اللغة
(الوهم) من خطرات القلب أو مرجوح طرفي المتردّد فيه، و الجمع أوهام و وهم في الحساب كوجل غلط، و وهمت في الشي ء من باب وعد أى ذهب و همى إليه و وقع في خلدى و روي و هما بالفتح و السكون كليهما و (بوّأه) منزلا و في منزل أنزله فيه، و بوّأته دارا اسكنته إيّاها و تبوّء بيتا اتّخذه مسكنا
المعنى
اعلم أنّ هذا الكلام الشّريف حسبما أشار اليه السيّد (قد) تكلّم به حين (سأله سائل) و هو سليم بن قيس الهلالي حسبما تعرفه في التّكملة الاتية إنشاء اللّه تعالى و له كتاب مشهور بين أصحابنا.
قال المحدّث العلّامة المجلسيّ ره في ديباجة البحار: و قد طعن في كتابه
جماعة و الحقّ أنّه من الاصول المعتبرة.
و قال العلامة في الخلاصة: سليم بن قيس الهلالي بضم السّين روى الكشي أحاديث يشهد بشكره و صحّة كتابه إلى أن قال: و قال السيّد عليّ بن أحمد العقيقي كان سليم بن قيس من أصحاب أمير المؤمنين عليه السّلام طلبه الحجّاج ليقتله فهرب واوى إلى أبان بن أبي عيّاش، فلمّا حضرته الوفاة قال لأبان: إنّ لك عليّ حقّا و قد حضرنى الموت يا ابن أخي إنّه كان من الأمر بعد رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم كيت و كيت، و أعطاه كتابا فلم يروعن سليم بن قيس أحد سوى أبان و ذكر أبان فى حديثه قال: كان شيخا متعبّدا له نور يعلوه و قال ابن الغضايرى: سليم بن قيس الهلالى العامرى روى عن أمير المؤمنين و الحسن و الحسين و علىّ بن الحسين عليهم السّلام قال العلامة فى آخر كلامه، و الوجه عندى الحكم بتعديل المشار اليه و التّوقّف فى الفاسد من كتابه انتهى.
و كيف كان فقد سأله عليه السّلام سليم بن قيس (عن أحاديث البدع) أى الأحاديث المبتدعة الموضوع خطبه 210 نهج البلاغه بخش 1ة أو المربوطة بالبدعات و الامور المحدثة الّتى لا أصل لها في الشريعة كما يشعر به ما رواه جابر بن عبد اللّه أنّ رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم قال فى خطبة: إنّ أحسن الحديث كتاب اللّه، و خير الهدى هدى محمّد، و شرّ الامور محدثاتها و كلّ محدثة بدعة، و كلّ بدعة ضلالة.
و قوله (و عمّا فى أيدى النّاس من اختلاف الخبر) أراد به الأخبار المختلفة المخالفة لما عندهم عليهم السّلام (فقال عليه السّلام) فى جواب السائل: (انّ فى أيدى النّاس حقّا و باطلا و صدقا و كذبا) ذكر الصّدق و الكذب بعد الحقّ و الباطل من قبيل ذكر الخاصّ بعد العامّ، لأنّ الأخيرين من خواصّ الخبر و الأوّلان يصدقان على الأفعال أيضا، و قيل: الحقّ و الباطل هنا من خواصّ الرّأى و الاعتقاد و الصّدق و الكذب من خواصّ النّقل و الرّواية (و ناسخا و منسوخا و عامّا و خاصّا و محكما و متشابها) و قد مضى بيان معانى هذه السّتة جميعا و تحقيق الكلام فيها فى شرح الفصل السّابع عشر من الخطبة الاولى فليراجع هناك (و حفظا و وهما) أى حديثا محفوظا من الزّيادة و النّقصان مصونا عن الخلل و الغلط حفظه راويه على ما سمعه، و حديثا غير محفوظ من ذلك لسهو الرّاوى أو غلطه و عدم حفظه له على وجهه.
(و لقد كذب) اى افترى (على رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم على عهده) أى فى زمانه.
قال الشّارح البحرانى: و ذلك نحو ما روى أنّ رجلا سرق رداء رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم و خرج إلى قوم و قال: هذا رداء محمّد صلّى اللّه عليه و آله و سلّم أعطانيه لتمكّنونى من تلك المرأة، و استنكروا ذلك، فبعثوا من سأل الرّسول صلّى اللّه عليه و آله و سلّم عن ذلك، فقام الرّجل الكاذب فشرب ماء فلدغته حيّة فمات، و كان النّبى صلّى اللّه عليه و آله و سلّم حين سمع بتلك الحال قال لعليّ عليه السّلام: خذ السّيف و انطلق فان وجدته و قد كفيت فأحرقه بالنّار، فجاء عليه السّلام و أمر باحراقه.
(حتّى) لمّا سمع صلّى اللّه عليه و آله و سلّم ذلك الخبر و غيره ممّا كذبوا عليه (قام خطيبا فقال) أيّها النّاس قد كثرت علىّ الكذّابة ف (من كذب علىّ متعمّدا فليتبوّء مقعده من النّار) أى لينزل منزله من النّار، و هو إنشاء فى معنى الخبر كقوله تعالى: «قل من كان فى الضّلالة فليمدد له الرّحمن مدّا».
و هذا الحديث النبوى صلّى اللّه عليه و آله و سلّم ممّا رواه الكلّ و ادّعى تواتره و استدلّ به على وجود الأخبار الكاذبة ردّا على من أنكر وجودها أو استبعدها، و قد حكى أنّ علم الهدى تناظر مع علماء العامّة و بيّن لهم أنّ الأخبار التي رووها فى فضايل مشايخهم كلّها موضوع خطبه 210 نهج البلاغه بخش 1ة، فقالوا: من يقدر أن يكذب على رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم، فقال لهم: قد ورد فى الرّواية عنه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم أنّه قال فى حياته: ستكثر علىّ الكذابة بعد موتى فمن كذب علىّ متعمّدا فليتبوّء مقعده من النّار، فهذا الحديث إمّا صدق أو كذب و على التقديرين يحصل المطلوب.
|