفَ قَدَّرَ ثُمَّ قُتِلَ كَيْفَ قَدَّرَ ثُمَّ نَظَرَ ثُمَّ عَبَسَ وَ بَسَرَ ثُمَّ أَدْبَرَ وَ اسْتَكْبَرَ فَقالَ إِنْ هذا إِلَّا سِحْرٌ يُؤْثَرُ إِنْ هذا إِلَّا قَوْلُ الْبَشَرِ (الايات من سورة المدثر) و أنزل اللّه تعالى في النفر الّذين كانوا معه يصنفون القول في رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و فيما جاء به من اللّه تعالى: كَما أَنْزَلْنا عَلَى الْمُقْتَسِمِينَ الَّذِينَ جَعَلُوا الْقُرْآنَ عِضِينَ فَوَ رَبِّكَ لَنَسْئَلَنَّهُمْ أَجْمَعِينَ عَمَّا كانُوا يَعْمَلُونَ (الحجر- 92 إلى 95).

و إن قيل: قد وردت أخبار دالّة على أن هذا القرآن المكتوب بين الدفتين المتداول الان اسقط منه آيات و كلمات فكيف ادّعيت أن ما انزل على رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله ما نقص منه حرف و ما تطرق إليه تحريف أقول: إن بعض تلك الروايات مجعول بلا كلام كرواية نقلها في الاحتجاج و أتى بها الفيض في تفسير الصافى ان المنافقين أسقطوا في الاية: وَ إِنْ خِفْتُمْ أَلَّا تُقْسِطُوا فِي الْيَتامى فَانْكِحُوا ما طابَ لَكُمْ مِنَ النِّساءِ (النساء- 5) بين اليتامى و بين فانكحوا من الخطاب و القصص اكثر من ثلث القرآن.

و بعضها يبين مصداقا من مصاديق الاية كما في قوله تعالى: وَ نُنَزِّلُ مِنَ الْقُرْآنِ ما هُوَ شِفاءٌ وَ رَحْمَةٌ لِلْمُؤْمِنِينَ وَ لا يَزِيدُ الظَّالِمِينَ إِلَّا خَساراً (بني إسرائيل- 84) وردت رواية: لا يزيد ظالمي آل محمّد حقّهم إلّا خسارا.

و بعضها يشير إلى بعض التأويلات كما في قوله تعالى: وَ إِذا قِيلَ لَهُمْ ما ذا أَنْزَلَ رَبُّكُمْ قالُوا أَساطِيرُ الْأَوَّلِينَ (النحل- 25) وردت رواية ما ذا أنزل ربّكم في عليّ عليه السّلام.

و بعضها يفسر الايات فجعل قوم هذه الأخبار دليلا على تحريف القرآن و حكموا بظاهرها أن القرآن نقص منه شي ء و جمعها المحدث النورى في فصل الخطاب و جعلها دليلا على تحريف الكتاب و اتبعه الاخرون و لو لا خوف الإطالة لنقلت كلّ واحد من أخبار فصل الخطاب و بيّنت عدم دلالتها على تحريف الكتاب فإن أخباره بعضها مجعول بلا ريب و بعضها مشوب سنده بالعيب و بعضها الاخر يبين التأويل و بعضها يفسّر التنزيل و يضاد طائفة منها اخرى و بعضها منقول من كتاب دبستان المذاهب لم ينقل في كتب الحديث أصلا كما أن المحدث النورى صرّح به أيضا. و بالجملة أن تلك الأخبار المنقولة في فصل الخطاب و غيره الواردة في ذلك الباب آحاد لا يعارض القرآن المتواتر المصون من عهد النّبيّ صلّى اللّه عليه و آله إلى الان فإن وجد لها وجه لا ينافي القرآن و إلا فتضرب على الجدار.

«جرى على المحدث النورى ما جرى على ابن شنبوذ»

ثمّ إنّ هذا المحدثّ الجليل و الحبر النبيل صاحب مستدرك الوسائل و مؤلف كثير من الرسائل جزاه اللّه عن الاسلام و المسلمين خير جزاء عدل عن مذهب التحريف السخيف و لا يخفى أن الجواد قد يكبو و السيف قد ينبو و جرى عليه «ره» ما جرى على ابن شنبوذ قال ابن النديم في الفن الثالث من المقالة الأولى من الفهرست: محمّد بن أحمد بن أيّوب بن شنبوذ كان يناوى ء أبا بكر و لا يفسده و قرأ: إذا نودى للصّلاة من يوم الجمعة فامضوا إلى ذكر اللّه، و قرأ: و كان أمامهم ملك يأخذ كلّ سفينة صالحة غصبا، و قرأ: اليوم ننجيك ببدنك لتكون لمن خلفك آية، و قرأ فلمّا خرّ تبيّنت النّاس أن الجن لو كانوا يعلمون الغيب ما لبثوا حولا في العذاب المهين- إلى أن قال بعد نقل عدّة قراءاته: و يقال: إنه اعترف بذلك كلّه ثمّ استتيب و اخذ خطّه بالتوبة فكتب: يقول محمّد بن أحمد بن أيوب: قد كنت أقرء حروفا تخالف عثمان المجمع عليه و الّذي اتفق أصحاب رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله على قراءته ثمّ بان لي أن ذلك خطأ و أنا منه تائب و عنه مقلع و إلى اللّه جلّ اسمه منه برى ء إذ كان مصحف عثمان هو الحقّ الّذى لا يجوز خلافه و لا يقرأ غيره.

«الله حافظ كتابه و متم نوره»

و ممّا تطمئن به القلوب و يزيدها إيمانا في عدم تحريف القرآن هو أن اللّه تعالى ضمن حفاظة كتابه و تعهّد إعلاء ذكره و وعد اتمام نوره و من أصدق من اللّه حديثا و وعدا و دونك الاى القرآنية في ذلك: قال تعالى: إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَ إِنَّا لَهُ لَحافِظُونَ (الحجر- 11) ففي الاية تاكيدات عديدة من الجملة الاسمية و الضمائر الأربعة الراجعة إليه تعالى و تكرار إنّ المؤكدة و لام التأكيد في خبر إنّ الثانية و اسمية خبرهما و تقديم الجار و المجرور على متعلقه. و المراد بالذكر هو القرآن الكريم لأنّه تعالى قال: وَ قالُوا يا أَيُّهَا الَّذِي نُزِّلَ عَلَيْهِ الذِّكْرُ إِنَّكَ لَمَجْنُونٌ. لَوْ ما تَأْتِينا بِالْمَلائِكَةِ إِنْ كُنْتَ مِنَ الصَّادِقِينَ.. ما نُنَزِّلُ الْمَلائِكَةَ إِلَّا بِالْحَقِّ وَ ما كانُوا إِذاً مُنْظَرِينَ. إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَ إِنَّا لَهُ لَحافِظُونَ فلا يكون المراد من الذكر إلّا القرآن فكيف لم يحفظ القرآن من التحريف زيادة و نقصانا.

و قال عزّ من قائل: إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا بِالذِّكْرِ لَمَّا جاءَهُمْ وَ إِنَّهُ لَكِتابٌ عَزِيزٌ. لا يَأْتِيهِ الْباطِلُ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَ لا مِنْ خَلْفِهِ تَنْزِيلٌ مِنْ حَكِيمٍ حَمِيدٍ (فصّلت- 43 و 44) و قال تعالى: يُرِيدُونَ لِيُطْفِؤُا نُورَ اللَّهِ بِأَفْواهِهِمْ وَ اللَّهُ مُتِمُّ نُورِهِ وَ لَوْ كَرِهَ الْكافِرُونَ (الصفّ- 10) و قال تعالى: يُرِيدُونَ أَنْ يُطْفِؤُا نُورَ اللَّهِ بِأَفْواهِهِمْ وَ يَأْبَى اللَّهُ إِلَّا أَنْ يُتِمَّ نُورَهُ وَ لَوْ كَرِهَ الْكافِرُونَ (التوبة- 34) و المراد من النور القرآن الكريم كما قال تعالى: يا أَيُّهَا النَّاسُ قَدْ جاءَكُمْ بُرْهانٌ مِنْ رَبِّكُمْ وَ أَنْزَلْنا إِلَيْكُمْ نُوراً مُبِيناً (النساء- 175) و كما قال: الَّذِينَ يَتَّبِعُونَ الرَّسُولَ النَّبِيَّ الْأُمِّيَّ الَّذِي يَجِدُونَهُ مَكْتُوباً عِنْدَهُمْ فِي التَّوْراةِ وَ الْإِنْجِيلِ يَأْمُرُهُمْ بِالْمَعْرُوفِ وَ (الأعراف- 158).

و قال تعالى: إِنَّ عَلَيْنا جَمْعَهُ وَ قُرْآنَهُ. فَإِذا قَرَأْناهُ فَاتَّبِعْ قُرْآنَهُ. ثُمَّ إِنَّ عَلَيْنا بَيانَهُ (القيمة- 18- 20) ثمّ إنّ القرآن هو المعجزة الباقية من رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله بل في الحقيقة كلّ سورة منه معجزة على حيالها فهو مأئة و أربع عشر معجزة و انزله اللّه تعالى هداية لكافة العباد إلى يوم التناد فكيف لا يصونه من تحريف أهل العناد قال تعالى: قُلْ أَيُّ شَيْ ءٍ أَكْبَرُ شَهادَةً قُلِ اللَّهُ شَهِيدٌ بَيْنِي وَ (الأنعام- 21)، و قال تعالى: تَبارَكَ الَّذِي نَزَّلَ الْفُرْقانَ عَلى عَبْدِهِ لِيَكُونَ لِلْعالَمِينَ نَذِيراً (الفرقان- 2): و قال تعالى: وَ هذا كِتابٌ أَنْزَلْناهُ مُبارَكٌ مُصَدِّقُ الَّذِي بَيْنَ يَدَيْهِ وَ لِتُنْذِرَ أُمَّ الْقُرى وَ مَنْ حَوْلَها (الانعام- 93) و غيرها.

«من نسب إلى الامامية القول بتحريف القرآن أنه» «كان أكثر أو أقل مما بين الدفتين فهو كاذب»

و من تتبع أسفار المحققين من العلماء الإمامية يعلم أن من عزى اليهم القول بتغيير القرآن زيادة و نقصا فقد افترى عليهم قال العالم الخبير الإمامي القاضي نور اللّه التسترى نوّر اللّه مرقده في مصائب النواصب: ما نسب إلى الشيعة الإمامية بوقوع التغيير في القرآن ليس مما قال به جمهور الإمامية إنما قال به شرذمة قليلة منهم لا اعتداد بهم في ما بينهم.

و الشيخ الأجل أبو جعفر ابن بابويه الصدوق رحمه اللّه المتوفى 381 ه قال في الاعتقادات: باب الاعتقاد في مبلغ القرآن: اعتقادنا أن القرآن الّذى أنزله اللّه تعالى على نبيّه محمّد صلّى اللّه عليه و آله هو ما بين الدفتين و هو ما في أيدي النّاس ليس بأكثر من ذلك و مبلغ سوره عند النّاس مأئة و أربع عشر سورة و من نسب الينا أنا نقول إنّه أكثر من ذلك فهو كاذب.

و شيخ الطائفة الإمامية أبو جعفر الطوسي المتوفى 460 ه قال في أوّل تفسيره التبيان: اعلم أن القرآن معجزة عظيمة على صدق النّبيّ صلّى اللّه عليه و آله بل هو أكبر المعجزات و أمّا الكلام في زيادته و نقصانه فمما لا يليق به لأنّ الزيادة فيه مجمع على بطلانه و النقصان منه فالظاهر من مذاهب المسلمين خلافه و هو أليق بالصحيح من مذهبنا- إلخ.

و امين الاسلام المفسّر العظيم الشأن أبو عليّ الفضل بن الحسن بن الفضل الطبرسي المتوفي 548 ه قال في الفن الخامس من مقدمة تفسيره مجمع البيان: و من ذلك الكلام في زيادته و نقصانه فانّه لا يليق بالتفسير فأمّا الزيادة فيه فجمع على بطلانه و أمّا النقصان منه فقد روى جماعة من أصحابنا و قوم من حشوية العامة أن في القرآن تغييرا و نقصانا و الصحيح من مذهبنا خلافه.

و العلامة حسن بن يوسف بن المطهر الحلي المتوفي 726 ه قال في النهاية: إنّ النّبيّ صلّى اللّه عليه و آله كان مكلفا بإشاعة ما نزل عليه من القرآن إلى عدد التواتر ليحصل القطع بنبوّته في أنّه المعجزة له و حينئذ لا يمكن التوافق على نقل ما سمعوه منه- إلى أن قال: فإنّه المعجزة الدالّة على صدقه فلو لم يبلغه إلى حدّ التواتر انقطعت معجزته فلا يبقى هناك حجّة على نبوّته- إلخ.

و العالم الجليل بهاء الدّين العاملي المتوفى 1031 ه قال: في الزبدة: القرآن متواتر لتوفر الدواعي على نقله. و المنقول عنه في تفسير آلاء الرّحمان انّه (ره) قال: اختلف الأصحاب في ترتيب سور القرآن العظيم و آياتها على ما هو عليه الان فزعم جمع منهم أن ذلك وقع من الصحابة بعد النّبيّ صلّى اللّه عليه و آله و كانت الايات غير مرتبة على ما هي عليه الان في زمانه و لم يكن السورة متحققة في ذلك الوقت و كذا لم يكن ترتيب السور على النهج الذي كانت عليه الان في ذلك الزمان، و هذا الزعم سخيف و الحق ترتيب الايات و حصول السور كان في زمانه إلى أن قال: و اختلفوا في وقوع الزيادة و النقصان فيه و الصحيح أن القرآن العظيم محفوظ عن ذلك الوقوع زيادة كان أو نقصانا و يدلّ عليه قوله تعالى وَ إِنَّا لَهُ لَحافِظُونَ و ما اشتهر بين النّاس من اسقاط اسم أمير المؤمنين عليه السّلام منه في بعض المواضع مثل قوله تعالى يا أَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ في على- و غير ذلك فهو غير معتبر عند العلماء.

«كلام السيد الاجل ذى المجدين محيى آثار الأئمة على بن الحسين» «علم الهدى قدس سره المتوفى 436 ه في عدم تغيير القرآن» «من الزيادة و النقصان»

نقل عنه الطبرسي في الفنّ الخامس من تفسيره مجمع البيان قال الطبرسي: فقد روى جماعة من أصحابنا و قوم من حشوية العامة أن في القرآن تغييرا و نقصانا و الصحيح من مذهب أصحابنا خلافه و هو الذي نصره المرتضى قدس اللّه روحه و استوفى الكلام فيه غاية الاستيفاء في جواب المسائل الطرابلسيات و ذكر في مواضع أن العلم بصحة نقل القرآن كالعلم بالبلدان و الحوادث الكبار و الوقائع العظام و الكتب المشهورة و أشعار العرب المسطورة فإن العناية اشتدّت و الدواعي توفّرت على نقله و حراسته و بلغت إلى حدّ لم يبلغه فيما ذكرناه لأنّ القرآن معجزة النّبوة و مأخذ العلوم الشرعيّة و الأحكام الدينيّة، و علماء المسلمين قد بلغوا في حفظه و حمايته الغاية حتّى عرفوا كلّ شي ء اختلف فيه من إعرابه و قراءته و حروفه و آياته فكيف يجوز أن يكون مغيّرا أو منقوصا مع العناية الصّادقة و الضبط الشّديد قال: و قال أيضا: إنّ العلم بتفصيل القرآن و أبعاضه في صحة نقله كالعلم بجملته و جرى ذلك مجرى ما علم ضرورة من الكتب المصنّفة ككتاب سيبويه و المزني فإن أهل العناية بهذا الشأن يعلمون من تفصيلهما ما يعلمونه من جملتهما حتى لو أنّ مدخلا أدخل في كتاب سيبويه بابا في النحو ليس من الكتاب لعرف و ميّز و علم أنه ملحق و ليس من أصل الكتاب و كذلك القول في كتاب المزني، و معلوم أنّ العناية بنقل القرآن و ضبطه أصدق من العناية بضبط كتاب سيبويه و دواوين الشعراء، قال: و ذكر أيضا رضى اللّه عنه: أنّ القرآن كان على عهد رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله مجموعا مؤلفا على ما هو عليه الان و استدلّ على ذلك بأنّ القرآن كان يدرس و يحفظ جميعه في ذلك الزمان حتّى عين على جماعة من الصحابة في حفظهم له و أنه كان يعرض على النّبيّ صلّى اللّه عليه و آله و يتلى عليه و أن جماعة من الصحابة مثل عبد اللّه بن مسعود و أبي بن كعب و غيرهما ختموا القرآن على النّبيّ صلّى اللّه عليه و آله عدّة ختمات و كلّ ذلك يدلّ بأدنى تأمل على أنّه كان مجموعا مرتّبا غير مبتور و لا مبثوث قال: و ذكر: أنّ من خالف في ذلك من الإماميّة و الحشويّة لا يعتدّ بخلافهم فإنّ الخلاف في ذلك مضاف إلى قوم من أصحاب الحديث نقلوا أخبارا ضعيفة ظنوا صحّتها لا يرجع بمثلها عن المعلوم المقطوع على صحته. انتهى ما أردنا من نقل كلامه أعلى اللّه مقامه.و كذا صرّح غير واحد من سائر علمائنا الإماميّة كالمحقق الكركي، و كاشف الغطاء، و الشّيخ الحرّ العامليّ، و الشيخ بهاء الدين، و الفاضل التوني صاحب الوافية، و السيّد المجاهد و المحقق القميّ قال و جمهور المجتهدين على عدم التحريف، و المحققين من علمائنا المعاصرين متع اللّه المسلمين بطول بقائهم على عدم التحريف و التغيير زيادة و نقصانا.

«فذلكة البحث»

فحصل من جميع ما قدمناه أن تركيب السور من الايات و ترتيب السور أيضا كان بأمر النّبيّ صلّى اللّه عليه و آله و أن بسم اللّه الرّحمن الرّحيم نزلت مع كلّ سورة ما عدا توبة و انه جزء كلّ سورة و آية من آيها كما أنها جزء من سورة النّمل و أنّ القرآن المكتوب بين الدفتين هو الذي نزله اللّه على رسوله الخاتم صلّى اللّه عليه و آله ما زيد فيه حرف و لا نقص منه شي ء و أن عثمان ما حرف القرآن و لا أخذ منه و لا زاد فيه شيئا بل غرضه من ذلك جمع النّاس على قراءة واحدة و إياك أن تظن أنه أحرق المصحف الصحيح و ابقى الباطل و المحرف و المغير نعوذ باللّه و أن اعتراض علم الهدى و عيره عليه ليس إلّا من جهة منعه القراءات الأخر لا إحراقه المصحف الصحيح و تبديله كلام اللّه المجيد، و أن القراءات السبع متواتر لا يقرأ القرآن بغيرها من الشواذ، و أن رسم خط القرآن سماعىّ لا يقاس بالنحو و رسم الخط المتداول فيجب ابقاء رسمه على ما كتبت على الكتبة الأولى، و أن من عزى إلى الإماميّة تحريفه فهو كاذب، و أن اللّه حافظ كتابه و متمّم نوره.

و ما أجاد و أحسن و أحلى نظم العارف الرّومي في المقام قال في المجلّد الثالث من كتابه المثنوى:

  • مصطفى را وعده كرد ألطاف حقگر بميرى تو نميرد اين سبق
  • من كتاب و معجز ترا خافضم«» بيش و كم كن راز قرآن رافضم
  • من تو را اندر دو عالم رافعمطاغيان را از حديثت دافعم
  • كس نتاند بيش و كم كردن در او تو به از من حافظى ديگر مجو
  • رونقت را روز روز افزون كنمنام تو بر زرّ و بر نقره زنم
  • منبر و محراب سازم بهر تو در محبّت قهر من شد قهر تو
  • نام تو از ترس پنهان مى برندچون نماز آرند پنهان بگذرند
  • «» خفيه مى گويند نامت را كنون خفيه هم بانگ نماز اى ذو فنون
  • از هراس و ترس كفار لعيندينت پنهان مى شود زير زمين
  • من مناره بر كنم آفاق را كور گردانم دو چشم عاق را
  • چاكرانت شهرها گيرنده و جاهدين تو گيرد ز ماهى تا بماه
  • تا قيامت باقيش داريم ما تو مترس از نسخ دين اى مصطفى
  • اى رسول ما تو جادو نيستىصادقى هم خرقه موسيستى
  • هست قرآن مر تو را هم چون عصا كفرها را در كشد چون اژدها
  • گر جهان فرعون گيرد شرق و غربسرنگون آيد خدا را گاه حرب
  • تو اگر در زير خاكى خفته اى چون عصايش دان تو آنچه گفته اى
  • گر چه باشى خفته تو در زير خاكچون عصا آگه بود آن گفت پاك
  • قاصدان را بر عصايت دست نى تو بخسب اى شه مبارك خفتنى
  • تن بخفته نور جان در آسمانبهر پيكار تو زه كرده كمان
  • فلسفىّ و آنچه پوزش ميكند قوس نورت تير دوزش ميكند
  • چون كه چوپان خفت گرگ ايمن شودچون كه خفت آن جهد او ساكن شود
  • ليك حيوانى كه چوپانش خدا است گرگ را آنجا اميدوره كجا است

و إنّما اتسع نطاق الكلام في هذا البحث لما رأينا شدّة عناية النّاس به و كثرة حاجتهم إلى ايراد البرهان و ايضاح الحقّ في ذلك على أنا نرى كثيرا من الوعاظ على المنابر و في المجالس يتمسّكون من غير روية و طويّة بطائفة من الأخبار على تحريف الكتاب و يقولون كيت و كيت و النّاس يتلقونه منهم على القبول فأحببت أن اقدم تلك المباحث الشريفة في هذا المقام المناسب لها فلعلّها تنفع من أراد أن يتذكر و يسلك سبيل الهدى و مع ذلك لو لا خوف الإطناب لأحببت أن أذكر جميع الأخبار و الأقوال الواردة ممّا تمسكوا بها على تحريف الكتاب و إن كان ما ذكرناه كافيا لمن أخذت الفطانة بيده و لعلّنا نؤلف في ذلك رسالة عليحدة تكون اعمّ فائدة و اللّه تعالى ولي التوفيق فقد آن أن نرجع إلى ما كنّا فيه.

24- و من ذلك أنه حمى الحمى عن المسلمين

مع أن رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله جعلهم سواء في الماء و الكلاء.

قال القاضي عبد الجبار في المغني: و أما ما ذكروه من أنّه حمى الحمى عن المسلمين فجوابه أنه لم يحم الكلاء لنفسه و إلّا استأثر به لكنه حماه لإبل الصدقة التي منفعتها تعود على المسلمين و قد روى عنه هذا الكلام بعينه، و أنه قال: إنما فعلت ذلك لإبل الصدقة و قد أطلقته الان و أنا أستغفر اللّه و ليس في الاعتذار ما يزيد على ذلك.

«اعتراض الشريف المرتضى عليه»

اعترض عليه علم الهدى في الشافي فقال: فأما اعتذاره في الحمى بأنه حماه لإبل الصدقة الّتي منفعتها تعود على المسلمين و أنّه استغفر منه و اعتذر، فالمروى أوّلا بخلاف ما ذكره لأن الواقدي روى بإسناده قال: كان عثمان يحمى الربذة و الشرف و النقيع فكان لا يدخل في الحمى بعير له و لا فرس و لا لبني امية حتّى كان آخر الزمان فكان يحمى الشرف لإبله و كانت الف بعير و لإبل الحكم، و كان يحمى الربذة لإبل الصدقة و يحمى النقيع لخيل المسلمين و خيله و خيل بني اميّة، على أنّه لو كان حماه لإبل الصدقة لم يكن بذلك مصيبا لأنّ اللّه تعالى و رسوله صلّى اللّه عليه و آله أحلّا الكلاء و أباحاه و جعلاه مشتركا فليس لأحد أن يغيّر هذه الإباحة، و لو كان في هذا الفعل مصيبا و إنّما حماه لمصلحة تعود على المسلمين لما جاز أن يستغفر منه و يعتذر لأنّ الاعتذار إنما يكون من الخطاء دون الصواب.

25- و من ذلك أنّه أعطى من بيت مال الصدقة المقاتلة

و غيرها و ذلك ممّا لا يحلّ في الدين.

و اعتذر القاضي في المغني بقوله: فأمّا ما ذكروه من إعطائه من بيت مال الصدقة المقاتلة فلو صحّ فانّما فعل ذلك لعلمه بحاجة المقاتلة إليه و استغناء أهل الصدقات على طريق الاقتراض، و قد روى عن رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله أنّه كان يفعل مثل ذلك سرا و للإمام في مثل هذه الأمور أن يفعل ما جرى هذا المجرى لأن عند الحاجة ربما يجوز له أن يقترض من النّاس فبأن يجوز أن يتناول من مال في يده ليردّه من المال الاخر اولى.

و اعترض عليه علم الهدى في الشّافي بقوله: فأمّا اعتذاره من اعطائه المقاتلة من بيت مال الصدقة بأنّ ذلك إنّما جاز لعلمه بحاجة المقاتلة إليه و استغناء أهل الصدقة عنه و أنّ الرّسول صلّى اللّه عليه و آله فعل مثله، فليس بشي ء لأنّ المال الذي جعل اللّه له جهة مخصوصة لا يجوز أن يعدل عن جهته بالاجتهاد و لو كانت المصلحة في ذلك موقوفة على الحاجة لشرطها اللّه تعالى في هذا الحكم لأنّه تعالى أعلم بالمصالح و اختلافها منّا و لكان لا يجعل لأهل الصدقة منها القسط مطلقا.

فأمّا قوله: إنّ الرّسول صلّى اللّه عليه و آله فعله فهو دعوى مجرّدة من غير برهان و قد كان يجب أن يروى ما ذكر في ذلك.

فأمّا ما ذكره من الاقتراض فاين كان عثمان عن هذا العذر لما وقف عليه.

26- و من ذلك ما فعل بأبي ذر رحمه اللّه تعالى

و اعلم أنّ جلالة شأن أبي ذر و فخامة أمره و علوّ درجته و مكانته في الاسلام فوق أن يحوم حوله العبارة أو أن يحتاج إلى بيان و كلام، فقد روى الفريقان في سموّ رتبته و حسن اسلامه ما لا يسع هذه العجالة.

قال في اسد الغابة: اختلف في اسمه اختلافا كثيرا و قول الأكثر و هو أصح ما قيل فيه: جندب بالجيم المضمومة و النون الساكنة و الدال المهملة المفتوحة ابن جنادة بضمّ الجيم أيضا. كان من كبار الصحابة و فضلائهم قديم الإسلام يقال: أسلم بعد أربعة و كان خامسا و هو أوّل من حيّى رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله بتحية الإسلام و قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله فيه: ما أظلت الخضراء و لا أقلت الغبراء أصدق من أبي ذر و في عبارة اخرى: على ذي لهجة أصدق من أبي ذر و سئل جعفر بن محمّد الصّادق عليهما السّلام عن هذا الخبر فصدّقه.

و في اسد الغابة أنّ النّبيّ صلّى اللّه عليه و آله قال: أبو ذر في امّتي على زهد عيسى بن مريم.

و أنّ عليّا عليه السّلام قال: وعى أبو ذر علما عجز النّاس عنه ثمّ أوكأ عليه فلم يخرج منه شيئا. و كان آدم طويلا عظيما أبيض الرّأس و اللّحية.

«نفى عثمان أبا ذر من المدينة إلى الربذة و وفاته فيها» «و ذكر السبب في ذلك»

في الشافي للشريف المرتضى علم الهدى: قد روى جميع أهل السيرة على اختلاف طرقهم و أسانيدهم أن عثمان لما أعطى مروان بن الحكم ما أعطاه و اعطى الحرث بن الحكم بن أبي العاص ثلاثمأة ألف درهم و أعطى زيد بن ثابت مأئة ألف درهم، جعل أبو ذر يقول: بشّر الكافرين بعذاب أليم و يتلو قوله تعالى: وَ الَّذِينَ يَكْنِزُونَ الذَّهَبَ وَ الْفِضَّةَ وَ لا يُنْفِقُونَها فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَبَشِّرْهُمْ بِعَذابٍ أَلِيمٍ فرفع ذلك مروان إلى عثمان فأرسل إلى أبي ذر نائلا مولاه أن انته عمّا يبلغني عنك فقال: أ ينهاني عثمان عن قراءة كتاب اللّه تعالى و عيب من ترك أمر اللّه فو اللّه لأن أرضى اللّه بسخط عثمان أحبّ إلىّ و خير من أن أرضى عثمان بسخط اللّه، فاغضب عثمان ذلك و احفظه و تصابر.

و فيه و في مروج الذهب: أنّ أبا ذر حضر مجلس عثمان ذات يوم فقال عثمان: أرأيتم من زكّى ماله هل فيه حق لغيره فقال كعب الأحبار: لا يا أمير المؤمنين فدفع أبو ذر في صدر كعب و قال له: كذبت يا ابن اليهودي ثمّ تلا «لَيْسَ الْبِرَّ أَنْ تُوَلُّوا وُجُوهَكُمْ قِبَلَ الْمَشْرِقِ وَ الْمَغْرِبِ الاية. فقال عثمان: أ يجوز للإمام أن يأخذ مالا من بيت مال المسلمين فينفقه فيما ينوبه من اموره فاذا أيسر قضاه فقال كعب الأحبار: لا بأس بذلك فرفع أبو ذر العصا فدفع بها في صدر كعب و قال: يا ابن اليهودي ما أجرأك على القول في ديننا فقال له عثمان: ما أكثر أذاك لي و تولعك بأصحابي غيّب وجهك عنّي فقد آذيتني، الحق بالشام فأخرجه إليها.

و كان معاوية يومئذ عامل عثمان بالشام و كان أبو ذر ينكر على معاوية اشياء يفعلها فبعث إليه معاوية ثلاثمأة دينار، فقال أبو ذر: إن كانت من عطائى الذي حرمتمونيه عامي هذا قبلتها و إن كانت صلة فلا حاجة لي فيها و ردّها عليه.

و بنى معاوية الخضراء بدمشق فقال أبو ذر: يا معاوية إن كانت من عطائي الّذي حرمتمونيه عامى هذا قبلتها و إن كان من مالك فهى الإسراف.

و كان أبو ذر رحمه اللّه يقول: و اللّه لقد حدثت أعمال ما أعرفها و اللّه ما هى في كتاب اللّه و لا سنّة نبيّه و اللّه إنّى لأرى حقّا يطفأ و باطلا يحيى و صادقا مكذبا و اثرة بغير تقى و صالحا مستأثرا عليه. فقال حبيب بن مسلمة القهرى لمعاوية: ان أبا ذر لمفسد عليكم الشام فتدارك أهله إن كانت لكم فيه حاجة فكتب معاوية إلى عثمان أنّ أبا ذر تجتمع إليه الجموع و لا آمن أن يفسدهم عليك فان كان لك في القوم حاجة فاحمله إليك.

فكتب إليه عثمان: أما بعد فاحمل جندبا إلىّ على أغلط مركب و أوعره.

فوجّه به مع من ساربه اللّيل و النهار و حمل على شارف ليس عليها إلا قتب حتّى قدم المدينة و قد سقط لحم فخذيه من الجهد. و قال المسعودي: فحمله على بعير عليه قتب يابس معه خمسة من الصقالبة يطيرون به حتّى أتوا به المدينة قد تسلخت بواطن أفخاذه و كان أن يتلف فقيل له: إنّك تموت من ذلك، فقال: هيهات لن أموت حتّى أنفى و ذكر جوامع ما نزل به بعد و من يتولى دفنه.

و في الشافي: فلمّا قدم أبو ذر المدينة بعث إليه عثمان بأن الحق بأيّ أرض شئت فقال: بمكّة قال: لا، قال: فببيت المقدس، قال: لا، قال: فبأحد المصرين، قال: لا و لكنى مسيرك إلى الرّبذة فسيره إليها: فلم يزل بها حتّى مات رحمه اللّه تعالى.

و في رواية الواقدي أنّ أبا ذر لما دخل على عثمان فقال له: لا أنعم اللّه عينا يا جنيدب فقال أبو ذر: أنا جندب و سمّاني رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله عبد اللّه فاخترت اسم رسول اللّه الّذي سمّاني به على اسمى، فقال له عثمان: أنت الّذي تزعم أنا نقول إنّ يد اللّه مغلولة إنّ اللّه فقير و نحن أغنياء فقال أبو ذر: و لو كنتم لا تزعمون لأنفقتم مال اللّه على عباده و لكنى أشهد لسمعت رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله يقول: إذا بلغ بنو أبي العاص ثلاثين رجلا جعلوا مال اللّه دولا و عباد اللّه خولا و دين اللّه دخلا ثمّ يريح اللّه العباد منهم. فقال عثمان لمن حضره: أسمعتموها من نبي اللّه فقالوا: ما سمعناه، فقال عثمان: ويلك يا أبا ذر أتكذب على رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله فقال أبو ذر لمن حضره: أما تظنون أني صدقت فقال عثمان: ادعوا لي عليّا عليه السّلام، فلما جاء قال عثمان لأبي ذر: اقصص عليه حديثك في بني أبي العاص فحدّثه، فقال عثمان لعليّ عليه السّلام: هل سمعت هذا من رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله فقال عليّ عليه السّلام لا، و قد صدق أبو ذر، فقال عثمان: كيف عرفت صدقه قال: لأنّي سمعت رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله يقول: ما أظلت الخضراء و لا أقلت الغبراء من ذي لهجة أصدق من أبي ذر فقال من حضر من أصحاب النّبيّ صلّى اللّه عليه و آله جميعا: صدق أبو ذر. فقال أبو ذر: أ حدثكم أني سمعته من رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله ثمّ تتهموني ما كنت أظن أنّي أعيش حتى أسمع هذا من أصحاب محمّد صلّى اللّه عليه و آله.

و روى الواقدي في خبر آخر باسناده عن صهبان مولى الأسلميين قال: رأيت أبا ذر يوم دخل به على عثمان فقال له: أنت الذي فعلت و فعلت. قال أبو ذر: إنّي نصحتك فاستغششتني و نصحت صاحبك فاستغشني. فقال عثمان: كذبت و لكنك تريد الفتنة و تحبّها قد قلبت الشام علينا. فقال أبو ذر: اتبع سنة صاحبيك لا يكون لأحد عليك كلام فقال له عثمان: ما لك و لذلك لا ام لك فقال أبو ذر: و اللّه ما وجدت لي عذرا إلّا الأمر بالمعروف و النهى عن المنكر، فغضب عثمان فقال: أشيروا علىّ في هذا الشيخ الكذاب: إمّا أن أضربه أو أحبسه أو أقتله فانّه قد فرّق جماعة المسلمين أو أنفيه من الأرض، فتكلم عليّ عليه السّلام و كان حاضرا فقال: اشير عليك بما قال مؤمن آل فرعون وَ إِنْ يَكُ كاذِباً فَعَلَيْهِ كَذِبُهُ وَ إِنْ يَكُ صادِقاً يُصِبْكُمْ بَعْضُ الَّذِي يَعِدُكُمْ إِنَّ اللَّهَ لا يَهْدِي مَنْ هُوَ مُسْرِفٌ كَذَّابٌ فأجابه عثمان بجواب غليظ لم احبّ أن أذكره و أجابه عليّ عليه السّلام بمثله.

ثمّ أمر أن يؤتى به فلما أتى به وقف بين يديه قال: ويحك يا عثمان أما رأيت رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و رأيت أبا بكر و عمر هل رأيت هذا هديهم (هل هديك كهديهم خ ل) إنّك تبطش بي بطش جبّار فقال: اخرج عنا من بلادنا فقال أبو ذر: فما أبغض إلىّ جوارك قال: فالى أين أخرج قال: حيث شئت. قال: أ فأخرج إلى الشام أرض الجهاد فقال: إنما جليتك من الشام لما قد أفسدتها، أ فأردك إليها قال: أ فأخرج إلى العراق قال: لا. قال: و لم قال: تقدم على قوم أهل شبهة و طعن على الأئمة. قال: أ فأخرج إلى مصر قال: لا. قال: أين أخرج قال: حيث شئت. فقال أبو ذر: هو أيضا التعرب بعد الهجرة أخرج إلى نجد فقال عثمان: الشرف الشرف الأبعد أقصى فأقصى. فقال أبو ذر: قد أبيت ذلك علىّ. قال: امض على وجهك هذا و لا تعدون الربذة فخرج إليها.

قال المسعودي- بعد ذكر جلوسه لدى عثمان و ذكر الخبر في ولد أبي العاص إذا بلغوا ثلاثين، الخبر- قال: و كان في ذلك اليوم قد اتى عثمان بتركة عبد الرحمن بن عوف الزهرى من المال فنضت البدر حتى حالت بين عثمان و بين الرجل القائم فقال عثمان: إني لأرجو لعبد الرّحمن خيرا لأنّه كان يتصدق و يقرى الضيف و ترك ما ترون، فقال كعب الأحبار: صدقت يا أمير المؤمنين، فشال أبو ذر العصا فضرب بها رأس كعب و لم يشغله ما كان فيه من الألم و قال: يا ابن اليهودي تقول لرجل مات و ترك هذا المال إنّ اللّه أعطاه خير الدنيا و خير الاخرة و تقطع على اللّه بذلك و أنا سمعت رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله يقول: ما يسرّني أن أموت و أدع ما يزن قيراطا، فقال له عثمان: وار عنّي وجهك، فقال: أسير إلى مكة. قال: لا و اللّه. قال: فتمنعني من بيت ربّي أعبده فيه حتّى أموت قال: إى و اللّه قال: فالى الشام. قال: لا و اللّه، قال: البصرة قال: لا و اللّه، فاختر غير هذه البلدان، قال: لا و اللّه ما أختار غير ما ذكرت لك و لو تركتني في دار هجرتي ما أردت شيئا من البلدان فسيّرني حيث شئت من البلاد.

قال: فانّي مسيّرك إلى الرّبذة. قال: اللّه اكبر صدق رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله قد أخبرني بكلّ ما أنا لاق. قال عثمان: و ما قال لك قال: أخبرني بأني امنع عن مكة و المدينة و أموت بالربذة و يتولّى مواراتي نفر ممّن يردون من العراق نحو الحجاز.

و بعث أبو ذر إلى جمل له فحمل عليه امرأته و قيل ابنته و أمر عثمان أن يتجافاه النّاس حتى يسير إلى الرّبذة.

«كلام أمير المؤمنين على (ع) و الحسنين و عقيل لابي ذر رحمه الله» «لما أخرجه عثمان إلى الربذة و كلام أبى ذر ره»

قد مضى كلامه عليه السّلام لأبي ذرّ رحمه اللّه تعالى لما اخرج إلى الرّبذة «الرقم- 130- من باب المختار من الخطب» و هو: يا أبا ذر إنّك غضبت للّه فارج من غضبت له إنّ القوم خافوك على دنياهم و خفتهم على دينك. إلى آخره.

قال الشارح المعتزلي في شرح كلامه عليه السّلام هذا و قريبا منه المسعودى في مروج الذهب: واقعة أبي ذر و إخراجه إلى الربذة أحد الأحداث الّتى نقمت على عثمان.

و قد روى هذا الكلام أبو بكر أحمد بن عبد العزيز الجوهرى في كتاب السقيفة عن عبد الرّزاق عن أبيه عن عكرمة عن ابن عبّاس قال: لمّا اخرج أبو ذر إلى الرّبذة أمر عثمان فنودي في النّاس أن لا يكلم أحد أبا ذر و لا يشيّعه و أمر مروان بن الحكم أن يخرج به فخرج به و تحاماه النّاس إلّا عليّ بن أبي طالب عليه السّلام و عقيلا أخاه و حسنا و حسينا و عمّارا فانهم خرجوا معه يشيّعونه، فجعل الحسن عليه السّلام يكلّم أبا ذر فقال له مروان: إيّها يا حسن ألا تعلم أن أمير المؤمنين قد نهى عن كلام هذا الرّجل فان كنت لا تعلم فاعلم ذلك، فحمل عليّ عليه السّلام على مروان فضرب بالسوط بين اذنى راحلته و قال: تنحّ نحاك اللّه إلى النّار فرجع مروان مغضبا إلى عثمان فأخبره الخبر فتلظى على عليّ عليه السّلام و وقف أبو ذر فودّعه القوم و معه ذكوان مولى امّ هانى بنت أبى طالب.

قال ذكوان: فحفظت كلام القوم و كان حافظا فقال علىّ عليه السّلام: يا با ذر إنّك غضبت للّه إنّ القوم خافوك على دنياهم و خفتهم على دينك فامتحنوك بالقلى و نفوك إلى الفلا و اللّه لو كانت السماوات و الأرض على عبد رتقا ثمّ اتقى اللّه لجعل له منها مخرجا، يا با ذر لا يونسنّك إلّا الحقّ و لا يوحشنّك إلّا الباطل.

ثمّ قال عليه السّلام لأصحابه: ودّعوا عمّكم، و قال لعقيل: ودّع أخاك فتكلّم عقيل فقال: ما عسى أن نقول يا با ذر أنت تعلم أنا نحبّك و أنت تحبّنا فاتق اللّه فانّ التقوى نجاة و اصبر فانّ الصبر كرم و اعلم أن استثقا لك الصبر من الجزع و استبطائك العافية من اليأس فدع اليأس و الجزع.

ثمّ تكلّم الحسن عليه السّلام فقال: يا عمّاه لو لا أنّه لا ينبغي للمودّع أن يسكت و للمشيع أن ينصرف لقصر الكلام و إن طال الأسف و قد أتى القوم إليك ما ترى فضع عنك الدنيا بتذكر فراقها و شدة ما اشتدّ منها برجاء ما بعدها و اصبر حتّى تلقى نبيّك صلّى اللّه عليه و آله و هو عنك راض.

ثمّ تكلّم الحسين عليه السّلام فقال: يا عمّاه إنّ اللّه تعالى قادر أن يغيّر ما قد ترى و اللّه كلّ يوم هو في شأن و قد منعك القوم دنياهم و منعتهم دينك فما أغناك عمّا منعوك و أحوجهم إلى ما منعتهم فاسأل اللّه الصبر و النصر و استعذ به من الجشع و الجزع فإن الصبر من الدّين و الكرم و إن الجشع لا يقدم رزقا و الجزع لا يؤخر أجلا.

