اللغة
(وسع) المكان القوم و وسع المكان يسع أى اتّسع يتعدّى و لا يتعدّى و المصدر سعة بفتح السّين و به قرء السبعة في قوله تعالى وَ قالَ لَهُمْ نَبِيُّهُمْ إِنَّ اللَّهَ و كسرها لغة و به قرء بعض التابعين قال الفيومي قيل: الأصل في المضارع الكسر و لهذا حذفت الواو لوقوعها بين ياء مفتوحة و كسرة ثمّ فتحت بعد الحذف لمكان حرف الحلق، و مثله يهب و يقع و يدع و يلغ و يطأ و يضع، و الحذف في يسع و يطأ ممّا ماضيه مكسور شاذّ لأنّهم قالوا: فعل بالكسر مضارعه يفعل بالفتح
و استثنوا أفعالا ليست هذه منها.
(و قريت) الضّعيف أقريه من باب رمى
الاعراب
قوله: ما كنت تصنع، كان هنا زايدة كما في قوله تعالى كَيْفَ نُكَلِّمُ مَنْ كانَ فِي الْمَهْدِ صَبِيًّا و قوله: أما أنت اه أما حرف استفتاح يبدء بها الكلام و فايدتها المعنويّة توكيد مضمون الجملة الّتي بعدها قال نجم الأئمّة: و كأنها مركبّة من همزة الانكار و حرف النّفى و الانكار نفى و نفى النّفى إثبات ركب الحرفان لافادة الاثبات و التّحقيق و فايدتها اللّفظيّة كون الكلام بعدها مبتدأ به، و في بعض النّسخ ما أنت بدل أما أنت و عليه فتكون ما موصولة بدلا من الدّار أو من سعة و الأوّل أظهر.
و قوله إليها متعلق بقوله أحوج، و كذا قوله: فى الاخرة، و قوله: و بلى استدراك عن الجملة السّابقة قال الفرّاء أصلها بل زيدت عليها الألف للوقف، و قال نجم الأئمّة: لفظة بل التي تليها الجمل للانتقال من جملة إلى اخرى أهمّ من الاولى، قال: و تجى ء بعد الاستفهام أيضا كقوله: أَ تَأْتُونَ الذُّكْرانَ إلى قوله بَلْ أَنْتُمْ قَوْمٌ عادُونَ.
أقول: و يكون بلى هنا بمعنى الاستدراك ادخلت عليها الواو كما تدخل على لكن، و يجوز جعلها عاطفة للجملة على الجملة و لكن جعلها اعتراضيّة أظهر من حيث المعنى.
و جملة تقرى فيها الضّيف يجوز أن تكون حالا من قوله بها، و يجوز أن تكون استينافا بيانيّا فانّه عليه السّلام لمّا قال له: إن شئت بلغت بها، فكأنه سئل عن كيفيّة البلاغ فقال: تقرى فيها.
و قوله: علىّ به، اسم فعل أى ايتونى به قال نجم الأئمة: يقال عليك زيدا أى خذه كأنّ الأصل عليك أخذه و أمّا عليّ بمعنى ادلّنى فهو مخالف للقياس من وجه آخر إذ هو أمر لكن الضمير المجرور به في معنى المفعول يقال عليّ زيدا أى قرّ بنيه و القياس أن يكون المجرور فاعلا
المعنى
اعلم أنّ هذا الكلام قاله بالبصرة و قد دخل على العلاء بن زياد الحارثى و هو من أصحابه يعوده و يتفقّد حاله لمرضه فلمّا رأى عليه السّلام سعة داره قال: (ما كنت تصنع بسعة هذه الدّار في الدّنيا) استفهام وارد معرض التوبيخ و الانكار لما صنعه لمنافاته الزّهد المطلوب و لمّا نبه على ذلك أردفه بقوله (أما أنت إليها في الاخرة كنت أحوج) تنبيها له على كون السعة محتاجا إليها في الاخرة مزيد الاحتياج، و ذلك لكون الدنيا دار فناء و انقطاع و الاخرة دار قرار و بقاء، و معلوم أنّ إصلاح المقرّ أولى من الممرّ، و الحاجة إليه فيه أزيد و أشدّ.
ثمّ استدرك بقوله (و بلى إن شئت بلغت بها الاخرة) يعنى أنّك بعد ما فرطت في توسعتها و بنائها يمكن لك تدارك ذلك بأن تجعلها بلاغا و وصلة و وسيلة إلى اتّساع الدّار الاخرة بأن (تقرى فيها الضّيف و تصل فيها الرّحم) و القرابة (و تطلع منها الحقوق مطالعها) أى تخرج فيها الحقوق الماليّة الواجبة و المندوبة من الخمس و الزّكاة و الصّدقات و صنايع المعروف و الحقّ المعلوم للسائل و المحروم و ساير وجوه البرّ المقرّبة إلى اللّه سبحانه و تضعها في مواضعها اللايقة و تصرفها في مصارفها المستحقّة.
و قال الشارح البحراني: مطالع الحقوق وجوهها الشرعيّة المتعلّقة به كالزّكاة و الصّدقة و غيرهما، و الأظهر بل الأولى ما ذكرناه.
و كيف كان فالمراد أنّك إن أتيت فيها بالقربات و الحسنات و أقمت باخراج الحقوق المفروضات و المندوبات (فاذا أنت قد بلغت بها الاخرة) و احملت «جمعت ظ» بينها و بين الدّنيا (فقال له العلاء يا أمير المؤمنين أشكو إليك أخي عاصم بن زياد قال و ما له قال لبس العباء و تخلّى من الدّنيا).
قيل: المراد بلبس العباء جعلها شعارا أو ترك القطن و نحوه و الاكتفاء بلبسها في الصّيف و الشّتاء و في وصيّة النّبي صلّى اللّه عليه و آله و سلّم لأبي ذر: يكون في آخر الزّمان قوم يلبسون الصوف في صيفهم و شتائهم يرون لهم بذلك الفضل على غيرهم اولئك يلعنهم ملائكة السماوات و الأرض، انتهى.
أقول: و الأظهر أنّ المراد أنّه اقتصر بلبس العباء و ترك الدّنيا بالمرّة و لم يأخذ منها سواها.
(قال عليه السّلام علىّ به) أى ائتوني به و احضروه لدى
|