| 
                     71- و من كتاب له عليه السّلام إلى عبد اللّه بن العباس 
                    أَمَّا بَعْدُ فَإِنَّكَ لَسْتَ بِسَابِقٍ أَجَلَكَ- وَ لَا مَرْزُوقٍ مَا لَيْسَ لَكَ- وَ اعْلَمْ بِأَنَّ الدَّهْرَ يَوْمَانِ- يَوْمٌ لَكَ وَ يَوْمٌ عَلَيْكَ- وَ أَنَّ الدُّنْيَا دَارُ دُوَلٍ- فَمَا كَانَ مِنْهَا لَكَ أَتَاكَ عَلَى ضَعْفِكَ- وَ مَا كَانَ مِنْهَا عَلَيْكَ لَمْ تَدْفَعْهُ بِقُوَّتِكَ 
                    أقول: الفصل موعظة. و نبّهه فيها على دقايق: 
                    أحديها: أنّه لا يسبق أجله. 
                    و لمّا كان الأجل هو الوقت الّذي علم اللّه أنّ زيدا يموت فيه لم يمكن أن يموت زيد دونه لأنّ ذلك يستلزم انقلاب علم اللّه جهلا و أنّه محال. 
                    الثانية: و لا مرزوق ما ليس له 
                    أى ما علم اللّه أنّه ليس رزقا له فمحال أن يرزق إيّاه لما بيّناه. 
                    الثالثة: أعلمه أنّ الدهر يومان: 
                    يوم له و هو اليوم الّذى فيه المنافع كاللذّة و كمالاتها، و يوم عليه و هو ما يكون عليه فيه المضرّة كالألم و ما يستلزمه و ذلك معنى كون الدنيا دار دول كما قال تعالى وَ تِلْكَ الْأَيَّامُ نُداوِلُها بَيْنَ النَّاسِ«». 
                    الرابعة: أعلمه بأنّ ما كان له من خير الدنيا أتاه على ضعفه 
                    و إن كان أمرا كبيرا لعلم اللّه سبحانه بأنّه يصل إليه، و كذلك ما كان عليه من شرّها لم يتمكّن من دفعه و إن كان قويّا. و ذكر الضعف و القوّة ليعلم استناد الأمور و الأرزاق إلى مدبّر حكيم هو مفيضها و مبدء أسبابها و ناظم وجودها و مقسّم كمالاتها و معطى كلّ منها ما استعدّ له من خير أو شرّ. فقد يحصل الضعف للحيوان و يرزق رزقا واسعا و يكون ضعفه من الأسباب المعدّة لسعة رزقه، و بالعكس قد تحصل له القوّة فتكون من أسباب الحرمان. و اللّه من ورائهم محيط و هو الرزاق ذو القوّة المتين. 
                    ( . شرح نهج البلاغه ابن میثم، ج5، ص 228و229) 
                 |