ثمّ تكلّم عمار رحمه اللّه مغضبا فقال: لا آنس اللّه من أوحشك و لا آمن من أخافك أما و اللّه لو أردت دنياهم لامنوك و لو رضيت أعمالهم لأحبّوك و ما منع الناس أن يقولوا بقولك إلّا الرضا بالدنيا و الجزع من الموت و مالوا إلى ما سلطان جماعتهم عليه و الملك لمن غلب، فوهبوا لهم دينهم و منحهم القوم ديناهم فخسروا الدنيا و الاخرة ألا ذلك هو الخسران المبين. فبكى أبو ذر رحمه اللّه و كان شيخا كبيرا و قال: رحمكم اللّه يا أهل بيت الرحمة إذا رأيتكم ذكرت بكم رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله ما لى بالمدينة سكن و لا شجن غيركم إنّى ثقلت على عثمان بالحجاز كما ثقلت على معاوية بالشام و كره أن اجاور أخاه و ابن خاله بالمصرين فافسد الناس عليهما فسيّرني إلى بلد ليس لي به ناصر و لا دافع إلّا اللّه، و اللّه ما اريد إلّا اللّه صاحبا و ما أخشى مع اللّه وحشة.

فشكى مروان إلى عثمان ما فعل به عليّ بن أبي طالب فقال عثمان: يا معشر المسلمين من يعذرني من علىّ ردّ رسولي عما وجهته له و فعل كذا و اللّه لنعطينّه حقّه.

فلمّا رجع عليّ عليه السّلام استقبله النّاس فقالوا: إنّ أمير المؤمنين عليك غضبان لتشييعك أبا ذر. فقال علىّ: غضب الخيل على اللجم، ثمّ جاء فلما كان بالعشىّ جاء إلى عثمان فقال له: ما حملك على ما صنعت بمروان و اجترأت علىّ و رددت رسولي و أمرى قال: أما مروان فانّه استقبلني يردّني فرددته عن ردّى و أما أمرك فلم اصغره.

قال: أو ما بلغك نهيى عن كلام أبي ذر قال: أو ما كلّما أمرت بأمر معصية أطعناك فيه قال عثمان: أقد مروان من نفسك، قال: و ما أقيده قال: ضربت بين اذني راحلته، قال على: أما راحلتى فهى تلك فإن أراد أن يضربها كما ضربت راحلته فليفعل، و أمّا شتمه إياى فو اللّه لا يشتمني شتمة إلّا شتمتك مثلها بما لا أكذب فيه و لا أقول إلّا حقا، فغضب عثمان و قال: و لم لا يشتمك إذا شتمته فو اللّه ما أنت عندى بأفضل منه. فغضب عليّ بن أبي طالب عليه السّلام و قال: ألي تقول هذا القول و بمروان تعدلني فأنا و اللّه أفضل منك و أبي أفضل من أبيك و امي أفضل من امّك و هذه نبلى قد نثلتها و هلم فاقبل بنبلك فغضب عثمان و احمرّ وجهه فقام و دخل داره و انصرف عليّ عليه السّلام فاجتمع إليه أهل بيته و رجال من المهاجرين و الأنصار.

فلمّا كان من الغد أرسل عثمان إلى وجوه المهاجرين و الأنصار و إلى بني امية يشكو اليهم عليا عليه السّلام و قال: إنه يعيبني و يظاهر من يعيبني- يريد بذلك أبا ذر و عمار ابن ياسر و غيرهما- فقال القوم: أنت الوالي عليه و إصلاحه أجمل، قال: وددت ذاك. فأتوا عليّا عليه السّلام فقالوا: لو اعتذرت إلى مروان و أتيته، فقال: كلّا أمروان فلا آتيه و لا أعتذر منه و لكن إن أحبّ عثمان آتيته. فرجعوا إلى عثمان فأخبروه فأرسل عثمان إليه فأتاه و معه بنو هاشم فتكلّم عليّ عليه السّلام فحمد اللّه و أثنى عليه ثمّ قال: أمّا ما وجدت على فيه من كلام أبي ذر و وداعه فو اللّه ما أردت مسائتك و لا الخلاف عليك و لكن أردت به قضاء حقّه، و أما مروان فإنّه اعترض يريد ردّى عن قضاء حقّ اللّه عزّ و جلّ فرددته ردّ مثلي مثله، و أما ما كان منّي إليك فإنك أغضبتني فأخرج الغضب منّى ما لم أرده.

فتكلّم عثمان فحمد اللّه و أثنى عليه ثمّ قال: أمّا ما كان منك إلىّ فقد وهبته لك، و أما ما كان منك إلى مروان فقد عفى اللّه عنك، و أما ما حلفت عليه فأنت البر الصادق فادن يدك فأخذ يده فضمّها إلى صدره. فلمّا نهض قالت قريش و بنو امية لمروان: أ أنت رجل جبهك علىّ و ضرب راحلتك و قد تفانت وائل في ضرع ناقة و ذبيان و عبس في لطمة فرس و الأوس و الخزرج في نسعة أ فتحمل لعليّ ما أتاه إليك فقال مروان: و اللّه لو أردت ذلك لما قدرت عليه.

ثمّ قال الشارح المعتزلي: و اعلم أن الّذي عليه أكثر أرباب السيرة و علماء الأخبار و النقل أن عثمان نفا أبا ذر أوّلا إلى الشام ثمّ استقدمه إلى المدينة لما شكى منه معاوية ثمّ نفاه من المدينة إلى الربذة لما عمل بالمدينة نظير ما كان يعمل بالشام و أصل هذه الواقعة أن عثمان لما أعطى مروان بن الحكم و غيره بيوت الأموال و اختص زيد بن ثابت بشي ء منها جعل أبو ذر يقول بين النّاس و الطرقات و الشوارع بشرّ الكافرين بعذاب أليم و يرفع بذلك صوته- فأتى بما نقلنا من الشافي بحذافيرها.

و روى الواقدى- كما في الشافي- عن مالك بن أبي الرجال عن موسى بن ميسرة أن أبا الأسود الدّؤلى قال: كنت احبّ لقاء أبي ذر لأسأله عن سبب خروجه فنزلت به الرّبذة فقلت له: ألا تخبرني خرجت من المدينة طائعا أو أخرجت قال: أمّا إنّي كنت في ثغر من الثغور أغنى عنهم فاخرجت إلى مدينة الرسول صلّى اللّه عليه و آله فقلت دار هجرتي و أصحابي فاخرجت منها إلى ما ترى، ثمّ قال: بينا أنا ذات ليلة نائم في المسجد إذ مرّ بي رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله فضربني برجليه فقال: لا أراك نائما، فقلت: بأبي أنت و أمّي غلبتني عيني فنمت فيه، فقال: كيف تصنع إذا أخرجوك منه فقلت: إذا ألحق بالشام فإنها أرض مقدسة و أرض بقيّة الإسلام و أرض الجهاد، فقال: كيف بك إذا أخرجوك منها قال: فقلت: أرجع إلى المسجد، قال: كيف تصنع إذا أخرجوك منه قلت: آخذ سيفي فاضرب به، فقال رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله: ألا أدلّك على خير من ذلك انسق معهم حيث ساقوك و تسمع و تطيع فسمعت و أطعت و أنا أسمع و اطيع و اللّه ليلقينّ اللّه عثمان و هو آثم في جنبي. و كان يقول بالرّبذة: ما ترك الحقّ لي صديقا و كان يقول فيها: ردّني عثمان بعد الهجرة أعرابيا.

أقول: في الصّحاح للجوهري: تعرّب بعد هجرته أى صار أعرابيّا.

و في النهاية الأثيرية: التعرّب بعد الهجرة هو أن يعود إلى البادية و يقيم مع الأعراب بعد أن كان مهاجرا و كان من رجع بعد الهجرة إلى موضعه من غير عذر يعدّونه كالمرتدّ.

و في باب علل تحريم الكبائر من الوافى للفيض (ره) (م 3 ص 176) نقلا عن من لا يحضره الفقيه: كتب علىّ بن موسى الرّضا عليه السّلام إلى محمّد بن سنان فيما كتب من جواب مسائله- إلى أن قال عليه السّلام: و حرّم اللّه التعرّب بعد الهجرة للرجوع عن الدين و ترك الموازرة للأنبياء و الحجج عليهم أفضل الصلوات و ما في ذلك من الفساد و إبطال حقّ كلّ ذى حق لا لعلّة سكنى البدو و لذلك لو عرف الرجل الدين كاملا لم يجز له مساكنة أهل الجهل، و الخوف عليه لأنه لا يؤمن أن وقع منه ترك العلم و الدّخول مع أهل الجهل و الثمادي في ذلك. قال الفيض في بيانه: و في بعض النسخ: لعلة سكنى البدو بدون لا و هو أوضح و أوثق بما بعده، و الخوف عليه عطف على الفساد و الإبطال. انتهى، فتأمّل.

«اعتذار القاضى عبد الجبار و شيخه أبى على على نفى أبى ذر» «إلى الربذة»

قال في الشافى: حكى القاضى عن شيخه أبى على في نفى أبى ذر إلى الربذة أنّ الناس اختلفوا في أمره فروى عنه أنّه قيل لأبى ذر: أ عثمان انزلك الربذة فقال: لا، بل اخترت لنفسى ذلك و روى أن معاوية كتب يشكوه و هو بالشام فكتب إليه عثمان أن صيّره إلى المدينة فلما صار إليه قال: ما أخرجك إلى الشام قال: لأنّي سمعت الرّسول صلّى اللّه عليه و آله يقول: إذا بلغت عمارة المدينة موضع كذا فاخرج عنها فلذلك خرجت، قال: فأى البلاد أحب إليك بعد الشام فقال: الرّبذة، فقال: صر اليها و إذا تكافأت الأخبار لم يكن في ذلك لهم حجّة و لو ثبت ذلك لكان لا يمتنع أن يخرج إلى الربذة لصلاح يرجع إلى الدّين فلا يكون ظلما لأبى ذر بل ربما يكون إشفاقا عليه و خوفا من أن يناله من بعض أهل المدينة مكروه.

فقد روى أنه كان يغلظ في القول و يخشن في الكلام و يقول: لم يبق أصحاب رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله على عهد و ينفر بهذا القول فرأى إخراجه أصلح لما يرجع إليهم و إليه من المصلحة و إلى الدين. و قد روى أن عمر أخرج عن المدينة نصر بن حجاج لما خاف ناحيته. قال: و ندب اللّه تعالى إلى خفض الجناح للمؤمنين و إلى القول اللين للكافرين و بين للرسول صلّى اللّه عليه و آله أنّه لو استعمل الفظاظة لا نفضّوا من حولك فلمّا رأى عثمان من خشونة كلام أبى ذر و ما كان يورده مما يخشى منه التنفير فعل ما فعل.

و قد روى عن زيد بن وهب قال: قلت لأبى ذر و هو بالربذة: ما أنزلك هذا المنزل قال: اخبرك أنّى كنت بالشام في أيام معاوية و قد ذكرت هذه الاية الَّذِينَ يَكْنِزُونَ الذَّهَبَ وَ الْفِضَّةَ وَ لا يُنْفِقُونَها فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَبَشِّرْهُمْ بِعَذابٍ أَلِيمٍ

فقال معاوية هذه في أصل الكتاب فقلت فيهم و فينا فكتب معاوية إلى عثمان في ذلك فكتب إلىّ أن أقدم علىّ فقدمت عليه فانثال الناس إلىّ كأنهم لم يعرفوني فشكوت ذلك إلى عثمان فخيّرنى و قال: إن أحببت أنزل حيث شئت فنزلت الرّبذة و حكى عن الخياط قريبا مما تقدم من أنّ خروج أبى ذر إلى الربذة كان باختياره قال: و أقلّ ما في ذلك أن يختلف الأخبار فتطرح و نرجع إلى الأمر الأوّل في صحة إمامة عثمان و سلامة أحواله.

«جواب الشريف المرتضى علم الهدى و اعتراضه»

اعترض في الشافي عليه و ردّ كلامه بقوله: فأمّا قوله «إن الأخبار مكافئة في أمر أبي ذر و إخراجه إلى الرّبذة و هل كان ذلك باختياره أو بغير اختياره» فمعاذ اللّه أن يتكافأ في ذلك بل المعروف الظاهر أنه نفاه من المدينة إلى الرّبذة، ثمّ أتى بالروايات الثلاث عن الواقدى و قوله قد روى جميع أهل السيرة على اختلاف الطرق إلى آخر ما نقلناه عنه من الشافي المذكورة آنفا ثمّ قال: و الأخبار في هذا الباب أكثر من أن نحصرها و أوسع من أن نذكرها أو ما تحمل نفسه على ادّعا أن أبا ذر خرج مختارا إلى الربذة.

قال: و لسنا ننكر أن يكون ما أورده صاحب الكتاب من أنّه خرج مختارا قد روى إلّا أنّه في الشاذّ النادر و بازاء هذه الرواية الفذة كلّ الروايات التي تتضمن خلافها و من تصفّح الأخبار علم أنها غير متكافئة على ما ظن صاحب الكتاب- يعني به القاضي صاحب كتاب المغني- و كيف يجوز خروجه عن تخيير و إنما اشخص من الشام على الوجه الّذي اشخص عليه من خشونة المركب و قبح السير به للموجدة عليه. ثمّ لما قدم منع الناس من كلامه و أغلظ له في القول و كلّ هذا لا يشبه أن يكون أخرجه إلى الرّبذة باختياره. و كيف يظن عاقل أن أبا ذر يحبّ أن يختار الرّبذة منزلا مع جدبها و قحطها و بعدها عن الخيرات و لم يكن بمنزل مثله.

فأمّا قوله «إنّه اشفق عليه من أن يناله بعض أهل المدينة بمكروه من حيث كان يغلظ له القول» فليس بشي ء يعوّل عليه لأنه لم يكن في أهل المدينة إلّا من كان راضيا بقوله عاتبا بمثل عتبه إلا أنهم كانوا بين مجاهر بما في نفسه و مخف ما عنده و ما في أهل المدينة إلّا من رثى مما حدث على أبي ذر و استفظعه و من رجع إلى كتب السير عرف ما ذكرناه.

فأما قوله «إن عمر أخرج من المدينة نصر بن حجاج» فيما بعد ما بين الأمرين و ما كنا نظن أن أحدا يسوّى بين أبي ذر و هو وجه الصحابة و عينهم و من أجمع المسلمون على توقيره و تعظيمه و أن رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله مدحه من صدق اللهجة بما لم يمدح به أحدا و بين نصر بن الحجاج الحدث الذي كان خاف عمر من افتتان النساء به و بشبابه و لا حظ له في فضل و لا دين. على أن عمر قد ذم باخراجه نصر بن الحجاج من غير ذنب كان منه و إذا كان من أخرج نصر بن الحجّاج مذموما فكيف بمن أخرج مثل أبي ذر رحمه اللّه فأمّا قوله «إنّ اللّه تعالى و الرّسول صلّى اللّه عليه و آله ندبا إلى خفض الجناح و لين القول للمؤمن و الكافر» فهو كما قال إلّا أن هذا أدب كان ينبغي أن يتأدب به عثمان في أبى ذر و لا يقابله بالتكذيب و قد قطع الرسول صلّى اللّه عليه و آله على صدقه و لا يسمعه مكروه الكلام و هو إنما نصح له و أهدى عليه عيوبه و عاتبه على ما لو نوزع عنه لكان خيرا له في الدنيا و الاخرة و هذه جملة كافية.

في تاريخ أبى جعفر الطبرى: لما حضرت الوفاة أبا ذر في الربذة و ذلك في سنة اثنتين و ثلاثين من الهجرة في سنة ثمان في ذى الحجة من امارة عثمان قال لابنته: استشرفي يا بنيّة فانظرى هل ترين أحدا قالت: لا، قال: فما جاءت ساعتى بعد، ثمّ أمرها فذبحت شاة ثمّ طبختها. ثمّ قال: إذا جاءك الذين يدفنوني فقولى لهم: إن ابا ذر يقسم عليكم ان لا تركبوا حتّى تأكلوا فلمّا نضجت قدرها قال لها: انظرى هل ترين أحدا قالت: نعم، هؤلاء ركب مقبلون. قال: استقبلى بى الكعبة، ففعلت و قال: بسم اللّه و باللّه و على ملّة رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله ثمّ خرجت ابنته فتلقتهم و قالت رحمكم اللّه اشهدوا أبا ذر. قالوا: و أين هو فأشارت لهم إليه و قد مات فادفنوه قالوا: نعم و نعمة عين لقد أكرمنا اللّه بذلك و إذا ركب من أهل الكوفة فيهم ابن مسعود فمالوا إليه و ابن مسعود يبكى و يقول: صدق رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله يموت وحده و يبعث وحده فغسلوه و كفنوه و صلّوا عليه و دفنوه فلما أرادوا يرتحلوا قالت لهم: إنّ أبا ذر يقرأ عليكم السّلام و اقسم عليكم أن لا تركبوا حتى تأكلوا ففعلوا.

و فيه في رواية اخرى باسناده عن الحلحال بن ذرى قال: خرجنا مع ابن مسعود سنة 31- و نحن أربعة عشر راكبا حتّى أتينا على الرّبذة فإذا امرأة قد تلقتنا فقالت: اشهدوا أبا ذر و ما شعرنا بأمره و لا بلغنا فقال و أين أبو ذر فأشارت إلى خباء فمال ابن مسعود إليه و هو يبكى فغسلناه و كفناه و إذا خباؤه خباء منضوح بمسك فقلنا للمرأة ما هذا فقالت كانت مسكة فلما حضر قال: إنّ الميت يحضره شهود يجدون الريح و لا يأكلون فدوفى تلك المسكة بماء ثمّ رشى بها الخباء فاقريهم ريحها و اطبخى هذا اللحم فانه سيشهدني قوم صالحون يلون دفنى فاقريهم فلما دفنّا دعتنا إلى الطعام فأكلنا. و الأحاديث في فضائل أبي ذر و اسلامه و ترجمته و مقامه في الرّبذة و موته و صلاة عبد اللّه بن مسعود عليه و من كان معه في موته كثيرة لا نطول بذكرها.

«الكلام في اجتماع الناس و تذاكرهم أعمال عثمان»

قال أبو جعفر الطبرى في تاريخه: ذكر محمّد بن عمر أنّ عبد اللّه بن جعفر حدثه عن امّ بكر بنت المسور بن مخرمة عن أبيها قال: قدمت إبل من إبل الصدقة على عثمان فوهبها لبعض بني الحكم فبلغ ذلك عبد الرحمن بن عوف فأرسل إلى المسور ابن مخرمة و إلى عبد الرحمن بن الأسود بن عبد يغوث فأخذاها فقسمها عبد الرحمن في النّاس و عثمان في الدار.

قال: قال محمّد بن عمرو حدثني محمّد بن صالح عن عبيد اللّه بن رافع بن نقاحة عن عثمان بن الشريد قال: مرّ عثمان على جبلة بن عمرو الساعدى و هو بفناء داره و معه جامعة فقال: يا نعثل و اللّه لأقتلنّك و لأحملنّك على قلوص جرباء و لاخرجنّك إلى حرة النّار، ثمّ جاءه مرة اخرى و عثمان على المنبر فأنزله عنه.

قال: كان أول من اجترأ على عثمان بالمنطق السيى ء جبلة بن عمرو الساعدي مرّ به عثمان و هو جالس في ندى قومه و في يد جبلة بن عمرو جامعة فلمّا مرّ عثمان سلّم فردّ القوم فقال جبلة: لم تردّون على رجل فعل كذا و كذا ثمّ أقبل على عثمان فقال: و اللّه لأطرحنّ هذه الجامعة في عنقك أو لتتركن بطانتك هذه. قال عثمان: أيّ بطانة فو اللّه إنّي لأتخيّر النّاس. فقال: مروان تخيّرته، و معاوية تخيّرته، و عبد اللّه بن عامر بن كريز تخيّرته، و عبد اللّه بن سعد تخيّرته، منهم من نزل القرآن بدمه و أباح رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله دمه. قال: فانصرف عثمان فما زال النّاس مجترئين عليه.

قال: و خطب في بعض أيامه فقال عمرو بن العاص: يا أمير المؤمنين إنّك قد ركبت نهابير و ركبناها معك فتب نتب- إلى أن قال: ثم لما كان بعد ذلك خطب عثمان الناس فقام إليه جهجاه الغفاري فصاح يا عثمان ألا إن هذه شارف قد جئنا بها عليها عباءة و جامعة قم يا نعثل فانزل عن هذا المنبر فلندرعك العباءة و لنطرحك في الجامعة و لنحملك على الشارف ثمّ نطرحك في جبل الدخان، فقال عثمان: قبحك اللّه و قبح ما جئت به، قال: و لم يكن ذلك إلّا عن ملإ من النّاس و قام إلى عثمان خيرته و شيعته من بني امية فحملوه و أدخلوه الدار.

قال: بعد ما غزا المسلمون غزوة الصواري و نصرهم اللّه على الأعداء فقتلوا منهم مقتلة عظيما و هزم القوم جعل محمّد بن أبي حذيفة يقول: أما و اللّه لقد تركنا خلفنا الجهاد حقّا، فقيل له: و أىّ جهاد فيقول: عثمان بن عفان فعل كذا و كذا و فعل كذا و كذا حتّى أفسد النّاس فقدموا بلدهم و قد أفسدهم و أظهروا من القول ما لم يكونوا ينطقون به.

قال: بإسناده عن الزهري قال: خرج محمّد بن أبي حذيفة و محمّد بن أبي بكر عام خرج عبد اللّه بن سعد بن أبي سرح- يعني عام 31 خرج عبد اللّه بن سعد بأمر عثمان لغزوة الرّوم التي يقال لها غزوة الصوارى- فأظهر اعيب عثمان و ما غير و ما خالف به أبا بكر و عمر و أنّ دم عثمان حلال و يقولان استعمل عبد اللّه بن سعد رجلا كان رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله أباح دمه و نزل القرآن بكفره و أخرج رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله قوما و أدخلهم- يعني حكم بن العاص و ابنه مروان الطريدين و غيرهما- و نزع أصحاب رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و استعمل سعيد بن العاص و عبد اللّه بن عامر فبلغ ذلك عبد اللّه بن سعد فقال: لا تركبا معنا فركبا في مركب ما فيه أحد من المسلمين- إلى أن قال: و عابا عثمان أشدّ العيب.

و روى بإسناده عن عبد الرحمن بن يسار أنّه قال: لما رأى النّاس ما صنع عثمان كتب من بالمدينة من أصحاب النّبيّ صلّى اللّه عليه و آله إلى من بالافاق منهم و كانوا قد تفرقوا في الثغور: إنكم انما خرجتم أن تجاهدوا في سبيل اللّه عزّ و جلّ تطلبون دين محمّد صلّى اللّه عليه و آله فإنّ دين محمّد قد أفسد من خلفكم و ترك فهلموا فأقيموا دين محمّد صلّى اللّه عليه و آله فأقبلوا من كلّ افق حتى قتلوه.

«نصح أمير المؤمنين على (ع) عثمان»

قال: و أما الواقدي فإنّه زعم أن عبد اللّه بن محمّد حدّثه عن أبيه قال: لمّا كانت سنة- 34- كتب أصحاب رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله بعضهم إلى بعض أن اقدموا فإن كنتم تريدون الجهاد فعندنا الجهاد و كثر الناس على عثمان و نالوا منه أقبح ما نيل من أحد و أصحاب رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله يرون و يسمعون ليس فيهم أحد ينهى و لا يذبّ إلّا نفير زيد بن ثابت و أبو أسيد الساعدي و كعب بن مالك و حسان بن ثابت فاجتمع النّاس و كلّموا عليّ بن أبي طالب عليه السّلام فدخل على عثمان فقال: النّاس ورائي و قد كلّموني فيك و اللّه ما أدرى ما أقول لك و ما أعرف شيئا تجهله و لا أدلك على أمر لا تعرفه إنّك لتعلم ما نعلم ما سبقناك إلى شي ء فنخبرك عنه و لا خلونا بشي ء فنبلغكه و ما خصصنا بأمر دونك و قد رأيت و سمعت و صحبت رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و نلت صهره و ما ابن أبي قحافة بأولى بعمل الحق منك و لا ابن الخطاب بأولى بشي ء من الخير منك، و أنّك أقرب إلى رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله رحما و لقد نلت من صهر رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله ما لم ينالا و لا سبقاك إلى شي ء فاللّه اللّه في نفسك فانّك و اللّه ما تبصر من عمى و لا تعلم من جهل و إنّ الطريق لواضح بيّن و إن أعلام الدّين لقائمة تعلم يا عثمان أنّ أفضل عباد اللّه عند اللّه إمام عادل هدى و هدى فأقام سنّة معلومة و أمات بدعة متروكة فو اللّه إن كلا لبيّن و ان السنن لقائمة لها اعلام و انّ البدع لقائمة لها اعلام و انّ شرّ الناس عند اللّه إما جائر ضلّ و ضلّ به فأمات سنة معلومة و احيا بدعة متروكة و إنّي سمعت رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله يقول: يؤتى يوم القيامة بالإمام الجائر و ليس معه نصير و لا عاذر فيلقى في جهنّم فيدور في جهنم كما تدور الرحى ثمّ يرتطم في غمرة جهنم و إنّي احذّرك اللّه و احذّرك سطواته و نقماته فان عذابه شديد اليم و احذّرك ان تكون إمام هذه الأمّة المقتول فانّه يقال: يقتل في هذه الأمّة إمام فيفتح عليها القتل و القتال إلى يوم القيامة و تلبس امورها عليها و يتركها شيعا فلا يبصرون الحقّ لعلو الباطل يموجون فيها موجا و يمرجون فيها مرجا.

فقال عثمان: قد و اللّه علمت ليقولن الذي قلت اما و اللّه لو كنت مكانى ما عنفتك و لا اسلمتك و لا عبت عليك و لا جئت منكرا أن وصلت رحما و سددت خلّة و آويت ضائعا و وليت شبيها بمن كان عمر يولى، انشدك اللّه يا على هل تعلم أنّ المغيرة بن شعبة ليس هناك قال: نعم، قال: فتعلم انّ عمر ولّاه قال: نعلم، قال: فلم تلومونى ان وليت ابن عامر في رحمه و قرابته قال علىّ عليه السّلام: سأخبرك أنّ عمر بن الخطّاب كان كل من ولّي فانما يطأ على صماخه إن بلغه عنه حرف جلبه ثمّ بلغ به أقصى الغاية و أنت لا تفعل ضعفت و رفقت على أقربائك.

قال عثمان: هم أقرباؤك أيضا، فقال عليّ عليه السّلام: لعمري إن رحمهم منى لقريبة و لكنّ الفضل في غيرهم.

قال عثمان: هل تعلم أنّ عمر ولّى معاوية خلافته كلّها فقد وليته.

فقال علىّ عليه السّلام: انشدك اللّه هل تعلم أنّ معاوية كان أخوف من عمر من يرفا غلام عمر منه قال: نعم، قال على عليه السّلام: فإن معاوية يقتطع الأمور دونك و أنت تعلمها فيقول النّاس هذا أمر عثمان فيبلغك و لا تغير على معاوية. ثمّ خرج علىّ عليه السّلام من عنده.

و خرج عثمان على اثره فجلس على المنبر فاستمال قلوب النّاس إليه بما قال و اعتذر من أفعاله و اشتكى من الناس بما قالوا في مطاعنه و قوادحه فلما انتهى من كلامه قام مروان بن الحكم فقال مخاطبا للناس: إن شئتم حكمنا و اللّه بيننا و بينكم السيف نحن و اللَّه و أنتم كما قال الشاعر:

  • فرشنا لكم أعراضنا فنبت بكممعارسكم تبنون في دمن الثرى

فقال عثمان: اسكت لاسكتّ دعنى و أصحابى ما منطقك في هذا ألم أتقدم إليك ألّا تنطق فسكت مروان و نزل عثمان.

أقول: أتى بما رواه الطبري من نصح أمير المؤمنين عليّ عليه السّلام عثمان الشيخ الأجل المفيد قدس سره في كتاب الجمل أيضا- ص 84 طبع النجف- و كذا نقله الشريف الرضى رضوان اللّه عليه في النهج و هو الكلام- 163- من المختار من باب الخطب معنونا بقول الرضى: و من كلام له عليه السّلام لما اجتمع النّاس عليه و شكوه مما نقموه على عثمان و سألوه مخاطبته عنهم و استعتابه لهم فدخل عليه السّلام عليه فقال: إنّ النّاس ورائى و قد استسفروني بينك و بينهم و و اللّه ما ادرى ما اقول لك- إلخ و بين النسخ الثلاث اختلاف يسير.

و روى الطبرى بإسناده عن عبد اللّه بن زيد العنبرى أنه قال: اجتمع ناس من المسلمين فتذاكروا أعمال عثمان و ما صنع فاجتمع رأيهم على أن يبعثوا إليه رجلا يكلّمه و يخبره بأحداثه فأرسلوا إليه عامر بن عبد اللّه التميمي فأتاه فدخل عليه فقال له: إن ناسا من المسلمين اجتمعوا فنظروا في أعمالك فوجدوك قد ركبت امورا عظاما فاتق اللّه عزّ و جلّ و تب إليه و انزع عنها.

قال له عثمان: انظر إلى هذا فإن النّاس يزعمون أنّه قارئ ثمّ هو يجي ء فيكلّمني في المحقرات فو اللّه ما يدرى أين اللّه.

قال عامر: إنا لا ندرى أين اللّه، قال: نعم و اللّه ما تدرى أين اللّه، قال عامر: بلى و اللّه إنّي لأدرى أنّ اللّه بالمرصاد لك.

فأرسل عثمان إلى معاوية بن أبي سفيان و إلى عبد اللّه بن سعد بن أبي سرح و إلى سعيد بن العاص و إلى عمرو بن العاص بن وائل السهمي و إلى عبد اللّه بن عامر فجمعهم ليشاورهم في أمره و ما طلب إليه و ما بلغه عنهم فلما اجتمعوا عنده قال لهم: إن لكلّ امرى ء وزراء و نصحاء و إنّكم وزرائي و نصحائي و أهل ثقتي و قد صنع النّاس ما قد رأيتم و طلبوا إليّ أن أعزل عمّالي و أن أرجع عن جميع ما يكرهون إلى ما يحبّون فاجتهدوا رأيكم و أشيروا عليّ.

فقال له عبد اللّه بن عامر: رأيي لك يا أمير المؤمنين أن تأمرهم بجهاد يشغلهم عنك و أن تجمّرهم في المغازي حتّى يذلوا لك فلا يكون همة أحدهم إلّا نفسه و ما هو فيه من دبرة دابته و قمل فروه.

ثمّ أقبل عثمان على سعيد بن العاص فقال له: ما رأيك قال: يا أمير المؤمنين إن كنت تريد رأينا فاحسم عنك الداء و اقطع عنك الّذي تخاف و اعمل برأيي تصب، قال: و ما هو قال: إن لكلّ قوم قادة متى تهلك يتفرقوا و لا يجتمع لهم أمر، فقال عثمان: إن هذا الرأى لو لا ما فيه.

ثمّ أقبل على معاوية فقال: ما رأيك قال: أرى لك يا أمير المؤمنين أن ترد عمالك على الكفاية لما قبلهم و أنا ضامن لك قبلى.

ثمّ أقبل على عبد اللّه بن سعد فقال: ما رأيك قال: أرى يا أمير المؤمنين أن النّاس أهل طمع فاعطهم من هذا المال تعطف عليك قلوبهم.

ثمّ أقبل على عمرو بن العاص، فقال له: ما رأيك قال: أرى أنك قد ركبت النّاس بما يكرهون فاعتزم أن تعتدل فإن أبيت فاعتزم أن تعتزل فإن أبيت فاعتزم عزما و امض قدما.

فقال عثمان: ما لك قمل فروك أ هذا الجدّ منك فاسكت عنه دهرا حتّى إذا تفرّق القوم قال عمرو: لا و اللّه يا أمير المؤمنين لأنت أعزّ علىّ من ذلك و لكن قد علمت أن سيبلغ النّاس قول كلّ رجل منا فأردت أن يبلغهم قولي فيثقوا بي فأقود إليك خيرا أو أدفع عنك شرّا. فردّ عثمان عماله على أعمالهم و أمرهم بالتضييق على من قبلهم و أمرهم بتجمير النّاس في البعوث و عزم على تحريم أعطياتهم ليطيعوه و يحتاجوا إليه. و ردّ سعيد بن العاص أميرا على الكوفة فخرج أهل الكوفة عليه بالسلاح فتلقوه فردّوه و قالوا: لا و اللّه لا يلي علينا حكما ما حملنا سيوفنا.

قال المسعودي و الواقدي و الطبري و غيرهما من أصحاب السير: لما كان سنة خمس ثلاثين سار مالك بن الحرث النخعي من الكوفة في مائتي رجل و حكيم بن جبلة العبدي في مأئة رجل من أهل البصرة، و من أهل مصر ستمائة رجل على أربعة ألوية لها رءوس أربعة مع كلّ رجل منهم لواء و فيهم محمّد بن أبي بكر و كان جماع أمرهم جميعا إلى عمرو بن بديل بن ورقاء الخزاعي و كان من أصحاب النّبيّ صلّى اللّه عليه و آله و إلى عبد الرّحمان ابن عديس التجيبي فكان فيما كتبوا إليه: بسم اللّه الرّحمن الرّحيم أما بعد فاعلم أن اللّه لا يغير ما بقوم حتّى يغيروا ما بأنفسهم فاللّه اللّه ثمّ اللّه اللّه فإنّك على دنيا فاستتم إليها معها آخرة و لا تنس نصيبك من الاخرة فلا تسوغ لك الدّنيا و اعلم أنا و اللّه للّه نغضب و في اللّه نرضى و أنا لن نضع سيوفنا عن عواتقنا حتّى تاتينا منك توبة مصرحة او ضلالة مجلحة مبلجة فهذه مقالتنا لك و قضيتنا إليك و اللّه عذيرنا منك و السلام.

و كتب أهل المدينة إلى عثمان يدعونه إلى التوبة و يحتجون و يقسمون له باللّه لا يمسكون عنه أبدا حتّى يقتلوه أو يعطيهم ما يلزمه من حقّ اللّه.

فلمّا خاف القتل شاور نصحائه و أهل بيته فقال لهم: قد صنع القوم ما قد رأيتم فما المخرج فأشاروا عليه أن يرسل إلى عليّ بن أبي طالب عليه السّلام فيطلب إليه أن يردّهم عنه و يعطيهم ما يرضيهم ليطاولهم حتّى يأتيه أمداد.

فقال عثمان: إن القوم لن يقبلوا التعليل و هي محملي عهدا و قد كان منّي في قدمتهم الأولى ما كان فمتى أعطهم ذلك يسألوني الوفاء به.

فقال مروان بن الحكم: يا أمير المؤمنين مقاربتهم حتّى تقوى أمثل من مكاثرتهم على القرب فأعطهم ما سألوك و طاولهم ما طاولوك فإنّما هم بغوا عليك فلا عهد لهم.

فأرسل إلى عليّ عليه السّلام فدعاه فلمّا جاءه قال: يا أبا حسن إنّه قد كان من النّاس ما قد رأيت و كان منّي ما قد علمت و لست آمنهم على قتلي فارددهم عنّي فإنّ لهم اللّه عزّ و جلّ أن أعتبهم من كلّ ما يكرهون و أن أعطيهم الحقّ من نفسي و من غيرى و إن كان في ذلك سفك دمي.

فقال له عليّ عليه السّلام: النّاس إلى عدلك أحوج منهم إلى قتلك و إنّي لأرى قوما لا يرضون إلّا بالرضي و قد كنت أعطيتهم في قدمتهم الأولى عهدا من اللّه لترجعن عن جميع ما نقموا فرددتهم عنك ثمّ لم تف لهم بشي ء من ذلك فلا تغرّني هذه المرة من شي ء فإني معطيهم عليك الحقّ.

قال: نعم، فاعطهم فو اللّه لأفينّ لهم. فخرج عليّ عليه السّلام إلى النّاس فقال: أيّها النّاس إنّكم إنّما طلبتم الحقّ فقد أعطيتموه إن عثمان قد زعم أنّه منصفكم من نفسه و من غيره و راجع عن جميع ما تكرهون فاقبلوا منه و وكدوا عليه.

قال النّاس: قد قبلنا فاستوثق منه لنا فانا و اللّه ما نرضى بقول دون فعل. فقال لهم عليّ عليه السّلام: ذلك لكم. ثمّ دخل عليه فأخبره الخبر فقال عثمان: اضرب بيني و بينهم أجلا يكون لي فيه مهلة فإني لا أقدر على ردّ ما كرهوا في يوم واحد.

قال له عليّ عليه السّلام: ما حضر بالمدينة فلا أجل فيه و ما غاب فأجله وصول أمرك.

قال: نعم، و لكن أجّلني فيما بالمدينة ثلاثة أيام. قال عليّ عليه السّلام: نعم، فخرج إلى النّاس فأخبرهم بذلك و كتب بينهم و بين عثمان كتابا أجّله فيه ثلاثا على أن يردّ كلّ مظلمة و يعزل كلّ عامل كرهوه. ثمّ أخذ عليه في الكتاب أعظم ما أخذ اللّه على أحد من خلقه من عهد و ميثاق و أشهد عليه ناسا من وجوه المهاجرين و الأنصار.

فكفّ المسلمون عنه و رجعوا إلى أن يفي لهم بما أعطاهم من نفسه.

فجعل عثمان يتأهب للقتال و يستعد بالسلاح و قد كان اتخذ جندا عظيما من رقيق الحمس فمضت الأيّام الثلاثة و هو على حاله و لم يغير شيئا مما كرهوه و لم يعزل عاملا «تولية عثمان محمد بن أبي بكر على مصر و ارساله» «كتابا لابن أبي سرح في قتله»

فلمّا أن أهل مصر جاءوا و شكوا ابن أبي سرح عاملهم فنزلوا المسجد و شكوا إلى أصحاب رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله في مواقيت الصّلاة ما صنع بهم ابن أبي سرح فقام طلحة فتكلم بكلام شديد و أرسلت عائشة إلى عثمان فقالت له: قد تقدّم إليك أصحاب رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سألوك عزل هذا الرّجل و كذا دخل عليه عليّ عليه السّلام فقال له: إنّما يسألونك رجلا مكان رجل و قد ادعوا قبله دما فاعزله عنه و اقض بينهم فإن وجب لهم عليه حق فأنصفهم منه.

فقال: اختاروا رجلا اوليه عليهم. فقالوا: استعمل محمّد بن أبي بكر فكتب عثمان عهده و ولّاه و خرج معه عدد من المهاجرين و الأنصار ينظرون فيما بين ابن أبي سرح و أهل مصر.

فخرج محمّد و من معه حتّى إذا كانوا على مسيرة ثلاث ليال من المدينة في الموضع المعروف بخمس إذا هم بغلام أسود على بعير يخبط البعير كأنه طالب أو هارب يتعرّض لهم ثمّ يفارقهم ثمّ يرجع إليهم ثمّ يفارقهم و يسيئهم و هو مقبل من المدينة، فتأملوه فاذا هو ورش غلام عثمان على جمل عثمان فقال له أصحاب محمّد بن أبي بكر: ما قصتك و ما شأنك إن لك لأمرا فقال: أنا غلام أمير المؤمنين وجهني إلى عامل مصر. فقال له رجل: هذا عامل مصر معنا، قال: ليس هذا اريد. فاخبر محمّد بأمره فبعث في طلبه رجلا فجاء به إليه فقال له: غلام من أنت فأقبل مرة يقول: أنا غلام مروان، و مرة يقول: أنا غلام عثمان حتّى عرفه رجل أنّه لعثمان فقال له محمّد: إلى من أرسلك قال: إلى عامل مصر، قال: بماذا قال: برسالة. قال: أ ما معك كتاب قال: لا، ففتشوه فلم يجدوا معه كتابا و كانت معه إداوة قد يبست فيها شي ء يتقلقل فحركوه ليخرج فلم يخرج فشقوا إداوته فاذا فيه كتاب من عثمان إلى عبد اللّه بن ابى سرح عامل مصر.

فجمع محمّد من كان معه من المهاجرين و الأنصار ثمّ فكّ الكتاب بمحضر منهم فقرأه فإذا فيه: إذا أتاك محمّد بن أبي بكر و فلان و فلان أن يصلبهم أو يقتلهم أو يقطع أيديهم و أرجلهم من خلاف و أبطل كتابهم و قرّ على عملك حتّى يأتيك رأيي.

فلما رأوا الكتاب فزعوا منه و رجعوا إلى المدينة و ختم محمّد الكتاب بخواتم النفر الذين كانوا معه و دفعه إلى رجل منهم ثمّ قدموا المدينة فجمعوا عليّا عليه السّلام و طلحة و الزبير و سعدا و من كان من أصحاب رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله ثمّ فكوا الكتاب بمحضر منهم و أخبرهم بقصة الغلام و أقرأهم الكتاب فلم يبق أحد من أهل المدينة إلا حنق على عثمان، و قام أصحاب النّبيّ صلّى اللّه عليه و آله فلحقوا بمنازلهم و حصر الناس عثمان و أحاطوا به و منعوه الماء و الخروج و من كان معه و اجلب عليه محمّد بن أبي بكر.

و في تاريخ أبي جعفر الطبري: لما قدموا المدينة أتوا عليّا عليه السّلام فقالوا: ألم تر إلى عدوّ اللّه عثمان إنه كتب فينا بكذا و كذا و إن اللّه قد أحلّ دمه قم معنا إليه قال: و اللّه لا أقوم معكم إلى أن قالوا: فلم كتبت إلينا فقال: و اللّه ما كتبت إليكم كتابا قطّ فنظر بعضهم إلى بعض ثمّ قال بعضهم لبعض: أ لهذا تقاتلون أو لهذا تغضبون فانطلق علىّ عليه السّلام فخرج من المدينة إلى قرية ثمّ إنهم انطلقوا حتّى دخلوا على عثمان فقالوا: كتبت فينا بكذا و كذا.

فقال عثمان: إنما هما اثنتان أن تقيموا على رجلين من المسلمين أو يميني باللّه الذي لا إله إلّا هو ما كتبت و لا أمللت و لا علمت و قد تعلمون أن الكتاب يكتب على لسان الرّجل و قد ينقش الخاتم على الخاتم. فقالوا: فقد و اللّه أحلّ اللّه دمك و نقضت العهد و الميثاق فحاصروه.

