226: وَ سُئِلَ ع عَنْ قَوْلِ اللَّهِ عَزَّ وَ جَلَّ- فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَياةً طَيِّبَةً فَقَالَ هِيَ الْقَنَاعَةُ لا ريب أن الحياة الطيبة هي حياة الغنى- و قد بينا أن الغني هو القنوع- لأنه إذا كان الغنى عدم الحاجة- فأغنى الناس أقلهم حاجة إلى الناس- و لذلك كان الله تعالى أغنى الأغنياء- لأنه لا حاجة به إلى شي ء- و على هذا
دل النبي بقوله ص ليس الغنى بكثرة العرض إنما الغنى غنى النفس
- . و قال الشاعر-
فمن أشرب اليأس كان الغني و من أشرب الحرص كان الفقيرا
- . و قال الشاعر-
غنى النفس ما يكفيك من سد خلة فإن زاد شيئا عاد ذاك الغنى فقرا
- و قال بعض الحكماء المخير بين أن يستغني عن الدنيا- و بين أن يستغني بالدنيا- كالمخير بين أن يكون مالكا أو مملوكا- . و لهذا
قال ع تعس عبد الدينار و الدرهم- تعس فلا انتعش و شيك فلا انتقش
و قيل لحكيم لم لا تغتم- قال لأني لم أتخذ ما يغمني فقده- . و قال الشاعر-
فمن سره ألا يرى ما يسوءه فلا يتخذ شيئا يخاف له فقدا
- . و قال أصحاب هذا الشأن- القناعة من وجه صبر و من وجه جود- لأن الجود ضربان جود بما في يدك منتزعا- و جود عما في يد غيرك متورعا و ذلك أشرفهما- و لا يحصل الزهد في الحقيقة إلا لمن يعرف الدنيا ما هي- و يعرف عيوبها و آفاتها و يعرف الآخرة و افتقاره إليها- و لا بد في ذلك من العلم أ لا ترى إلى قوله تعالى- قالَ الَّذِينَ يُرِيدُونَ الْحَياةَ الدُّنْيا- يا لَيْتَ لَنا مِثْلَ ما أُوتِيَ قارُونُ إِنَّهُ لَذُو حَظٍّ عَظِيمٍ- وَ قالَ الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ- وَيْلَكُمْ ثَوابُ اللَّهِ خَيْرٌ لِمَنْ آمَنَ وَ عَمِلَ صالِحاً- وَ لا يُلَقَّاها إِلَّا الصَّابِرُونَ- . و لأن الزاهد في الدنيا راغب في الآخرة- و هو يبيعها بها كما قال الله تعالى- إِنَّ اللَّهَ اشْتَرى مِنَ الْمُؤْمِنِينَ الآية- . و الكيس لا يبيع عينا بأثر- إلا إذا عرفهما و عرف فضل ما يبتاع على ما يبيع
( شرح نهج البلاغة(ابن أبي الحديد)، ج 19 ، صفحه ى 55-56)
|