279: اعْلَمُوا عِلْماً يَقِيناً أَنَّ اللَّهَ لَمْ يَجْعَلْ لِلْعَبْدِ- وَ إِنْ عَظُمَتْ حِيلَتُهُ وَ اشْتَدَّتْ طَلِبَتُهُ- وَ قَوِيَتْ مَكِيدَتُهُ- أَكْثَرَ مِمَّا سُمِّيَ لَهُ فِي الذِّكْرِ الْحَكِيمِ- وَ لَمْ يَحُلْ بَيْنَ الْعَبْدِ فِي ضَعْفِهِ وَ قِلَّةِ حِيلَتِهِ- وَ بَيْنَ أَنْ يَبْلُغَ مَا سُمِّيَ لَهُ فِي الذِّكْرِ الْحَكِيمِ- وَ الْعَارِفُ لِهَذَا الْعَامِلُ بِهِ- أَعْظَمُ النَّاسِ رَحْمَةً فِي مَنْفَعَةٍ- وَ التَّارِكُ لَهُ الشَّاكُّ فِيهِ- أَعْظَمُ النَّاسِ شُغْلًا فِي مَضَرَّةٍ- وَ رُبَّ مُنْعَمٍ عَلَيْهِ مُسْتَدْرَجٌ بِالنُّعْمَى- وَ رُبَّ مُبْتَلًى مَصْنُوعٌ لَهُ بِالْبَلْوَى- فَزِدْ أَيُّهَا الْمُسْتَمِعُ فِي شُكْرِكَ- وَ قَصِّرْ مِنْ عَجَلَتِكَ- وَ قِفْ عِنْدَ مُنْتَهَى رِزْقِكَ قد تقدم القول في الحرص و الجشع و ذمهما- و ذم الكادح في طلب الرزق- و مدح القناعة و الاقتصار- و نذكر هنا طرفا آخر من ذلك- قال بعض الحكماء وجدت أطول الناس غما الحسود- و أهنأهم عيشا القنوع- و أصبرهم على الأذى الحريص- و أخفضهم عيشا أرفضهم للدنيا- و أعظمهم ندامة العالم المفرط- . و قال عمر الطمع فقر و اليأس غنى- و من يئس مما عند الناس استغنى عنهم- .
و قيل لبعض الحكماء ما الغنى- قال قلة تمنيك و رضاك بما يكفيك- و لذلك قيل العيش ساعات تمر و خطوب تكر- . و قال الشاعر
اقنع بعيشك ترضه و اترك هواك و أنت حر
فلرب حتف فوقه
ذهب و ياقوت و در
- و قال آخر
إلى متى أنا في حل و ترحال من طول سعي و إدبار و إقبال
و نازح الدار لا أنفك مغتربا
عن الأحبة لا يدرون ما حالي
بمشرق الأرض طورا ثم مغربها لا يخطر الموت من حرص على بالي
و لو قنعت أتاني الرزق في دعة
إن القنوع الغنى لا كثرة المال
- . و جاء في الخبر المرفوع أجملوا في الطلب فإنه ليس لعبد إلا ما كتب له- و لن يخرج عبد من الدنيا- حتى يأتيه ما كتب له في الدنيا و هي راغمة
( . شرح نهج البلاغه (ابن ابی الحدید) ج 19، ص 162 و 163)
|