و فيه أيضا لما قدموا المدينة أرسلوا إلى عثمان أ لم نفارقك على أنك زعمت أنك تائب من أحداثك و راجع عما كرهنا منك و أعطيتنا على ذلك عهد اللّه و ميثاقه قال: بلى أنا على ذلك. قالوا: فما هذا الكتاب الّذي وجدنا مع رسولك و كتبت به إلى عاملك قال: ما فعلت و لا لى علم بما تقولون. قالوا: بريدك على جملك و كتاب كاتبك عليه خاتمك قال: أمّا الجمل فمسروق، و قد يشبه الخط الخط، و أما الخاتم فانتقش عليه. قالوا: فإنا لا نعجل عليك و إن كنّا قد اتهمناك اعزل عنّا عمالك الفساق و استعمل علينا من لا يتّهم على دمائنا و أموالنا و اردد علينا مظالمنا قال عثمان: ما أراني إذا في شي ء إن كنت أستعمل من هويتم و أعزل من كرهتم الأمر إذا أمركم. قالوا: و اللّه لتفعلنّ أو لتعزلنّ أو لتقتلنّ فانظر لنفسك أودع، فأبى عثمان عليهم و قال: لم أكن لأخلع سربالا سر بلنيه اللّه فحصروه أربعين.

«حصار أهل مصر و الكوفة و غيرهم عثمان»

و في الإمامة و السياسة للدينوري: ذكروا أن أهل مصر أقبلوا إلى عليّ عليه السّلام فقالوا: أ لم تر عدوّ اللّه ما ذا كتب فينا قم معنا إليه فقد أحلّ اللّه دمه، فقال عليّ عليه السّلام لا و اللّه لا أقوم معكم قالوا: فلم كتبت إلينا قال على عليه السّلام: لا و اللّه ما كتبت إليكم كتابا قطّ فنظر بعضهم إلى بعض. ثمّ أقبل الأشتر النخعي من الكوفة في ألف رجل و أقبل ابن أبي حذيفة من مصر في أربعمائة رجل فأقام اهل الكوفة و أهل مصر بباب عثمان ليلا و نهارا و طلحة يحرّض الفريقين جميعا على عثمان ثمّ إنّ طلحة قال لهم: إن عثمان لا يبالي ما حصرتموه و هو يدخل إليه الطعام و الشراب فامنعوه الماء أن يدخل عليه.

و في تاريخ الطبري: لما انكر عثمان أن يكون كتب الكتاب و قال هذا مفتعل قالوا: فالكتاب كتاب كاتبك، قال: اجل و لكنه كتبه بغير امرى، قالوا: فإنّ الرسول الذي وجدنا معه الكتاب غلامك. قال: اجل و لكنه خرج بغير إذني، قالوا فالجمل جملك. قال: اجل و لكنّه اخذ بغير علمي، قالوا: ما انت إلّا صادق او كاذب فان كنت كاذبا فقد استحققت الخلع لما امرت به من سفك دمائنا بغير حقها و إن كنت صادقا فقد استحققت ان تخلع لضعفك و غفلتك و خبث بطانتك لأنه لا ينبغي لنا ان نترك على رقابنا من يقتطع مثل هذا الأمر دونه لضعفه و غفلته.

و قالوا له: إنك ضربت رجالا من اصحاب النّبيّ صلّى اللّه عليه و آله و غيرهم حين يعظونك و يأمرونك بمراجعة الحقّ عند من يستنكرون من اعمالك فأقد من نفسك من ضربته و انت له ظالم.

فقال: الإمام يخطى ء و يصيب فلا اقيد من نفسي لأنى لو أقدت كلّ من أصبته بخطاء أتى على نفسي.

قالوا: إنّك قد أحدثت أحداثا عظاما فاستحققت بها الخلع فاذا كلمت فيها اعطيت التوبة ثمّ عدت إليها و إلى مثلها ثمّ قدمنا عليك فاعطيتنا التوبة و الرجوع إلى الحق و لا منافيك محمّد بن مسلمة و ضمن لنا ما حدث من أمر فأخفرته فتبرأ منك و قال: لا أدخل في أمره فرجعنا أوّل مرّة لنقطع حجتك و نبلغ أقصى الأعذار إليك نستظهر باللّه عزّ و جلّ عليك فلحقنا كتاب منك إلى عاملك علينا تأمره فينا بالقتل و القطع و الصلب و زعمت أنّه كتب بغير علمك و هو مع غلامك و على جملك و بخط كاتبك و عليه خاتمك فقد وقعت عليك بذلك التهمة القبيحة مع ما بلونا منك قبل ذلك من الجور في الحكم و الأثرة في القسم و العقوبة للأمر بالتبسط من النّاس و الإظهار للتوبة ثمّ الرّجوع إلى الخطيئة و لقد رجعنا عنك و ما كان لنا أن نرجع حتى نخلعك و نستبدل بك من اصحاب رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله من لم يحدث مثل ما جربنا منك و لم يقع عليه من التهمة ما وقع عليك فاردد خلافتنا و اعتزل امرنا فان ذلك أسلم لنا منك و أسلم لك منّا.

فقال عثمان: فرغتم من جميع ما تريدون قالوا: نعم. قال: أما بعد فانّكم لم تعدلوا في المنطق و لم تنصفوا في القضاء أمّا قولكم تخلع نفسك فلا أنزع قميصا قمصنيه اللّه و لكنّي أتوب و أنزع و لا أعود لشي ء عابه المسلمون فإنّي و اللّه الفقير إلى اللّه الخائف منه.

قالوا: إنّ هذا لو كان أوّل حدث أحدثته ثم تبت منه و لم تقم عليه لكان علينا أن نقبل منك و أن ننصرف عنك، و لكنه قد كان منك من الاحداث قبل هذا ما قد علمت و لقد انصرفنا عنك في المرّة الأولى و ما نخشى أن تكتب فينا و لا من اعتللت به بما وجدنا في كتابك مع غلامك و كيف نقبل توبتك و قد بلونا منك أن لا تعطى من نفسك التوبة من ذنب إلّا عدت عليه فلسنا منصرفين حتى نعزلك و نستبدل بك فإن حال من معك من قومك و ذوى رحمك و أهل الانقطاع إليك دونك بقتال قاتلناهم حتّى نخلص إليك فنقتلك أو تلحق أرواحنا باللّه. إلى أن قال: ثمّ انصرفوا عن عثمان و آذنوه بالحرب، و ارسل عثمان إلى محمّد بن مسلمة فكلّمه أن يردّهم فقال: و اللّه لا أكذب اللّه في سنة مرتين.

قال الطبري: إنّ عليّا جاء عثمان بعد انصراف المصريين فقال له: تكلم كلاما يسمعه النّاس منك و يشهدون عليه و يشهد اللّه على ما في قلبك من النزوع و الإنابة فان البلاد قد تمخضت عليك فلا آمن ركبا آخرين يقدمون من الكوفة فتقول يا عليّ اركب إليهم و لا أقدر أن أركب إليهم و لا أسمع عذرا و يقدم ركب آخرون من البصرة فتقول يا عليّ اركب إليهم فان لم أفعل رأيتني قد قطعت رحمك و استحققت «استخففت ظ» بحقّك.

فخرج عثمان فخطب الخطبة الّتي نزع فيها و أعطى النّاس من نفسه التوبة فقام فحمد اللّه و أثنى عليه بما هو أهله ثمّ قال: أمّا بعد أيّها النّاس فو اللّه ما عاب من عاب منكم شيئا أجهله و ما جئت شيئا إلّا و أنا أعرفه و لكنى منّنتني نفسي و كذّبتني و ضلّ عن رشدي و لقد سمعت رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله يقول: من زل فليتب و من أخطأ فليتب و لا يتمادى في الهلكة إن من تمادى في الجور كان أبعد من الطريق فأنا أوّل من اتعظ أستغفر اللّه مما فعلت و أتوب إليه فمثلي نزع و تاب فاذا نزلت فليأتني اشرافكم فليروني رأيهم فو اللّه لئن ردّني الحق عبدا لأستننّ بسنة العبد و لأذلنّ ذل العبد و لأكوننّ كالمرقوق إن ملك صبر و إن عتق شكر و ما عن اللّه مذهب إلّا إليه فلا يعجزن عنكم خياركم أن يدنو إلىّ أبت يميني لتتابعني شمالي.

فلما نزل عثمان وجد في منزله مروان و سعيدا و نفرا من بني أميّة و لم يكونوا شهدوا الخطبة فلما جلس قال مروان: يا أمير المؤمنين أتكلّم أم أصمت فقالت نائلة ابنة الفرافصة امرأة عثمان الكلبيّة: لا بل اصمت فانهم و اللّه قاتلوه و مؤتموه إنّه قد قال مقالة لا ينبغي له أن ينزع عنها، فأقبل عليها مروان فقال: ما أنت و ذاك فو اللّه لقد مات أبوك و ما يحسن يتوضّأ، فقالت له: مهلا يا مروان عن ذكر الاباء تخبر عن أبي و هو غائب تكذب عليه و إن أباك لا يستطيع أن يدفع عنه أما و اللّه لو لا أنّه عمّه و أنه يناله غمّه أخبرتك عنه ما لن أكذب عليه، فأعرض عنها مروان ثمّ قال: يا أمير المؤمنين أتكلّم أم أصمت قال: بل تكلّم.

فقال مروان: بأبي أنت و امّي و اللّه لوددت أن مقالتك هذه كانت و أنت ممتنع منيع فكنت أوّل من رضى بها و أعان عليها و لكنك قلت ما قلت حين بلغ الحزام الطّبيين و خلف السبيل الزبى و حين أعطى الخطّة الذليلة الذليل و اللّه لإقامة على خطيئة تستغفر اللّه منها أجمل من توبة تخوف عليها و إنك إن شئت تقربت بالتوبة و لم تقرب بالخطيئة و قد اجتمع إليك على الباب مثل الجبال من الناس.

فقال عثمان: فاخرج إليهم فكلّمهم فانّي استحيى ان اكلمهم.

فخرج مروان إلى الباب و النّاس يركب بعضهم بعضا فقال: ما شأنكم قد اجتمعتم كأنّكم قد جئتم لنهب شاهت الوجوه كلّ إنسان آخذ باذن صاحبه الا من اريد جئتم ترويدون ان تنزعوا ملكنا من ايدينا اخرجوا عنا اما و اللّه لئن رمتمونا ليمرن عليكم منا امر لا يسركم و لا تحمدوا غبّ رأيكم ارجعوا إلى منازلكم فانا و اللّه ما نحن مغلوبين على ما في ايدينا.

فرجع النّاس و خرج بعضهم حتّى اتى عليّا عليه السّلام فاخبره الخبر فجاء عليّ عليه السّلام مغضبا حتّى دخل على عثمان فقال: اما رضيت من مروان و لا رضى منك إلّا بتحرفك عن دينك و عن عقلك مثل جمل الظعينة يقاد حيث يسار به و اللّه ما مروان بذي رأى في دينه و لا نفسه و ايم اللّه إنّي لأراه سيوردك ثمّ لا يصدرك و ما انا بعائذ بعد مقامي هذا لمعاتبتك اذهلت شرفك و غلبت على امرك.

فلما خرج عليّ عليه السّلام دخلت عليه نائلة ابنة الفرافصة امرأته فقالت: قد سمعت قول علىّ لك و إنّه ليس يعاودك و قد اطعت مروان يقودك حيث شاء.

قال عثمان: فما اصنع قالت: تتقى اللّه وحده لا شريك له و تتبع سنة صاحبيك من قبلك فانك متى اطعت مروان قتلك و مروان ليس له عند النّاس قدر و لا هيبة و لا محبة و إنما تركك النّاس لمكان مروان فأرسل إلى عليّ عليه السّلام فاستصلحه فإنّ له قرابة منك و هو لا يعصى، فأرسل عثمان إلى عليّ عليه السّلام فأبى أن يأتيه و قال: قد أعلمته له أنى لست بعائد. فبلغ مروان مقالة نائلة فيه فجاء إلى عثمان فجلس بين يديه فقال: أتكلم أو أسكت فقال: تكلّم، فقال: إن بنت الفرافصة، فقال عثمان: لا تذكرنها بحرف فاسوّى لك وجهك فهى و اللّه أنصح لي منك فكفّ مروان.

فلما رأى عثمان ما قد نزل به و ما قد انبعث عليه من النّاس كتب إلى معاوية ابن أبي سفيان و هو بالشام: بسم اللّه الرّحمن الرّحيم أمّا بعد فإن أهل المدينة قد كفروا و أخلفوا الطاعة و نكثوا البيعة فابعث إلىّ من قبلك من مقاتلة أهل الشام على كلّ صعب و ذلول، ثمّ كتب إلى يزيد بن أسد بن كرز و إلى أهل الشام: إن كان عندكم غياث فالعجل العجل فانّ القوم معاجليّ.

«مخاطبة عثمان من أعلى القصر طلحة»

في الامامة و السياسة: إنّ عثمان لما منع الماء صعد على القصر و استوى في أعلاه ثمّ نادى أين طلحة فأتاه فقال: يا طلحة أما تعلم أن بئر رومة كانت لفلان اليهودي لا يسقى أحدا من الناس منها قطرة إلّا بثمن فاشتريتها بأربعين ألفا فجعلت رشائي فيها كرشاء رجل من المسلمين، لم أستأثر عليهم قال: نعم، قال: فهل تعلم أنّ أحدا يمنع أن يشرب منها اليوم غيري لم ذلك.

قال: لأنّك بدّلت و غيّرت.

قال: فهل تعلم: أنّ رسول اللّه قال: من اشترى هذا البيت و زاده في المسجد فله به الجنّة، فاشتريته بعشرين ألفا و أدخلته في المسجد. قال طلحة: نعم. قال: فهل تعلم اليوم أحدا يمنع فيه من الصّلاة غيري قال: لا. قال: لم قال: لأنّك غيّرت و بدّلت.

«كلام عثمان في طلحة»

روى الطبرى- ص 411 ج 3 طبع مصر 1357 ه- باسناده عن عبد اللّه بن عبّاس ابن ربيعة قال: دخلت على عثمان فتحدثت عنده ساعة، فقال: يا ابن عباس تعال فأخذ بيدي فأسمعني كلام من على باب عثمان فسمعنا كلاما منهم من يقول: ما تنتظرون به، و منهم من يقول: انظروا عسى أن يراجع فبينا أنا و هو واقفان إذ مر طلحة بن عبيد اللّه فوقف فقال أين ابن عديس فقيل: ها هو ذا. فجائه ابن عديس فناجاه بشي ء ثم رجع ابن عديس فقال لأصحابه: لا تتركوا أحدا يدخل على هذا الرّجل و لا يخرج من عنده، قال: فقال لي عثمان: هذا ما أمر به طلحة بن عبيد اللّه، ثمّ قال عثمان: اللهم اكفني طلحة بن عبيد اللّه فانّه حمل على هؤلاء و ألّبهم و اللّه إنى لأرجو أن يكون منها صفر أو أن يسفك دمه إنّه انتهك منّي ما لا يحلّ له.

«انكار طلحة و الزبير على عثمان»

في الجمل للمفيد: لما أبى عثمان أن يخلع نفسه تولّى طلحة و الزبير حصاره و النّاس معهما على ذلك فحصروه حصرا شديدا و منعوه الماء و أنفذ إلى عليّ عليه السّلام يقول: إنّ طلحة و الزبير قد قتلاني من العطش و الموت بالسلاح أحسن، فخرج عليه السّلام معتمدا على يد المسود بن مخزمة الزهري حتّى دخل على طلحة بن عبيد اللّه و هو جالس في داره يسوى نبلا و عليه قميص هندي فلما رآه طلحة رحب به و وسع له على الوسادة، فقال له عليّ عليه السّلام إنّ عثمان قد أرسل إلىّ أنكم قد هلكتموه عطشا و أن ذلك ليس بالحسن و القتل بالسلاح أحسن و كنت قد آليت على نفسي أن لا أردّ عنه أحدا بعد أهل مصر و أنا احب أن تدخلوا عليه الماء حتّى تروا رأيكم فيه، فقال طلحة: لا و اللّه لا ننعمنه عينا و لا نتركه يأكل و لا يشرب، فقال عليّ عليه السّلام: ما كنت أظن أن اكلم أحدا من قريش فيردّني، دع ما كنت فيه يا طلحة، فقال طلحة: ما كنت أنت يا عليّ في ذلك من شي ء فقام عليّ عليه السّلام مغضبا و قال: ستعلم يا ابن الحضرمية أكون في ذلك من شي ء أم لا، ثمّ انصرف.

قال: و روي أبو حذيفة بن إسحاق بن بشير القرشي أيضا قال: حدثني يزيد ابن أبي زياد عن عبد الرّحمن بن أبي ليلى قال: و اللّه إنّي لأنظر إلى طلحة و عثمان محصور و هو على فرس أدهم و بيده الرمح يجول حول الدار و كأنّي انظر إلى بياض ما وراء الدرع.

قال: و روى أبو إسحاق قال: لما اشتدّ الحصار بعثمان عمد بنو اميّة على إخراجه ليلا إلى مكّة و عرف النّاس فجعلوا عليه حرسا و كان على الحرس طلحة ابن عبيد اللّه و هو أوّل من رمى بسهم في دار عثمان.

قال: قال: و اطلع عثمان و قد اشتدّ به الحصار و ظمأ من العطش فنادى: أيّها النّاس اسقونا شربة من الماء و أطعمونا ممّا رزقكم اللّه، فناداه الزبير بن العوّام يا نعثل لا و اللّه لا تذوقه.

قال: و روى أبو حذيفة القرشي عن الأعمش عن حبيب بن ثابت عن تغلبة بن يزيد الحماني قال: أتيت الزبير و هو عند أحجار الزيت فقلت له: يا أبا عبد اللّه قد حيل بين أهل الدار و بين الماء فنظر نحوهم و قال: «وَ حِيلَ بَيْنَهُمْ وَ بَيْنَ ما يَشْتَهُونَ كَما فُعِلَ بِأَشْياعِهِمْ مِنْ قَبْلُ إِنَّهُمْ كانُوا فِي شَكٍّ مُرِيبٍ» (سبأ: 54) فهذه الأحاديث من جملة كثيرة في هذا المعنى.

«كان عمرو بن العاص شديد التحريض و التأليب على عثمان»

روى أبو جعفر الطبري في التاريخ- ص 395 ج 3 طبع مصر 1357- أنّ عمرو بن العاص كان ممّن يحرض على عثمان و يغرى به و لقد خطب عثمان يوما في أواخر خلافته فصاح به عمرو بن العاص اتق اللّه يا عثمان فإنك قد ركبت نهابير و ركبناها معك فتب إلى اللّه نتب فناداه عثمان و إنّك ههنا يا ابن النابغة قملت و اللّه جبّتك منذ تركتك من العمل فنودى من ناحية اخرى تب إلى اللّه و نودى من اخرى مثل ذلك و أظهر التوبة يكف النّاس عنك قال: فرفع عثمان يديه مدا و استقبل القبلة فقال: اللهم اني أول تائب إليك و رجع منزله و خرج عمرو بن العاص حتى نزل منزله بفلسطين فكان يقول: و اللّه إن كنت لألقى الراعى فاحرّضه عليه. و كذا نقل تأليبه على عثمان على التفصيل و التطويل في ص 392 فراجع.

و في ص 392 منه: كان عمرو بن العاص على مصر عاملا لعثمان فعزله عن الخراج و استعمله على الصّلاة و استعمل عبد اللّه بن سعد على الخراج ثمّ جمعهما لعبد اللّه بن سعد فلما قدم عمرو بن العاص المدينة جعل يطعن على عثمان فأرسل إليه يوما عثمان خاليا به فقال: يا ابن النابغة ما أسرع ما قمل جرّبان جبّتك إنّما عهدك بالعمل عاما أوّل أتطعن عليّ و تأتيني بوجه و تذهب عني باخر و اللّه لو لا أكلة ما فعلت ذلك.

فقال عمرو: إنّ كثيرا ممّا يقول النّاس و ينقلون إلى ولاتهم باطل فاتق اللّه يا أمير المؤمنين في رعيتك، فقال عثمان: و اللّه لقد استعملتك على ظلعك و كثرة القالة فيك، فقال عمرو: قد كنت عاملا لعمر بن الخطّاب ففارقني و هو عني راض فقال عثمان: و أنا و اللّه لو آخذتك بما آخذك به عمر لاستصمت و لكنّي لنت عليك فاجترأت علىّ أما و اللّه لأنا أعز منك نفرا في الجاهلية و قبل أن ألى هذا السلطان فقال عمرو: دع عنك هذا فالحمد للّه الذي أكرمنا بمحمّد صلّى اللّه عليه و آله و هذانا به قد رأيت العاص بن وائل و رأيت أباك عفان فو اللّه للعاص كان أشرف من أبيك، فانكسر عثمان و قال: ما لنا و لذكر الجاهلية، و خرج عمرو و دخل مروان فقال: يا أمير المؤمنين و قد بلغت مبلغا يذكر عمرو بن العاص أباك فقال عثمان: دع هذا عنك من ذكر آباء الرجال ذكروا أباه.

فخرج عمرو من عند عثمان و هو محتقد عليه يأتي عليّا مرة فيؤلّبه على عثمان و يأتي الزّبير مرة فيؤلبه على عثمان و يأتي طلحة مرة فيؤلّبه على عثمان و يعترض الحاج فيخبرهم بما أحدث عثمان، فلمّا كان حصر عثمان الأوّل خرج من المدينة حتّى انتهى إلى أرض له بفلسطين يقال لها السبع فنزل في قصر له يقال له العجلان و هو يقول العجب ما يأتينا عن ابن عفان فبينا هو جالس في قصره ذلك و معه ابناه محمّد و عبد اللّه و سلامة بن روح الجذامي إذ مرّ بهم راكب فناداه عمرو من أين قدم الرّجل فقال: من المدينة قال: ما فعل الرّجل يعني عثمان، قال: تركته محصورا شديد الحصار، قال عمرو: أنا أبو عبد اللّه قد يضرط العير و المكواة في النّار فلم يبرح مجلسه ذلك حتّى مرّ به راكب آخر فناداه عمرو ما فعل الرجل يعني عثمان، قال: قتل، قال: أنا أبو عبد اللّه إذا حككت قرحة نكأتها ان كنت لأحرّض عليه حتّى أني لأحرّض عليه الراعي في غنمه في رأس الجبل.

فقال سلامة بن روح: يا معشر قريش إنّه كان بينكم و بين العرب باب وثيق فكسرتموه فما حملكم على ذلك فقال: أردنا أن نخرج الحق من حافرة الباطل و أن يكون النّاس في الحق شرعا سواء.

و كانت عند عمرو اخت عثمان لأمّه ام كلثوم بنت عقبة بن أبي معيط ففارقها حين عزله.

بيان

جربان: بضم الأوّلين و تشديد الباء و بكسرهما أيضا: جيب الجبّة و القميص و نحوهما و يقال بالفارسيّة گريبان جامه و يشبه أن يكون معربه. و قوله: قد يضرط العير و المكواة في النار، مثل يضرب للرجل يخوف الأمر فيجزع قبل وقوعه فيه و أوّل من قال ذلك عرفطة بن عرفجة الهزائي ذكر تفصيله أبو هلال العسكري في الباب الحادي و العشرين من جمهرة الأمثال و الميداني في الباب الحادي و العشرين من مجمع الأمثال فراجع.

«كلامه الاخر المخالف للأول الصريح في انه كان عبيد الدنيا»

قال المسعودي في مروج الذهب- ص 4 ج 2 طبع مصر 1346 ه- : و قد كان عمرو بن العاص انحرف عن عثمان لانحرافه و تولية مصر غيره فنزل الشام فلما اتصل به أمر عثمان و ما كان من بيعة عليّ كتب إلى معاوية يهزّه و يشير عليه بالمطالبة بدم عثمان و كان فيما كتب به إليه: ما كنت صانعا إذا قشرت من كلّ شي ء تملكه فاصنع ما أنت صانع، فبعث إليه معاوية فسارّ إليه فقال له معاوية: بايعني قال: و اللّه لا اعينك من دينى حتّى أنال من دنياك، قال: سل، قال: مصر طعمة فأجابه إلى ذلك و كتب له به كتابا و قال عمرو بن العاص في ذلك:

  • معاوى لا أعطيك ديني و لم أنلبه منك دنيا فانظرن كيف تصنع
  • فان تعطني مصرا فأربح صفقةأخذت بها شيخا يضرّ و ينفع

روى الطبري أيضا (ص 560 ج 3) انّه لما احيط بعثمان خرج عمرو بن العاص من المدينة متوجها نحو الشام و معه ابناه عبد اللّه و محمّد- إلى أن قال في كلام طويل- حتّى قدم على معاوية فوجد أهل الشام يحضّون معاوية على الطلب بدم عثمان فقال عمرو بن العاص: أنتم على الحق اطلبوا بدم الخليفة المظلوم، و معاوية لا يلتفت إلى قول عمرو فقال ابنا عمرو لعمرو: ألا ترى إلى معاوية لا يلتفت إلى قولك انصرف إلى غيره، فدخل عمرو على معاوية فقال: و اللّه لعجب لك إنّي أرفد ممّا أرفدك و أنت معرض عنّي أما و اللّه إن قاتلنا معك نطلب بدم الخليفة إن في النفس من ذلك ما فيها حيث نقاتل من تعلم سابقته و فضله و قرابته و لكنّا إنّما أردنا هذه الدنيا، فصالحه معاوية و عطف عليه. انتهى.

أقول: لا يخفى على اولى الدراية و الفطانة أن عمرو بن العاص كان بمعزل عن الحقّ و الصدق و ما كان همّه إلّا الدنيا و التقرب إلى أهلها و انّه كأضرا به ممن سمعت أسامي بعضهم لعبوا بالدين و اتخذوا كتاب اللّه سخريّا و كانوا أهل الختل و الغدر و قاموا إلى حرب ولىّ اللّه الأعظم سيّد الموحّدين عليّ أمير المؤمنين بالعداوة الواغرة في صدورهم و الضغائن الكامنة في قلوبهم حبّا للدنيا الدنيّة و بغضا لأهل اللّه و هذا هو عمرو بن العاصى قال مرّة لعثمان: فانّك قد ركبت نهابير و ركبناها معك و قال تارة لشيعة عثمان: أنتم على الحق اطلبوا بدم الخليفة المظلوم، و اخرى اظهر خبث سريرته فقال لمعاوية: نقاتل من تعلم سابقته و فضله و قرابته (يعني عليا عليه السّلام) و لكنّا إنّما اردنا هذه الدنيا.

«كلام عائشة في عثمان و انكارها عليه»

في الإمامة و السياسة و غيره من كتب السير: ان عائشة كانت أوّل من طعن على عثمان و اطمع النّاس فيه و كانت تقول: اقتلوا نعثلا فقد فجر. و تعنى من نعثل عثمان. و قال عبيد بن امّ كلاب مخاطبا إيّاها في ابيات له:

  • و أنت أمرت بقتل الإمام و قلت لنا إنّه قد فجر

و تجهّزت عائشة خارجة إلى الحج هاربة و استتبعت أخاها.

في الجمل للمفيد «ره»: و أمّا تأليب عائشة على عثمان فهي أظهر ممّا وردت به الأخبار من تأليب طلحة و الزبير عليه فمن ذلك ما رواه محمّد بن إسحاق صاحب السيرة عن مشايخه عن حكيم بن عبد اللّه قال: دخلت يوما بالمدينة إلى المسجد فاذا كفّ مرتفعة و صاحب الكفّ يقول: أيّها النّاس العهد قريب هذان نعلا رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و قميصه و كأنّي أرى ذلك القميص يلوح و أن فيكم فرعون هذه الأمّة فإذا هي عائشة، و عثمان يقول لها: اسكتي ثمّ يقول للنّاس: انها امرأة و عقلها عقل النساء فلا تصغوا إلى قولها.

قال: و روى الحسن بن سعد قال: رفعت عائشة ورقة من المصحف بين عودتين من وراء حجلها و عثمان قائم ثمّ قالت: يا عثمان أقم ما في هذا الكتاب، فقال: لتنتهينّ عمّا أنت عليه أو لأدخلن عليك حمر النّار، فقالت له عائشة: أما و اللّه لأن فعلت ذلك بنساء النّبيّ يلعنك اللّه و رسوله و هذا قميص رسول اللّه لم يتغيّر و قد غيّرت سنّته.

قال: و روى اللّيث بن أبي سليمان عن ثابت الأنصاري عن ابن أبي عامر مولى الأنصار قال: كنت في المسجد فمرّ عثمان فنادته عائشة يا غدر يا فجر أحقرت أمانتك و ضيعت رعيتك و لو لا الصلوات الخمس لمشى إليك الرّجال حتّى يذبحوك ذبح الشاة، فقال عثمان: «ضَرَبَ اللَّهُ مَثَلًا لِلَّذِينَ كَفَرُوا امْرَأَتَ نُوحٍ وَ امْرَأَتَ لُوطٍ كانَتا تَحْتَ عَبْدَيْنِ مِنْ عِبادِنا صالِحَيْنِ فَخانَتاهُما فَلَمْ يُغْنِيا عَنْهُما مِنَ اللَّهِ شَيْئاً وَ قِيلَ ادْخُلَا النَّارَ مَعَ الدَّاخِلِينَ» (التحريم: 11).

قال: و روى محمّد بن إسحاق المدائني و حذيفة قال: لما عرفت عائشة أنّ الرّجل مقتول تجهّزت إلى مكّة جاءها مروان بن الحكم و سعيد بن العاص فقالا لها: إنّا لنظن أنّ الرّجل مقتول و أنت قادرة على الدفع عنه و إن تقيمي يدفع اللّه بك عنه، قالت: ما أنا بقاعدة و قد قدمت ركابي و غريت غرائري و أوجبت الحج على نفسي فخرج من عندها مروان يقول زخرف قيس على البلاد حتّى إذا اضطربت فسمعت عائشة فقالت: أيّها المتمثل هلمّ قد سمعت ما تقول أ تراني في شكّ من صاحبك و اللّه لوددت انّه في غرارة من غرائري حتّى إذا مررت بالبحر قذفته فيه. فقال مروان: قل و اللّه تبنّيت قل و اللّه تبنّيت.

قال: قال فسارت عائشة فاستقبلها ابن عبّاس بمنزل يقال له الصلعاء و ابن عبّاس يريد المدينة فقالت يا ابن عبّاس انّك قد اوتيت عقلا و بيانا و إيّاك ان تردّ النّاس عن قتل الطاغية.

و سيأتي طائفة من الأخبار في أقوالها له و ما فعلت بعد ذلك.

«قتل عثمان»

لما حصر النّاس عثمان في داره منعوه الماء فأشرف على النّاس و قال: ألا أحد يسقينا قال المسعودي: فبلغ عليّا طلبه للماء فبعث إليه بثلاث قرب ماء فما وصل إليه ذلك حتّى خرج جماعة من موالي بني هاشم و بني اميّه و ارتفع الصوت و كثر الضجيج و أحدقوا بداره بالسلاح و طالبوه بمروان فأبى أن يخلى عنه و في النّاس بنو زهرة لأجل عبد اللّه بن مسعود لأنّه كان من أحلافها. و هذيل لأنّه كان منها و بنو مخزوم و أحلافها لعمار، و غفار و أحلافها لأجل أبي ذر، و تيم بن مرّة مع محمّد ابن أبي بكر و غير هؤلاء من خلق كثير.

قال الطبري: كان الحصر أربعين ليلة و النزول سبعين فلمّا مضت من الأربعين ثمان عشرة قدم ركبان من الوجوه فأخبروا خبر من تهيأ إليهم من الافاق: حبيب من الشام و معاوية من مصر و القعقاع من الكوفة و مجاشع من البصرة فعندها حالوا بين النّاس و بين عثمان و منعوه كلّ شي ء حتّى الماء و قد كان يدخل علىّ عليه السّلام بالشي ء ممّا يريد و طلبوا العلل فلم تطلع عليهم علّة فعثروا في داره بالحجارة ليرموا فيقولوا قوتلنا و ذلك ليلا.

فناداهم عثمان: ألا تتقون اللّه ألا تعلمون أنّ في الدار غيري قالوا: لا و اللّه ما رميناك قال: فمن رمانا قالوا: اللّه، قال: كذبتم إنّ اللّه عزّ و جلّ لو رمانا لم يخطئنا و أنتم تخطئوننا و أشرف عثمان على آل حزم و هم جيرانه فسرح ابنا لعمرو إلى علىّ بأنّهم قد منعونا الماء فإن قدرتم أن ترسلوا إلينا شيئا من الماء فافعلوا و إلى طلحة و الزبير و إلى عائشة و أزواج النّبيّ فكان أوّلهم إنجادا له عليّ و امّ حبيبة جاء عليّ عليه السّلام في الغلس فقال: يا أيّها النّاس إنّ الّذي تصنعون لا يشبه أمر المؤمنين و لا أمر الكافرين لا تقطعوا عن هذا الرّجل المادّة فان الرّوم و فارس لتأسر فتطعم و تسقى.

قال الدينوري في الإمامة و السياسة و المسعودي و الطبري: بعث عثمان إلى عليّ عليه السّلام يخبره أنّه منع من الماء و يستغيث به فبعث إليه عليّ عليه السّلام ثلاث قرب مملوءة ماء فما كادت تصل إليه فقال طلحة: ما أنت و هذا و كان بينهما في ذلك كلام شديد فبينما هم كذلك إذا أتاهم آت فقال لهم: إنّ معاوية قد بعث من الشام يزيد بن أسيد ممدّا لعثمان في أربعة آلاف من خيل الشام فاصنعوا ما أنتم صانعون و إلّا فانصرفوا.

قال المسعودي: فلمّا بلغ عليّا أنّهم يريدون قتله بعث بابنيه الحسن و الحسين و مواليه بالسلاح إلى بابه لنصرته و أمرهم أن يمنعوه منهم و بعث الزبير ابنه عبد اللّه على كره و بعث طلحة ابنه محمّدا كذلك و أكثر أبناء الصحابة أرسلهم آباؤهم اقتداء بهم فصدوهم عن الدار فاشتبك القوم و جرح الحسن و شج قنبر و جرح محمّد بن طلحة فخشى القوم أن يتعصب بنو هاشم و بنو اميّة فتركوا القوم في القتال على الباب و مضى نفر منهم إلى دار قوم من الأنصار فتسوروا عليها و كان ممّن وصل إليه محمّد بن أبي بكر و رجلان آخران و عند عثمان زوجته نائلة و أهله و مواليه مشاغيل بالقتال فصرعه محمّد و قعد على صدره و أخذ بلحيته و قال: يا نعثل ما أغنى عنك معاوية و ما اغنى عنك ابن عامر و ابن أبي سرح.

فقال له عثمان: يا ابن أخي دع عنك لحيتى فما كان أبوك ليقبض على ما قبضت عليه فقال محمّد: لو رآك أبي تعمل هذه الأعمال أنكرها عليك و ما اريد بك أشد من قبضي على لحيتك و خرج عنه إلى الدار و تركه فدعا عثمان بوضوء فتوضأ و أخذ مصحفا فوضعه في حجره ليحترم به و دخل الرجلان فوجداه فقتلاه يقال لأحدهما الموت الأسود خنق عثمان ثمّ خفقه ثمّ خرج فقال و اللّه ما رأيت شيئا قط ألين من حلقه و اللّه لقد خنقته حتّى رأيت نفسه تتردّد في جسده كنفس الجان.

قال الطبري: فدخل عليه كنانة بن بشر التجيبي فأشعره مشقصا فانتضح الدم على هذه الاية فَسَيَكْفِيكَهُمُ اللَّهُ وَ هُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ.

قال الدّينوري: لمّا أخذ مصحفا فوضعه في حجره ليحترم به دخل عليه رجل من أهل الكوفة بمشقص في يده فوجأ به منكبه ممّا يلي الترقوة فأدماه و نضح الدّم على ذلك المصحف و جاء آخر فضربه برجله و جاء آخر فوجأه بقائم سيفه فغشى عليه و محمّد بن أبي بكر لم يدخل مع هؤلاء فتصايح نساؤه و رش الماء على وجهه فأفاق، فدخل محمّد بن أبي بكر و قد أفاق فقال له: أى نعثل غيّرت و بدّلت و فعلت ثمّ دخل رجل من أهل مصر فأخذ بلحيته فنتف منها خصلة و سلّ سيفه و قال: افرجوا لي فعلاه بالسيف فتلقاه عثمان بيده فقطعها ثمّ دخل رجل آخر و هو كنانة بن بشر ابن عتاب التجيبي و معه جرز آخر من حديد فمشى إليه فقال: على أى ملّة أنت يا نعثل فقال: لست بنعثل و لكنى عثمان بن عفان و أنا على ملّة إبراهيم حنيفا و ما أنا من المشركين قال: كذبت و ضربه بالجرز على صدغه الأيسر فغسله الدّم و خرّ على وجهه و قد قيل: ان عمرو بن الحمق طعنه بسهام تسع طعنات و كان فيمن مال عليه عمير بن ضابئ البرجمي التميمي و خضخض بسيفه بطنه.

و قال الطبريّ: رفع كنانة مشاقص كانت في يده فوجأ بها في أصل اذن عثمان فمضت حتّى دخلت في حلقه ثمّ علاه بالسيف حتى قتله، و روى رواية اخرى أن كنانة ضرب جبينه و مقدم رأسه بعمود حديد فخرّ لجبينه فضربه سودان بن حمران المرادي بعد ما خرّ لجبينه فقتله.

فصرخت امرأته و قالت: قد قتل أمير المؤمنين فدخل الحسن و الحسين و من كان معهما من بني امية فوجدوه قد فاضت نفسه قال المسعودي: فبلغ ذلك عليّا و طلحة و الزبير و سعدا و غيرهم من المهاجرين و الأنصار فاسترجع القوم و دخل عليّ عليه السّلام الدار و هو كالواله الحزين فقال لابنيه: كيف قتل أمير المؤمنين و أنتما على الباب و لطم الحسن و ضرب الحسين و شتم محمّد بن طلحة و لعن عبد اللّه بن الزبير.

و قال عليّ عليه السّلام لزوجته نائلة بنت الفرافصة: من قتله و أنت كنت معه فقالت دخل إليه رجلان و قصت خبر محمّد بن أبي بكر فلم ينكر ما قالت و قال: و اللّه لقد دخلت عليه و أنا اريد قتله فلما خاطبني بما قال خرجت و لا أعلم بتخلّف الرّجلين عنّى، و اللّه ما كان لي في قتله سبب و لقد قتل و أنا لا أعلم بقتله، و كان مدّة ما حوصر عثمان في داره تسعا و اربعين يوما و قيل أكثر من ذلك.

«الموضع الذي دفن فيه عثمان»

قال أبو جعفر الطبري في التاريخ: لبث عثمان بعد ما قتل ثلاثة أيام لا يستطيعون دفنه و لم يشهد جنازته الا مروان و ثلاثة من مواليه و ابنته الخامسة فناحت ابنته و أخذ النّاس الحجارة و قالوا: نعثل نعثل و كادت ترجم. و قال ابن قتيبة: احتملوه على باب و انطلقوا مسرعين و يسمع وقع رأسه على اللّوح و ان رأسه ليقول: طق طق.

فلما وضع ليصلّى عليه جاء نفر من الأنصار يمنعونهم الصلاة عليه و منعوهم ان يدفن بالبقيع فقال بعض من حمل جنازته: ادفنوه فقد صلّى اللّه عليه و ملائكته، فقالوا: لا و اللّه لا يدفن في مقابر المسلمين ابدا فدفنوه في حائط يقال له: حش كوكب كانت اليهود تدفن فيه موتاهم فلما ظهر معاوية بن ابي سفيان على النّاس امر بهدم ذلك الحائط حتّى افضى به إلى البقيع فأمر النّاس ان يدفنوا موتاهم حول قبره حتّى اتصل ذلك بمقابر المسلمين و لم يغسل عثمان و كفن في ثيابه و دمائه و دفنوه ليلا لأنهم لا يقدرون أن يخرجوا به نهارا.

و قال في نقل آخر: إن نائلة تبعتهم بسراج استسرجته بالبقيع و صلّى عليه جبير بن مطعم و في نقل آخر صلّى عليه مروان و أرادت نائلة أن تتكلم فزبرها القوم و قالوا: إنا نخاف عليه من هؤلاء الغوغاء أن ينبشوه، فرجعت نائلة إلى منزلها.

و قال ابن قتيبة في الإمامة و السياسة: ثمّ دلوه في حفرته فدفنوه و لم يلحدوه بلبن، و حثوا عليه التراب حثوا.

و في تاريخ أبي جعفر الطبري أن حكيم بن حزام القرشي و جبير بن مطعم كلّما عليّا في دفنه و طلبا إليه أن يأذن لأهله في ذلك ففعل و أذن لهم عليّ عليه السّلام فلما سمع بذلك قعدوا له في الطريق بالحجارة و خرج به ناس يسير من أهله و هم يريدون به حائطا بالمدينة يقال له: حش كوكب كانت اليهود تدفن فيه موتاهم فلما خرج على النّاس رجموا سريره و هموا بطرحه فبلغ ذلك عليّا فأرسل إليهم يعزم عليهم ليكفن عنه ففعلوا فانطلق حتّى دفن في حش كوكب. و في نقل آخر منه: و جاء ناس من الأنصار ليمنعوا من الصلاة عليه فأرسل عليّ عليه السّلام فمنع من رجم سريره و كف الذين راموا منع الصّلاة عليه.

و كان الوليد بن عقبة بن أبي معيط أخا عثمان لأمّه فسمع اللّيلة الثانية من مقتل عثمان يندبه و هو يقول:

  • بني هاشم إيه فما كان بينناو سيف ابن أروى عندكم و حرائبه

بني هاشم ردّوا سلاح ابن اختكم

و لا تنهبوه ما تحلّ مناهبه

  • غدرتم به كيما تكونوا مكانهكما غدرت يوما بكسرى مرازبه

و هي أبيات، فأجابه عن هذا الشعر و فيما رمى به بني هاشم و نسب إليهم الفضل ابن العباس بن أبي لهب فقال:

  • فلا تسألونا سيفكم إنّ سيفكمأضيع و ألقاه لدى الروع صاحبه

سلوا أهل مصر عن سلاح ابن اختنا

فهم سلبوه سيفه و حرائبه

  • و كان ولىّ العهد بعد محمّدعلىّ و في كلّ المواطن صاحبه
  • علىّ وليّ اللّه أظهر دينه و أنت مع الأشقين فيما تحاربه
  • و أنت امرؤ من أهل صيفور مارحفما لك فينا من حميم تعاتبه
  • و قد أنزل الرّحمن أنّك فاسق فما لك في الإسلام سهم تطالبه

و قال الوليد بن عقبة بن أبي معيط المذكور أيضا يحرض أخاه عمارة بن عقبة:

  • ألا إن خير النّاس بعد ثلاثةقتيل التجيبي الذي جاء من مصر
  • فان يك ظني بابن امّي صادقاعمارة لا يطلب بذحل و لا وتر
  • يبيت و أوتار ابن عفان عندهمحيّمه بين الخورنق و القصر

فأجابه الفضل بن عباس أيضا:

  • أ تطلب ثارا لست منه و لا لهو أين ابن ذكوان الصفوريّ من عمرو
  • كما اتصلت بنت الحمار بامها و تنسى أباها إذ تسامي اولى الفخر
  • ألا إنّ خير النّاس بعد محمّدوصيّ النّبيّ المصطى عند ذى الذكر
  • و أوّل من صلّى و صنو نبيّهو أوّل من أردى الغواة لدى بدر
  • فلو رأت الأنصار ظلم ابن عمّكم لكانوا له من ظلمه حاضرى النصر
  • كفى ذاك عيبا أن يشيروا بقتلهو أن يسلموه للأحابيش من مصر

«تذكرة»

قد مضت طائفة من الأقوال في حصر عثمان و هتف النّاس باسم أمير المؤمنين عليّ عليه السّلام للخلافة و قوله عليه السّلام: ما زلت أذبّ عن عثمان حتّى اني لأستحى و غيرها فى المختار 238 من كلامه عليه السّلام في باب الخطب فراجع.

