177- و قال عليه السّلام:
إِنَّمَا الْمَرْءُ فِي الدُّنْيَا غَرَضٌ تَنْتَضِلُ فِيهِ الْمَنَايَا- وَ نَهْبٌ تُبَادِرُهُ الْمَصَائِبُ- وَ مَعَ كُلِّ جُرْعَةٍ شَرَقٌ- وَ فِي كُلِّ أَكْلَةٍ غَصَصٌ- وَ لَا يَنَالُ الْعَبْدُ نِعْمَةً إِلَّا بِفِرَاقِ أُخْرَى- وَ لَا يَسْتَقْبِلُ يَوْماً مِنْ عُمُرِهِ إِلَّا بِفِرَاقِ آخَرَ مِنْ أَجَلِهِ- فَنَحْنُ أَعْوَانُ الْمَنُونِ وَ أَنْفُسُنَا نَصْبُ الْحُتُوفِ- فَمِنْ أَيْنَ نَرْجُو الْبَقَاءَ- وَ هَذَا اللَّيْلُ وَ النَّهَارُ لَمْ يَرْفَعَا مِنْ شَيْ ءٍ شَرَفاً- إِلَّا أَسْرَعَا الْكَرَّةَ فِي هَدْمِ مَا بَنَيَا وَ تَفْرِيقِ مَا جَمَعَا
اللغة
الانتضال: الرمى.
و هذا فصل لطيف من الموعظة و قد اشتمل على ثمان كلمات من الموعظة:
إحداها: استعار لفظ الغرض للإنسان
باعتبار رميه بمقدّمات المنايا و أسبابها من الأمراض و الأعراض المهلكة. و وصف الانتضال لذلك الرمى كأنّ المنايا هي الرامية.
الثانية: استعار لفظ النهب بمعنى المنهوب
باعتبار سرعة المصائب إلى أخذه.
الثالثة: كنّى عن تنغيص لذّات الدنيا بما يشوبها و يخالطها من الأعراض و الأمراض
بقوله: مع كلّ جرعة. إلى قوله: غصص.
الرابعة: كون العبد لا ينال نعمة إلّا بفراق اخرى.
إذ النعمة الحقّة هي اللذّة و ما يكون وسيلة إليها نعمة بواسطتها. و ظاهر أنّ النفس في الدنيا لا يمكن أن يحصل على لذّتين دفعة بل ما لم ينتقل عن لذّة أولى و يتوجّه نحو اللذّة الحادثة لا يحصل لها الالتذاذ بها.
الخامسة: و لا يستقبل يوما من عمره إلّا بفراق آخر من أجله
لأنّ طبيعة الزمان التقضّى و السيلان.
السادسة: كوننا أعوان المنون
باعتبار أنّ كلّ نفس و حركة من الإنسان فهي مقرّبة له إلى أجله فكأنّه ساع نحو أجله و مساعد عليه.
السابعة: كون نفوسنا نصب الحتوف.
و نصب بمعنى منصوبة كالغرض.
الثامنة: الاستفهام عن جهة رجاء البقاء
استفهام إنكار لوجودها مع وجود الزمان الّذي من شأنه أنّه لم يرفع بشي ء شرفا و يجمع الأمر شملا إلّا أسرع العود في هدم ما رفع و تفريق ما جمع: أي أعدّ للثاني كما أعدّ للأوّل.
( شرح ابن میثم، ج 5 ص 342 و 343)
|