اقول: و لو لم يكن كلّما نقلنا من احداث عثمان او بعضه ممّا يوجب خلعه و البراءة منه لوجب أن يكون الصّحابة ينكر على من قصده من البلاد متظلّما ممّا فعلوه و قدموا عليه و قد علمنا ان بالمدينة المهاجرين و الأنصار و كبار الصحابة لم ينكروا ذلك و صدقوا عليه ما نسب إليه من الأحداث و لم يقبلوا ما جعله عذرا بل أسلموه و لم يدفعوا عنه بل اعانوا قاتليه و لم يمنعوا من قتله و حصره و منع الماء منه مع أنّهم متمكنون من خلاف ذلك و ذلك أقوى الدليل على ما قلناه.

«جواب القاضى عبد الجبار عن بعض ما قدمناه و اعتذاره منه»

و قد تكلف القاضي عبد الجبّار في الجواب عن بعض هذه الأمور على أن إمامه قتل مظلوما بما لا يخفى وهنها عن من كان له أدنى بصيرة في سيرة عثمان و أحداثه المخالفة لسيرة الرسول و حكم القرآن و لكنّا نذكر ما قال ثمّ نتبعه باعتراض علم الهدى له زيادة للبصيرة. قال القاضي: فأمّا قولهم إنّه كتب إلى ابن أبي سرح حيث ولى محمّد بن أبي بكر بأن يقتله و يقتل أصحابه فقد أنكر أشدّ التنكير حتّى حلف عليه و بين أن الكتاب الّذي ظهر ليس كتابه و لا الغلام غلامه و لا الراحلة راحلته و كان في جملة من خاطبه في ذلك أمير المؤمنين عليه السّلام فقبل عذره و ذلك بين لأنّ قول كلّ أحد مقبول في مثل ذلك و قد علم أنّ الكتاب قد يجوز فيه التزوير فهو بمنزلة الخير الذي يجوز فيه الكذب.

ثمّ اعتذر عن قول من يقول قد علم أن مروان هو الذي زوّر الكتاب لأنّه الذى كان يكتب عنه فهلا أقام الواجب فيه بأن قال: ليس يجب بهذا القدر أن يقطع على أنّ مروان هو الذى فعل ذلك لأنّه و إن غلب ذلك في الظن فلا يجوز أن يحكم به و قد كان القوم يسومونه تسليم مروان إليهم و ذلك ظلم لأنّ الواجب على الإمام أن يقيم الحدّ على من يستحقه أو التأديب و لا يحلّ له تسليمه من غيره فقد كان الواجب أن يثبتوا عنده ما يوجب في مروان الحدّ ليفعله به و كان إذا لم يفعل و الحال هذه يستحق التعنيف.

ثمّ ذكر أنّ الفقهاء ذكروا في كتبهم أن الأمر بالقتل لا يوجب قودا ولادية و لا حدّا فلو ثبت في مروان ما ذكروه لم يستحقّ القتل و إن استحقّ التعزير لكنّه عدل عن تعزيره لأنّه لم يثبت قال: و قد يجوز أن يكون عثمان ظنّ أن هذا الفعل فعل بعض ما يعادى مروان تقبيحا لأمره لأن ذلك يجوز كما يجوز أن يكون من فعله و لا يعلم كيف كان اجتهاده و ظنّه و بعد فان هذا الحديث من أجل ما نقموا عليه فان كان شي ء من ذلك يوجب خلع عثمان و قتله فليس إلّا ذلك و قد علمنا أن هذا الأمر لو ثبت ما كان يوجب القتل لأن الأمر بالقتل لا يوجب القتل لا سيما قبل وقوع القتل المأمور به.

قال: فيقال لهم لو ثبت ذلك على عثمان أ كان يجب قتله فلا يمكنهم إدّعاء ذلك لأنّه بخلاف الدين و لابدّ أن يقولوا: إن قتله ظلم فكذلك في حبسه في الدار و منعه من الماء فقد كان يجب أن يدفع القوم عن كل ذلك و أن يقال إن من لم يدفعهم و ينكر عليهم يكون مخطئا و في ذلك تخطئة أصحاب الرسول.

ثمّ ذكر أن مستحق القتل و الخلع لا يحل أن يمنع الطعام و الشراب و أن أمير المؤمنين عليّا عليه السّلام لم يمنع أهل الشام من الماء في صفين و قد تمكن من منعهم و أطنب في ذلك إلى أن قال: و كلّ ذلك يدلّ على كونه مظلوما و أن ذلك كان من صنيع الجهّال و أعيان الصحابة كارهون لذلك. ثمّ ذكر أن قتله لو وجب لم يجز أن يتولّاه العوام من الناس و أنّ الذين أقدموا على قتله كانوا بهذه الصفة و إذا صحّ أن قتله لم يكن لهم فمنعهم و النكير عليهم واجب.

ثمّ ذكر أنّه لم يكن منه ما يستحق القتل من ردّة أوزنا بعد إحصان أو قتل نفس و انه لو كان منه ما يوجب القتل لكان الواجب أن يتولّاه الإمام فقتله على كلّ حال منكر و انكار المنكر واجب، قال: و ليس أحد أن يقول إنه أباح قتل نفسه من حيث امتنع من دفع الظلم عنهم لأنه لم يمتنع من ذلك بل أنصفهم و نظر في حالهم و لأنّه لو لم يفعل ذلك لم يحلّ لهم قتله لأنه إنّما يحلّ قتل الظالم إذا كان على وجه الدفع.

قال: و المروي أنّهم أحرقوا بابه و هجموا عليه في منزله و بعجوه بالسيف و المشاقص فضربوا يد زوجته لما وقعت عليه و انتهبوا متاع داره و مثل هذه القتلة لا يحلّ في الكافر و المرتد فكيف يظن أنّ الصحابة لم ينكر ذلك و لم يعدّه ظلما حتّى يقال انّه مستحق من حيث لم يدفع القوم عنه ثمّ قص شيئا من قصته في تجمع القوم عليه و توسط أمير المؤمنين عليه السّلام لأمرهم و أنه بذل لهم ما أرادوه و أعتبهم و أشهد على نفسه بذلك حرفه و لم يأت به على وجهه و ذكر قصّة الكتاب الذي وجدوه بعد ذلك المتضمن لقتل القوم و ذكر أنّ أمير المؤمنين عليه السّلام واقفه على الكتاب فحلف أنه ما كتبه و لا أمر به فقال له: فمن تتّهم قال: ما أتّهم أحدا و أنّ للنّاس لحيلا و ذكر أنّ الرواية ظاهرة بقوله إن كنت أخطأت أو تعمّدت فإني تائب مستغفر قال: فكيف يجوز و الحال هذه أن تهتك فيه حرمة الإسلام و حرمة البلد الحرام.

قال: و لا شبهة أنّ القتل على وجه الغيلة حرام لا يحلّ فيمن يستحق القتل فكيف فيمن لا يستحقه و لو لا أنه كان يمنع من محاربة القوم ظنا منه بأن ذلك يؤدى إلى القتل الذريع لكثرة نصّاره و حكى أنّ الأنصار بذلت معونته و نصرته، و أنّ أمير المؤمنين عليه السّلام بعث إليه الحسن عليه السّلام فقال له: قل لأبيك فليأتني و أراد أمير المؤمنين عليه السّلام المصير إليه فمنعه من ذلك ابنه محمّد و استغاث بالنساء عليه حتى جاء الصريخ بقتل عثمان فمدّ يده إلى القبلة و قال: اللّهمّ إنّي أبرأ إليك من دم عثمان.

ثمّ قال: فإن قالوا إنّهم اعتقدوا أنه من المفسدين في الأرض و أنه داخل تحت آية المحاربين، قيل لهم فقد كان يجب أن يتولى الإمام هذا الفعل لأن ذلك يجرى مجرى الحدّ: قال: و كيف يدعى ذلك و المشهور أنّه كان يمنع من مقاتلتهم حتّى روى أنّه قال لعبيده و مواليه و قد همّوا بالقتال: من أغمد سيفه فهو حرّ و قد كان مؤثرا للنكير لذلك الأمر إلّا أنّه بما لا يؤدى إلى إراقة الدّماء و الفتنة فلذلك لم يستعن بأصحاب رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و إن كان لما اشتد الأمر أعانه من أعانه لأن عند ذلك تجب النّصرة و المعونة لا بأمره فحيث وقفت النصرة على أمره امتنعوا و توقفوا، و حيث اشتدّ الأمر كانت إعانته ممّن أدركه دون من لم يقدر و يغلب ذلك في ظنّه.

«اعتراض الشريف المرتضى علم الهدى على» «القاضى و جوابه عما تشبث به»

قال علم الهدى في الشافي بعد ما نقل قول القاضي من المغني: أمّا قوله «إنّه أنكر الكتاب المتضمن لقتل محمّد بن أبي بكر و أصحابه و حلف أنّ الكتاب ليس كتابه و لا الغلام غلامه و لا الراحلة راحلته و أنّ أمير المؤمنين عليه السّلام قبل عذره» فأوّل ما فيه أنّه حكى القصة بخلاف ما جرت عليه لأنّ جميع من روى هذه القصة ذكر أنّه اعترف بالخاتم و الغلام و الراحلة و إنّما أنكر أن يكون أمر بالكتاب لأنّه روى أنّ القوم لما ظفروا بالكتاب قدموا المدينة فجمعوا أمير المؤمنين عليه السّلام و طلحة و الزبير و سعدا و جماعة الأصحاب ثمّ فكّوا الكتاب بمحضر منهم و اخبروهم بقصة الغلام فدخلوا على عثمان و الكتاب مع أمير المؤمنين عليه السّلام فقال له: أ هذا الغلام غلامك قال: نعم، قال: و البعير بعيرك قال: نعم، قال: أ فأنت كتبت هذا الكتاب قال: لا و حلف باللّه أنّه ما كتب الكتاب و لا أمر به، فقال له: فالخاتم خاتمك فقال: نعم، قال: كيف يخرج غلامك ببعيرك بكتاب عليه خاتمك و لا تعلم به.

و في رواية اخرى أنّه لما واقفه قال له عثمان امّا الخط فخط كاتبي و اما الخاتم فعلى خاتمي، قال: فمن تتّهم قال: أتّهمك و أتّهم كاتبي، فخرج أمير المؤمنين عليه السّلام مغضبا و هو يقول: بل هو امرك و لزم داره و قعد عن توسط امره حتى جرى ما جرى في امره و اعجب الأمور قوله لأمير المؤمنين عليه السّلام إنّي أتهمك و تظاهره بذلك و تلقيه إياه في وجهه بهذا القول مع بعد أمير المؤمنين عليه السّلام عن التّهمة و الظنّة في كلّ شي ء ثمّ في امره خاصة فإنّ القوم في الدفعة الأولى ارادوا ان يعجلوا له ما اخروه حتّى قام أمير المؤمنين عليه السّلام بأمره و توسطه و اصلحه و اشار إليه بأن يقاربهم و يعتبهم حتى انصرفوا عنه و هذا فعل النصيح المشفق الحدب المتحنن و لو كان عليه السّلام و حوشى من ذلك متهما عليه لما كان للتهمة مجال عليه في امر الكتاب خاصّة لأنّ الكتاب بخطّ عدوّ اللّه و عدوّ رسوله و عدوّ أمير المؤمنين عليه السّلام مروان و في يد غلام عثمان و مختوم بخاتمه و محمول على بعيره فأى ظنّ تعلق بأمير المؤمنين عليه السّلام في هذا المكان لو لا العداوة و قلة الشكر للنعمة. و لقد قال له المصريون لما جحد ان يكون الكتاب كتابه شيئا لا زيادة عليه في باب الحجّة لأنّهم قالوا: إذا كنت ما كتبته و لا امرت به فأنت ضعيف من حيث تم عليك أن يكتب كاتبك بما يختمه بخاتمك و ينفذه بيد غلامك على بعيرك بغير أمرك و من تمّ عليه مثل ذلك لا يصلح أن يكون واليا على امور المسلمين فاختلع عن الخلافة على كلّ حال و قد كان يجب على صاحب الكتاب أن يستحيى من قوله: إنّ أمير المؤمنين عليه السّلام قبل عذره و كيف يقبل عذر من يتّهمه و يشنعه و هو له ناصح و ما قاله أمير المؤمنين بعد سماع هذا القول منه معروف.

و قوله إنّ الكتاب يجوز فيه التزوير ليس بشي ء لأنّه لا يجوز التزوير في الكتاب و الغلام و البعير و هذه الأمور إذا انضاف بعضها إلى بعض بعد فيها التزوير و قد كان يجب على كلّ حال أن يبحث عن القصّة و عمّن زوّر الكتاب و أنفذ الرسول و لا ينام عن ذلك و لا يقيم حتّى يعرف من أين دهى و كيف تمت الحيلة عليه فيحترز من مثلها و لا يغضى عن ذلك إغضاء خائف له ساتر عليه مشفق من بحثه و كشفه.

فأمّا قوله «انّه و إن غلب في الظن أن مروان كتب الكتاب فإنّ الحكم بالظن لا يجوز و تسليمه إلى القوم على ما ساموه إيّاه ظلم لأنّ الحدّ و التأديب إذا وجب عليه فالإمام يقيمه دونهم» فتعلل منه بالباطل لأنّا لا نعمل إلّا على قوله في أنّه لم يعلم أنّ مروان هو الّذي كتب الكتاب و إنّما غلب في ظنّه أما كان يستحقّ بهذا الظنّ بعض التعنيف و الزجر و التهديد أو ما كان يجب مع وقوع التهمة و قوة الأمارات في أنّه جالب للفتنة و سبب الفرقة أن يبعده عنه و يطرده عن داره و يسلبه نعمته و ما كان يخصّه به من إكرامه و ما في هذه الأمور أظهر من أن ينبّه عليه.

فأمّا قوله «إنّ الأمر بالقتل لا يوجب قودا و لا دية لا سيما قبل وقوع القتل المأمور به» فهب أن ذلك على ما قال أما يوجب على الامر بالقتل تأديبا و لا تعزيرا و لا طردا و لا إبعادا، و قوله: لم يثبت ذلك، فقد مضى ما فيه و بيّنا أنّه لم يستعمل فيه ما يجب استعماله من البحث و الكشف و تهديد المتهم و طرده و إبعاده و التبرء من التهمة بما يتبرأ به من مثلها.

فأمّا قوله: «إنّ قتله ظلم و كذلك حبسه في الدار و منعه من الماء و إن استحقّ القتل أو الخلع لا يحلّ أن يمنع الطعام و الشراب و اطنابه في ذلك، و قوله إنّ من لم يدفع عن ذلك من الصحابة يجب أن يكون مخطئا، و قوله إن قتله أيضا لو وجب لم يجز أن يتولاه العوام من النّاس» فباطل لأنّ الذين قتلوه لا ينكر أن يكونوا ما تعمدوا قتله و إنّما طالبوه بأن يخلع نفسه لما ظهر من أحداثه و يعتزل الأمر اعتزالا يتمكنون معه من إقامة غيره فلج و صمم على الامتناع و أقام على أمر واحد فقصد القوم بحصره إلى أن يلجئوه إلى خلع نفسه فاعتصم بداره و اجتمع إليه نفر من أوباش بني اميّة يدفعون عنه ثمّ يرمون من دنى من الدار فانتهى الأمر إلى القتال بتدريج ثمّ إلى القتل و لم يكن القتال و لا القتل مقصودا في الأصل و إنّما أفضى الأمر إليهما بتدريج و ترتيب و جرى ذلك مجرى ظالم غلب إنسانا على رحله و متاعه فالواجب على المغلوب أن يمانعه و يدافعه ليخلص ماله من يده و لا يقصد إلى إتلافه و لا قتله فان افضى الأمر إلى ذلك بلا قصد كان معذورا و إنما خاف القوم في التأني به و الصبر عليه إلى أن يخلع نفسه من كتبه الّتي طارت في الافاق يستنصر عليهم و يستقدم الجيوش إليه و لم يأمنوا أن يرد بعض من يدفع عنه فيؤدى ذلك إلى الفتنة الكبرى و البلية العظمى.

و أمّا منع الماء و الطعام فما فعل ذلك إلّا تضيّقا عليه ليخرج و يحوج إلى الخلع الواجب عليه و قد يستعمل في الشريعة مثل ذلك فيمن لجأ إلى الحرم من ذوى الجنايات فتعذر إقامة الحدّ عليه لمكان الحرم، على أنّ أمير المؤمنين عليه السّلام قد أنكر منع الماء و الطعام و أنفذ من مكن من حمل ذلك لأنّه قد كان في الدّار من النساء و الحرم و الصبيان من لا يحلّ منعه الطعام و الشراب و لو كان حكم المطالبة بالخلع و التجمع عليه و التظاهر فيه حكم منع الطعام و الشراب في القبح و المنكر لأنكره أمير المؤمنين عليه السّلام و منع منه كما منع من غيره فقد روى عنه عليه السّلام أنّه لما بلغه أنّ القوم قد منعوا من في الدار من الماء قال عليه السّلام لا أرى ذلك في الدّار صبيان و عيال لا أرى أن يقتل هؤلاء عطشا بجرم عثمان فصرّح بالمعنى الّذي ذكرناه و معلوم أنّ أمير المؤمنين عليه السّلام ما أنكر المطالبة بالخلع بل كان مساعدا على ذلك مشاورا فيه.

فأمّا قوله «إنّ قتل الظالم إنّما يحلّ على سبيل الدفع» فقد بيّنا أنّه لا ننكر أن يكون قتله وقع على هذا الوجه لأنّ في تمسكه بالولاية عليهم و هو لا يستحقها في حكم الظالم لهم فمدافعته واجبة.

فأمّا ما قصّة من قصة الكتاب الموجود فقد حرّفها لأنّا قد ذكرنا شرحها الذي وردت به الرواية و هو بخلاف ما ذكروه.

و أمّا قوله «إنّه قال: إن كنت أخطأت أو تعمدت فإنّي تائب إلى اللّه أستغفر» فقد أجابه القوم عن هذا فقالوا: هكذا قلت في المرّة الأولى و خطبت على المنبر بالتوبة و الاستغفار ثمّ وجدنا كتابك بما يقتضى الإصرار على أقبح ما عتبنا منه فكيف نثق بتوبتك و استغفارك.

فأمّا قوله «إنّ القتل على وجه الغيلة لا تحلّ فيمن يستحق القتل فكيف فيمن لا يستحقه» فقد بيّنا أنّه لم يكن على سبيل الغيلة و أنّه لا يمتنع أن يكون إنّما وقع على سبيل المدافعة.

فأمّا ادّعائه أنّه منع من نصرته و اقسم على عبيده في ترك القتال فقد كان ذلك لعمرى في ابتداء الأمر طلبا للسّلامة و ظنّا منه بأنّ الأمر يصلح و القوم يرجعون عما هم عليه و ما همّوا به، فلمّا اشتدّ الأمر و وقع اليأس من الرجوع و النزوع لم يمنع أحدا من نصرته و المحاربة عنه و كيف يمنع من ذلك و قد بعث إلى أمير المؤمنين عليه السّلام يستنصره و يستصرخه و الّذي يدلّ على ذلك أنّه لم يمنع في الابتداء من محاربتهم إلّا للوجه الّذي ذكرناه دون غيره أنّه لا خلاف بين أهل الرواية في أن كتبه تفرّقت في الافاق يستنصر و يستدعى الجيوش فكيف يرغب عن نصرة الحاضر من يستدعى نصرة الغائب.

فأمّا قوله: «إنّ أمير المؤمنين عليه السّلام أراد أن يأتيه حتّى منعه ابنه محمّد» فقول بعيد مما جاءت به الرّواية جدّا لأنّه لا اشكال في أمير المؤمنين عليه السّلام لما واجهه عثمان بأنّه يتهمه و يستغشه انصرف مغضبا عاملا على أنّه لا يأتيه أبدا قائلا فيه ما يستحقه من الأقوال.

فأمّا قوله في جواب سؤال من قال إنّهم اعتقدوا فيه أنّه من المفسدين في الأرض و آية المحاربين تتناوله «و قد كان يجب أن يتولّى الإمام ذلك الفعل بنفسه لأنّ ذلك يجرى مجرى الحدّ» فطريف لأنّ الإمام يتولى ما يجرى هذا المجرى إذا كان منصوبا ثابتا و لم يكن على مذهب أكثر القوم هناك إمام يقوم بالدفع عن الدين و الذبّ عن الامّة جاز أن يتولّى ذلك بنفوسها و ما رأيت أعجب من ادعاء مخالفينا أنّ أصحاب رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله كانوا كارهين لما جرى عليه و أنّهم كانوا يعتقدونه منكرا و ظلما و هذا يجرى عند من تأمله مجرى دفع الضرورة قبل النظر في الأخبار و سماع ما ورد من شرح هذه القصة لأنّه معلوم أن ما يكرهه جميع الصحابة أو أكثرهم في دار عزّهم و بحيث ينفذ أمرهم و نهيهم لا يجوز أن يتم و معلوم أن نفرا من أهل مصر لا يجوز أن يتمّ و معلوم أن نفرا من أهل مصر لا يجوز أن يقدموا المدينة و أن يغلبوا جميع المسلمين على آرائهم و يفعلوا ما يكرهونه بإمامهم بمرأى منهم و مسمع و هذا معلوم بطلانه بالبداهة و الضرورات قبل مجي ء الاثار و تصفح الأخبار و تأملها.

و قد روى الواقدي عن ابن أبي الزناد عن أبي جعفر القاري مولى بني مخزوم قال: كان المصريون الذين حصروا عثمان ستمائة عليهم عبد الرحمن بن عديس البلوى و كنانة بن بشير الكندي و عمرو بن الحمق الخزاعي، و الذين قدموا من الكوفة مأتين عليهم مالك بن الحرث الأشتر النخعي و الذين قدموا من البصرة مأئة رجل رئيسهم حكيم بن جبلة العبدي و كان أصحاب النّبيّ صلّى اللّه عليه و آله الذين خذلوه لا يرون أن الأمر يبلغ بهم إلى القتل و لعمري لو قام بعضهم فحثا التراب في وجوه اولئك لانصرفوا و هذه الرّواية تضمنت من عدد القوم الوافدين في هذا الباب اكثر ممّا تضمّنه غيرها.

و روى شعبة بن الحجاج عن سعد بن إبراهيم بن عبد الرّحمن قال: قلت له: كيف لم يمنع أصحاب رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله عن عثمان قال: إنما قتله أصحاب رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله. و روى عن أبي سعيد الخدري أنّه سئل عن مقتل عثمان هل شهده واحد من أصحاب رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله قال: نعم شهده ثمانمائة، و كيف يقال: إن القوم كانوا كارهين و هؤلاء المصريون كانوا يغدون إلى كلّ واحد منهم و يروحون و يشاورونه فيما يصنعونه، و هذا عبد الرّحمن بن عوف و هو عاقد الأمر لعثمان و جالبه إليه و مصيره في يده يقول على ما رواه الواقدي و قد ذكر له عثمان في مرضه الذي مات فيه عاجلوه قبل أن يتمادى في ملكه فبلغ عثمان ذلك فبعث إلى بئر كان يسقى منها نعم عبد الرّحمن فمنع منها و وصي عبد الرحمن أن لا يصلّى عليه عثمان فصلّى عليه الزبير أو سعد بن أبي وقاص و قد كان حلف لما تتابعت أحداثه ألّا يكلم عثمان أبدا.

و روى الواقدي قال: لما توفى أبو ذر بالرّبذة تذاكر أمير المؤمنين عليه السّلام و عبد الرّحمن فعل عثمان فقال له أمير المؤمنين عليه السّلام: هذا عملك فقال له عبد الرحمن فإذا شئت فخذ سيفك و آخذ سيفى انه خالف ما أعطاني.

فأمّا محمّد بن مسلمة فانه أرسل إليه عثمان يقول له عند قدوم المصريين في الدفعة الثانية: اردد عنّي فقال: لا و اللّه لا أكذب اللّه في سنة مرّتين، و إنّما عني بذلك أنّه كان أحد من كلّم المصريين في الدّفعة الأولى و ضمن لهم عن عثمان الرضا و في رواية الواقدي أن محمّد بن مسلمة كان يؤتى و عثمان محصور، فيقال له: عثمان مقتول فيقول: هو قتل نفسه فأمّا كلام أمير المؤمنين عليه السّلام طلحة و الزّبير و عائشة و جميع الصحابة واحدا و احدا فلو تعاطينا ذكره لطال به الشرح و من أراد أن يقف على أقوالهم مفصّلة و ما صرحوا به من خلعه و الإجلاب عليه فعليه بكتاب الواقدي فقد ذكر هو و غيره من ذلك ما لا زيادة عليه في هذا الباب.

«اعتراض القاضى عبد الجبار في المغنى على الطاعنين» «على عثمان بأحداثه»

نقل عنه الشريف المرتضى علم الهدى في الشافي انه قال: و نحن نقدم قبل الجواب عن هذه المطاعن مقدمات تبين بطلانها على الجملة ثمّ نتكلم على تفصيلها.

حكى عن أبي عليّ أن ذلك لو كان صحيحا لوجب من الوقت الذي ظهر ذلك من حاله أن يطلبوا رجلا ينصب للإمامة و أن يكون ظهور ذلك كموته لأنه لا خلاف أنه متى ظهر من الإمام ما يوجب خلعه أنّ الواجب على المسلمين إقامة إمام سواه فلمّا علمنا أن طلبهم لإقامة إمام كان بعد قتله و لم يكن من قبل و التمكن قائم فذلك من أدلّ الدلالة على بطلان ما أضافوه إليه من الأحداث.

قال: و ليس لأحد أن يقول لم يتمكّنوا من ذلك لأن المتعالم من حالهم و قد حصروه و منعوه التمكن من ذلك خصوصا و هم يدّعون أن الجميع كانوا على حول واحد في خلعه و البراءة منه. قال: و معلوم من حال هذه الأحداث أنها لم تحصل أجمع في الأيام الّتي حوصر فيها و قتل بل كانت تحصل من قبل حالا بعد حال فلو كان ذلك يوجب الخلع و البراءة لما تأخر من المسلمين الإنكار عليه و لكان كبار الصحابة المقيمين بالمدينة أولى بذلك من الواردين من البلاد لأنّ أهل العلم و الفضل بالنكير في ذلك أحقّ من غيرهم. قال: فقد كان يجب على طريقتهم أن تحصل البراءة و الخلع من أوّل يوم حدث فيه منه ما حدث و لا ينتظر حصول غيره من الأحداث لأنّه لو وجب انتظار ذلك لم ينته إلى حد إلّا و ينتظر غيره.

ثمّ ذكر أن امساكهم عن ذلك إذا تيقنوا الأحداث منه يوجب نسبة الخطاء إلى جميعهم و الضلال فلا يجوز ذلك. و قال: و لا يمكنهم أن يقولوا إن علمهم بذلك حصل في الوقت الّذي منع لأنّ في جملة الأحداث الّتي يذكرونها ما تقدّم هذه الحال بل كلّها أو جلّها تقدم هذا الوقت و إنما يمكنهم أن يتعلقوا فيما حدث في الوقت بما يذكرون من حديث الكتاب النافذ إلى ابن أبي سرح بالقتل و ما أوجب كون ذلك حدثا يوجب كون غيره حدثا فكان يجب أن يفعلوا ذلك من قبل و احتمال المتقدّم للتأويل كاحتمال المتأخر و بعد فليس يخلو من أن يدّعوا أن طلب الخلع وقع من كلّ الأمّة أو من بعضهم فإن ادّعوا ذلك في بعض الأمّة فقد علمنا أنّ الإمامة إذا ثبتت بالإجماع لم يجز إبطالها بالخلاف لأنّ الخطاء جائز على بعض الأمّة و إن ادّعوا في ذلك الإجماع لم يصحّ لأن من جملة الإجماع عثمان و من كان ينصره و لا يمكن إخراجه من الإجماع بأنه يقال إنّه كان على باطل لأنّ بالإجماع يتوصّل إلى ذلك و لما يثبت. قال: على أنّ الظاهر من حال الصحابة أنّها كانت بين فريقين امّا من ينصره فقد روى عن زيد بن ثابت أنّه قال لعثمان و من معه الأنصار ائذن لنا ننصرك. و روى مثل ذلك عن ابن عمر و أبي هريرة و المغيرة بن شعبة و الباقون يمتنعون انتظار الزوال العارض لا لأنّه لو ضيق عليهم الأمر في الدفع ما فعلوا بل المتعالم من حالهم ذلك.

ثمّ ذكر ما روى من انفاذ أمير المؤمنين الحسن و الحسين إليه و انه لما قتل لامهما على وصول القول إليه ظنّا منه بأنّهما قصرا. و ذكر أن أصحاب الحديث يروون عن النّبيّ صلّى اللّه عليه و آله أنه قال: ستكون فتنة و اختلاف و أن عثمان و أصحابه يومئذ على الهدى و ما روى عن عائشة من قولها قتل و اللّه مظلوما. قال و لا يمتنع أن يتعلق بأخبار آحاد في ذلك لأنه ليس هناك أمر ظاهر يدفعه نحو دعواهم أن جميع الصحابة كانوا عليه لأن ذلك دعوى منهم و إن كان فيه رواية فمن الاحاد و إذا تعارضت الروايات سقطت و وجب الرجوع إلى أمر ثابت و هو ما ثبت من أحواله السليمة و وجوب تولّيه.

قال: و ليس يجوز أن يعدل عن تعظيمه و صحة إمامته بامور محتملة فلا شي ء مما ذكروه إلّا و يحتمل الوجه الذى هو صحيح.

ثمّ ذكر أن للإمام أن يجتهد رأيه في الأمور المنوطة به و يعمل فيها على غالب ظنّه و قد يكون مصيبا و إن أفضت إلى عاقبة مذمومة و أكّد ذلك و أطنب فيه.

«اعتراض علم الهدى على هذه الكلمات»

اعترض عليه في الشافي بقوله: فاما ما حكاه عن أبي علي من قوله «لو كان ما ذكروه من الأحداث قادحا لوجب من الوقت الذى ظهرت فيه أن يطلبوا رجلا ينصبونه في الإمامة لأن ظهور الحدث كموته قال فلما رأيناهم طلبوا إماما بعد قتله دلّ على بطلان ما أضافوه إليه من الأحداث» فليس ذلك بشي ء معتمد لأن تلك الأحداث و إن كان مزيلة عندكم لامامته و فاسخة لها و مقتضية لأن يعقدوا لغيره الإمامة فانهم لم يقدموا على نصب غيره مع تشبثه خوفا من الفتنة و التنازع و التجاذب و أرادوا أن يخلع نفسه حتّى تزول الشبهة و ينشط من يصلح للإمامة لقبول العقد و التكفل بالأمر و ليس يجرى ذلك مجرى موته لأن موته يحسم الطمع في استمرار ولايته و لا يبقى شبهة في خلو الزمان من إمام، و ليس كذلك حدثه الّذي يسوغ فيه التأويل على بعده و يبقى معه الشبهة في استمرار أمره و ليس نقول: إنّهم لم يتمكّنوا من ذلك كما سأل نفسه بل الوجه في عدولهم ما ذكرناه من ارادتهم لحسم المواد و إزالة الشبهة و قطع أسباب الفتنة.

فأمّا قوله «إنّه معلوم من هذه الأحداث أنها لم تحصل أجمع في الأيام الّتي حصر فيها و قتل بل كانت تقع حالا بعد حال فلو كانت توجب الخلع و البراءة لما تأخّر من المسلمين الإنكار عليه و لكان المقيمون بالمدينة من الصحابة أولى بذلك من الواردين من البلاد» فلا شك أن الأحداث لم تحصل في وقت واحد إلّا أنّه غير منكر أن يكون نكيرهم إنما تأخّر لأنهم تأولوا ما ورد عليهم من أفعاله على أجمل الوجوه حتى زاد الأمر و تفاقم و بعد التأويل و تعذر التخريج لم يبق للظن الجميل طريق فحينئذ أنكروا و هذا مستمر على ما قدمنا ذكره من أن العدالة و الطريقة الجميلة تتأول في الفعل و الأفعال القليلة بحسب ما تقدم من حسن الظنّ به ثمّ ينتهى الأمر بعد ذلك إلى بعد التأويل و العمل على الظاهر القبيح.

على أن الوجه الصحيح في هذا الباب أن أهل الحقّ كانوا معتقدين لخلعه من أوّل حدث بل معتقدين لأن إمامته لم تثبت وقتا من الأوقات و إنما منعهم من اظهار ما في نفوسهم ما قدمناه من أسباب الخوف و التقيّة و لأنّ الاغترار بالرّجل كان عاما فلما تبيّن أمره حالا بعد حال و اعرضت الوجوه عنه و قل العاذلة قويت الكلمة في عزله و هذا إنّما كان في آخر الأمر دون أوّله فليس يقتضي الامساك إلى الوقت الذي وقع الكلام فيه نسبة الخطاء إلى الجميع على ما ظنّه.

فأمّا دفعه أن يكون الأمة أجمعت على خلعه باخراجه نفسه و خروج من كان في حيّزه عن القوم» فليس بشي ء لأنّه إذا ثبت أن من عداه و عدا عبيده و الرهط من فجّار أهله و فسّاقهم كمروان و من جرى مجراه كانوا مجمعين على خلعه فلا شبهة أن الحق في غير حيّزه لأنه لا يجوز أن يكون هو المصيب و جميع الأمّة مبطل و إنما يدعى أنه على الحق من تنازع في إجماع من عداه فأما مع تسليم ذلك فليس يبقى شبهة و ما نجد مخالفينا يعتبرون في باب الإجماع الشذاذ عنه و النفر القليل الخارجين منه ألا ترى أنهم لا يحلفون بخلاف سعد و ولده و أهله في بيعة أبي بكر لقلتهم و كثرة من بازائهم و كذلك لا يعتدون بخلاف من امتنع من بيعة أمير المؤمنين عليه السّلام و يجعلونه شاذا لا تأثير له فكيف فارقوا هذه الطريقة في خلع عثمان و هل هذا إلّا تقلّب و تلوّن.

فأمّا قوله «إنّ الصحابة بين فريقين اما من ينصره كزيد بن ثابت و ابن عمر و فلان و فلان و الباقون ممتنعون انتظار الزوال العارض و لأنه ما ضيق عليهم الأمر في الدفع عنه» فعجيب لأن الظاهر أن انصاره هم الذين كانوا معه في الدار يقاتلون عنه و يدفعون الهاجمين عليه فقط، فأمّا من كان في منزله ما أغنى عنه فتيلا لا يعدّ ناصرا و كيف يجوز ممن أراد نصرته و كان معتقدا لصوابه و خطاء الطالبين لخلعه أن يتوقف عن النصرة طلبا لزوال العارض و هل يراد النصرة إلّا لدفع العارض و بعد زواله لا حاجة إليها و ليس يحتاج في نصرته إلى أن يضيق هو عليهم الأمر فيها بل من كان معتقدا لها لا يحتاج حمله إلى إذنه فيها و لا يحفل بنهيه عنها لأنّ المنكر ممّا قد تقدّم أمر اللّه تعالى فيه بالنهى عنه فليس يحتاج في إنكاره إلى أمر غيره.

فأمّا زيد بن ثابت فقد روى ميله إلى عثمان فما نعنى ذلك و بازائه جميع الأنصار و المهاجرين و لميله إليه سبب معروف قد روته الرواة فانّ الواقدي قد روى في كتاب الدار أن مروان بن الحكم لما حصر عثمان الحصر الأخير جاء إلى زيد بن ثابت فاستصحبه إلى عائشة ليكلّمها في هذا الأمر فمضيا إليها و هي عازمة إلى الحجّ فكلّماها في أن تقيم و تذبّ عنه فأقبلت على زيد بن ثابت فقالت: و ما منعك يا ابن ثابت و لك الاساويف قد قطعها لك عثمان و لك كذا و كذا و أعطاك من بيت المال زها عشرة ألف دينار قال زيد: فلم أرجع عليها حرفا واحدا.

قال: و أشارت إلى مروان بالقيام فقام مروان و هو يقول متمثلا حرق قيس على البلاد حتى إذا اضطرمت أجد ما، فنادته عايشة و قد خرج من العتبة: يا ابن الحكم أعلىّ تمثل الاشعار قد و اللّه سمعت ما قلت، أ تراني في شك من صاحبك و الذي نفسي بيده لوددت أنه الان في غرارة من غرائري مخيطة عليها فألقيها في البحر الأخضر، قال زيد: فخرجنا من عندها على النّاس.

و روى الواقدي: أنّ زيد بن ثابت اجتمع عليه عصبة من الأنصار و هو يدعوهم إلى نصر عثمان فوقف عليه جبلة بن عمرو بن حية المازني فقال له جبلة: ما يمنعك يا زيد أن تذبّ عنه أعطاك عشرة ألف دينار و أعطاك حدائق من نخل ما لم ترث من أبيك مثل حديقة منها.

فأمّا ابن عمر فانّ الواقدي أيضا روى عن ابن عمر أنّه قال: و اللّه ما كان منا إلّا خاذل أو قاتل و الأمر في هذا أوضح من أن يخفى.

فأمّا ذكره إنفاذ أمير المؤمنين عليه السّلام الحسن و الحسين» فانما أنفذهما إن كان أنفذهما ليمنعان من انتهاك حريمه و تعمد قتله و منع حرمه و نسائه من الطعام و الشراب و لم ينفذهما ليمنعا من مطالبته بالخلع كيف و هو مصرّح بأنه بأحداثه مستحق للخلع و القوم الّذين سعوا في ذلك إليه كانوا يغدون و يروحون إليه و معلوم منه ضرورة أنّه كان مساعدا على خلعه و نقض أمره لا سيّما في المرّة الأخيرة.

فأمّا ادّعائه أنّه لعن قتلته فهو يعلم ما في هذا من الرّوايات المختلفة الّتي هي أظهر من هذه الرواية و إن صحّت فيجوز أن يكون محمولة على لعن من قتله متعمدا لقتله قاصدا إليه فإن ذلك لم يكن لهم.

فأمّا ادّعائه أن طلحة رجع لما ناشده عثمان يوم الدار فظاهر البطلان و غير معروف في الرواية و الظاهر المعروف أنّه لم يكن على عثمان أشدّ من طلحة يوم الدار و لا أغلظ و لو حكينا من كلامه فيه ما قد روى لافنينا قطعة كبيرة من هذا الكتاب.

و قد روى: أنّ عثمان كان يقول يوم الدار: اللهم اكفني طلحة و يكرر ذلك علما منه بأنه أشدّ القوم عليه.

و روى أن طلحة كان عليه يوم الدار درع و هو يرامي النّاس و لم ينزع عن القتال حتّى قتل الرجل.

فأمّا ادعائه من الرواية «عن النّبيّ صلّى اللّه عليه و آله أنّه ستكون فتنة و أن عثمان و أصحابه يومئذ على الهدى» فهو يعلم أن هذه الرواية الشاذة لا يكون في مقابلة المعلوم ضرورة من إجماع الأمّة على خلعه و خذله و كلام وجوه المهاجرين و الأنصار فيه و بإزاء هذه الرواية مما يملأ الطروس عن النّبيّ صلّى اللّه عليه و آله و غيره ممّا يتضمن ضدّ ما تضمنته و لو كانت هذه الرواية معروفة لكان عثمان أولى الناس بالاحتجاج بها يوم الدّار و قد احتجّ عليهم بكلّ غث و سمين، و قبل ذلك لما خوصم و طولب بأن يخلع نفسه، و لاحتجّ عنه بعض أصحابه و أنصاره و في علمنا بأن شيئا من ذلك لم يكن دلالة على أنّها مصنوعة.

فأما ما رواه عن عائشة من قولها: «قتل و اللّه مظلوما» فأقوال عايشة فيه معروفة معلومة و إخراجها قميص رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و هى تقول: هذا قميصه لم يبل و قد بليت سنته و غير ذلك ممّا لا يحصى كثرة.

فأما مدحها و ثناؤها عليه فانما كان عقيب علمها بانتقال الأمر إلى أمير المؤمنين عليه السّلام و السبب فيه معروف و قد وقفت عليه و قوبل بين كلامها فيه متقدّما و متأخرا.

فأمّا قوله: «لا يمتنع أن يتعلّق بأخبار الاحاد في ذلك لأنها في مقابلة ما يدّعونه ممّا طريقه أيضا الاحاد» فواضح البطلان لأنّ إطباق الصحابة و أهل المدينة إلّا من كان في الدّار معه على خلافه و أنهم كانوا بين مجاهد و مقاتل مبارز و بين خاذل متقاعد معلوم ضرورة لكل من سمع الأخبار و كيف يدّعى أنها من جملة الاحاد حتّى يعارض بأخبار شاذّة نادرة و هل هذا إلا مكابرة ظاهرة فأما قوله: «إنا لا نعدل عن ولايته بامور محتملة» فقد مضى الكلام في هذا المعنى و قلنا ان المحتمل هو ما لا ظاهر له و الذي يتجاذ به الأمور المختلفة فأما ما له ظاهر فلا يسمى محتملا و إن سماه بهذه التسمية فقد بينا أنّه ممّا يعدل من أجله عن الولاية و فصلنا ذلك تفصيلا بينا.

فأمّا قوله «إن للإمام أن يجتهد رأيه في الأمور المنوطة به و يكون مصيبا و إن أفضت إلى عاقبة مذمومة» فأوّل ما فيه أنّه ليس للإمام و لا غيره أن يجتهد في الأحكام و لا يجوز العمل فيها إلّا على النصوص. ثمّ إذا سلمنا الاجتهاد فلا شك أن ههنا امورا لا يسوغ فيها الاجتهاد حتّى يكون من خبرنا عنه بأنّه اجتهد فيها غير مصدق و تفصيل هذه الجملة يبين عند الكلام على ما تعاطاه من الأعذار في أحداثه.

أقول: من نظر في فعل كبار الصحابة من المهاجرين و الأنصار بعثمان أنهم حصروه أربعين ليلة و منعوه من الماء و خذلوه حتّى قتل و قد كان يمكنهم الدفع عنه على أنّهم أعانوا قاتليه بل شهد قتله ثمانمائة من أصحاب رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و تركوه بعد القتل ثلاثة أيام و لم يدفنوه حتّى قام ثلاثة نفر من بني امية فأخذوه بالليل سرقة و دفنوه لكيلا يعلم بهم أحد و دفنوه في حش كوكب مقبر يهود يدلّ على عظم أحداثه و كبر معاصيه و الحق كما قال محمّد بن مسلمة برواية الواقدي المتقدمة إن عثمان قتل نفسه، على أن خاذليه كانوا خيرا من ناصريه لأن الذين نصره كان أكثرهم فساقا كمروان بن الحكم و أضرابه و خذله المهاجرون و الأنصار، و كفى في المقام إعراض أمير المؤمنين عليّ عليه السّلام عن نصرته آخر الأمر مع قدرته على ذلك و قوله عليه السّلام اللّه قتله. على أنّه عليه السّلام نصحه و نصره غير مرة و ما أراد عثمان منه عليه السّلام نصحا و إلّا لتاب من قوادحه حقيقة و لما خدع النّاس مرة بعد مرة، و من تتبع كتب السير و التواريخ و سمع مقالات كبار الصحابة و عظماء القوم في عثمان و توبته ظاهرا من أحداثه دفعة ثمّ نقضه التوبة و فعله ما فعل دفعة اخرى درى أنّ عثمان اتخذ دين اللّه لعبا و بيت المال طعما له و لبني اميّة و أتباعه و ذوي رحمه ممّن سمعت شناعة حالهم و بشاعة أمرهم، و أنّ أجوبة القاضي عبد الجبار و اشياعه الواهية ناشئة من التّعصب، و أنّ أمير المؤمنين عليّا عليه السّلام كان معتزلا للفتنة بقتل عثمان و أنّه بعد عن منزله في المدينة لأن لا تتطرق عليه الظنون برغبته في البيعة بالأمر على النّاس و أنّ الصحابة لما كان من أمر عثمان ما كان التمسوه و بحثوا عن مكانه حتّى وجدوه فصاروا إليه و سألوه القيام بالأمّة.

و نص أبو جعفر الطبري في التاريخ انه لما حصر عثمان كان عليّ عليه السّلام بخيبر و أن معاوية و أهل البصرة اتهموا عليّا عليه السّلام بدم عثمان اتباعا لتسويلات شيطانية و أن اسناد دم عثمان إليه عليه السّلام تهمة و بهتان ليس إلّا و هذه التهمة كفران النعمة و قلّة الشكر لأنّ أمير المؤمنين عليه السّلام نصر عثمان من بدو الأمر لما استنصره غير مرة و لقد مضى قوله عليه السّلام في الكلام 238 من المختار في باب الخطب: و اللّه لقد دفعت عنه (يعني عن عثمان) حتّى خشيت أن أكون آثما، و لعمري أنّ أمير المؤمنين عليه السّلام أشار على عثمان بامور كان صلاحه فيها و لو قبلها لم يحدث عليه ما حدث فلما رأى عليه السّلام أفعاله و أقواله كما سمعت خرج من عنده مغضبا تركه مخذولا حتّى ذاق ما ذاق.

ثمّ ليعلم أن طلحة و الزبير و عائشة فيما صنعوه في أيام عثمان من أوكد أسباب ما تمّ عليه من الخلع و الحصر و سفك الدّم و الفساد و ذلك ظاهر بيّن لذوى العقول السليمة من آفة التعصب و التقليد و سيتضح أشد ايضاح في شرح الكتب الاتية.

و اعلم أنّه ليس غرضنا من ذكر أحداث عثمان و ما نقم النّاس منه إبطالا لامامته بعد ظهورها منه فان هذا البحث انما يختص بمن قال بإمامته قبل أحداثه و رجع عنها عند وقوع أحداثه و هم الخوارج و من وافقهم و أما عندنا معاشر الإماميّة لم يثبت إمامة الرّجل و أشباهه وقتا من الأوقات لما قدمنا في شرح الخطبة 237 ان الإمامة عندنا رئاسة إلهية و اللّه تعالى أعلم حيث يجعلها و أنّ الإمام يجب أن يكون منصوبا و منصوصا من اللّه تعالى و معصوما من جميع الذنوب و منزها من العيوب مطلقا و أنها عهد اللّه لا ينال الظالمين فالحريّ بنا أن نعود إلى الشرح: قول الرّضي رضى اللّه عنه: «و من كتاب له عليه السّلام إلى أهل الكوفة عند مسيره إليهم من المدينة إلى البصرة» أقول: إنّما كان مسيره عليه السّلام إلى البصرة لقتال أصحاب الجمل فيليق أن نذكر ما كان سبب ذلك القتال و علّة وقوعه في البصرة على الاجمال ليكون القاري على بصيرة. و اعلم ان النّاس بعد قتل عثمان أتوا أمير المؤمنين عليّا عليه السّلام منزله فقالوا إنّ هذا الرّجل قد قتل و لابدّ للنّاس من إمام و لا يصلح لامامة المسلمين سواك و لا نجد اليوم أحدا أحقّ بهذا الأمر منك لا أقدم سابقة و لا أقرب من رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله فقال عليه السّلام: لا حاجة لي في أمركم أنا معكم فمن اخترتم فقد رضيت به فإنّي أكون وزيرا خير من أن أكون أميرا، فاختاروا فقالوا: و اللّه ما نختار غيرك. فلمّا انصرفوا عنه عليه السّلام كلّم بعضهم بعضا فقالوا: يمضى قتل عثمان في البلاد فيسمعون بقتله و لا يسمعون أنه بويع لأحد بعده فيثور كل رجل منهم في ناحية فلا نأمن أن يكون في ذلك الفساد فلنرجع إلى عليّ عليه السّلام فلا نتركه حتّى يبايع فيطمئنّ النّاس و يسكنون.

فاختلفوا إليه عليه السّلام مرارا ثمّ أتوه في آخر ذلك فقالوا له: إنّه لا يصلح النّاس إلّا بامرة و قد طال الأمر فو اللّه ما نحن بفاعلين حتّى نبايعك فقال عليه السّلام: ففي المسجد فإن بيعتي لا تكون خفيّة و لا تكون إلّا عن رضا المسلمين، قال عبد اللّه بن عباس: فلقد كرهت أن يأتي المسجد مخافة أن يشغب عليه و أبي هو إلّا المسجد فلمّا دخل دخل المهاجرون و الأنصار فبايعوه.

أقول: و لقد مضى في الخطبة الواحدة و التسعين قوله عليه السّلام للنّاس- لما اريد على البيعة بعد قتل عثمان- : دعونى و التمسوا غيرى فإنّا مستقبلون أمرا له وجوه و ألوان لا تقوم له القلوب و لا تثبت عليه العقول و إنّ الافاق قد أغامت و المحجة قد تنكرت و اعلموا أنى إن أجبتكم ركبت بكم ما أعلم و لم اصغ إلى قول القائل و عتب العاتب و إن تركتمونى فأنا كأحدكم و لعلّي أسمعكم و أطوعكم لمن وليتموه أمركم و أنا لكم وزيرا خير لكم مني أميرا. و رواه أبو جعفر الطبري في التاريخ أيضا مسندا (ص 256 ج 3 طبع مصر 1357 ه).

«بيعة طلحة و الزبير عليا (ع) و انهما أول من بايعه (ع)»

قال الشيخ المفيد في الجمل: روي أبو إسحاق بن إبراهيم بن محمّد الثقفي عن عثمان بن أبي شيبة عن إدريس عن محمّد بن عجلان عن زيد بن أسلم قال: جاء طلحة و الزبير إلى عليّ عليه السّلام و هو متعوذ بحيطان المدينة فدخلا عليه و قالا ابسط يدك نبايعك فإنّ النّاس لا يرضون إلّا بك فقال لهما: لا حاجة لي في ذلك و أن أكون لكما وزيرا خير من أن أكون لكما أميرا فليبسط قرشى منكما يده ابايعه. فقالا إنّ النّاس لا يؤثرون غيرك و لا يعدلون عنك إلى سواك فابسط يدك نبايعك أوّل النّاس فقال: إنّ بيعتي لا تكون سرا فامهلا حتّى أخرج إلى المسجد. فقالا: بل نبايعك ههنا ثمّ نبايعك في المسجد فبايعاه أوّل النّاس ثمّ بايعه النّاس على المنبر أوّلهم طلحة بن عبيد اللّه و كانت يده شلّاء فصعد المنبر إليه فصفق على يده و رجل من بني أسد يزجر الطير قائم ينظر إليه فلما رأى أوّل يد صفقت على يد أمير المؤمنين عليه السّلام يد طلحة و هي شلّاء قال: إنّا للّه و إنّا إليه راجعون أوّل يد صفقت على يده شلّاء يوشك أن لا يتمّ هذا الأمر ثمّ نزل طلحة و الزبير و بايعه النّاس بعدهما.

قال أبو جعفر الطبري في التاريخ: لما قتل عثمان خرج علىّ عليه السّلام إلى السوق و ذلك يوم السبت لثماني عشرة ليلة خلت من ذي الحجة فاتبعه النّاس و بهشوا في وجهه فدخل حائط بنى عمرو بن مبذول و قال لأبي عمرة بن عمرو بن محصن أغلق الباب فجاء النّاس فقرعوا الباب فدخلوا فيهم طلحة و الزبير فقالا: يا عليّ ابسط يدك فبايعه طلحة و الزبير فنظر حبيب بن ذؤيب إلى طلحة حين بايع فقال: أوّل من بدأ بالبيعة يد شلّاء لا يتمّ هذا الأمر و خرج عليّ إلى المسجد فصعد المنبر و عليه إزار و طاق و عمامة خز و نعلاه في يده متوكئا على قوس فبايعه النّاس.

و قال الطبري في نقل آخر: لما اختلف النّاس إليه عليه السّلام مرارا للبيعة فقال عليه السّلام لهم: إنكم قد اختلفتم إلىّ و أتيتم و إني قائل لكم قولا إن قبلتموه قبلت أمركم و إلّا فلا حاجة لي فيه قالوا: ما قلت من شي ء قبلناه إن شاء اللّه فجاء فصعد المنبر فاجتمع النّاس إليه فقال: إنّي كنت كارها لأمركم فأبيتم إلّا أن أكون عليكم ألا و إنّه ليس لي أمر دونكم إلّا أن مفاتيح مالكم معى ألا و إنّه ليس لي أن آخذ منه درهما دونكم رضيتم قالوا: نعم، قال: اللّهمّ اشهد عليهم ثمّ بايعهم على ذلك إلّا نفيرا يسيرا كانوا عثمانيّة منهم حسان بن ثابت و كعب بن مالك و مسلمة بن مخلد و أبو سعيد الخدرى و محمّد بن مسلمة و النّعمان بن بشير و زيد ابن ثابت و رافع بن خديج و فضالة بن عبيد و كعب بن عجرة. قال: فقال رجل لعبد اللّه بن حسن كيف أبى هؤلاء بيعة عليّ عليه السّلام و كانوا عثمانية قال: أمّا حسان فكان شاعرا لا يبالي ما يصنع و أمّا زيد بن ثابت فولّاه عثمان الديوان و بيت المال فلما حصر عثمان قال: يا معشر الأنصار كونوا أنصار اللّه مرتين فقال أبو أيّوب: ما تنصره إلّا أنّه أكثر لك من العضدان، فأمّا كعب بن مالك فاستعمله على صدقة مزنية و ترك ما أخذ منهم له.

و في نقل آخر فيه: بايع النّاس عليّا عليه السّلام بالمدينة و تربص سبعة نفر فلم يبايعوه منهم سعد بن أبي وقاص و عبد اللّه بن عمر و صهيب و زيد بن ثابت و محمّد بن مسلمة و سلمة بن وقش و اسامة بن زيد و لم يتخلف أحد من الأنصار إلّا بايع.

و في الإمامة و السياسة أنّ عمّار بن ياسر استأذن عليّا عليه السّلام أن يكلم عبد اللّه ابن عمر و محمّد بن مسلمة و سعد بن أبي وقاص في بيعتهم عليّا عليه السّلام فأبوا- و بعد نقل مكالمة عمّار لكلّ واحد منهم قال- : فانصرف عمار إلى عليّ عليه السّلام فقال له علىّ عليه السّلام: دع هؤلاء الرهط امّا ابن عمر فضعيف، و امّا سعد فحسود، و ذنبى إلى محمّد ابن مسلمة انّى قتلت اخاه يوم خيبر: مرحب اليهودى.

«كلامه (ع) لما تخلف هؤلاء عن بيعته»

في الارشاد للمفيد قدّس سره: و من كلامه عليه السّلام حين تخلّف عن بيعته عبد اللّه ابن عمر بن الخطّاب و سعد بن أبى وقاص و محمّد بن مسلمة و حسان بن ثابت و اسامة ابن زيد، ما رواه الشعبى قال: لما اعتزل سعد و من سمّيناه أمير المؤمنين عليه السّلام و توقفوا عن بيعته حمد اللّه و اثنى عليه ثمّ قال: ايّها الناس إنكم بايعتمونى على ما بويع عليه من كان قبلى و إنّما الخيار للنّاس قبل أن يبايعوا فإذا بايعوا فلا خيار لهم و إنّ على الإمام الاستقامة و على الرعية التسليم و هذه بيعة عامّة من رغب عنها رغب عن دين الإسلام و اتبع غير سبيل أهله و لم تكن بيعتكم إياى فلتة و ليس أمري و أمركم واحد و إني اريدكم للّه و أنتم تريدونني لأنفسكم و أيم اللّه لأنصحن للخصم و لأنصفنّ للمظلوم و قد بلغني عن سعد و ابن مسلمة و اسامة و عبد اللّه و حسان بن ثابت امور كرهتها و الحق بيني و بينهم.

أقول: أتى بكلامه هذا الشريف الرضي في النهج. و لكن لم يفسر هو و لا أحد من الشرّاح الذين نعرفهم سببه كما فسره المفيد على أن بينهما تفاوتا في الكيف و الكم فانّه نقل هكذا: و من كلامه عليه السّلام: لم تكن بيعتكم إياى فلتة و ليس أمري و أمركم واحدا إنّي اريدكم للّه و أنتم تريدونني لأنفسكم أيها النّاس أعينوني على انفسكم و أيم اللّه لأنصفن المظلوم من ظالمه و لأقودنّ الظالم بخزامته حتّى اورده منهل الحق و إن كان كارها (الكلام 136 من باب الخطب).

و في كتاب الجمل للشيخ الأجل المفيد قدّس سرّه: انه روى أبو مخنف لوط بن يحيى عن محمّد بن عبد اللّه بن سوادة و طلحة بن الأعلم و أبي عثمان اجمع قالوا: بقيت المدينة بعد قتل عثمان خمسة أيّام و أميرها الواقض بن حرب و النّاس يلتمسون من يجيبهم لهذا الأمر فلا يجدون فيأتون المصريون عليّا عليه السّلام فيختبئ عنهم و يلوذ بحيطان المدينة فاذا لقوه يأبى عليهم.

قال: و روى إسحاق بن راشد عن الحميد بن عبد الرّحمن عن ابن أثري قال: ألا احدثك بما رأت عيناى و سمعت اذناى لما التقى النّاس عند بيت المال قال عليّ عليه السّلام لطلحة: ابسط يدك ابايعك فقال طلحة: أنت أحق بهذا الأمر منى و قد اجتمع لك من هؤلاء النّاس ما لم يجتمع لي، فقال عليّ عليه السّلام: ما خشيناك غيرك فقال طلحة: لا تخش فو اللّه لا تؤتي من قبلي، و قام عمّار بن ياسر و الهيثم بن التيهان و رفاعة بن أبي رافع و مالك بن عجلان و أبو أيّوب خالد بن زيد فقالوا لعليّ عليه السّلام إنّ هذا الأمر قد فسد و قد رأيت ما صنع عثمان و ما أتاه من خلاف الكتاب و السنّة فابسط يدك لنبايعك لتصلح من أمر الأمة ما قد فسد، فاستقال عليّ عليه السّلام و قال: قد رأيتم ما صنع بي و عرفتم رأى القوم فلا حاجة لي فيهم فاقبلوا على الأنصار و قالوا يا معشر الأنصار أنتم أنصار اللّه و أنصار رسوله و برسوله أكرمكم اللّه و قد علمتم فضل عليّ و سابقته في الإسلام و قرابته و مكانته من النّبيّ صلّى اللّه عليه و آله و إن ولي ينالكم خيرا.

فقال القوم: نحن أرضى النّاس به ما نريد به بدلا ثمّ اجتمعوا عليه و ما يزالوا به حتّى بايعوه.

و باسناده عن ابن أبي الهيثم بن التيهان قال: يا معشر الأنصار و قد عرفتم رأيى و نصيحتى و مكانى من رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و اختياره إيّاى فردّوا هذا الأمر إلى أقدمكم إسلاما و أولاكم برسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله لعلّ اللّه أن يجمع به الفتكم و يحقن به دماءكم فأجابه القوم بالسمع و الطاعة.

و روى سيف عن رجاله قال: اجتمع النّاس إلى عليّ عليه السّلام و سألوه أن ينظر في امورهم و بذلوا له البيعة فقال لهم: التمسوا غيري، فقالوا له: ننشدك اللّه أما ترى الفتنة ألا تخاف اللّه في ضياع هذه الأمة فلما ألحوا عليه قال لهم: إنّى لو أجبتكم حملتكم على ما أعلم و إن تركتموني كنت لأحدكم «كأحدكم ظ».

قالوا: قد رضينا بحلمك «بحملك ط» و ما فينا مخالف لك فاحملنا على ما تراه ثمّ بايعه الجماعة.

أقول: إنّ أمير المؤمنين عليه السّلام كره إجابة القوم على الفور و البدار لعلمه بعاقبة الأمور و إقدام القوم على الخلاف عليه و للظاهرة له و الشنان و القوم ألحّوا فيما دعوه إليه و لم يمنعهم إبائه عليه السّلام من الإجابة عن الالحاح فيما أرادوا و اذكروه باللّه عزّ و جلّ و قالوا له إنّه لا يصلح لامامة المسلمين سواك و لا نجد أحدا يقوم بهذا الأمر غيرك يصلح امور الدّين و يقوم لحياطة الاسلام و المسلمين فبايعوه عليه السّلام على السمع و الطاعة.

«أول خطبة خطبها أمير المؤمنين عليه السّلام بعد ما بويع له بالخلافة» «و اختلاف الأقوال فيه و التوفيق بينهما على التحقيق»

قال أبو جعفر الطبري في التاريخ (ص 457 ج 3 طبع مصر 1357 ه): بويع عليّ عليه السّلام يوم الجمعة لخمس بقبن من ذي الحجّة فأوّل خطبة خطبها علىّ عليه السّلام حين استخلف فيما كتب به إلىّ السرى عن شعيب عن سيف عن سليمان بن أبى المغيرة عن علىّ بن الحسين: حمد اللّه و أثنى عليه فقال: إنّ اللّه عزّ و جلّ أنزل كتابا هاديا بيّن فيه الخير و الشر فخذوا بالخير و دعوا الشرّ، الفرائض أدّوها إلى اللّه سبحانه يؤدّكم إلى الجنّة، إنّ اللّه حرم حرما غير مجهولة و فضل حرمة المسلم على الحرم كلّها و شدّ بالإخلاص و التوحيد المسلمين و المسلم من سلم النّاس من لسانه و يده إلّا بالحقّ لا يحل أذى المسلم إلّا بما يجب بادروا أمر العامة و خاصّة أحدكم الموت فإنّ النّاس أمامكم و إن ما من خلفكم الساعة تحدوكم تخففوا تلحقوا فانّما ينتظر النّاس أخراهم اتقوا اللّه عباده في عباده و بلاده إنّكم مسؤلون حتّى عن البقاع و البهائم أطيعوا اللّه عزّ و جلّ و لا تعصوه و إذا رأيتم الخير فخذوا به و إذا رأيتم الشر فدعوه و اذكروا إذ أنتم قليل مستضعفون في الأرض.

أقول: أتى بهذه الخطبة الرضي رضي اللّه عنه في النهج و بين النسختين تفاوت في بعض العبارات فارجع إلى الخطبة 166 من النهج أولها: إنّ اللّه سبحانه أنزل كتابا هاديا بيّن فيه الخير و الشر فخذوا نهج الخير تهتدوا و اصدفوا عن سمت الشرّ تقصدوا- إلى آخرها.

ثمّ الظاهر أن الخطبة 21 من النهج و هي قوله عليه السّلام «فإنّ الغاية أمامكم و إنّ ورائكم الساعة تحدوكم تخففوا تلحقوا فانما ينتظر بأولكم آخركم» الّتي جعلها الرضى خطبة بحيالها جزء من تلك الخطبة و الاختلاف بين الخطبتين في النهج في كلمة واحدة فقط لأنها في الخطبة 21 تكون «فان الغاية أمامكم» و في الخطبة 166 «فان الناس أمامكم» و إنما افرد ذلك الجزء بالذكر لأنه جمع و جازة الألفاظ و جزالة المعنى على حدّ كلّت ألسن النّاس عن أن تأتي بمثله و تتفوّه بشبهه و هو كما قال الرضي: لو وزن بعد كلام اللّه سبحانه و بعد كلام رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله بكل كلام لمال به راجحا و برز عليه سابقا، قال: فأمّا قوله عليه السّلام تخففوا تلحقوا فما سمع كلام أقل منه مسموعا و لا أكثر محصولا، إلى آخر ما قال.

ثمّ إنّ ابن قتيبة الدينوري قال في الإمامة و السياسة: و ذكروا أنّ البيعة لما تمت بالمدينة خرج عليّ عليه السّلام إلى المسجد الشريف فصعد المنبر فحمد اللّه تعالى و أثنى عليه و وعد النّاس من نفسه خيرا و تألفهم جهده ثمّ قال عليه السّلام: لا يستغنى الرجل و إن كان ذا مال و ولد عن عشيرته و دفاعهم عنه بأيديهم و ألسنتهم هم أعظم النّاس حيطة من ورائه و إليهم سعيه و أعطفهم عليه إن أصابته مصيبة أو نزل به بعض مكاره الأمور و من يقبض يده عن عشيرته فانّه يقبض عنهم يدا واحدة و تقبض عنه أيد كثيرة و من بسط يده بالمعروف ابتغاء وجه اللّه تعالى يخلف اللّه له ما أنفق في دنياه و يضاعف له في آخرته، و اعلموا أنّ لسان صدق يجعله اللّه للمرء في النّاس خير له من المال فلا يزدادنّ أحدكم كبرياء و لا عظمة في نفسه و لا يغفل أحدكم عن القرابة أن يصلها بالذي لا يزيده إن أمسكه و لا ينقصه إن أهلكه، و اعلموا أنّ الدنيا قد أدبرت و الاخرة قد أقبلت ألا و إن المضمار اليوم و السبق غدا ألا و إن السبقة الجنّة و الغاية النار ألا إنّ الأمل يسهى القلب و يكذب الوعد و يأتي بغفلة و يورث حسرة فهو غرور و صاحبه في عناء فافزعوا إلى قوام دينكم و إتمام صلاتكم و أداء زكاتكم و النّصيحة لامامكم و تعلّموا كتاب اللّه و اصدقوا الحديث عن رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و أوفوا بالعهد إذا عاهدتم و أدّوا الأمانات إذا ائتمنتم و ارغبوا في ثواب اللّه و ارهبوا عذابه و اعملوا الخير تجزوا خيرا يوم يفوز بالخير من قدم الخير.

أقول: هذه الخطبة المنقولة من الدينوري مذكورة في النهج (الخطبة 28) و نقلها المفيد في الارشاد مبتدأة من قوله عليه السّلام و اعلموا أنّ الدنيا قد أدبرت و لم يبيّنا بأنّ الخطبة خطبها عليه السّلام لما تمت البيعة له عليه السّلام كما صرّح به الدينوري مع أنّ بين النسخ اختلافا سيما بين ما في الإمامة و السياسة و بين ما في النهج و الإرشاد.

و لا يخفى أنّ ظاهر كلام الدينوري أنّ ما نقله هو أوّل خطبة خطبها بعد تمام البيعة و إن كان يمكن بالدقة أن يستفاد منه عدم كونه أوّل خطبة خطبها في خلافته عليه السّلام لكنه خلاف الظاهر من عبارته.

ثمّ إنّ المفيد قدّس سرّه قال في الجمل (ص 77 طبع النجف): قوله عليه السّلام في أوّل خطبة خطبها بعد قتل عثمان و بيعة النّاس له: قد مضت امور كنتم فيها غير محمودى الرأى أما لو أشاء لقلت و لكن عفى اللّه عما سلف سبق الرجلان و قام الثالث كالغراب همته بطنه و فرجه يا ويله لو قصّ جناحه و قطع رأسه لكان خيرا له حتّى انتهى إلى قوله- و قد أهلك اللّه فرعون و هامان و قارون، فما يتصل بهذه الخطبة إلى آخرها.

أقول: ما نقله المفيد «ره» مذكور بعضها في الخطبة 177 من النهج أولها: لا يشغله شأن و لا يغيّره زمان و لا يحويه مكان و لا يصفه لسان لا يعزب عنه عدد قطر الماء- إلى آخرها- و صرّح الشارح المحقق ابن ميثم البحراني رحمه اللّه في شرح النهج (ص 354 طبع 1276 المطبوعة بالحجر) بأنّ هذه الخطبة اعني الخطبة 177 من النهج خطب بها أمير المؤمنين عليّ عليه السّلام بعد مقتل عثمان في أوّل خلافته كما أنّه و الشارح الفاضل المعتزلي و الشريف الرضى و الطبرى و غيرهم صرّحوا بأنّ الخطبة 166 من النهج المذكورة آنفا أوّل خطبة خطبها في أول خلافته.

«التوفيق بين تلك الأقوال و وجه الجمع فيها»

فبعد الفحص و التتبع و الغور في الأخبار و السير و الأقوال و التأمّل في فحوى الخطب الموسومة من النهج حصل لنا أنّ الخطبة 21 من النهج و الخطبة 28 و الخطبة 166 و الخطبة 177 كانت جميعا خطبة واحدة خطبها عليه السّلام في أوّل خلافته و ذكر المؤلفون في كلّ موضع جزء منها فتشتت في النهج فجعل كل جزء خطبة على حدة. فلنرجع إلى ما كنّا فيه.

«الناكثان طلحة و الزبير و علة نكثهما بيعة أمير المؤمنين (ع)»

و اعلم أنّ ظاهر الفتنة بالبصرة إنما أحدثه طلحة و الزبير من نكث البيعة التي بذلاها لأمير المؤمنين عليه السّلام طوعا و اختيارا و ايثارا و خروجهما عن المدينة إلى مكة على اظهار منهما ابتغاء العمرة فلما وصلاها اجتمعا مع عائشة و عمّال عثمان الهاربين بأموال المسلمين إلى مكّة طمعا فيما احتجبوه منها و خوفا من أمير المؤمنين عليه السّلام و اتفاق رأيهم على الطلب بدم عثمان و التعلّق عليه في ذلك بانحياز قتلة عثمان و حاصريه و خاذليه من المهاجرين و الأنصار و أهل مصر و العراق و كونهم جندا له و أنصارا و اختصاصهم به في حربهم منه و مظاهرته لهم بالجميل و قوله فيهم الحسن من الكلام و ترك إنكار ما منعوه بعثمان و الأعراض عنهم في ذلك، و شبهوا بذلك على الضعفاء و اغتروا به السفهاء و أوهموهم بذلك لظلم عثمان و البراءة من شي ء يستحق به ما صنع به القوم من احصاره و خلعه و المنازعة إلى دمه فأجابهم إلى مرادهم من الفتنة من استغووه بما وصفناه و قصدوا البصرة لعلمهم أن جمهور أهلها من شيعة عثمان و أصحاب عامله ابن عمه كان بها و هو عبد اللّه بن كريز بن عامر و كان ذلك منهم ظاهرا و باطنا بخلافه كما تدلّ عليه الأخبار و يوضح عن صحة الحكم به الاعتبار، ألا ترى أن طلحة و الزبير و عائشة باجماع العلماء بالسير و الاثار هم الذين كانوا أوكد السبب لخلع عثمان و حصره و قتله و أنّ أمير المؤمنين عليه السّلام لم يزل يدفعهم عن ذلك و يلطف في منعهم عنه و يبذل الجهد في إصلاح حاله مع المنكرين عليه العائبين له بأفعاله و المحتجّين عليه بأقواله فلنذكر طائفة من الأخبار في سبب نكث طلحة و الزبير البيعة و إثارتهما فتنة الجمل.

في الامامة و السياسة للدينوري: ذكروا أنّ الزبير و طلحة أتيا عليّا عليه السّلام بعد فراغ البيعة فقالا: هل تدرى على ما بايعناك يا أمير المؤمنين قال علىّ عليه السّلام: نعم على السمع و الطاعة و على ما بايعتم عليه أبا بكر و عمر و عثمان، فقالا: لا و لكنّا بايعناك على أنا شريكاك في الأمر. قال علىّ عليه السّلام: لا، و لكنكما شريكان في القول و الاستقامة و العون على العجز و الأولاد. قال: و كان الزبير لا يشكّ في ولاية العراق و طلحة في اليمن فلما استبان لهما أنّ عليّا غير مولّيهما شيئا أظهرا الشكاة فتكلم الزبير في ملاء من قريش، فقال: هذا جزاؤنا من علىّ، قمنا له في أمر عثمان حتّى أثبتنا عليه الذنب و سببنا له القتل و هو جالس في بيته و كفى الأمر فلما نال بنا ما أراد جعل دوننا غيرنا، فقال طلحة: ما اللوم إلّا أنا كنّا ثلاثة من أهل الشورى كرهه أحدنا و بايعناه و أعطيناه ما في أيدينا و منعنا ما في يده فأصبحنا قد أخطأنا ما رجونا. قال: فانتهى قولهما إلى علىّ عليه السّلام فدعا عبد اللّه بن عبّاس و كان استوزره، فقال له: بلغك قول هذين الرجلين قال: نعم، بلغنى قولهما. قال: فما ترى قال: أرى أنّهما أحبّا الولاية فولّ البصرة الزبير و ولّ طلحة الكوفة فانهما ليسا بأقرب إليك من الوليد و ابن عامر من عثمان، فضحك علىّ عليه السّلام ثمّ قال: ويحك إنّ العراقين بهما الرجال و الأموال و متى تملكا رقاب النّاس يستميلا السفيه بالطمع و يضربا الضعيف بالبلاء و يقويا على القوى بالسلطان، و لو كنت مستعملا أحدا لضرّه و نفعه لاستعملت معاوية على الشام و لو لا ما ظهر لي من حرصهما على الولاية لكان لي فيهما رأى.

قال: ثمّ أتى طلحة و الزبير إلى عليّ عليه السّلام فقالا: يا أمير المؤمنين ائذن لنا إلى العمرة فان تقم إلى انقضائها رجعنا إليك و إن تسر نتبعك، فنظر إليهما عليّ عليه السّلام و قال: نعم، و اللّه ما العمرة تريدان و إنّما تريدان أن تمضيا إلى شأنكما فمضيا.

و قال المسعودي في مروج الذهب: انهما استأذنا عليّا عليه السّلام في العمرة فقال عليه السّلام لعلّكما تريدان البصرة و الشام فأقسما أنّهما لا يريدان غير مكّة.

أقول: و سيأتى طائفة من الأقوال و الأخبار فيهما بعيد هذا و إنّ ما يستفيد المتتبع الخبير من سبب نكث الرجلين البيعة هو يأسهما ممّا كانا يرجوان به من قتل عثمان بن عفان من البيعة لأحدهما بالامامة و اتّساق الأمر في البيعة لعلىّ بن أبي طالب ثمّ انّه عليه السّلام ما وليهما شيئا لأنّهما لم يكونا أهلا لذلك لما قد سمعت و تأكد سبب النكث بذلك.

في الجمل للمفيد: لما أيس الرجلان من نيل ما طمعا فيه من التأمر على الناس و التملّك لأمرهم و بسط اليد عليهم و وجدا الأمة لا تعدل بأمير المؤمنين عليه السّلام أحدا و عرفا رأى المهاجرين و الأنصار و من ذلك أرادا الحظوة عنده بالبدار إلى بيعته و ظنا بذلك شركائه في أمره و تحققا أنهما لا يليان معه أمرا و استقر الأمر على أمير المؤمنين عليه السّلام ببيعة المهاجرين و الأنصار و بنى هاشم و كافة النّاس إلّا من شذّ من بطانة عثمان و كانوا على خفاء لاشخاصهم مخافة على دمائهم من أهل الايمان، فصارا إلى أمير المؤمنين عليه السّلام فطلب منه طلحة ولاية العراق و طلب منه الزبير ولاية الشام فأمسك عليّ عليه السّلام عن إجابتهما في شي ء من ذلك فانصرفا و هما ساخطان و قد عرفا ما كان غلب في ظنهما قبل من رأيه فتركاه يومين أو ثلاثة أيّام ثمّ صارا إليه و استأذنا عليه فأذن لهما و كان في علية داره فصعدا إليه و جلسا عنده بين يديه و قالا يا أمير المؤمنين قد عرفت حال هذه الأزمنة و ما نحن فيه من الشدّة و قد جئناك لتدفع إلينا شيئا نصلح به أحوالنا و نقضى به حقوقا علينا.

فقال عليه السّلام قد عرفتما ما لي بينبع«» فإن شئتما كتبت لكما منه ما تيسّر.

فقالا: لا حاجة لنا في مالك بينبع فقال عليه السّلام لهما: ما أصنع فقالا له: أعطنا من بيت المال شيئا لنا فيه كفاية. فقال عليه السّلام سبحان اللّه و أىّ يدلى في بيت المال و ذلك للمسلمين و أنا خازنهم و أمين لهم، فإن شئتما رقيتما المنبر و سألتما ذلك ما شئتما فإن أذنوا فيه فعلت، و أنّى لي بذلك و هو لكافة المسلمين شاهدهم و غائبهم لكنى أبدى لكما عذرا فقالا ما كنّا بالّذي نكلفك ذلك و لو كلفناك لما أجابك المسلمون فقال لهما: فما أصنع قالا: قد سمعنا ما عندك ثمّ نزلا من العليّة و كان في أرض الدار خادمة لأمير المؤمنين عليه السّلام سمعتهما يقولان: و اللّه ما بايعنا بقلوبنا و إن كنّا بايعنا بألسنتنا، فقال أمير المؤمنين عليه السّلام: إِنَّ الَّذِينَ يُبايِعُونَكَ إِنَّما يُبايِعُونَ اللَّهَ يَدُ اللَّهِ فَوْقَ أَيْدِيهِمْ فَمَنْ نَكَثَ فَإِنَّما يَنْكُثُ عَلى نَفْسِهِ وَ مَنْ أَوْفى بِما عاهَدَ عَلَيْهُ اللَّهَ فَسَيُؤْتِيهِ أَجْراً عَظِيماً (الفتح: 11) فتركاه يومين آخرين و قد جاءهما الخبر بإظهار عائشة بمكّة ما أظهرته من كراهة أمره و كراهة من قتل عثمان و الدعاء إلى نصره و الطلب بدمه و أنّ عمّال عثمان قد هربوا من الأمصار إلى مكة بما احتجبوه من أموال المسلمين و لخوفهم من أمير المؤمنين عليه السّلام و من معه من المهاجرين و الأنصار و أنّ مروان بن الحكم ابن عم عثمان و يعلى بن منبه خليفته و عامله كان باليمن و عبد اللّه بن عامر بن كريز ابن عمه و عامله كان على البصرة و قد اجتمعوا مع عائشة و هم يدبرون الأمر في الفتنة فصارا إلى أمير المؤمنين عليه السّلام و تيمّما وقت خلوته فلما دخلا عليه قالا يا أمير المؤمنين قد جئناك نستأذنك للخروج في العمرة لأنا بعيد العهد بها ائذن لنا فيها.

فقال عليه السّلام: و اللّه ما تريدان العمرة و لكنّكما تريدان الغدرة، و إنّما تريدان البصرة. فقالا: اللّهم غفرا ما نريد إلّا العمرة. فقال عليه السّلام احلفا لى باللّه العظيم انكما لا تفسدان علىّ أمر المسلمين و لا تنكثان لي بيعة و لا تسعيان في فتنة فبذلا ألسنتهما بالأيمان المؤكّدة فيما استحلفهما عليه من ذلك.

فلما خرجا من عنده عليه السّلام لقيهما ابن عباس فقال لهما: أذن لكما أمير المؤمنين فقالا: نعم. فدخل على أمير المؤمنين فابتدأه عليه السّلام فقال: يا ابن عبّاس أ عندك الخبر قال: قد رأيت طلحة و الزبير فقال عليه السّلام انهما استأذناني في العمرة فأذنت لهما بعد أن استوثقت منهما بالأيمان أن لا يغدرا و لا ينكثا و لا يحدثا فسادا و اللّه يا ابن عبّاس و إنّي أعلم أنّهما ما قصدا إلّا الفتنة فكأني بهما و قد صارا إلى مكه ليسعيا إلى حربي فإنّ يعلى بن منبه الخائن الفاجر قد حمل أموال العراق و فارس لينفق ذلك و سيفسدان هذان الرجلان علىّ أمري و يسفكان دماء شيعتي و أنصاري.

قال عبد اللّه بن عبّاس: إذا كان ذلك عندك يا أمير المؤمنين معلوم فلم أذنت لهما و هلّا حبستهما و أوثقتهما بالحديد و كفيت المسلمين شرّهما فقال عليه السّلام: يا ابن عباس أ تأمرني بالظلم بدءا و بالسيئة قبل الحسنة و أعاقب على الظنة و التهمة و أؤاخذ بالفعل قبل كونه كلّا و اللّه لا عدلت عما أخذ اللّه علىّ من الحكم و العدل و لا ابتدأ بالفصل يا ابن عبّاس انني أذنت لهما و أعرف ما يكون منهما و لكنّي استظهرت باللّه عليهما و اللّه لأقتلنهما و لأخيبنّ ظنّهما و لا يلقيان من الأمر مناهما و أنّ اللّه يأخذهما بظلمهما لى و نكثهما بيعتي و بغيهما عليّ.

أقول: قد علمت سابقا ممّا نقلنا من الفريقين أنّ طلحة كان أوّل من رمى بسهم في دار عثمان و قال: لا ننعمنّه عينا و لا نتركه يأكل و لا يشرب، و لما حيل بين أهل دار عثمان و بين الماء فنظر الزبير نحوهم و قال و حيل بينهم و بين ما يشتهون- الاية، و غير ذلك ممّا قالوا لعثمان و فعلوا به ممّا لا حاجة إلى إعادته ثمّ دريت أنهما أوّل من بايع عليّا عليه السّلام على ما قد فصّلنا و بيّنا ثمّ نكثا بيعته بالسبب الذى ذكرناه و العجب أنهما مع ما فعلا بعثمان جعلا دم عثمان مستمسكا و نهضا إلى طلب دمه فحاربا أمير المؤمنين عليه السّلام و شيعته الموحدين المسلمين و من تأمّل حقّ التأمّل في جميع ما قدمنا علم أنّهما و أضرابهما لم يكونوا فيما صنعوه على جميل طوية في الدّين و لا نصيحة للمسلمين و أنّ الّذي أظهروه من الطلب بدم عثمان إنّما كان تشبيها و تلبيسا على العامّة و المستضعفين. نعوذ باللّه من همزات الشياطين و نسأله أن لا يجعل الدّنيا أكبر همّنا فانها رأس كلّ خطيئة و اسّها.

«خلاف عائشة على على (ع) و أطوار أحوالها و أقوالها فيه (ع) و في عثمان»

قد علمت ممّا سبق أن عائشة كانت أوّل من طعن على عثمان و أطمع النّاس فيه و كانت تقول: اقتلوا نعثلا و صرّحت بانه طاغية و أمرت بقتل عثمان و نادته بقولها يا غدر يا فجر و أرائته قميص رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و نعليه و قالت له انها لم يتغير و أنت غيرت سنته، و نهت ابن عباس عن أن يرد النّاس عن قتل الطاغية تعنى بالطاغية عثمان و غيرها ممّا نقلناها من الفريقين. هذا هو طور.

ثمّ لما قتل عثمان بن عفان خرج البغاة إلى الافاق فلمّا وصل بعضهم إلى مكّة سمعت بذلك عائشة فاستبشرت بقتله و قالت قتلته عماله إنّه أحرق كتاب اللّه و أمات سنة رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله فقتله اللّه، فقالت للناعي: و من بايع النّاس فقال لها الناعي: لم أبرح من المدينة حتّى أخذ طلحة بن عبد اللّه نعاجا لعثمان و عمل مفاتيح لأبواب بيت المال و لا شك أنّ النّاس قد بايعوه فقالت اى هذا لأصيبع وجدوك لها محسنا و بها كافيا، ثمّ قالت شدّوا رحلي فقد قضيت عمرتي لأتوجّه إلى منزلي فلما شدوا رحالها و استوت على مركبها سارت حتّى بلغت شرقاء (موضع معروف بهذا الاسم) لقيها إبراهيم بن عبيد بن امّ كلاب فقالت: ما الخبر فقال: قتل عثمان، قالت: قتل نعثل، فقالت: أخبرني عن قصّته و كيف كان أمره فقال لها: لمّا أحاط النّاس بالدار رأيت طلحة بن عبد اللّه قد غلب على الأمر و اتخذ مفاتيح على بيوت الأموال و الخزائن و تهيأ ليبايع له فلمّا قتل عثمان مال النّاس إلى عليّ بن أبي طالب و لم يعدلوا به طلحة و لا غيره و خرجوا في طلب علىّ يقدمهم الأشتر و محمّد بن أبي بكر و عمّار بن ياسر حتّى أتوا عليّا و هو في بيت سكن فيه فقالوا له بايعنا على الطاعة لك فتفكر ساعة فقال الأشتر: يا عليّ إنّ النّاس لا يعدلون بك غيرك فبايع قبل أن يختلف النّاس، قال و كان في الجماعة طلحة و الزبير فظننت أن سيكون بين طلحة و الزبير و علىّ كلام قبل ذلك، فقال الأشتر لطلحة: قم يا طلحة فبايع ثمّ قم يا زبير فبايع فما تنتظران فقاما فبايعا و أنا أرى أيديهما على يد عليّ يصفقانهما ببيعته ثمّ صعد عليّ بن أبي طالب المنبر فتكلّم بكلام لا أحفظ إلّا أنّ النّاس بايعوه يومئذ على المنبر و بايعوه من الغد فلمّا كان اليوم الثالث خرجت و لا أعلم ما جرى بعدي.

فقالت: يا أخا بني بكر أنت رأيت طلحة بايع عليّا فقلت: اى و اللّه رأيته بايعه و ما قلت إلّا رأيت طلحة و الزبير أوّل من بايعه فقالت: إنّا للّه اكره و اللّه الرّجل و غصب عليّ بن أبي طالب أمرهم و قتل خليفة اللّه مظلوما، ردّوا بغالي فرجعت إلى مكّة، قال: و سرت معها فجعلت تسألني في المسير و جعلت اخبرها ما كان فقالت لي هذا بعهدي و ما كنت أظن أنّ النّاس يعدلون عن طلحة مع بلائه يوم احد، قلت فإن كان بالبلاء فصاحبه الذى بويع ذو بلاء و عناء، فقالت يا أخا بنى بكر لا نسألك هذا غير حتّى إذا دخلت مكّة فسألك الناس ما ردّ امّ المؤمنين فقل: القيام بدم عثمان و الطلب به.

و جاءها يعلى بن منبه فقال لها: قد قتل خليفتك الذى تحرضين على قتله فقالت: برأت إلى اللّه ممّن قتله، قال: الان، ثمّ قال لها: أظهرى البراءة ثانيا من قاتله.

فخرجت عائشة إلى المسجد فابتدأت بالحجر فتسترت فيه و نادى مناديها باجتماع النّاس إليها فلمّا اجتمعوا تكلمت من وراء الستر و جعلت تتبرأ ممّن قتل عثمان و تدعو إلى نصرة عثمان و تنعاه إلى النّاس و تبكيه و تشهد أنّه قتل مظلوما و جاءها عبد اللّه بن الحضرمي عامل عثمان على مكّة فقال: قرّت عينك قتل عثمان و بلغت ما أردت من أمره، فقالت: سبحان اللّه أنا طلبت قتله إنّما كنت عاتبة عليه من شي ء أرضاني فيه قتل و اللّه من خير من عثمان بن عفان و أرضى عند اللّه و عند المسلمين و اللّه ما زال قاتله (تعنى أمير المؤمنين عليّا عليه السّلام) مؤخرا منذ بعث محمّد صلّى اللّه عليه و آله و بعد أن توفى عدل عنه النّاس على خيرة من أصحاب النّبيّ صلّى اللّه عليه و آله و لا يرونه أهلا للأمر و لكنه رجل يحب الإمرة و اللّه لا تجتمع عليه و لا على أحد من ولده إلى قيام الساعة. ثمّ قالت: معاشر المسلمين انّ عثمان قتل مظلوما و لقد قتل عثمان من اصبع عثمان خير منه و جعلت تحرّض النّاس على خلاف أمير المؤمنين و تحثّهم على نقض عهده.

قال أبو جعفر الطبري في التاريخ: إنّ عائشة لما انتهت إلى سرف راجعة في طريقها إلى مكّة لقيها عبد بن امّ كلاب«» و هو عبد بن أبي سلمة ينسب إلى امّه فقالت له مهيم قال قتلوا عثمان فمكثوا ثمانيا، قالت: ثمّ صنعوا ما ذا قال: أخذها أهل المدينة بالاجتماع فجازت بهم الأمور إلى خير مجاز اجتمعوا على عليّ بن أبي طالب فقالت: و اللّه ليت أن هذه انطبقت على هذه إن تم الأمر لصاحبك ردّوني ردّوني فانصرفت إلى مكة و هي تقول: قتل و اللّه عثمان مظلوما و اللّه لأطلبن بدمه. فقال لها ابن امّ كلاب: و لم فو اللّه إنّ أوّل من أمال حرفه لأنت و لقد كنت تقولين: اقتلوا نعثلا فقد كفر قالت: إنّهم استتابوه ثمّ قتلوه و قد قلت و قالوا و قولي الأخير خير من قولي الأول فقال لها ابن امّ كلاب:

  • منك البداء و منك الغيرو منك الرياح و منك المطر
  • و أنت أمرت بقتل الإمامو قلت لنا إنّه قد كفر
  • فهبنا أطعناك في قتلهو قاتله عندنا من أمر
  • و لم يسقط السقف من فوقناو لم ينكسف شمسنا و القمر
  • و قد بايع النّاس ذا تدر إيزيل الشبا و يقيم الصعر

و يلبس للحرب أثوابها

و ما من و في مثل من قد غدر

فانصرفت إلى مكّة فنزلت على باب المسجد فقصدت للحجر فسترت و اجتمع إليها النّاس فقالت: يا أيها النّاس إنّ عثمان قتل مظلوما و و اللّه لأطلبن بدمه.

بيان

مهيم على وزان جعفر كلمة استفهام يستفهم بها معناها ما حالك، و ما شأنك و ما حدث، و ما الخبر، و امثالها المناسبة للمقام. قولها: ليت أن هذه انطبقت على هذه. تعنى أنّ السماء انطبقت على الأرض.

ثمّ لما تجهز القوم وعبوا العسكر و خرجوا إلى البصرة لاثارة الفتنة و إنارة الحرب و كانت عائشة معهم على الجمل الأدبّ انتهوا في اللّيل إلى ماء لبني كلاب يعرف بالحوأب عليه ناس من بني كلاب فعوت كلابهم على الركب حتّى نفرت صعاب ابلها فقالت: ما اسم هذا الموضع فقال لها السائق لجملها: الحوأب فاسترجعت و ذكرت ما قيل لها في ذلك فأمسكت زمام بعيرها فقالت و إنها لكلاب الحوئب ردّوني ردّوني إلى حرم رسول اللّه لا حاجة لي في المسير فانّي سمعت رسول اللّه يقول: ليت شعري أيتكن صاحبة الجمل الأدبب التي تنبحها كلاب الحوئب فيقتل عن يمينها و يسارها قتلى كثيرة.

فقال ابن الزبير: باللّه ما هذا الحوأب و لقد غلط فيما أخبرك به و كان طلحة في ساقة النّاس فلحقها فأقسم أن ذلك ليس بالحوأب فلفقوا لها خمسين أعرابيا جعلوا لهم جعلا فحلفوا لها أن هذا ليس بماء الحوأب فسارت لوجهها. قال المسعودى في مروج الذهب، شهد مع ابن الزبير و طلحة خمسون رجلا ممّن كان معهم فكان ذلك أوّل شهادة زورا قيمت في البصرة. انتهى كلامه.

و قال الدّينوري في الإمامة و السياسة: فقال لها محمّد بن طلحة: تقدّمى رحمك اللّه و دعى هذا القول. و أتى عبد اللّه بن الزبير فحلف لها باللّه لقد خلفته أوّل اللّيل و أتاها ببيّنة زور من الأعراب فشهدوا بذلك فزعموا أنّها أوّل شهادة زور شهد بها في الإسلام.

و روى أبو جعفر الطبري في التاريخ بإسناده عن الزهري (ص 485 ج 3 طبع مصر 1357 ه) قال: بلغني أنّه لما بلغ طلحة و الزبير منزل علىّ بذي قار انصرفوا إلى البصرة فأخذوا على المنكدر فسمعت عائشة نباح الكلاب فقالت أىّ ماء هذا فقالوا الحوأب فقالت إنّا للّه و إنّا إليه راجعون إنّى لهيه قد سمعت رسول اللّه يقول و عنده نساؤه ليت شعري أيتكن تنبحها كلاب الحوأب فأرادت الرّجوع فأتاها عبد اللّه بن الزبير فزعم أنّه قال كذب من قال إنّ هذا الحوأب و لم يزل حتّى مضت.

أقول: حديث الحوأب ممّا اتفق به الفريقان و روته الخاصّة و العامّة بطرق عديدة و أسانيد كثيرة.

بيان

قال ابن الأثير في النهاية: و في الحديث أنّه صلّى اللّه عليه و آله قال لنسائه ليت شعري أيتكن صاحبة الجمل الأدبب تنبحها كلاب الحوأب، أراد الأدبّ فأظهر الإدغام لأجل الحوأب، و الأدبب: الكثير وبر الوجه. و المنقول من السيوطى في بعض تصانيفه انه قد يفك ما استحق الادغام لاتباع كلمة أخرى كحديث ايتكن صاحبة الجمل- إلخ. قولها: إنى لهيه، اللام لام الابتداء تدخل بعد انّ المكسورة و تسمى اللام المزحلفة بالقاف و الفاء و بنو تميم يقولون زحلوقة بالقاف و أهل العالية زحلوفة بالفاء سميت بذلك لأنّ أصل إن زيدا لقائم مثلا لأنّ زيدا قائم فكرهوا افتتاح الكلام بحرفين مؤكدين فزحلفوا اللام دون أن لئلا يتقدّم معمولها عليها.

و هى ضمير راجعة إلى المرأة و الها في آخره للسكت نحو قوله تعالى: وَ ما أَدْراكَ ما هِيَهْ (القارعة: 8). و نقل الحديث في الإمامة و السياسة للدّينوري هكذا: قالت سمعت رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله يقول لنسائه كأنى باحداكنّ قد نبحها كلاب الحوأب و إياك أن تكوني أنت يا حميراء- ص 63 ج 1 طبع مصر 1377 ه.

ثمّ قال أبو جعفر الطبري في التّاريخ: إنّ عائشة في فتنة الجمل ركبت جملها و كان جملها يدعى عسكرا و البسوا هودجها الأدراع و قتل يومئذ سبعون رجلا كلهم يأخذ بخطام الجمل فلمّا عقر الجمل و هزم النّاس احتمل محمّد بن أبي بكر عائشة فضرب عليها فسطاط فوقف عليّ عليه السّلام عليها فقال: استفززت النّاس و قد فزوا فألبت بينهم حتّى قتل بعضهم بعضا في كلام كثير فقالت عائشة: يا ابن أبي طالب ملكت فأسجح نعم ما أبليت قومك اليوم، فسرّحها علىّ عليه السّلام و أرسل معها جماعة من رجال و نساء و جهّزها و أمر لها باثنى عشر ألفا- إلى آخر ما قال.

ثمّ قال الفاضل الشارح المعتزلي (ص 159 ج 2 طبع طهران 1302 ه): قد تواترت الرّواية عنها باظهار الندم انّه كانت تقول ليته كان لى من رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله بنون عشرة كلّهم مثل عبد الرّحمن بن عبد الحارث بن هشام و ثكلتهم و لم يكن يوم الجمل، و أنّها كانت تقول: ليتنى مت قبل يوم الجمل، أنّها كانت إذا ذكرت ذلك اليوم تبكى حتّى تبلّ خمارها.

أقول: و ممّا ذكرنا من الفريقين من اختلاف أقوالها و أطوار أحوالها دريت أن المرأة كالرجلين طلحة و الزبير ما أظهرت من الطلب بدم عثمان إنّما كان تشبيها و تلبيسا على العامّة و المستضعفين و أنّ القوم لم يكونوا فيما صنعوه على جميل طوية في الدّين و لا نصيحة للمسلمين و علمت من فعل عائشة أنّها كانت عمدت على التوجّه إلى المدينة قبل أن تعرف ما كان من أمر المسلمين راجية بتمام الأمر بعد عثمان لطلحة و الزبير زوج اختها فلمّا صارت ببعض الطريق لقيت الناعي لعثمان فاستبشرت بنعيه له فلمّا اخبرت أنّ البيعة تمت لأمير المؤمنين ساءها ذلك و أحزنها و أظهرت الندم على ما كان منها في التأليب على عثمان فأسرعت راجعة إلى مكة حتى فعلت ما فعلت. على أن عائشة كانت تبغض عليّا عليه السّلام و إنّما أثارت الفتنة و حثت القوم عليه عليه السّلام بالعداوة و الشنان و من ذلك ما رواه كافة العلماء عنها أنها كانت تقول لم يزل بيني و بين علىّ من التباعد ما يكون بين بنت الأحماء و منهم أبو جعفر الطبرى رواه في التاريخ ج 3 ص 547 طبع مصر 1357 ه.

و من ذلك أيضا ما رواه كافة العلماء و منهم الطبري في التاريخ ص 433 ج 2 روى بإسناده عن عبيد اللّه بن عبد اللّه بن عتبة عن عائشة أنّ رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله لما مرض في مرضه الذي توفى فيه- إلى أن قالت- و هو صلّى اللّه عليه و آله في بيت ميمونة فدعا نسائه فاستأذنهنّ أن يمرّض في بيتى فأذّن له فخرج رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله بين رجلين من أهله أحدهما الفضل بن العباس و رجل آخر تخطّ قدماه صلّى اللّه عليه و آله الأرض عاصبا رأسه حتى دخل بيتي، قال أبو جعفر الطبري: قال عبيد اللّه: فحدثت هذا الحديث عنها عبد اللّه بن عبّاس فقال هل تدرى من الرّجل قلت لا، قال: عليّ بن أبي طالب عليه السّلام و لكنّها كانت لا تقدر على أن تذكره بخير و هي تستطيع.

و من ذلك ما رواه الشيخ الأجل المفيد قدّس سرّه في الجمل ص 68 طبع النجف: لما قتل أمير المؤمنين عليه السّلام جاء الناعي فنعى أهل المدينة فلما سمعت عائشة بنعيه استبشرت و قالت متمثلة:

  • فإن يك ناعيا فلقد نعاهبناع ليس في فيه التراب

فقالت لها زينب بنت أبي سلمي: العلي تقولين فتضاحكت ثمّ قالت أنسي فاذا نسيت فذكروني ثمّ خرّت ساجدة شكرا على ما بلغها من قتله و رفعت رأسها و هي تقول:

  • فألقت عصاها و استقرّ بها النوىكما قرّ عينا بالإياب المسافر

و قال (ره) هذا من الأخبار الّتي لا ريب فيها و لا مرية في صحتها لاتفاق الرواة عليها.

و من ذلك ما في الجمل أيضا و قد روى عن مسروق أنّه قال: ادخلت عليها فاستدعت غلاما باسم عبد الرحمن قالت: عبدي، قلت لها: فكيف سمّيته عبد الرحمن قالت حبا لعبد الرحمن بن ملجم قاتل عليّ.

و من ذلك الخبر المشهور الّذي رواه نقلة الاثار انّه لمّا بعث إليها أمير المؤمنين عليه السّلام بالبصرة أن ارتحلى عن هذه البلدة قالت لا أريتم مكاني هذا فقال لها أمير المؤمنين عليه السّلام أم و اللّه لترتحلين أو لأنفذن إليك نسوة من بكر بن وائل يأخذنك بشقاق حداد فقالت لرسوله ارتحل فباللّه احلف ما كان مكان أبغض إلىّ من مكان يكون هو فيه. و غيرها من الأخبار الواردة في بغضها أمير المؤمنين عليه السّلام.

«خروج عائشة و طلحة و الزبير و اتباعهم و اشياعهم» «من مكة إلى البصرة»

لمّا تمّ أمر البيعة لأمير المؤمنين عليه السّلام و أيس طلحة و الزّبير ممّا كانا يرجوان به من قتل عثمان من البيعة لأحدهما بالإمامة و تحققت عائشة تمام الأمر لأمير المؤمنين عليه السّلام و عرف عمال عثمان أنّ أمير المؤمنين عليه السّلام لا يقرّهم على ولاياتهم و انهم إن ثبتوا في أماكنهم أو صاروا إليه طالبهم الخروج ممّا في أيديهم من أموال اللّه تعالى و حذروا من عقابه على تورطهم في خيانة المسلمين عمل كلّ فريق منهم على التحرز منه و احتال في الكيد له و اجتهد في تفريق النّاس عنه فسار القوم من كلّ مكان إلى مكّة استعاذة بها و سكنوا إلى ذلك المكان و عائشة بها و طمعوا في تمام كيدهم لأمير المؤمنين للتحيز إليها و التمويه على الناس بها و جعلت عائشة تحرّض النّاس على خلاف أمير المؤمنين و تحثهم على نقض عهده و لحق إلى مكّة جماعة من منافقي قريش و صار إليها عمّال عثمان الّذين هربوا من أمير المؤمنين عليه السّلام و لحق بها عبد اللّه بن عمر بن الخطّاب و أخوه عبيد اللّه و مروان بن الحكم و أولاد عثمان و عبيده و خاصته من بني اميّة و انحازوا إليها و جعلوها الملجأ لهم فيما دبّروه من كيد أمير المؤمنين عليه السّلام.

و لمّا عرف طلحة و الزبير حال القوم عمدا على اللحاق بها و التعاضد على شقاق أمير المؤمنين فاستأذنا أمير المؤمنين في العمرة كما نقلنا آنفا و سارا إلى مكة خالعين الطاعة و ناكثين البيعة و كان ظهورهما إلى مكّة بعد قتل عثمان بأربعة أشهر فلمّا وردا إليها فيمن تبعهما من أولادهما و خاصتهما طافا بالبيت طواف العمرة و سعيا بين الصفا و المروة و بعثا إلى عائشة عبد اللّه بن الزّبير بالخروج علي أمير المؤمنين عليه السّلام.

و جعل عبد اللّه بن أبي ربيعة يحرّض النّاس على الخروج و كان قد صحب مالا جزيلا فانفقه في جهاز النّاس إلى البصرة، و كان يعلي بن منبه التميمي عاملا لعثمان على الجند فوافي الحج ذلك العام فلمّا بلغه قول ابن أبي ربيعة خرج من داره و قال: أيّها النّاس من خرج لطلب دم عثمان فعلىّ جهازه و حمل معه عشرة آلاف دينار فجعل يعطيها النّاس و اشترى أربعمائة بعير و أناخها بالبطحاء و حمل عليها الرّجال.

و لما اتصل أمير المؤمنين عليه السّلام خبر ابن أبي ربيعة و ابن منبه و ما بذلاه من المال في شقاقه و الإفساد عليه قال: و اللّه إن ظفرت بابن منبه و ابن أبي ربيعة لأجعلن أموالهما في سبيل اللّه، ثمّ قال: بلغني أن ابن منبّه بذل عشرة آلاف دينار في حربي من أين له عشرة آلاف دينار سرقها من اليمن ثمّ جاء بها لإن وجدته لأخذته بما أقرّ به.

و لمّا رأت عائشة اجتماعهم بمكّة من مخالفة أمير المؤمنين عليه السّلام تأهبت للخروج و مناديها يقول: من كان يريد المسير فليسر فإنّ امّ المؤمنين سائرة إلى البصرة تطلب بدم عثمان فلمّا تحقق عزم القوم على المسير إلى البصرة اجتمع طلحة و الزبير و عائشة و خواصّهم و قالوا نحب أن نسرع النهضة إلى البصرة فإن بها شيعة عثمان و عامله عبد اللّه بن عامر و قد عمل على استمداد الجنود من فارس و بلاد المشرق لمعونته على الطلب بدم عثمان و قد كاتبنا معاوية بن أبي سفيان أن ينفذ لنا الجنود من الشام فإن أبطينا من الخروج خفنا من أن يدهمنا على بمكّة أو في بعض الطريق فيمن يراى رأيه خوفا من أن يفرّق كلمتنا و إذا أسرعنا المسير إلى البصرة و أخرجنا عامله منها و قتلنا شيعته بها و استعنا بأمواله منها كنّا على الثقة من الظفر بابن أبي طالب و إن أقام بالمدينة سيرنا إليه جنودا حتّى نحصره فيخلع نفسه أو نقتله كما قتل عثمان و إن سار فهو كالئ و نحن حامون و هو على ظاهر البصرة و نحن بها متحصنون فلابد له إلّا أن يريح المسلمين من فتنته

«تحذير ام سلمة عائشة من الخروج و نصحها لها طورا بعد» «طور و اباء عائشة عن القبول»

قال المفيد في الجمل: روى الواقدي عن أفلح بن سعيد عن يزيد بن زياد عن عبد اللّه بن أبي رافع عن امّ سلمة زوجة النّبيّ صلّى اللّه عليه و آله قالت: كنت مقيمة بمكّة تلك السنة حتّى دخل المحرم فلم أر إلّا برسول طلحة و الزبير جاءني عنهما يقول انّ امّ المؤمنين عائشة تريد أن تخرج للطلب بدم عثمان فلو خرجت معها رجونا أن يصلح بكما فتق هذه الأمّة فأرسلت إليهما و اللّه ما بهذا امرت و لا عائشة لقد أمرنا اللّه أن نقرّ في بيوتنا لا نخرج للحرب أو للقتال مع أن أولياء عثمان غيرنا و اللّه لا يجوز لنا عفو و لا صلح و لا قصاص و ما ذاك إلّا لولد عثمان، و اخرى نقاتل عليّ ابن أبي طالب أمير المؤمنين ذا البلاء بهذا الأمر و العناء و أولى الناس بهذا الأمر و اللّه ما أنصفتما رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله في نسائه حيث تخرجوهنّ إلى العراق و تتركوا نساءكم في بيوتكم.

ثمّ قال فيه: و بلغ امّ سلمة اجتماع القوم و ما خاضوه فيه فبكت حتّى اخضل خمارها ثمّ ادنت ثيابها فلبستها و تخفرت و مشت إلى عائشة لتعظها و تصدّها عن رأيها في مظاهرة أمير المؤمنين عليه السّلام بالخلافة و تقعدها عن الخروج مع القوم فلمّا صارت إليها قالت: إنّك عدت رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله، و بين امته و حجابك مضروب على حرمته و قد جمع القرآن ذيلك فلا تندحيه و ملك خفرك فلا تضحيها اللّه اللّه من وراء هذه الأمة قد علم رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله مكانك لو أراد أن يعهد إليك فعل بل نهاك عن الفرط في البلاء و أنّ عمود الدين لا يقام بالنساء إن انثلم و لا يشعب بهنّ إن انصدع فصدع النساء غض الأطراف و حف الأعطاف و قصر الوهادة و ضم الذيول و ما كنت قائلة لو أنّ رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله عارضك ببعض الفلاة ناضه قلوصا من منهل إلى آخر أن قد هتكت صداقته و تركت عهدته أن يغير اللّه بك لهواك على رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله تردين و اللّه لو سرت سيرك هذا ثمّ قيل لي ادخلى الفردوس لاستحييت أن ألقى رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله هاتكة حجابا قد ستره علىّ اجعلي حصنك بيتك و قاعة البيت قبرك حتّى تلقينه و أنت على ذلك أطوع ما تكوني له ما لزمتيه و انظرى نبوع الدّين ما حلّت عنه.

فقالت لها عائشة: ما أعرفني بوعظك و اقبلني لنصحك و لنعم المسير مسير فزعت إليه و أنا بين سائرة و متأخرة فان انعد فمن غير حرج و إن أسير فإلى ما لابدّ من الإزياد منه.

فلمّا رأت امّ سلمة أن عائشة لا تقنع عن الخروج عادت إلى مكانها و بعثت إلى رهط من المهاجرين و الأنصار قالت لهم لقد قتل عثمان بحضرتكم و كانا هذان الرّجلان- أعني طلحة و الزبير- يشعيان عليه كما رأيتم فلمّا قضى أمره بايعا عليّا عليه السّلام و قد خرجا الان عليه زعما أن يطلبا بدم عثمان و يريدان أن يخرجا حبيسة رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله معهم و قد عهد إلى جميع نسائه عهدا واحدا أن يقرن في بيوتهنّ فإن كان مع عائشة عهد سوى ذلك تظهره و تخرجه إلينا نعرفه فاتقوا اللّه عباد اللّه فإنا نأمركم بتقوى اللّه و الاعتصام بحبله و اللّه ولي لنا و لكم، فشق كثير على طلحة و الزبير عند سماع هذا القول من امّ سلمة.

ثمّ أنفذت امّ سلمة إلى عائشة فقالت لها: قد وعظتك فلم تتعظي و قد كنت أعرف رأيك في عثمان و أنّه لو طلب منك شربة ماء لمنعتيه ثمّ أنت اليوم تقولين إنّه قتل مظلوما و تريدين أن تثيرى لقتال أولى النّاس بهذا الأمر قديما و حديثا فاتقى اللّه حقّ تقاته و لا تعرّضي لسخطه.

فأرسلت إليها عائشة أمّا ما كنت تعرفيه من رأيى في عثمان فقد كان و لا أجد مخرجا منه إلّا الطلب بدمه و أما على فاني آمره بردّ هذا الأمر شوري بين النّاس.

فانفذت إليها أمّ سلمة أما أنا فغير واعظة لك من بعد و لا مكلمة جهدي و طاقتي و اللّه إنّي لخائفة عليك البوار ثمّ النار و اللّه ليخيبن ظنك و لينصرن اللّه ابن أبي طالب على من بغي عليه و ستعرفين عاقبة ما أقول و السلام.

أقول: و قد أتى بما ذكرنا من تحذير امّ سلمة عائشة ابن قتيبة الدّينورى في الإمامة و السياسة (ص 56 ج 1 طبع مصر 1377 ه) و الفاضل الشارح المعتزلي ابن أبي الحديد في الجزء الثاني من شرحه على نهج البلاغة، و بين النسخ اختلاف في بعض الجمل في الجملة ففي الأوّل: و قد علمت أن عمود الدين لا يثبت بالنساء إن مال و لا يراب بهنّ إن انصدع، حماديات النساء غض الأبصار و ضمّ الذيول.

«خروج على (ع) إلى الربذة»

لما تأهب القوم للمسير إلى البصرة جاء عليّا عليه السّلام الخبر عن أمرهم قد توجهوا نحو العراق فدعا ابن عبّاس و محمّد بن أبي بكر و عمّار بن ياسر و سهل بن حنيف و أخبرهم بذلك فقال أشيروا علىّ بما اسمع منكم القول فيه، فقال عمّار: الرأى أن نسير إلى الكوفة فان أهلها لنا شيعة و قد انطلق هؤلاء القوم إلى البصرة، و قال ابن عبّاس: الرأي عندى يا أمير المؤمنين أن تقدم رجالا إلى الكوفة فيبايعوا لك و تكتب إلى الأشعري (يعني أبا موسى الأشعري و كان عاملا لعثمان على الكوفة) أن يبايع لك ثمّ بعده المسير حتّى نلحق بالكوفة فنعاجل القوم قبل أن يدخلوا البصرة و تكتب إلى امّ سلمة فتخرج معك فانها لك قوة.

فقال أمير المؤمنين عليه السّلام بل أنهض بنفسي و من معى في اتباع الطريق وراء القوم فان أدركتهم بالطريق أخذتهم و إن فاتوني كتبت إلى الكوفة و استمددت الجنود إلى الأمصار و سرت إليهم، و أمّا امّ سلمة فاني لا أرى إخراجها من بيتها كما رأى الرجلان إخراج عائشة.

ثمّ نادى أمير المؤمنين عليه السّلام في النّاس: تجهزوا للمسير فان طلحة و الزبير قد نكثا البيعة و نقضا العهد و أخرجا عائشة من بيتها يريدان البصرة لاثارة الفتنة و سفك دماء أهل القبلة، ثمّ رفع يديه إلى السماء فقال: اللّهم إنّ هذين الرجلين قد بغيا عليّ و نكثا عهدي و نقضا عهدى و شقياني بغير حقّ سومها ذلك اللّهمّ خذهما بظلمهما و اظفرني بهما و انصرني عليهما ثمّ خرج في سبعمائة رجل من المهاجرين و الأنصار و استخلف على المدينة تمام بن عبّاس و بعث قثم بن عبّاس إلى مكّة و لما رأى عليه السّلام التوجه إلى القوم ركب جملا أحمر و هو يقول:

  • سيروا مبلّين و حثّوا السيرافي طلحة التميمي و الزبيرا

إذ جلبا شرا و عافا خيرا

يا رب أدخلهم غدا سعيرا

و سار مجدا في السير حتّى بلغ الربذة بين الكوفة و مكة من طريق الجادّة فوجد القوم قد فاتوا فنزل بها فأقام بها أياما فكتب إلى أهل الكوفة:

«كتاب على (ع) إلى أهل الكوفة من الربذة» «و خطبته التي خطب بها الناس في الربذة»

قال أبو جعفر الطبري في التاريخ (ص 493 طبع مصر 1357 ه): حدّثني عمر قال: حدثنا أبو الحسن عن بشير بن عاصم، عن محمّد بن عبد الرّحمان بن أبي ليلى عن أبيه قال كتب عليّ عليه السّلام إلى أهل الكوفة: بسم اللّه الرّحمن الرّحيم أمّا بعد فإنّي اخترتكم و النزول بين أظهركم لما أعرف من مودتكم و حبّكم للّه عزّ و جلّ و لرسوله صلّى اللّه عليه و آله فمن جاءني و نصرني فقد أجاب الحقّ و قضى الّذي عليه.

أقول: كتابه هذا ليس بمذكور في النهج و نقله الطبرى على وجه آخر أيضا قال (ص 394 ج 3): كتب إلى السرى، عن شعيب، عن سيف، عن محمّد و طلحة قال: لما قدم علىّ عليه السّلام الربذة أقام بها و سرح منها إلى الكوفة محمّد بن أبي بكر و محمّد ابن جعفر و كتب إليهم إنّي اخترتكم على الأمصار و فزعت إليكم لما حدث فكونوا لدين اللّه أعوانا و أنصارا و أيدونا و انهضوا إلينا فالإصلاح ما نريد لتعود الأمّة إخوانا و من أحبّ ذلك و آثره فقد أحبّ الحقّ و آثره و من أبغض ذلك فقد أبغض الحقّ و غمصه.

قال: فمضى الرجلان و بقى عليّ عليه السّلام بالربذة يتهيأ و أرسل إلى المدينة فلحقه ما أراد من دابة و سلاح و أمر أمره و قام في النّاس فخطبهم و قال: إنّ اللّه عزّ و جلّ أعزّنا بالإسلام و رفعنا به و جعلنا به إخوانا بعد ذلة و قلة و تباغض و تباعد فجرى النّاس على ذلك ما شاء لينزع بين هذه الأمّة ألا إنّ هذه الأمّة لابد مفترقة كما افترقت الأمم قبلهم فنعوذ باللّه من شرّ ما هو كائن ثمّ عاد ثانية فقال: إنّه لابدّ ممّا كائن أن يكون ألا و إن هذه الأمّة ستفترق على ثلاث و سبعين فرقة شرّها فرقة تنتحلني و لا تعمل بعملي فقد أدركتم و رأيتم فالزموا دينكم و اهدوا بهدى نبيّكم صلّى اللّه عليه و آله و اتبعوا سنته و أعرضوا ما أشكل عليكم على القرآن فما عرفه القرآن فالزموه و ما أنكره فردّوه و ارضوا باللّه جلّ و عزّ ربّا و بالإسلام دينا و بمحمّد صلّى اللّه عليه و آله نبيّا و بالقرآن حكما و إماما.

أقول: ذلك الكتاب و هذه الخطبة أيضا ليسا بمذكورين في النهج- ثمّ لا يخفى على المتضلّع في الايات القرآنيّة أن هذه الخطبة يبين لنا بطنا من بطون القرآن بل يظهر لنا سرا من أسرار القدر بأن هذه الأمّة لابد مفترقة كما افترقت الأمم قبلهم فلعلّ هذا ما يشير إليه بعض الاى القرآني يأتي هذه الأمّة مثل الّذين خلوا من قبلها.

ثمّ قال الطبرى: إنّه عليه السّلام بعث محمّد بن أبي بكر إلى الكوفة و محمّد بن عون فجاء النّاس إلى أبي موسى يستشيرونه في الخروج فقال أبو موسى: أمّا سبيل الاخرة فأن تقيموا، و أمّا سبيل الدنيا فأن تخرجوا و أنتم أعلم، و بلغ المحمّدين قول أبي موسى فبايناه و أغلظا له فقال: أما و اللّه إنّ بيعة عثمان في عنقي و عنق صاحبكما الّذي أرسلكما إن أردنا أن نقاتل لا نقاتل حتّى لا يبقى أحد من قتلة عثمان إلّا قتل حيث كان.

فانطلقا إلى عليّ عليه السّلام فوافياه بذي قار و أخبراه الخبر و قد خرج مع الأشتر و قد كان يعجل إلى الكوفة فقال عليّ عليه السّلام: يا أشتر أنت صاحبنا في أبي موسى و المعترض في كلّ شي ء اذهب أنت و عبد اللّه بن عبّاس فاصلح ما أفسدت فخرج عبد اللّه بن عبّاس و معه الأشتر فقدما الكوفة و كلّما أبا موسى و استعانا عليه باناس من الكوفة فقال للكوفيين: أنا صاحبكم يوم الجرعة و أنا صاحبكم اليوم فجمع الناس و خطبهم و استنفرهم إلى أمير المؤمنين عليه السّلام

«نزول أمير المؤمنين عليه السّلام ذا قار و كتابه إلى» «أبى موسى عبد اللّه بن قيس الأشعرى»

ثمّ سار عليّ عليه السّلام بمن معه حتّى نزل بذي قار ثمّ دعا عليه السّلام هاشم بن عتبة المرقال و كتب معه كتابا إلى أبي موسى الأشعري و كان بالكوفة من قبل عثمان أن يوصل الكتاب إليه ليستنفر الناس منها إلى الجهاد معه و كان مضمون الكتاب: بسم اللّه الرّحمن الرّحيم من علىّ أمير المؤمنين إلى عبد اللّه بن قيس أمّا بعد فإني أرسلت إليك هاشم بن عتبة المرقال لتشخص معه من قبلك من المسلمين ليتوجهوا إلى قوم نكثوا بيعتي و قتلوا شيعتي و أحدثوا في هذه الأمّة الحدث العظيم فاشخص النّاس إلىّ معه حين يقدم بالكتاب عليك فلا تحبسه فإني لم أقرك في المصر الّذي أنت فيه إلّا أن تكون من أعواني و أنصاري على هذا الأمر و السلام.

فقدم هاشم بالكتاب على أبى موسى فدعى أبو موسى السائب بن مالك الأشعرى فأقرأه الكتاب، و قال له: ما ترى فقال له السائب: اتبع ما كتب به إليك، فأبى أبو موسى ذلك و كسر الكتاب و محاه و بعث إلى هاشم بن عتبة يخوفه و يتوعده بالسجن فقال السائب بن مالك: فأتيت هاشما فأخبرته بأمر أبي موسى.

فكتب هاشم إلى أمير المؤمنين عليه السّلام أمّا بعد يا أمير المؤمنين فإني قدمت بكتابك على امرء شاق عاق بعيد الرحم ظاهر الغل و الشقاق و قد بعثت إليك بهذا الكتاب مع المغل بن خليفة أخي ظني و هو من شيعتك و أنصارك و عنده علم ما قبلنا فاسأله عما بدا لك و اكتب إليّ برأيك أتبعه و السلام.

فلمّا قدم الكتاب إلىّ عليّ عليه السّلام و قرأه دعا الحسن ابنه و عمّار بن ياسر و قيس بن سعد و بعثهم إلى أبي موسى و كتب معهم.

«كتاب على عليه السّلام إلى أبى موسى الأشعرى ثانيا»

من عبد اللّه علىّ أمير المؤمنين إلى عبد اللّه بن قيس أما بعد يا ابن الحائك«»

و اللّه إنّي كنت لا أرى بعدك من هذا الأمر الّذي لم يجعلك اللّه له أهلا و لا جعل لك فيه نصيبا و قد بعثت لك الحسن و عمارا و قيسا خلّ لهم المصر و أهله و اعتزل عملنا منسوبا مدحورا فان فعلت و إلّا أمرتهم أن ينابذوك على سوى إن اللّه لا يحبّ الخائنين فإن أظهروا عليك قطعوك إربا إربا و السلام على من شكر النعم و رضي البيعة و عمل للّه رجاء العاقبة.

فقدم الحسن عليه السّلام و عمّار و قيس الكوفة مستنفرين لأهلها و كان أمير المؤمنين عليه السّلام كتب إلى أهل الكوفة كتابا كان معهم و هو الكتاب الأوّل من باب المختار من كتب أمير المؤمنين عليه السّلام أى ذلك الكتاب المعنون للشرح و أتينا به في صدر هذا الباب و قد ذكرنا النسختين منه احداهما ما في النهج و الأخرى ما في الجمل للمفيد.

و اعلم أن هذين الكتابين منه عليه السّلام إلى أبي موسى الأشعري ليسا بمذكورين في النهج و قد نقلناهما من الجمل للمفيد (ص 115 طبع النجف) و تاريخ أبي جعفر محمّد بن جرير الطبري (ص 512 ج 3 طبع مصر 1357 ه) و بين النسختين اختلاف في بعض العبارات و سيأتي الكتاب الثالث و الستين منه عليه السّلام إلى أبي موسى الأشعرى و قد بلغه عنه تثبيطه النّاس عن الخروج إليه لمّا ندبهم لحرب أصحاب الجمل: من عبد اللّه علىّ أمير المؤمنين إلى عبد اللّه بن قيس أمّا بعد فقد بلغني عنك قول هو لك و عليك- إلخ. فقد حان أن نتصدى جمل الكتاب بعون اللّه الملك الوهاب و نذكر تتمة واقعة الجمل في شرح الكتاب التالي إن شاء اللّه تعالى: قوله عليه السّلام: (من عبد اللّه علىّ أمير المؤمنين إلى أهل الكوفة جبهة الأنصار و سنام العرب) قد قدمنا في تفسير لغات الكتاب أن الجبهة لها معنيان: الجماعة و موضع السجود من الرأس و قد يكنى على الثاني أعيان النّاس و سادتهم و اشرافهم من حيث أن للجبهة حرمة و شرفا في الوجه و لذا توضع على الأرض في السجدة و هذا هو المراد في المقام بقرينة السنام فصدّر عليه السّلام كتابه بمدحهم بقوله جبهة الأنصار و سنام العرب لأنهم كانوا بين أعوانه عليه السّلام كالجبهة و السنام في العزة و الرفعة و صار أهل الكوفة آخر الأمر أنصاره عليه السّلام و الكوفة دار هجرته كما أنّ أهل المدينة صاروا أنصار رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و المدينة دار هجرته. ثمّ لا يخفى أنّ مثل هذا المقام يقتضي تصدير الكتاب بالألفاظ الدالّة على التحبيب و تأليف القلوب و الترغيب فيما يراد فصدّره بالمدح اجتذابا لهم إلى ما يريد من نصرته على الناكثين.

قوله عليه السّلام: (أمّا بعد فإنّي اخبركم عن أمر عثمان حتّى يكون سمعه كعيانه) قد أثبتنا و حقّقنا أن النّاس لما رأوا أن عثمان أحدث ما أحدث و فعل ما فعل نقموها منه و طعنوا عليه و حصروه أربعين ليلة و منعوه من الماء أيّاما للأغراض الّتي قدمناها و علل بيّناها و شهد قتله ثمانمائة من أصحاب رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله حتّى قيل إنّ المجمعين على قتل عثمان كانوا أكثر من المجمعين على بيعته، و أن أمير المؤمنين عليّا عليه السّلام لقد دفع عنه غير مرّة حتّى قال: و اللّه لقد دفعت عنه حتّى خشيت أن أكون آثما و غير ذلك مما لا حاجة إلى إعادتها و أن طلحة و الزبير و عائشة فيما صنعوه في عثمان كانت من أوكد أسباب ما تمّ على عثمان من الخلع و الحصر و سفك دمه و الفساد، و سمعت أقوال الفريقين في طلحة أنّه كان أوّل من رمي بسهم في دار عثمان و في الزبير ما قال لعثمان و في انكار عايشة عليه و أنّها كانت أوّل من طعن على عثمان و أطمع النّاس فيه.

و دريت أنّ طلحة و الزّبير كانا أوّل من بايع أمير المؤمنين عليه السّلام إلّا أنّهم لما رأوا خيبتهم من الامال الدنيويّة و يأسهم من الأغراض الشهوانية و الشيطانية نكثوا البيعة و استمسكوا بطلب دم عثمان تشبيها و تلبيسا على العامة و المستضعفين و اتهموا أمير المؤمنين عليه السّلام بقتله و عزوا دمه إليه و من نظر فيما قدمنا في تفسير هذا الكتاب علم أن الناكثين و أضرابهم و أتباعهم قد لعبوا بالدين و أنّما كان قصدهم التملك للأمر و التأمر على المسلمين. ثمّ لما كانت شبهة قتل عثمان مبدأ كلّ فتنة نشأت في الإسلام من فتنة الجمل و صفين و نهروان حتّى أنّ بني اميّة تمسكوا بها في منع الماء من ريحانة رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله سيّد شباب أهل الجنّة الإمام الحسين بن عليّ عليه السّلام و قتله فأخبر عليّ عليه السّلام أهل الكوفة عن أمر عثمان و الأحوال الّتى جرت عليه مما نقمها النّاس منه و طعنوا فيه على حدّ ايضاح يكون سمعه لمن لم يشهده كعيانه أى كانه شهد تلك الواقعة و رآها بعينه ليعلم تنزيهه عليه السّلام عن اسناد قتل عثمان إليه و أن اسناد دمه إليه عليه السّلام تهمة و بهتان ليس إلّا و أنّه عليه السّلام أبرء النّاس من دم عثمان.

قوله عليه السّلام: (إنّ النّاس طعنوا عليه) هذا شروع في الإخبار عن أمر عثمان، و إنّما صرّح عليه السّلام بأن النّاس طعنوا عليه ليعلم أهل الكوفة أنّ النّاس نقموا من عثمان بالقوادح الّتي ارتكبها و طعنوا عليه بالأحداث الّتي أحدثها مما سمعتها من كتب الفريقين و فيه إشارة إلى مبدأ قتله.

قوله عليه السّلام: (فكنت رجلا من المهاجرين) قال الفاضل الشارح المعتزلي: و من لطيف الكلام قوله عليه السّلام: فكنت رجلا من المهاجرين فإن في ذلك من التخلص و التبرّى ما لا يخفى على المتأمل ألا ترى أنّه لم تبق عليه في ذلك حجة لطاعن من حيث كان قد جعل نفسه كواحد من عرض المهاجرين الّذين بنفر يسير منهم انعقدت خلافة أبي بكر و هم أهل الحلّ و العقد و إنّما كان الإجماع حجّة لدخولهم فيه. انتهى قوله.

أقول: إنّ الشارح خلط الحقّ بالباطل و ذلك لأنّ من هاجر مع رسول اللّه و من هاجر الهجرتين كان له رتبة و رفعة و شرف بين سائر الصحابة و كان المهاجرون يباهون بالمهاجرة كما ترى في كثير من الجوامع الّتي دونت لمعرفة الصحابة و هذا ممّا لا مرية فيه مثلا انّ أمير المؤمنين عليه السّلام قال: في الكلام 56 من باب الخطب: و أمّا البراءة فلا تتبرّأوا منّي فإنّي ولدت على الفطرة و سبقت إلى الإيمان و الهجرة.

و أمّا أنّ جميع ما قاله المهاجر و فعله إلّا رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و وصيّه على أمير المؤمنين سواء كان واحدا أو أكثر فلم يثبت صوابه بل تحقق خطاؤهم في بعض الموارد لأنّ هؤلاء المهاجرين لم يكونوا معصومين عن الخطاء و لم يثبت عصمتهم و لم يدّع احد العصمة فيهم سيما في الواقعة الّتي أشارت إليه من انعقاد خلافة أبي بكر بنفر يسير منهم، و كون الإجماع حجّة لدخولهم فيه ففيه ما فيه و كيف يكون ذلك الإجماع حجّة و لم يكن فيه أفضل المهاجرين و أقدم المسلمين و سيّد الموحدين و من كان من رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله بمنزلة هارون من موسى، على أنّه قد طعن ذلك الإجماع الحاصل من هؤلاء النفر غير واحد من كبار رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله ممن تثني عليهم الخناصر و هذا هو خزيمة بن ثابت الأنصارى ذو الشهادتين طعن إجماعهم و انكر عليهم فعلهم و قال:

  • ما كنت أحسب هذا الأمر منصرفاعن هاشم ثمّ منها عن أبي حسن

أليس أوّل من صلّي بقبلتهم

و أعرف النّاس بالاثار و السنن

  • و آخر النّاس عهدا بالنبيّ و منجبريل عون له في الغسل و الكفن

من فيه ما فيهم لا يمترون به

و ليس في القوم ما فيه من الحسن

  • ما ذا الّذي ردّكم عنه فنعلمهها إنّ بيعتكم من أغبن الغبن

و في نسخة:

ها إنّ بيعتكم من أوّل الفتن

و هذا هو العبّاس بن عبد المطّلب عمّ رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله دعا أمير المؤمنين عليه السّلام فقال له: امدد يدك يا ابن أخي أبايعك ليقول النّاس عمّ رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله بايع ابن عمّ رسول اللّه فلا يختلف عليك اثنان.

و هؤلاء أهل اليمامة لما عرفوا تقلد أبي بكر أنكروا أمره و امتنعوا من حمل الزكاة حتّى أنفذ اليهم الجيوش فقتلهم و حكم عليهم بالردة عن الإسلام.

و لو أطنبنا الكلام في ذلك لكثر بنا الخطب و لخرجنا عن اسلوب الكلام و موضوع الكتاب.

قوله عليه السّلام: (اكثر استعتابه و اقلّ عتابه) لا يخفى دلالة كلامه عليه السّلام هذا على حسن طويّته و لطف رويّته بالنّاس و ذلك لأن الناصح الكريم إذا رأى غيره في صوب غير صواب لا يلومه بألفاظ خشنة و لا ينهى عنه بعنف و لا يشمت به و لا يفرح ببليّته و لا يوبّخه بفعله لأنّها من ديدن الجهّال و دأب من لم يطلع بسرّ اللّه في القدر، بل يعظه بالرفق و اللين فإن الرفق يمن و الحزق شوم و لذا قال عليه السّلام: اكثر استعتابه و اقل عتابه أى اكثر استرضائه و نصحه ليرجع عمّا صارت سبب سخط القوم عليه و نقموها منه، أو اكثر استرضاء القوم عنه كما دريت أن أمير المؤمنين دفع عنه غير مرة حتّى قال عليه السّلام: و اللّه لقد دفعت عنه حتّى خشيت أن أكون آثما (الخطبة 238 من النهج).

و قال عليه السّلام أيضا: و اللّه ما زلت أذبّ عنه حتّى أنّي لأستحى (تاريخ الطبرى ج 3 ص 410 طبع مصر 1357 ه) و مما حقّقناه في شرح هذا الكتاب و في شرح الخطبة 238 دريت أن عثمان لو قبل ما أشار أمير المؤمنين علىّ عليه السّلام عليه من امور كان صلاحه فيها لم يحدث عليه ما حدث«» و إنّما ذاق ما ذاق بإبائه عن مواعظ أمير المؤمنين عليه السّلام و إعراضه عن نصحه. و لقد أتي الرضى (ره) بطائفة من نصحه عليه السّلام له في باب الخطب (الكلام 163) قوله عليه السّلام: إن النّاس ورائي و قد استسفروني بينك و بينهم إلخ- و نقله أبو جعفر الطبري في التاريخ ص 376 ج 3 و الشيخ المفيد في الجمل ص 84.

قوله عليه السّلام و اقل عتابه، أى ما عاتبت عليه و ما كلمته باللوم و التوبيخ لما حققنا في البحث اللغوى أن المراد من اقل هنا النفي و ذلك لما سمعت أن من دأب كرام الناس الرفق و اللين و اللطف و ترك الخشونة و العنف مع النّاس حتّى في الأمر بالمعروف و النهي عن المنكر و نعم ما اشار إليه الشيخ الرئيس في آخر النمط التاسع من الاشارات: العارف لا يعنيه التجسّس و التحسّس و لا يستهويه الغضب عند مشاهدة المنكر كما يعتريه الرحمة فانّه مستبصر لسرّ اللّه في القدر و أما إذا أمر بالمعروف أمر برفق ناصح لا بعنف معيّر. و قال المحقق الطوسي في الشرح: إذا أمر العارف بالمعروف امر برفق ناصح لا بعنف معيّر أمر الوالد ولده و ذلك لشفقته على جميع خلق اللّه على أنّه لم ينقل أنّه وبّخه و لامه على أفعاله بل كان يعظه.

هذا إذا كان المراد من لفظة اقل عتابه نفي العتاب و إذا كان المراد منها حمل العتاب فالمعنى انّي حملت عتابه و مع ذلك كنت اكثر استعتابه و نصحه و ما منعني عتابه عن نصحه و ذلك لما علمت من الأخبار السالفة أن عثمان قد عدله عليه السّلام بمروان بن الحكم و قال له عليه السّلام: فو اللّه ما أنت عندى بأفضل من مروان، و لمّا شيّع عليه السّلام أبا ذر قال عثمان: من يعذرني من عليّ ردّ رسولي إلى أن قال: و اللّه لنعطينّه حقّه و غير ذلك ممّا نقلناها من الفريقين و هو عليه السّلام مع ذلك كان يكثر استعتابه لكن عثمان أبى منه عليه السّلام النصح كما دريت.

قوله عليه السّلام: (و كان طلحة و الزبير أهون سيرهما فيه الوجيف و أرفق حدائهما العنيف) كنّى عليه السّلام بالجملتين عن شدة سعيهما في قتل عثمان حتّى أن السير الوجيف كان أهون ما يسيران في قتله، و الحداء العنيف كان أرفق فعلهما فيه. و قد ذهب بعض إلى أن سيرهما عثمان و حداءهما إياه كان أهونه الوجيف و أرفقه العنيف أعنى أن ذلك البعض شبّه طلحة و الزبير بالسائق و الحادى و عثمان بالإبل مثلا و لكنه و هم لأن السير و إن جاء لكلّ واحد من اللزوم و التعدي لكن كلامه عليه السّلام ينادي بأعلى صوته على خطاء ما ذهب إليه ذلك البعض و صواب ما فسرناه من أنهما سارا أشدّ سرعة من السير الوجيف حتّى أن السير الوجيف كان أهون سيرهما في قتله و كذا الجملة التالية. و هذا ظاهر لا غبار عليه.

ثمّ إنّك قد علمت مما قدمنا من أخبار الفريقين عمل طلحة و الزبير و أقوالهما في عثمان و نذكر نبذة منها ههنا على الاختصار: لمّا حصر عثمان صعد على القصر و نادى طلحة ثمّ سأله عن علّة حصره و منعه من الماء فأجابه مرتين: لأنّك بدّلت و غيرت- الإمامة و السياسة للدينوري ص 38 ج 1 طبع مصر 1377 ه- .

و روى أبو جعفر الطبرى- ص 411 ج 3 طبع مصر 1357 ه- قال طلحة لأصحابه لا تتركوا أحدا يدخل على هذا الرّجل و لا يخرج من عنده فقال عثمان اللّهمّ اكفنى طلحة بن عبيد اللّه فانّه حمل على هؤلاء و ألّبهم إنّي لأرجو أن يكون منها صفرا أو أن يسفك دمه إنّه انتهك منّي ما لا يحلّ له، و في الجمل للمفيد- ص 60 طبع النجف- : روى أبو إسحاق إنّه لما اشتدّ الحصار بعثمان و ظمأ من العطش فنادى: يا أيّها النّاس اسقونا شربة من الماء و أطعمونا ممّا رزقكم اللّه، فناداه الزبير بن العوّام يا نعثل لا و اللّه لا تذوقه.

ثمّ قال: لما اشتد الحصار بعثمان عمد بنو اميّة على إخراجه ليلا إلى مكة و عرف النّاس فجعلوا عليه حرسا و كان على الحرس طلحة بن عبيد اللّه و هو أول من رمى بسهم في دار عثمان.

قوله عليه السّلام (و كان من عائشة فيه فلتة غضب) السبب في فلتة غضبها عليه هو ما قدمنا أن عثمان جعل مال المسلمين طعمة له و لبني اميّة و أتباعه و ذويه و عشيرته و آثر أهل بيته بالأموال العظيمة الّتي هي عدّة للمسلمين نحو ما نقلنا من الفريقين أنّه دفع إلى أربعة أنفس من قريش زوجهم بناته أربعمائة ألف دينار و أعطى مروان مأئة ألف على فتح إفريقية و يروى خمس افريقيّة، و نحو ما رووا أن أبا موسى بعث بمال عظيم من البصرة فجعل عثمان يقسمه بين أهله و ولده بالصحاف و غير ذلك ممّا مرّ من قوادحه و مطاعنه و ما نقمها النّاس منه.

و قال الدينورى في الإمامة و السياسة: إنّ عائشة كانت أوّل من طعن على عثمان و أطمع النّاس فيه، و كانت عائشة تقول اقتلوا نعثلا فقد فجر، و في رواية اخرى كانت تقول: اقتلوا نعثلا قتل اللّه نعثلا.

و روى الشيخ الأجل المفيد في الجمل- ص 61 طبع النجف- عن محمّد بن إسحاق صاحب السيرة عن مشايخه عن حكيم بن عبد اللّه قال: دخلت يوما بالمدينة إلى المسجد فإذا كفّ مرتفعة و صاحب الكف يقول: أيّها النّاس العهد قريب هذان نعلا رسول اللّه و قميصه و كأني أرى ذلك القميص يلوح و أن فيكم فرعون هذه الأمة فإذا هي عائشة و عثمان يقول لها: اسكتي ثمّ يقول للناس إنها امرأة و عقلها عقل النساء فلا تصغوا إلى قولها، و في رواية اخرى كما قدمناها أنها قالت له: هذا قميص رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله لم يتغير و قد غيرت سنته يا نعثل، و اخرى أنها قالت لابن عباس: إياك أن ترد النّاس عن قتل الطاغية و تعنى بالطاغية و نعثل عثمان و غير ذلك من الأخبار الّتي جاءت في إنكار عائشة و تأليبها على عثمان و إغرائها النّاس بقتل عثمان قد قدمنا طائفة منها و كان نعثل اسم يهودى طويل اللحية و شبّهت عائشة عثمان به.

قوله عليه السّلام (فاتيح له قوم فقتلوه) قد يحذف الفاعل للجهل به أو لغرض لفظي أو معنوى أو للإبهام أو للعلم به أو لغيرها مما قرر في محله و يمكن أن يكون حذفه في المقام للعلم به نحو قوله تعالى وَ قِيلَ يا أَرْضُ ابْلَعِي أى غاض اللّه الماء و قضى اللّه الأمر فحذف الفاعل للعلم به و كذا في المقام فالمعنى أن قتله كان بتقدير إلهى أى قدّر اللّه و هيأ قوما له فقتلوه و لقائل أن يقول: إن كلامه عليه السّلام في طلحة و الزّبير و عائشة له قوما فقتلوه و الأخبار المتقدمة تؤيد هذا الاحتمال لأنهم قد حثّوا و حرّضوا و أغروا الناس على قتله كما دريت فحذف الفاعل للعلم به و للإيجاز في اللّفظ، و يمكن أن يكون للإبهام كما أفاد القطب الراوندي انّه عليه السّلام إنّما بنى الفعل للمفعول و لم يقل أتاح اللّه أو أتاح الشيطان ليرضى بذلك الفريقان و بالجملة لا يخفى لطف كلامه عليه السّلام حيث أتى بالفعل المجهول.

قوله عليه السّلام: (و بايعني النّاس غير مستكرهين و لا مجبرين بل طائعين مخيّرين) قد حققنا و برهنا أن المتعين في المستكره بكسر الراء أى غير كارهين و قوله عليه السّلام و لا مجبرين أى غير مكرهين، و قد مضى في الخطبة 238 أن عثمان لما كان محصورا كان الناس يذكرون أمير المؤمنين عليّا عليه السّلام على رءوس الأشهاد و كانوا يهتفون باسمه عليه السّلام للخلافة و قالوا لعثمان إنك قد أحدثت أحداثا عظاما فاستحققت بها الخلع و ما كان لنا أن نرجع حتّى نخلعك و نستبدل بك من أصحاب رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله من لم يحدث مثل ما جربنا منك و لم يقع عليه من التهمة ما وقع عليك فاردد خلافتنا و اعتزل أمرنا فإن ذلك أسلم لنا منك و يعنون بذلك الصحابي أمير المؤمنين عليا عليه السّلام فلمّا رأى عثمان أن قلوب الجماعة مائلة إليه سأله الخروج إلى ينبع ليقلّ هتف النّاس باسمه للخلافة.

و قد بينّا آنفا أن أمير المؤمنين عليه السّلام كان يمتنع من بيعة النّاس له فيختبئ عنهم و يلوذ بحيطان المدينة، و لما اجتمع النّاس إليه و سألوه أن ينظر في امورهم و بذلوا له البيعة قال لهم: التمسوا غيري، و لمّا جاء طلحة و الزبير إليه عليه السّلام و هو متعوّذ بحيطان المدينة فدخلا عليه و قالا له: ابسط يدك نبايعك فإنّ النّاس لا يرضون إلا بك، قال عليه السّلام لهما لا حاجة لي في ذلك و أن أكون لكما وزيرا خير من أن أكون أميرا فقالا إن الناس لا يؤثرون غيرك و لا يعدلون عنك إلى سواك فابسط يدك نبايعك أوّل النّاس، ثمّ ألحّ الناس في ذلك عليه فقالوا نحن أرضى النّاس به ما نريد به بدلا و قالوا له ننشدك اللّه أما ترى الفتنة ألا تخاف اللّه في ضياع هذه الأمة و قالوا إن تجبنا إلى ما دعوناك إليه من تقليد الأمر و قبول البيعة و إلا انفتق في الإسلام ما لا يمكن رتقه و انصدع في الدين ما لا يستطاع شعبه فلما ألحّوا عليه قال لهم اني لو أجبتكم حملتكم على ما أعلم و إن تركتموني كنت لأحدكم، قالوا قد رضينا بحلمك و ما فينا مخالف لك فاحملنا على ما تراه ثمّ بايعه الجماعة فتداكّوا عليه تداكّ الإبل على حياضها يوم ورودها حتّى شقوا أعطافه و وطئوا ابنيه الحسن و الحسين لشدّة ازدحامهم عليه و حرصهم على البيعة له.

و لقد مضى كلامه عليه السّلام في ذلك لما اريد على البيعة بعد قتل عثمان: دعوني و التمسوا غيري- إلى قوله: و أنا لكم وزيرا خير لكم منّي أميرا (الخطبة 91).

ثمّ المراد من قوله عليه السّلام هذا أنّ النّاس بايعوه غير كارهين و لا مكرهين بل طاعين مخيّرين و لم يحدث عليه السّلام ما يغاير كتاب اللّه و سنة رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله فلا يجوز لهم أن ينكثوا بيعته عليه السّلام فضلا عن أن يحاربوه قال عزّ من قائل «فَمَنْ نَكَثَ فَإِنَّما يَنْكُثُ عَلى نَفْسِهِ» الاية و ذكر أصحاب السير و منهم المسعودي في مروج الذهب- ص 11 ج 2 طبع مصر 1346 ه- ثمّ نادى عليّ عليه السّلام طلحة حين رجع الزبير يا أبا محمّد- أبو محمّد كنية الزبير- ما الذى أخرجك قال: الطلب بدم عثمان قال عليّ عليه السّلام قتل اللّه أولانا بدم عثمان أما سمعت رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله يقول: اللّهم وال من والاه و عاد من عاداه و أنت أول من بايعني ثمّ نكثت و قد قال اللّه عزّ و جلّ: إِنَّ الَّذِينَ يُبايِعُونَكَ إِنَّما يُبايِعُونَ اللَّهَ فقال استغفر اللّه ثمّ رجع.

و في الإمامة و السياسة: قال له عليّ عليه السّلام أو لم تبايعني يا أبا محمّد طائعا غير مكره فما كنت لأترك بيعتي: قال طلحة: بايعتك و السيف على عنقي، قال: ألم تعلم أني ما أكرهت أحدا على البيعة و لو كنت مكرها أحدا لأكرهت سعدا و ابن عمر و محمّد بن مسلمة أبو البيعة و اعتزلوا فتركتهم، قال طلحة: كنّا في الشورى ستة فمات اثنان و قد كرهناك و نحن ثلاثة، قال عليّ عليه السّلام إنّما كان لكما ألا ترضيا قبل الرضا و قبل البيعة و أمّا الان فليس لكما غير ما رضيتما به إلّا أن تخرجا ممّا بويعت عليه بحدث فإن كنت أحدثت حدثا فسمّوه لي.

بيان

أراد طلحة بقوله و السيف على عنقي أنّه بايعه بالإجبار و الإكراه و أن سيف الأشتر على عنقه.

ثمّ إنّا نرى كثير من النّاكثين اعترفوا بظلمهم عليّا عليه السّلام بنقضهم و نكثهم عهده و بيعته عليه السّلام ففي الجمل للمفيد- ص 207 طبع النجف- : روى أبو مخنف عن العدوى عن أبي هاشم عن البريد عن عبد اللّه بن المخارق عن هاشم بن مساحق القرشي قال: حدثنا أبي أنه لما انهزم النّاس يوم الجمل اجتمع معه طائفة من قريش فيهم مروان بن الحكم فقال بعضهم لبعض و اللّه لقد ظلمنا هذا الرّجل- يعنون أمير المؤمنين عليّا عليه السّلام- و نكثنا بيعته من غير حدث و اللّه لقد ظهر علينا فما رأينا قط أكرم سيرة منه و لا أحسن عفوا بعد رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله تعالوا حتّى ندخل عليه و نعتذر إليه فيما صنعناه، قال فصرنا إلى بابه فاستأذنّاه فأذن لنا. فلما مثلنا بين يديه جعل متكلمنا يتكلّم فقال عليه السّلام انصتوا أكفكم إنّما أنا بشر مثلكم فإن قلت حقا فصدقوني و إن قلت باطلا فردّوا علىّ انشدكم اللّه أ تعلمون أنّ رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله قبض و أنا أوّل النّاس به و بالنّاس من بعده قلنا اللّهمّ نعم، قال فعدلتم عنّي و بايعتم أبا بكر فأمسكت و لم احبّ أشق عصا المسلمين و أفرق بين جماعتهم، ثمّ إنّ أبا بكر جعلها لعمر من بعده فكففت و لم اهيج النّاس و قد علمت أني كنت أولى النّاس باللّه و برسوله و بمقامه فصبرت حتّى قتل و جعلني سادس ستة فكففت و لم احب أن افرق بين المسلمين، ثمّ بايعتم عثمان فطغيتم عليه و قتلتموه و أنا جالس في بيتي و أتيتموني و بايعتموني كما بايعتم أبا بكر و عمر فما بالكم وفيتم لهما و لم تفوا لي و ما الذى منعكم من نكث بيعتهما و دعاكم إلى نكث بيعتي فقلنا له: كن يا أمير المؤمنين كالعبد الصالح يوسف إذ قال «لا تَثْرِيبَ عَلَيْكُمُ الْيَوْمَ يَغْفِرُ اللَّهُ لَكُمْ وَ هُوَ أَرْحَمُ الرَّاحِمِينَ» فقال عليه السّلام: لا تثريب عليكم اليوم و أنّ فيكم رجلا لو بايعني بيده لنكث بإسته، يعني مروان بن الحكم.

و قد تكلّم عليه السّلام في الموضعين من باب الخطب في وصف بيعته بالخلافة أحدهما الخطبة 53 قوله عليه السّلام فتداكّوا عليّ تداكّ الإبل الهيم يوم ورودها- إلخ.

و ثانيهما القريب من الأوّل في بعض الكلم و الجمل، الكلام 227 من باب الخطب قوله عليه السّلام: و بسطتم يدي فكففتها و مددتموها فقبضتها ثمّ تداككتم عليّ تداكّ الإبل اليهم على حياضها يوم ورودها- إلخ. و مال الشارح البحراني إلى أن كلامه الأوّل أعني الخطبة 53 أشار إلى صفة أصحابه بصفين و لكنه و هم و الصواب ما أشرنا إليه.

و قال الشارح المعتزلي في شرح تلك الخطبة: اختلف النّاس في بيعة أمير المؤمنين عليه السّلام فالّذى عليه أكثر النّاس و جمهور أرباب السير أنّ طلحة و الزبير بايعاه طائعين غير مكرهين ثمّ تغيّرت عزائمهما و فسدت نياتهما و غذرا به و قال الزبيريون منهم عبد اللّه بن مصعب و الزبير بن بكار و شيعتهم و من وافق قولهم من بني تميم بن مرّة أرباب العصبيّة لطلحة إنّهما بايعا مكرهين، و إنّ الزبير كان يقول: بايعت و اللج على قفى و اللج سيف الأشتر و قفى لغة هذليّة إذا أضافوا المنقوص إلى أنفسهم قلبوا الألف ياء و أدغموا احدى اليائين في الأخرى فيقولون: قد وافق ذلك هوى أى هواى و هذه عصى أى عصاى.

قوله عليه السّلام: (و اعلموا أنّ دار الهجرة قد قلعت بأهلها و قلعوا بها) أي أنّ مدينة الرّسول صلّى اللَّه عليه و آله فارقت أهلها و خلت منهم و كذا أهلها فارقوها على ما بيّنا في تفسير لغات الكتاب. و أمّا مراده عليه السّلام منه فقال بعضهم: إنّه عليه السّلام يخبرهم من قوله و اعلموا- إلى- على القطب، عن سبب حركته و خروجه من المدينة أنّ المدينة قامت فيها رحى الفتنة و اضطربت أحوال ساكنيها و امورهم و جاشت جيش المرجل من الهرج و المرج، و انقلبت أحوال البلد و تبدّلت بحيث ليس المقام فيها للنّاس سيّما للمؤمنين و الخواص بميسور، و لذا خرج منها و جعل الكوفة مهاجره و مقرّ خلافته.

أقول: لا يخفى على أنّ هذا التفسير لا يناسب المقام و لا يوافق قوله عليه السّلام فأسرعوا إلى أمير كم و بادروا جهاد عدوّكم، فانّه عليه السّلام كتب إليهم الكتاب ليستنفرهم إلى الجهاد كما صرّح به في ذيل الكتاب و نفر من المدينة نحو البصرة لجهاد الناكثين، لا أنّه يخبرهم عن صرف سبب خروجه منها، و هذا ظاهر لا كلام فيه.

و يقرب من هذا التّفسير ما قيل: إنّه عليه السّلام كنّى بقلعها بأهلها و قلعهم بها عن اضطراب امورهم بها و عدم استقرار قلوبهم من ثوران هذه الفتنة.

أقول: الظّاهر أنّه عليه السّلام لمّا أخبر أهل الكوفة عن أمر عثمان و عن سيرته معه و عمّا جرى عليه من طلحة و الزّبير و عائشة و عن بيعة النّاس أعلمهم أنّ منهم من نكثوا البيعة و أثاروا الفتنة و نشّطوا أقواما على الحرب و هيّجوا بين النّاس الشرّ و العداوة و الشحناء حتّى أقاموا الحرب، فنهضوا أهل المدينة مجاهدين في سبيل اللَّه أعداء اللَّه لإطفاء هذه النّائرة و إزالة الفتنة نهضة خلت المدينة من أهلها و فارقها ساكنوها، سيّما أنّهم كانوا من أفعال عثمان و شيعته متألّمين، فلما رأوا أنّ آل عثمان تمسّكوا بدم عثمان تفتينا لم يلبثوا في المدينة خوفا من أن تشيع الفتنة و يفسد المبطلون، فبادروا إلى جهاد عدوّهم فقلعوا بالمدينة مسرعين.

فهو عليه السّلام أراد إعلام أهل الكوفة بنهوض أهل المدينة على ذلك الحدّ ليرغبوا في الجهاد و ينصروا دين اللَّه و ينهضوا لقتال أصحاب الجمل معهم و يهتمّوا همّتهم في إماتة الباطل و إزاحة أهله، و لذا أمرهم عليه السّلام بالسّرعة إليه و المبادرة بالجهاد.

قوله عليه السّلام: (و جاشت جيش المرجل) أي غلت كغليان الماء في القدر. و المراد إخبار أهل الكوفة باضطراب أهل المدينة و ولعهم بالجهاد لما علموا بمسير الناكثين و أتباعهم إلى البصرة لإثارة الفتنة. و هذا أيضا تحريض أهل الكوفة على النهضة و الجهاد.

قوله عليه السّلام: (و قامت الفتنة على القطب) أي الفتنة الّتي أثارها النّاكثون و أتباعهم قامت على القطب، شبّه الفتنة بالرحى بقرينة القطب، أي أنّ رحى الفتنة دائرة و المراد أنّ الفتنة قائمة و نارها مشتعلة فاسرعوا إلى إطفائها، ففيها أيضا تحريض أهل الكوفة على الجهاد.

و قد قدّر بعض الشّارحين الجملة بقوله: قامت الفتنة في المدينة على القطب حيث فسّرها بأنّ رحى الفتنة في المدينة دائرة، و لا يخفى أنّ ذلك التقدير غير مناسب للمقام لأنّ فتنة الحرب حين إرساله عليه السّلام الكتاب إلى أهل الكوفة كانت في البصرة بين أصحاب الجمل و عامله عليه السّلام عثمان بن حنيف قائمة كما سيتضح في شرح الكتاب الثاني إن شاء اللَّه تعالى.

و هو عليه السّلام كان ساعتئذ في ذي قار كما دريت ممّا حقّقنا آنفا، و بالجملة أنّه عليه السّلام أعلم أهل الكوفة بأنّ الفتنة قائمة على القطب و لا حاجة إلى ذلك التقدير فكأنّما اغترّ ذلك البعض من الجمل المتقدّمة.

ثمّ يمكن أن يقال: إنّه عليه السّلام أراد بالقطب نفسه، فانّه عليه السّلام قطب الاسلام و المسلمين يقال: فلان قطب بني فلان أي سيّدهم الّذي يدور عليه أمرهم، و كذا يقال لصاحب الجيش: قطب رحى الحرب تشبيها بالنقطة الّتي يدور عليها الفلك و يسمّونها قطب الفلك، فيكون المعنى أنّ تلك الفتنة أقبلت إليه و قامت و هجمت عليه فتكون كلمة على، على هذا الوجه للضّرر و على الوجه الأوّل للإستعلاء

و يمكن أن يكون على الوجهين للإستعلاء، فاذا كانت الفتنة قائمة على القطب بهذا المعنى فللرّعيّة أن تعاونوه بإطفائها و نجاته منها لأنّهم في الحقيقة ينجون أنفسهم منها و ينصرون دين اللَّه، و يطلبون بذلك رفعتهم و منزلتهم، و نعم ما قال الشاعر:

  • لك العزّ إن مولاك عزّ و إن يهنفأنت لدى بحبوحة الهون كاهن

و يمكن أن يجعل كلمة الأمير في قوله الاتي قرينة على إرادة هذا المعنى من القطب.

و بعد ما بادر ذهننا إلى هذا المعنى فرأينا أنّ المولى فتح اللَّه القاساني فسّر القطب في شرحه الفارسي على النهج بهذا الوجه، فالحمد للَّه على الوفاق.

قوله عليه السّلام (فأسرعوا إلى أميركم و بادروا جهاد عدوّكم إن شاء اللَّه تعالى) أي إذا سمعتم ما قلنا من عمل النّاكثين و ما فعل أهل المدينة لإزهاق الباطل و نصرة الدّين، فأسرعوا إلى أميركم يعني بالأمير نفسه عليه السّلام، و بادروا جهاد عدوّكم يعني بالعدوّ أصحاب الجمل.

الترجمة

باب دوم از بابهاى سه گانه نهج البلاغة: در نامه ها و رساله هاى برگزيده أمير المؤمنين علي عليه السّلام كه بدشمنانش و أميران شهرهايش نوشته است، و در اين باب نيز فرمانهاى برگزيده اى كه بعمّال خويش فرستاد، و وصيّتها و اندرزها كه بدودمان و يارانش فرمود، نگاشته آمد.

اين يكى از نامه هاى آن قطب اسلام و مسلمين است كه هنگامى از مدينه بسوى بصره، براى خاموش كردن آتش فتنه أصحاب جمل رهسپار شد، در جايى بنام ذى قار رسيد، آنرا بمردم كوفه نوشت و از ايشان يارى خواست و فرزندش إمام حسن مجتبى و عمّار بن ياسر و قيس را بسوى كوفه گسيل داشت كه نامه را بكوفيان رسانند و ايشان را بمدد و نصرت خوانند. و اين نخستين كتاب اين باب است: اين نامه ايست از بنده خدا علي أمير المؤمنين بمردم كوفه كه پيشانى يارى

كنندگان دين و كوهان عربند (كنايه از اين كه آنان در شرف نسبت بأنصار دين چون پيشانى نسبت به پيكرند و برفعت در ميان عرب همچون كوهان نسبت با شتر) شما را از أمر عثمان خبر دهم چنانكه شنيدن آن همچون ديدن آن باشد: همانا كه مردم عثمان را بأفعال او عيب كردند و بر او طعن و إنكار نمودند من مردى از مهاجرين بودم كه بسيار از او درخواست مى كردم كه مردم را خوشنود سازد، و همواره او را نصيحت مى كردم و براه رستگارى دلالت مى نمودم، و از سرزنش او خود دارى مى نمودم، و هيچ او را سرزنش نمى كردم (چه معنى «اقلّ عتابه» در اينجا بمعنى نفى عتاب است نه اين كه كمتر او را سرزنش مى كردم چنانكه مترجمين باشتباه رفته اند، و در شرح بيان كرده ايم كه مردان خدا برفق و مدارا نهى از منكر ميكنند و از درشتى سر باز زنند، و ممكن است كه معنى جمله چنين باشد كه من همواره عثمان را نصيحت و دلالت مى كردم و سرزنش او را بر خويشتن تحميل مى كردم و بتوبيخ او از إرشاد و هدايتش دريغ نداشتم، چه عثمان از اندرزهاى أمير المؤمنين عليه السّلام مى رنجيد و مى گفت كه ابو الحسن نمى خواهد دودمان مرا در نعمت آسايش ببيند، و اين بنا بر وجهى است كه «أقلّ» را بمعنى بر مى دارم و حمل ميكنم، بگيريم، چنانكه در بحث لغوى اين كتاب تحقيق كرده ايم كه «اقلّ» هم براى نفى و هم براى حمل استعمال مى شود).

و سست ترين رفتنشان در كشتن او رفتن بشتاب و اضطراب بود، و نرم ترين راندنشان راندن سخت (يعنى آن دو در كشتن عثمان شتاب بسيار مى كردند و مردم را بر آن بر مى انگيختند هنگامى كه عثمان در حصر بود و آب را برويش بستند از طلحه سبب خواست، طلحه در جواب گفت: چون تو دين خدا را تبديل كردى و تغيير دادى، و آن گاه كه تشنگى بر او چيره شد و ندا درداد كه اى مردم ما را آب دهيد و از آنچه خدا بر شما روزى كرد ما را بخورانيد، زبير بعثمان خطاب كرد و گفت: اى نعثل و اللَّه هرگز آب نخواهى چشيد، و طلحه اول كسى بود كه تير بخانه عثمان رها كرد، و گفتار طلحه و زبير در قتل عثمان و تحريض و ترغيب آن دو مردم را بر آن بسيار است).

و از عائشه در باره او خشمى ناگهانى بود (سبب خشم وى بر عثمان اين بود كه مى گفت عثمان اموال مسلمانان را طعمه خويش و خويشاوندانش گردانيد و دودمان و پيروانش را بدان برگزيد و دين خدا را تغيير داد و از سنت رسول إعراض كرد، گاهى عثمان بر منبر بود كه عائشه نعلين و پيراهن پيغمبر را در ميان مجلس بمردم نموده و گفت: اين نعلين و پيراهن رسول خدا هنوز كهنه نشده كه فرعون اين امت عثمان دين خدا را تبديل كرده است. و مى گفت: بكشيد نعثل را كه او فاجر است، و نيز مى گفت: بكشيد نعثل را خدا نعثل را بكشد. و نعثل مردى يهود بود دراز ريش كه عائشه عثمان را بدان تشبيه مى كرده است، و عائشه اول كسى بود كه بر عثمان طعن كرده است و كارهاى او را عيب گرفته و مردم را بر كشتن او بر انگيخت).

پس برايش گروهى مقدّر شد كه او را كشتند و مردم با من بيعت كردند بى آنكه بيعت با مرا ناخوش و ناپسند داشته باشند و كاره باشند، و بى آنكه إجبار شده باشند بلكه بميل و رغبت و اختيار بيعت كردند. بدانيد كه مدينه از اهلش خالى شد و مردم از آن بر كنده شدند (يا اين كه مدينه با اهلش بر كنده شد و أهل آن با مدينه، كه در دلالت مقصود آكداست، و خلاصه اين كه مردم مدينه از آنجا بيرون آمدند بقصد يارى دين خدا و جهاد في سبيل اللَّه در ركاب أمير المؤمنين عليه السّلام براى خاموش كردن آتش فتنه اصحاب جمل، اين گفتار حضرت براى ترغيب و تهييج أهل كوفه است كه در جهاد و نصرت دين تأسّى بأهل مدينه كنند).

و مدينه چون ديگ بجوش آمده است (مراد اين است كه وقتى مردم ديدند گروهى ببهانه خون عثمان بيعت را شكستند و نقض عهد كردند و قصد تفتين دارند بخصوص كه از افعال عثمان سخت رنج ديدند و دل آزرده بودند براى دفع آنان چنان نهضت و قيام كردند كه از اضطراب و هيجان گويا چون ديگ بجوش آمدند) فتنه بر قطب ايستاده است (كنايه از اين كه آسياى فتنه دور مى زند يعنى آتش فتنه مشتعل است يا اين كه مراد أمير المؤمنين عليه السّلام از قطب خود آن حضرت باشد چه آن بزرگوار قطب إسلام و مسلمين و مدار إيمان و أهل آن است، يعني فتنه اصحاب جمل بر آن بزرگوار روى آورده است و بر آن قطب عالم إمكان دور مى زند) پس بشتابيد بسوى أمير خود و پيشى گيريد بجهاد دشمن خود اگر خدا خواهد.

( . منهاج البراعة فی شرح نهج البلاغه، ج17، ص 194-390 و ج18، ص 3 - 8)

شرح لاهیجی

الكتاب 1

من كتاب له (- ع- ) الى اهل الكوفة عند مسيره من المدينة الى البصرة يعنى از مكتوب امير المؤمنين عليه السّلام است بسوى اهل كوفه در وقتى كه حركت ميكرد از مدينه بسوى بصره و حامل مكتوب حضرت امام حسن عليه السّلام و عمّار ياسر رضى اللّه عنه بود من عبد اللّه علىّ امير المؤمنين الى اهل الكوفة جبهة الانصار و سنام العرب امّا بعد فانّى اخبركم عن امر عثمان حتّى يكون سمعه كعيانه انّ النّاس طعنوا عليه فكنت رجلا من المهاجرين اكثر استعتابه و اقلّ عتابه و كان طلحة و الزّبير اهون سيرهما فيه الوجيف و ارفق حدائهما العنيف و كان من عائشة فيه فلتة غضب فاتيح له قوم قتلوه و بايعنى النّاس غير مستكرهين و لا مجبرين بل طائعين مخيّرين يعنى اين مكتوب از بنده خدا على امير مؤمنانست بسوى اهل كوفه كه رئيس يارى گران و بزرگ طايفه عربند امّا بعد از حمد خدا و نعت رسول (- ص- ) پس بتحقيق كه خبر مى دهم شما را از حال عثمان تا اين كه باشد شنيدن شما در يقين بودن مانند ديدن شما زيرا كه خبر دهنده راستگو است بتحقيق كه مردمان طعن زدند بر او و ناسزا گفتند باو بجهة كردار او پس بودم من مردى از هجرت كنندگان با پيغمبر (- ص- ) از مكّه بمدينه بسيار سعى كردم در استرضاء خلق از او و اندك گردانيدم سرزنش مردم را باو و بود طلحه و زبير آسانتر سير ايشان در باره قتل او شتاب كردن و نرم ترين راندن ايشان سخت راندن و بود از جانب عايشه در باره او بناگاه خشم كردنى پس مهيّا و اماده شد از براى قتل او جماعتى كه كشتند او را و بيعت كردند مردمان با من بدون كراهت ايشان بلكه در حالتى كه راغب بودند و اختيار داشتند و اعلموا انّ دار الهجرة قد قلعت باهلها و قلعوا بها و جاشت جيش المرجل و قامت الفتنة على القطب فاسرعوا الى اميركم و بادروا جهاد عدوّكم انشاء اللّه يعنى بدانيد كه سراى هجرت كه مدينه باشد كنده شد و دور گرديد از اهلش يعنى از صلاحيّت وطن كردن اوفتاد كنده شدند از او اهلش يعنى قرار در او نكردند و بجوشش در آمد مانند جوشيدن ديك و برپا شد فتنه و فساد بر قطب خود يعنى بشدّت و قوّتش پس بشتابيد بسوى حضور امير و بزرگ شما و پيشى جوئيد جهاد كردن با دشمن دين شما را اگر خواسته باشد خدا

( . شرح نهج البلاغه لاهیجی، ص 235)

شرح ابن ابی الحدید

1 من كتاب له ع إلى أهل الكوفة- عند مسيره من المدينة إلى البصرة

مِنْ عَبْدِ اللَّهِ عَلِيٍّ أَمِيرِ الْمُؤْمِنِينَ إِلَى أَهْلِ الْكُوفَةِ- جَبْهَةِ الْأَنْصَارِ وَ سَنَامِ الْعَرَبِ- أَمَّا بَعْدُ فَإِنِّي أُخْبِرُكُمْ عَنْ أَمْرِ عُثْمَانَ- حَتَّى يَكُونَ سَمْعُهُ كَعِيَانِهِ- إِنَّ النَّاسَ طَعَنُوا عَلَيْهِ- فَكُنْتُ رَجُلًا مِنَ الْمُهَاجِرِينَ أُكْثِرُ اسْتِعْتَابَهُ- وَ أُقِلُّ عِتَابَهُ- وَ كَانَ طَلْحَةُ وَ الزُّبَيْرُ أَهْوَنُ سَيْرِهِمَا فِيهِ الْوَجِيفُ- وَ أَرْفَقُ حِدَائِهِمَا الْعَنِيفُ- وَ كَانَ مِنْ عَائِشَةَ فِيهِ فَلْتَةُ غَضَبٍ- فَأُتِيحَ لَهُ قَوْمٌ قَتَلُوهُ- وَ بَايَعَنِي النَّاسُ غَيْرَ مُسْتَكْرَهِينَ- وَ لَا مُجْبَرِينَ بَلْ طَائِعِينَ مُخَيَّرِينَ- وَ اعْلَمُوا أَنَّ دَارَ الْهِجْرَةِ قَدْ قَلَعَتْ بِأَهْلِهَا وَ قَلَعُوا بِهَا- وَ جَاشَتْ جَيْشَ الْمِرْجَلِ- وَ قَامَتِ الْفِتْنَةُ عَلَى الْقُطْبِ- فَأَسْرِعُوا إِلَى أَمِيرِكُمْ- وَ بَادِرُوا جِهَادَ عَدُوِّكُمْ إِنْ شَاءَ اللَّهُ قوله جبهة الأنصار- يمكن أن يريد جماعة الأنصار- فإن الجبهة في اللغة الجماعة- و يمكن أن يريد به سادة الأنصار و أشرافهم- لأن جبهة الإنسان أعلى أعضائه- و ليس يريد بالأنصار هاهنا بني قيلة- بل الأنصار هاهنا الأعوان- .

قوله ع و سنام العرب- أي أهل الرفعة و العلو منهم- لأن السنام أعلى أعضاء البعير- . قوله ع أكثر استعتابه و أقل عتابه- الاستعتاب طلب العتبى و هي الرضا- قال كنت أكثر طلب رضاه- و أقل عتابه و تعنيفه على الأمور- و أما طلحة و الزبير فكانا شديدين عليه- . و الوجيف سير سريع- و هذا مثل للمشمرين في الطعن عليه- حتى إن السير السريع أبطأ ما يسيران في أمره- و الحداء العنيف أرفق ما يحرضان به عليه- . و دار الهجرة المدينة- . و قوله قد قلعت بأهلها و قلعوا بها- الباء هاهنا زائدة في أحد الموضعين- و هو الأول و بمعنى من في الثاني- يقول فارقت أهلها و فارقوها- و منه قولهم هذا منزل قلعة- أي ليس بمستوطن- . و جاشت اضطربت و المرجل القدر- . و من لطيف الكلام قوله ع- فكنت رجلا من المهاجرين- فإن في ذلك من التخلص و التبري- ما لا يخفى على المتأمل- أ لا ترى أنه لم يبق عليه في ذلك حجة لطاعن- حيث كان قد جعل نفسه كواحد من عرض المهاجرين- الذين بنفر يسير منهم انعقدت خلافة أبي بكر- و هم أهل الحل و العقد- و إنما كان الإجماع حجة لدخولهم فيه- . و من لطيف الكلام أيضا قوله فأتيح له قوم قتلوه- و لم يقل أتاح الله له قوما- و لا قال أتاح له الشيطان قوما- و جعل الأمر مبهما- . و قد ذكر أن خط الرضي رحمه الله مستكرهين بكسر الراء- و الفتح أحسن و أصوب- و إن كان قد جاء استكرهت الشي ء بمعنى كرهته- . و قال الراوندي- المراد بدار الهجرة هاهنا الكوفة- التي هاجر أمير المؤمنين ع إليها و ليس بصحيح- بل المراد المدينة و سياق الكلام يقتضي ذلك- و لأنه كان حين كتب هذا الكتاب- إلى أهل الكوفة بعيدا عنهم- فكيف يكتب إليهم يخبرهم عن أنفسهم

أخبار علي عند مسيره إلى البصرة و رسله إلى أهل الكوفة

و روى محمد بن إسحاق- عن عمه عبد الرحمن بن يسار القرشي- قال لما نزل علي ع الربذة متوجها إلى البصرة- بعث إلى الكوفة محمد بن جعفر بن أبي طالب- و محمد بن أبي بكر الصديق- و كتب إليهم هذا الكتاب و

زاد في آخره فحسبي بكم إخوانا و للدين أنصارا- ف انْفِرُوا خِفافاً وَ ثِقالًا- وَ جاهِدُوا بِأَمْوالِكُمْ وَ أَنْفُسِكُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ- ذلِكُمْ خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ

و روى أبو مخنف قال حدثني الصقعب قال سمعت عبد الله بن جنادة يحدث أن عليا ع لما نزل الربذة- بعث هاشم بن عتبة بن أبي وقاص إلى أبي موسى الأشعري- و هو الأمير يومئذ على الكوفة لينفر إليه الناس- و كتب إليه معه- من عبد الله علي أمير المؤمنين إلى عبد الله بن قيس- أما بعد فإني قد بعثت إليك هاشم بن عتبة- لتشخص إلي من قبلك من المسلمين- ليتوجهوا إلى قوم نكثوا بيعتي و قتلوا شيعتي- و أحدثوا في الإسلام هذا الحدث العظيم- فاشخص بالناس إلي معه حين يقدم عليك- فإني لم أولك المصر الذي أنت فيه- و لم أقرك عليه إلا لتكون من أعواني على الحق- و أنصاري على هذا الأمر و السلام

فأما رواية محمد بن إسحاق فإنه قال- لما قدم محمد بن جعفر و محمد بن أبي بكر الكوفة- استنفرا الناس- فدخل قوم منهم على أبي موسى ليلا فقالوا له- أشر علينا برأيك في الخروج- مع هذين الرجلين إلى علي ع- فقال أما سبيل الآخرة فالزموا بيوتكم- و أما سبيل الدنيا فاشخصوا معهما- فمنع بذلك أهل الكوفة من الخروج- و بلغ ذلك المحمدين فأغلظا لأبي موسى- فقال أبو موسى و الله إن بيعة عثمان لفي عنق علي- و عنقي و أعناقكما- و لو أردنا قتالا ما كنا لنبدأ بأحد قبل قتلة عثمان- فخرجا من عنده فلحقا بعلي ع فأخبراه الخبر- . و أما رواية أبي مخنف فإنه قال- إن هاشم بن عتبة لما قدم الكوفة- دعا أبو موسى السائب بن مالك الأشعري- فاستشاره فقال اتبع ما كتب به إليك- فأبى ذلك و حبس الكتاب- و بعث إلى هاشم يتوعده و يخوفه- . قال السائب فأتيت هاشما فأخبرته برأي أبي موسى- فكتب إلى علي ع- لعبد الله علي أمير المؤمنين من هاشم بن عتبة- أما بعد يا أمير المؤمنين- فإني قدمت بكتابك على امرئ مشاق بعيد الود- ظاهر الغل و الشنآن فتهددني بالسجن- و خوفني بالقتل- و قد كتبت إليك هذا الكتاب- مع المحل بن خليفة أخي طيئ- و هو من شيعتك و أنصارك و عنده علم ما قبلنا- فاسأله عما بدا لك و اكتب إلي برأيك و السلام- . قال فلما قدم المحل بكتاب هاشم على علي ع- سلم عليه ثم قال- الحمد لله الذي أدى الحق إلى أهله- و وضعه موضعه- فكره ذلك قوم قد و الله كرهوا نبوة محمد ص- ثم بارزوه و جاهدوه- فرد الله عليهم كيدهم في نحورهم- و جعل دائرة السوء عليهم- و الله يا أمير المؤمنين لنجاهدنهم معك في كل موطن- حفظا لرسول الله ص في أهل بيته- إذ صاروا أعداء لهم بعده- . فرحب به علي ع و قال له خيرا- ثم أجلسه إلى جانبه و قرأ كتاب هاشم- و سأله عن الناس و عن أبي موسى- فقال و الله يا أمير المؤمنين- ما أثق به و لا آمنه على خلافك- إن وجد من يساعده على ذلك- فقال علي ع- و الله ما كان عندي بمؤتمن و لا ناصح- و لقد أردت عزله فأتاني الأشتر فسألني أن أقره- و ذكر أن أهل الكوفة به راضون فأقررته و

روى أبو مخنف قال و بعث علي ع من الربذة- بعد وصول المحل بن خليفة أخي طيئ- عبد الله بن عباس و محمد بن أبي بكر إلى أبي موسى- و كتب معهما- من عبد الله علي أمير المؤمنين إلى عبد الله بن قيس- أما بعد يا ابن الحائك يا عاض أير أبيه- فو الله إني كنت لأرى أن بعدك من هذا الأمر- الذي لم يجعلك الله له أهلا و لا جعل لك فيه نصيبا- سيمنعك من رد أمري و الانتزاء علي- و قد بعثت إليك ابن عباس و ابن أبي بكر- فخلهما و المصر و أهله- و اعتزل عملنا مذءوما مدحورا- فإن فعلت و إلا فإني قد أمرتهما- أن ينابذاك على سواء- إن الله لا يهدي كيد الخائنين- فإذا ظهرا عليك قطعاك إربا إربا- و السلام على من شكر النعمة- و وفى بالبيعة و عمل برجاء العاقبة

- . قال أبو مخنف- فلما أبطأ ابن عباس و ابن أبي بكر- عن علي ع- و لم يدر ما صنعا- رحل عن الربذة إلى ذي قار فنزلها- فلما نزل ذا قار بعث إلى الكوفة الحسن ابنه ع- و عمار بن ياسر و زيد بن صوحان- و قيس بن سعد بن عبادة و معهم كتاب إلى أهل الكوفة- فأقبلوا حتى كانوا بالقادسية فتلقاهم الناس- فلما دخلوا الكوفة قرءوا

كتاب علي و هو من عبد الله علي أمير المؤمنين- إلى من بالكوفة من المسلمين-

أما بعد فإني خرجت مخرجي هذا- إما ظالما و إما مظلوما- و إما باغيا و إما مبغيا علي- فأنشد الله رجلا بلغه كتابي هذا إلا نفر إلي- فإن كنت مظلوما أعانني- و إن كنت ظالما استعتبني و السلام

- . قال أبو مخنف- فحدثني موسى بن عبد الرحمن بن أبي ليلى- عن أبيه قال أقبلنا مع الحسن- و عمار بن ياسر من ذي قار- حتى نزلنا القادسية فنزل الحسن و عمار- و نزلنا معهما فاحتبى عمار بحمائل سيفه- ثم جعل يسأل الناس عن أهل الكوفة و عن حالهم- ثم سمعته يقول- ما تركت في نفسي حزة أهم إلي- من ألا نكون نبشنا عثمان من قبره ثم أحرقناه بالنار- .

قال فلما دخل الحسن و عمار الكوفة- اجتمع إليهما الناس فقام الحسن- فاستنفر الناس فحمد الله و صلى على رسوله ثم قال- أيها الناس- إنا جئنا ندعوكم إلى الله و إلى كتابه و سنة رسوله- و إلى أفقه من تفقه من المسلمين- و أعدل من تعدلون و أفضل من تفضلون- و أوفى من تبايعون من لم يعبه القرآن- و لم تجهله السنة و لم تقعد به السابقة- إلى من قربه الله تعالى إلى رسوله قرابتين- قرابة الدين و قرابة الرحم- إلى من سبق الناس إلى كل مأثرة- إلى من كفى الله به رسوله و الناس متخاذلون- فقرب منه و هم متباعدون و صلى معه و هم مشركون- و قاتل معه و هم منهزمون- و بارز معهم و هم محجمون و صدقه و هم يكذبون- إلى من لم ترد له رواية و لا تكافأ له سابقة- و هو يسألكم النصر و يدعوكم إلى الحق- و يأمركم بالمسير إليه- لتوازروه و تنصروه على قوم نكثوا بيعته- و قتلوا أهل الصلاح من أصحابه- و مثلوا بعماله و انتهبوا بيت ماله- فاشخصوا إليه رحمكم الله- فمروا بالمعروف و انهوا عن المنكر- و احضروا بما يحضر به الصالحون

- . قال أبو مخنف حدثني جابر بن يزيد- قال حدثني تميم بن حذيم الناجي- قال قدم علينا الحسن بن علي ع- و عمار بن ياسر يستنفران الناس إلى علي ع- و معهما كتابه فلما فرغا من قراءة كتابه- قام الحسن و هو فتى حدث- و الله إني لأرثي له من حداثة سنه و صعوبة مقامه- فرماه الناس بأبصارهم و هم يقولون- اللهم سدد منطق ابن بنت نبينا- فوضع يده على عمود يتساند إليه- و كان عليلا من شكوى به-

فقال الحمد لله العزيز الجبار الواحد القهار- الكبير المتعال- سواء منكم من أسر القول و من جهر به- و من هو مستخف بالليل و سارب بالنهار- أحمده على حسن البلاء و تظاهر النعماء- و على ما أحببنا و كرهنا من شدة و رخاء- و أشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له- و أن محمدا عبده و رسوله امتن علينا بنبوته- و اختصه برسالته و أنزل عليه وحيه- و اصطفاه على جميع خلقه و أرسله إلى الإنس و الجن- حين عبدت الأوثان و أطيع الشيطان- و جحد الرحمن فصلى الله عليه و على آله و جزاه أفضل ما جزى المسلمين- أما بعد فإني لا أقول لكم إلا ما تعرفون- إن أمير المؤمنين علي بن أبي طالب- أرشد الله أمره و أعز نصره- بعثني إليكم يدعوكم إلى الصواب- و إلى العمل بالكتاب و الجهاد في سبيل الله- و إن كان في عاجل ذلك ما تكرهون- فإن في آجله ما تحبون إن شاء الله- و لقد علمتم أن عليا صلى مع رسول الله ص وحده- و إنه يوم صدق به لفي عاشرة من سنه- ثم شهد مع رسول الله ص جميع مشاهده- و كان من اجتهاده في مرضاة الله و طاعة رسوله- و آثاره الحسنة في الإسلام ما قد بلغكم- و لم يزل رسول الله ص راضيا عنه- حتى غمضه بيده و غسله وحده- و الملائكة أعوانه و الفضل ابن عمه ينقل إليه الماء- ثم أدخله حفرته و أوصاه بقضاء دينه و عداته- و غير ذلك من أموره- كل ذلك من من الله عليه- ثم و الله ما دعا إلى نفسه- و لقد تداك الناس عليه- تداك الإبل الهيم عند ورودها- فبايعوه طائعين- ثم نكث منهم ناكثون بلا حدث أحدثه- و لا خلاف أتاه حسدا له و بغيا عليه- فعليكم عباد الله بتقوى الله و طاعته- و الجد و الصبر و الاستعانة بالله-

و الخفوف إلى ما دعاكم إليه أمير المؤمنين- عصمنا الله و إياكم بما عصم به أولياءه و أهل طاعته- و ألهمنا و إياكم تقواه- و أعاننا و إياكم على جهاد أعدائه- و أستغفر الله العظيم لي و لكم

ثم مضى إلى الرحبة فهيأ منزلا لأبيه أمير المؤمنين- . قال جابر فقلت لتميم- كيف أطاق هذا الغلام ما قد قصصته من كلامه- فقال و لما سقط عني من قوله أكثر- و لقد حفظت بعض ما سمعت- . قال و لما نزل علي ع ذا قار- كتبت عائشة إلى حفصة بنت عمر أما بعد- فإني أخبرك أن عليا قد نزل ذا قار- و أقام بها مرعوبا خائفا لما بلغه من عدتنا و جماعتنا- فهو بمنزلة الأشقر- إن تقدم عقر و إن تأخر نحر- فدعت حفصة جواري لها يتغنين و يضربن بالدفوف- فأمرتهن أن يقلن في غنائهن- ما الخبر ما الخبر علي في السفر كالفرس الأشقر- إن تقدم عقر و إن تأخر نحر- . و جعلت بنات الطلقاء يدخلن على حفصة- و يجتمعن لسماع ذلك الغناء- . فبلغ أم كلثوم بنت علي ع فلبست جلابيبها- و دخلت عليهن في نسوة متنكرات- ثم أسفرت عن وجهها فلما عرفتها حفصة خجلت- و استرجعت فقالت أم كلثوم- لئن تظاهرتما عليه منذ اليوم- لقد تظاهرتما على أخيه من قبل فأنزل الله فيكما ما أنزل- فقالت حفصة كفى رحمك الله- و أمرت بالكتاب فمزق و استغفرت الله- . قال أبو مخنف- روى هذا جرير بن يزيد عن الحكم- و رواه الحسن بن دينار عن الحسن البصري و ذكر الواقدي مثل ذلك- و ذكر المدائني أيضا مثله- قال فقال سهل بن حنيف في ذلك هذه الأشعار-

  • عذرنا الرجال بحرب الرجالفما للنساء و ما للسباب
  • أ ما حسبنا ما أتينا به لك الخير من هتك ذاك الحجاب
  • و مخرجها اليوم من بيتهايعرفها الذنب نبح الكلاب
  • إلى أن أتانا كتاب لها مشوم فيا قبح ذاك الكتاب

- . قال فحدثنا الكلبي عن أبي صالح- أن عليا ع لما نزل ذا قار في قلة من عسكره- صعد الزبير منبر البصرة- فقال أ لا ألف فارس أسير بهم إلى علي- فأبيته بياتا و أصبحه صباحا- قبل أن يأتيه المدد- فلم يجبه أحد فنزل واجما- و قال هذه و الله الفتنة التي كنا نحدث بها- فقال له بعض مواليه رحمك الله يا أبا عبد الله- تسميها فتنة ثم نقاتل فيها- فقال ويحك و الله إنا لنبصر ثم لا نصبر- فاسترجع المولى ثم خرج في الليل فارا- إلى علي ع فأخبره فقال اللهم عليك به- . قال أبو مخنف- و لما فرغ الحسن بن علي ع من خطبته- قام بعده عمار فحمد الله و أثنى عليه- و صلى على رسوله ثم قال أيها الناس- أخو نبيكم و ابن عمه يستنفركم لنصر دين الله- و قد بلاكم الله بحق دينكم- و حرمة أمكم فحق دينكم أوجب و حرمته أعظم- أيها الناس عليكم بإمام لا يؤدب- و فقيه لا يعلم و صاحب بأس لا ينكل- و ذي سابقة في الإسلام ليست لأحد- و إنكم لو قد حضرتموه بين لكم أمركم إن شاء الله- . قال فلما سمع أبو موسى خطبة الحسن و عمار- قام فصعد المنبر و قال- الحمد لله الذي أكرمنا بمحمد فجمعنا بعد الفرقة- و جعلنا إخوانا متحابين بعد العداوة- و حرم علينا دماءنا و أموالنا قال الله سبحانه- وَ لا تَأْكُلُوا أَمْوالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْباطِلِ- و قال تعالى وَ مَنْ يَقْتُلْ مُؤْمِناً مُتَعَمِّداً فَجَزاؤُهُ جَهَنَّمُ خالِداً فِيها- فاتقوا الله عباد الله و ضعوا أسلحتكم- و كفوا عن قتال إخوانكم- . أما بعد يا أهل الكوفة إن تطيعوا الله باديا- و تطيعوني ثانيا تكونوا جرثومة من جراثيم العرب- يأوي إليكم المضطر و يأمن فيكم الخائف- إن عليا إنما يستنفركم لجهاد أمكم عائشة- و طلحة و الزبير حواري رسول الله- و من معهم من المسلمين- و أنا أعلم بهذه الفتن أنها إذا أقبلت شبهت- و إذا أدبرت أسفرت- إني أخاف عليكم أن يلتقي غاران منكم فيقتتلا- ثم يتركا كالأحلاس الملقاة بنجوة من الأرض- ثم يبقى رجرجة من الناس- لا يأمرون بالمعروف و لا ينهون عن منكر- إنها قد جاءتكم فتنة كافرة لا يدرى من أين تؤتى- تترك الحليم حيران- كأني أسمع رسول الله ص بالأمس يذكر الفتن- فيقول أنت فيها نائما خير منك قاعدا- و أنت فيها جالسا خير منك قائما- و أنت فيها قائما خير منك ساعيا- فثلموا سيوفكم و قصفوا رماحكم- و انصلوا سهامكم و قطعوا أوتاركم- و خلوا قريشا ترتق فتقها- و ترأب صدعها فإن فعلت فلأنفسها ما فعلت- و إن أبت فعلى أنفسها ما جنت سمنها في أديمها- استنصحوني و لا تستغشوني- و أطيعوني و لا تعصوني- يتبين لكم رشدكم و يصلى هذه الفتنة من جناها- فقام إليه عمار بن ياسر فقال- أنت سمعت رسول الله ص يقول ذلك- قال نعم هذه يدي بما قلت- فقال إن كنت صادقا فإنما عناك بذلك وحدك- و اتخذ عليك الحجة- فالزم بيتك و لا تدخلن في الفتنة- أما إني أشهد أن رسول الله ص- أمر عليا بقتال الناكثين- و سمى له فيهم من سمى- و أمره بقتال القاسطين- و إن شئت لأقيمن لك شهودا يشهدون- أن رسول الله ص إنما نهاك وحدك- و حذرك من الدخول في الفتنة- ثم قال له أعطني يدك على ما سمعت- فمد إليه يده- فقال له عمار غلب الله من غالبه و جاهده- ثم جذبه فنزل عن المنبر- . و روى محمد بن جرير الطبري في التاريخ- قال لما أتى عليا ع الخبر و هو بالمدينة- بأمر عائشة و طلحة و الزبير- و أنهم قد توجهوا نحو العراق- خرج يبادر و هو يرجو أن يدركهم و يردهم- فلما انتهى إلى الربذة أتاه عنهم أنهم قد أمعنوا- فأقام بالربذة أياما- و أتاه عنهم أنهم يريدون البصرة فسر بذلك- و قال إن أهل الكوفة أشد لي حبا- و فيهم رؤساء العرب و أعلامهم- فكتب إليهم- إني قد اخترتكم على الأمصار و إني بالأثر- .

قال أبو جعفر محمد بن جرير رحمه الله كتب علي ع من الربذة إلى أهل الكوفة- أما بعد فإني قد اخترتكم- و آثرت النزول بين أظهركم- لما أعرف من مودتكم و حبكم لله و رسوله- فمن جاءني و نصرني فقد أجاب الحق- و قضى الذي عليه

- . قال أبو جعفر- فأول من بعثه علي ع من الربذة إلى الكوفة- محمد بن أبي بكر و محمد بن جعفر- فجاء أهل الكوفة إلى أبي موسى و هو الأمير عليهم- ليستشيروه في الخروج إلى علي بن أبي طالب ع- فقال لهم أما سبيل الآخرة فأن تقعدوا- و أما سبيل الدنيا فأن تخرجوا- . و بلغ المحمدين قول أبي موسى الأشعري- فأتياه و أغلظا له فأغلظ لهما- و قال لا يحل لك القتال مع علي- حتى لا يبقى أحد من قتلة عثمان إلا قتل- حيث كان- و قالت أخت علي بن عدي- من بني عبد العزى بن عبد شمس- و كان أخوها علي بن عدي من شيعة علي ع- و في جملة عسكره-

  • لا هم فاعقر بعلي جملهو لا تبارك في بعير حمله

ألا علي بن عدي ليس له

- . قال أبو جعفر ثم أجمع علي ع على المسير- من الربذة إلى البصرة- فقام إليه رفاعة بن رافع- فقال يا أمير المؤمنين- أي شي ء تريد و أين تذهب بنا- قال أما الذي نريد و ننوي فإصلاح- إن قبلوا منا و أجابوا إليه- قال فإن لم يقبلوا- قال ندعوهم و نعطيهم من الحق ما نرجو أن يرضوا به- قال فإن لم يرضوا قال ندعهم ما تركونا- قال فإن لم يتركونا- قال نمتنع منهم قال فنعم إذا- . و قام الحجاج بن غزية الأنصاري- فقال و الله يا أمير المؤمنين لأرضينك بالفعل- كما أرضيتني منذ اليوم بالقول ثم قال-

  • دراكها دراكها قبل الفوتو انفر بنا و اسم بنا نحو الصوت

لا وألت نفسي إن خفت الموت

و لله لننصرن الله عز و جل كما سمانا أنصارا- . قال أبو جعفر رحمه الله- و سار علي ع نحو البصرة- و رأيته مع ابنه محمد بن الحنفية- و على ميمنته عبد الله بن عباس- و على ميسرته عمر بن أبي سلمة- و علي ع في القلب على ناقة حمراء- يقود فرسا كميتا- فتلقاه بفيد غلام من بني سعد بن ثعلبة يدعى مرة- فقال من هؤلاء- قيل هذا أمير المؤمنين فقال- سفرة قانية فيها دماء من نفوس فانية- فسمعها علي ع فدعاه- فقال ما اسمك قال مرة- قال أمر الله عيشك أ كاهن سائر اليوم- قال بل عائف فخلى سبيله- و نزل بفيد فأتته أسد و طيئ- فعرضوا عليه أنفسهم- فقال الزموا قراركم ففي المهاجرين كفاية- . و قدم رجل من الكوفة فيدا- فأتى عليا ع فقال له من الرجل- قال عامر بن مطرف- قال الليثي قال الشيباني- قال أخبرني عما وراءك- قال إن أردت الصلح فأبو موسى صاحبك- و إن أردت القتال فأبو موسى ليس لك بصاحب- فقال ع ما أريد إلا الصلح إلا أن يرد علينا

قال أبو جعفر و قدم عليه عثمان بن حنيف- و قد نتف طلحة و الزبير شعر رأسه و لحيته و حاجبيه- فقال يا أمير المؤمنين- بعثتني ذا لحية و جئتك أمرد- فقال أصبت خيرا و أجرا- ثم قال أيها الناس إن طلحة و الزبير بايعاني- ثم نكثاني بيعتي و ألبا علي الناس- و من العجب انقيادهما لأبي بكر و عمر و خلافهما علي- و الله إنهما ليعلمان أني لست بدونهما- اللهم فاحلل ما عقدا- و لا تبرم ما قد أحكما في أنفسهما- و أرهما المساءة فيما قد عملا

- . قال أبو جعفر- و عاد محمد بن أبي بكر و محمد بن جعفر إلى علي ع- فلقياه و قد انتهى إلى ذي قار فأخبراه الخبر- فقال علي ع لعبد الله بن العباس- اذهب أنت إلى الكوفة فادع أبا موسى إلى الطاعة- و حذره من العصيان و الخلاف و استنفر الناس- فذهب عبد الله بن عباس حتى قدم الكوفة- فلقي أبا موسى و اجتمع الرؤساء من أهل الكوفة- فقام أبو موسى فخطبهم و قال- إن أصحاب رسول الله ص صحبوه في مواطن كثيرة- فهم أعلم بالله ممن لم يصحبه- و إن لكم علي حقا و أنا مؤديه إليكم- أمر ألا تستخفوا بسلطان الله- و ألا تجترءوا على الله أن تأخذوا كل من قدم عليكم- من أهل المدينة في هذا الأمر فتردوه إلى المدينة- حتى تجتمع الأمة على إمام ترتضي به- إنها فتنة صماء النائم فيها خير من اليقظان- و اليقظان خير من القاعد و القاعد خير من القائم- و القائم خير من الراكب- فكونوا جرثومة من جراثيم العرب- أغمدوا سيوفكم و أنصلوا أسنتكم- و اقطعوا أوتار قسيكم- حتى يلتئم هذا الأمر و تنجلي هذه الفتنة- . قال أبو جعفر رحمه الله- فرجع ابن عباس إلى علي ع فأخبره- فدعا الحسن ابنه ع و عمار بن ياسر- و أرسلهما إلى الكوفة- فلما قدماها كان أول من أتاهما مسروق بن الأجدع- فسلم عليهما و أقبل على عمار- فقال يا أبا اليقظان علام قتلتم أمير المؤمنين- قال على شتم أعراضنا و ضرب أبشارنا- قال فو الله ما عاقبتم بمثل ما عوقبتم به- و لئن صبرتم لكان خيرا للصابرين- ثم خرج أبو موسى فلقي الحسن ع فضمه إليه- و قال لعمار يا أبا اليقظان- أ غدوت فيمن غدا على أمير المؤمنين- و أحللت نفسك مع الفجار- قال لم أفعل و لم تسوءني- فقطع عليهما الحسن و قال لأبي موسى- يا أبا موسى لم تثبط الناس عنا- فو الله ما أردنا إلا الإصلاح- و ما مثل أمير المؤمنين يخاف على شي ء- قال أبو موسى صدقت بأبي و أمي- و لكن المستشار مؤتمن- سمعت رسول الله ص يقول- ستكون فتنة و ذكر تمام الحديث- فغضب عمار و ساءه ذلك و قال أيها الناس- إنما قال رسول الله ص ذلك له خاصة- و قام رجل من بني تميم- فقال لعمار اسكت أيها العبد- أنت أمس مع الغوغاء و تسافه أميرنا اليوم- و ثار زيد بن صوحان و طبقته فانتصروا لعمار- و جعل أبو موسى يكف الناس و يردعهم عن الفتنة- ثم انطلق حتى صعد المنبر- و أقبل زيد بن صوحان و معه كتاب من عائشة إليه خاصة- و كتاب منها إلى أهل الكوفة عامة- تثبطهم عن نصرة علي و تأمرهم بلزوم الأرض- و قال أيها الناس انظروا إلى هذه- أمرت أن تقر في بيتها- و أمرنا نحن أن نقاتل حتى لا تكون فتنة- فأمرتنا بما أمرت به و ركبت ما أمرنا به- فقام إليه شبث بن ربعي فقال له- و ما أنت و ذاك أيها العماني الأحمق- سرقت أمس بجلولاء فقطعك الله و تسب أم المؤمنين- فقام زيد و شال يده المقطوعة- و أومأ بيده إلى أبي موسى و هو على المنبر- و قال له يا عبد الله بن قيس أ ترد الفرات عن أمواجه- دع عنك ما لست تدركه ثم قرأ- الم أَ حَسِبَ النَّاسُ أَنْ يُتْرَكُوا- أَنْ يَقُولُوا آمَنَّا... الآيتين- ثم نادى سيروا إلى أمير المؤمنين و صراط سيد المرسلين- و انفروا إليه أجمعين- و قام الحسن بن علي ع- فقال أيها الناس أجيبوا دعوة إمامكم- و سيروا إلى إخوانكم- فإنه سيوجد لهذا الأمر من ينفر إليه- و الله لأن يليه أولو النهى- أمثل في العاجلة و خير في العاقبة- فأجيبوا دعوتنا و أعينونا على أمرنا أصلحكم الله- . و قام عبد خير فقال يا أبا موسى- أخبرني عن هذين الرجلين- أ لم يبايعا عليا قال بلى- قال أ فأحدث علي حدثا يحل به نقض بيعته- قال لا أدري قال لا دريت و لا أتيت- إذا كنت لا تدري فنحن تاركوك حتى تدري- أخبرني هل تعلم أحدا خارجا عن هذه الفرق الأربع- علي بظهر الكوفة و طلحة و الزبير بالبصرة- و معاوية بالشام و فرقة رابعة بالحجاز- قعود لا يجبى بهم في ء و لا يقاتل بهم عدو- فقال أبو موسى أولئك خير الناس- قال عبد خير اسكت يا أبا موسى- فقد غلب عليك غشك- . قال أبو جعفر- و أتت الأخبار عليا ع باختلاف الناس بالكوفة- فقال للأشتر- أنت شفعت في أبي موسى أن أقره على الكوفة- فاذهب فأصلح ما أفسدت- فقام الأشتر فشخص نحو الكوفة- فأقبل حتى دخلها و الناس في المسجد الأعظم- فجعل لا يمر بقبيلة إلا دعاهم- و قال اتبعوني إلى القصر- حتى وصل القصر فاقتحمه- و أبو موسى يومئذ يخطب الناس على المنبر و يثبطهم- و عمار يخاطبه و الحسن ع يقول- اعتزل عملنا و تنح عن منبرنا لا أم لك- . قال أبو جعفر فروى أبو مريم الثقفي- قال و الله إني لفي المسجد يومئذ- إذ دخل علينا غلمان أبي موسى- يشتدون و يبادرون أبا موسى- أيها الأمير هذا الأشتر قد جاء- فدخل القصر فضربنا و أخرجنا- فنزل أبو موسى من المنبر و جاء حتى دخل القصر- فصاح به الأشتر اخرج من قصرنا لا أم لك- أخرج الله نفسك- فو الله إنك لمن المنافقين قديما- قال أجلني هذه العشية قال قد أجلتك- و لا تبيتن في القصر الليلة- و دخل الناس ينتهبون متاع أبي موسى- فمنعهم الأشتر و قال إني قد أخرجته و عزلته عنكم- فكف الناس حينئذ عنه- .

قال أبو جعفر فروى الشعبي- عن أبي الطفيل قال قال علي ع يأتيكم من الكوفة اثنا عشر ألف رجل و رجل واحد

- فو الله لقعدت على نجفة ذي قار- فأحصيتهم واحدا واحدا- فما زادوا رجلا و لا نقصوا رجلا

فصل في نسب عائشة و أخبارها

و ينبغي أن نذكر في هذا الموضع- طرفا من نسب عائشة و أخبارها- و ما يقوله أصحابنا المتكلمون فيها- جريا على عادتنا في ذكر مثل ذلك- كلما مررنا بذكر أحد من الصحابة- أما نسبها فإنها ابنة أبي بكر- و قد ذكرنا نسبه فيما تقدم- و أمها أم رومان ابنة عامر بن عويمر- بن عبد شمس بن عتاب بن أذينة بن سبيع- بن دهمان بن الحارث بن تميم بن مالك بن كنانة- تزوجها رسول الله ص بمكة قبل الهجرة بسنتين- و قيل بثلاث و هي بنت ست سنين- و قيل بنت سبع سنين- و بنى عليها بالمدينة و هي بنت تسع لم يختلفوا في ذلك- . و كانت تذكر لجبير بن مطعم و تسمى له- و ورد في الأخبار الصحيحة- أن رسول الله ص أري عائشة في المنام في سرقة حرير- متوفى خديجة رضي الله عنها- فقال إن يكن هذا من عند الله يمضه- فتزوجها بعد موت خديجة بثلاث سنين- و تزوجها في شوال و أعرس بها بالمدينة في شوال- على رأس ثمانية عشر شهرا من مهاجره إلى المدينة- . و قال ابن عبد البر في كتاب الإستيعاب- كانت عائشة تحب أن تدخل النساء- من أهلها و أحبتها في شوال على أزواجهن- و تقول هل كان في نسائه أحظى عنده مني- و قد نكحني و بنى علي في شوال- . قلت قرئ هذا الكلام على بعض الناس- فقال كيف رأت الحال بينها و بين أحمائها- و أهل بيت زوجها- . و روى أبو عمر بن عبد البر في الكتاب المذكور- أن رسول الله ص توفي عنها- و هي بنت ثمان عشرة سنة- فكان سنها معه تسع سنين و لم ينكح بكرا غيرها- و استأذنت رسول الله ص في الكنية- فقال لها اكتني بابنك عبد الله بن الزبير- يعني ابن أختها- فكانت كنيتها أم عبد الله- و كانت فقيهة عالمة بالفرائض و الشعر و الطب- .

و روي أن النبي ص قال فضل عائشة على النساء كفضل الثريد على الطعام

- و أصحابنا يحملون لفظة النساء- في هذا الخبر على زوجاته- لأن فاطمة ع عندهم أفضل منها

لقوله ص إنها سيدة نساء العالمين

- . و قذفت بصفوان بن المعطل السلمي في سنة ست- منصرف رسول الله ص من غزاة بني المصطلق و كانت معه- فقال فيها أهل الإفك ما قالوا- و نزل القرآن ببراءتها- . و قوم من الشيعة زعموا- أن الآيات التي في سورة النور لم تنزل فيها- و إنما أنزلت في مارية القبطية- و ما قذفت به مع الأسود القبطي- و جحدهم لإنزال ذلك في عائشة جحد- لما يعلم ضرورة من الأخبار المتواترة- ثم كان من أمرها و أمر حفصة- و ما جرى لهما مع رسول الله ص- في الأمر الذي أسره على إحداهما- ما قد نطق الكتاب العزيز به- و اعتزل رسول الله ص نساءه كلهن- و اعتزلهما معهن ثم صالحهن- و طلق حفصة ثم راجعها- و جرت بين عائشة و فاطمة إبلاغات و حديث يوغر الصدور- فتولد بين عائشة و بين علي ع نوع ضغينة- و انضم إلى ذلك إشارته على رسول الله ص- في قصة الإفك بضرب الجارية و تقريرها- و قوله إن النساء كثير- . ثم جرى حديث صلاة أبي بكر بالناس- فتزعم الشيعة أن رسول الله ص لم يأمر بذلك- و أنه إنما صلى بالناس عن أمر عائشة ابنته- و أن رسول الله ص خرج متحاملا و هو مثقل- فنحاه عن المحراب- و زعم معظم المحدثين أن ذلك كان- عن أمر رسول الله ص و قوله- ثم اختلفوا فمنهم من قال نحاه و صلى هو بالناس- و منهم من قال بل ائتم بأبي بكر كسائر الناس- و منهم من قال- كان الناس يصلون بصلاة أبي بكر- و أبو بكر يصلي بصلاة رسول الله ص- . ثم كان منها في أمر عثمان و تضريب الناس عليه- ما قد ذكرناه في مواضعه ثم تلا ذلك يوم الجمل- . و اختلف المتكلمون في حالها- و حال من حضر واقعة الجمل- فقالت الإمامية كفر أصحاب الجمل كلهم- الرؤساء و الأتباع- و قال قوم من الحشوية و العامة- اجتهدوا فلا إثم عليهم- و لا نحكم بخطئهم و لا خطإ علي ع و أصحابه- . و قال قوم من هؤلاء بل نقول- أصحاب الجمل أخطئوا و لكنه خطأ مغفور- و كخطإ المجتهد في بعض مسائل الفروع- عند من قال بالأشبه- و إلى هذا القول يذهب أكثر الأشعرية- . و قال أصحابنا المعتزلة كل أهل الجمل هالكون- إلا من ثبتت توبته منهم- قالوا و عائشة ممن ثبتت توبتها- و كذلك طلحة و الزبير- أما عائشة فإنها اعترفت لعلي ع يوم الجمل- بالخطإ و سألته العفو- و قد تواترت الرواية عنها بإظهار الندم- و أنها كانت تقول- ليته كان لي من رسول الله ص بنون عشرة- كلهم مثل عبد الرحمن بن الحارث بن هشام- و ثكلتهم و لم يكن يوم الجمل- و أنها كانت تقول ليتني مت قبل يوم الجمل- و أنها كانت إذا ذكرت ذلك اليوم تبكي حتى تبل خمارها- و أما الزبير فرجع عن الحرب- معترفا بالخطإ لما أذكره علي ع ما أذكره- و أما طلحة فإنه مر به و هو صريع فارس- فقال له قف فوقف- قال من أي الفريقين أنت- قال من أصحاب أمير المؤمنين- قال أقعدني فأقعده- فقال امدد يدك أبايعك لأمير المؤمنين فبايعه- .

و قال شيوخنا ليس لقائل أن يقول- ما يروى من أخبار الآحاد بتوبتهم- لا يعارض ما علم قطعا من معصيتهم- قالوا لأن التوبة إنما يحكم بها للمكلف- على غالب الظن في جميع المواضع لا على القطع- أ لا ترى أنا نجوز- أن يكون من أظهر التوبة منافقا و كاذبا- فبان أن المرجع في قبولها- في كل موضع إنما هو إلى الظن- فجاز أن يعارض ما علم من معصيتهم بما يظن من توبتهم

( . شرح نهج البلاغه ابن ابی الحدید، ج14، ص 6-25)

شرح نهج البلاغه منظوم

(1) من كتاب لّه عليه السّلام (إلى أهل الكوفة عند مسيره من المدينة إلى البصرة:)

من عبد اللّه علىّ أمير المؤمنين إلى أهل الكوفة جبهة الأنصار و سنام العرب.

أمّا بعد، فإنّى أخبركم عن أمر عثمان حتّى يكون سمعه كعيانه إنّ النّاس طعنوا عليه فكنت رجلا مّن المهاجرين أكثر استعبابه، و أقلّ عتابه، و كان طلحة و الزّبير أهون سيرهما فيه آلوجيف، و أرفق حدائهما العنيف، و كان من عائشة فيه فلتة غضب، فأتيح له قوم قتلوه، و بايعنى النّاس غير مستكرهين، و لا مجبرين بل طائعين مخيّرين.

و اعلموا أنّ دار الهجرة قد قلعت بأهلها و قلعوا بها، و جاشت جيش المرجل، و قامت الفتنة على القطب، فأسرعوا إلى أميركم، و بادروا جهاد عدوّكم، إن شاء اللّه.

ترجمه

بابى است كه در آن گزيده و گلچين گرديده است نامه ها، و مراسلاتى كه حضرت أمير المؤمنين (سلام اللّه عليه) بدشمنان و فرمانداران خويش در شهرستانهاى (كشور) خود نگاشته اند: از نامه هاى آن حضرت عليه السّلام است هنگامى كه از مدينه بسوى بصره (براى جنگيدن با طلحة و زبير) مى رفت باهل كوفه نگاشته (و اين نامه را بتوسط حضرت امام حسن (ع) و عمّار ياسر فرستاده اند) (نامه ايست) از بنده خداى علىّ (ابن ابي طالب) أمير المؤمنين بسوى اهل كوفه كه ياران (دين) و رئيس و گروه عرب را بزرگانند، پس از ستايش خداوند و درود بروان رسول اكرم صلّى اللّه عليه و آله و سلّم، البتّه من شما را از كار عثمان بدانسان آگهى مى فرستم كه شنيدنش همچون ديدنش باشد (و حقيقت امر كاملا بر شما روشن گردد) مردم عثمان را (براى كردار ناپسندش) نكوهيدند، و من هم يكى از گروه مهاجرين بودم كه در خوشنودى خاطر مردم از او بسيار كوشيده، و سرزنشش را كم كردم (و مردم را از شورش بر او بآرامش دعوت مى نمودم) امّا طلحه و زبير (كه از روى جاه طلبى امروز بخونخواهى وى برخاسته اند) كوچكترين روششان در باره وى شتاب در كشتن، و نرم ترين رفتارشان تند راندن بود (آنها مى خواستند عثمان زودتر كشته شود، بلكه خودشان خلافت را تصاحب كنند) و عايشه هم در باره (كشتن) وى ناگهان بتندى و خشم گرائيد (و فرمان قتلش را صادر كرد) آن گاه گروهى كه كشتنش را آماده بودند او را كشتند و از آن پس مردم بدون كراهت و اجبار بلكه (با طيب خاطر) از روى رغبت و اختيار با من بيعت كردند (و بخلافتم برگزيدند، اى مردم كوفه) بدانيد كه (پاى تخت از) دار هجرت (مدينه كه ديگر صلاحيّت مركزيّت ممالك اسلامى را ندارد) كنده شد، مردمش هم دل از آن بركندند، زيرا (كه در آن شهر) فساد و تبهكارى بر پايه خود ايستاده، و همچون ديگ جوشان بجوش افتاد، بنا بر اين بخواست خداوند، شما بسوى امير خويش بشتابيد، و پيكار با دشمنان را پيش دستى كنيد (براى جنگ با طلحه و زبير آماده باشيد)

نظم

  • در اين فصل آنچه گوهر شه سرشته بهر كس نامه مدح و ذمّ نوشته
  • بيك نامه ستوده دوستان را نكوهيده بديگر دشمنان را
  • در اين محفل همه گرد است و جمع است فروزان هر يكى مانند شمع است
  • و ز اين گلبن نخستين آن شكوفه است كز آن خوشبو مشام اهل كوفه است
  • چو اصحاب جمل كج راه برداشت باهل كوفه شه اين نامه بنگاشت
  • بود اين نامه از بنده خداوند على در باغ دين آن سرو دلبند
  • بسوى كوفيان كه خيل دين اند عرب را سرور و ركنى ركين اند
  • كه عثمان گر كه آمد كشته ناگاه ز امرش من نمايمتان خوش آگاه
  • بدانسانكه ز من گر آن شنيديد چنان باشد كه نشنيديد و ديديد
  • شوم زين كار طورى پرده افكن كه گردد حق هويدا صاف و روشن
  • چو بر عثمان فراوان شد نكوهش من از مردم بر او خواهان پوزش
  • بسا خاطر كز او خوشنود كردم بسا دل زنگ كينش زان ستردم
  • نمودم از سر او سرزنش كم رضاى خلق بهر وى فراهم
  • زبير و طلحه كه اكنون دو ياراند مرا او را طالب خون اند و ثاراند
  • بدست از خون عثمان كرده آلت مگر يابند فرمان در ايالت
  • بحقّ وى همان كوچكترين كار از آنان بد شتاب قتل و كشتار
  • سبب بر ريزش خونش ز نرمى شده با خلق از تندىّ و گرمى
  • عروس ملك را فكر تصاحب نموده سخت عثمان را تعاقب
  • حميرا نيز از وى بر سر خشم شد و بر دوخت يكباره ز وى چشم
  • به قتلش مردم از هر سو برانگيخت كه تا خون دلش بر خاك ره ريخت
  • از آن پس مردمان با طيب خاطر پى بيعت بمن گشتند حاضر
  • پذيرش را شدم هر چند تن زن نپذيرفتند مردم هيچ از من
  • ز روى ميل دستم را گشودند تمامى بيعتم از جان نمودند
  • بدانيد آنكه در شهر مدينه چو ميباشد فروزان نار كينه
  • اگر چه هست دارد دين و هجرت نمى شايد براى مركزيّت
  • بدان مردم نمى باشند دلبند وز آن بايست پايتخت را كند
  • كه در اين شهر گشته فتنه برپاى كشد هر دم تباهى نعره از ناى
  • چو آن ديكى كز آتش گشته جوشان فساد آنسان در آن از دل خروشان
  • چو بر پيكار خصمم نيك جازم سوى شهر شمايم نيز عازم
  • امير خويش را فرمان گذاريد پى اندر كار رزم و كين فشاريد
  • بدور از خويشتن سازيد سستى كنيد از دل بدشمن پيش دستى
  • بر او بنديد راه كين ز هر باب وجودش از زمين نابود و ناياب

( . شرح نهج البلاغه منظوم، ج7، ص 2-6)