121- الدّهر يخلق الأبدان، و يجدّد الآمال، و يقرّب المنيّة، و يبعّد الأمنيّة، من ظفر به نصب، و من فاته تعب. إخلاق الدهر للأبدان إعداده لضعفها و فسادها بمروره، و ما يلحق أجزاءه و فصوله من الحرّ و البرد و المتاعب المنسوبة إليه، و تجديده للآمال بحسب الغرور الحاصل بالبقاء، و الصّحة فيه، و أكثر ما يعرض ذلك للمشايخ، فإنّ طول أعمارهم و تجاربهم لما يعرض فيه من الحاجة و الفقر، يغريهم بالحرص على الجمع، و مدّ الأمل فيه لتحصيل الدّنيا، و تقريبه للمنيّة بحسب إخلاقه للأبدان، و تبعيده للأمنيّة بحسب تقريبه للمنيّة.
و من ظفر بالدهر، شقي بضبطها و حفظها، و من فاته، تعب في تحصيلها.
و لا يخفى ما في كلّ من القرينتين من السجع. قال بعض الحكماء: الدّنيا تسرّ لتغرّ، و تفيد لتكيد، كم راقد في ظلّها قد أيقظته، و واثق بها قد خذلته، بهذا الخلق عرفت، و على هذا الشرط صوحبت.
و قال شاعر فأحسن:
كأنّك لم تسمع بأخبار من مضى و لم تر بالباقين ما صنع الدهر
فإن كنت لا تدري فتلك ديارهم
عفاها فحال الريح بعدك و القطر
و هل أبصرت عيناك حيّا بمنزل على الدهر إلّا بالعراء له قبر
فلا تحسبنّ الوفر مالا جمعته و لكنّ ما قدمت من صالح وفر
مضى جامعوا الأموال لم يتزوّدوا
سوى الفقر يا بؤسى لمن زاده الفقر
فحتّام لا تصحو و قد قرب المدى و حتّام لا ينجاب عن قلبك السكر
بلى سوف تصحو حين ينكشف الغطا
و تذكر قولي حين لا ينفع الذكر
و ما بين ميلاد الفتى و وفاته إذا انتصح الأقوام أنفسهم عمر
لأنّ الذي يأتيه شبه الذي مضى
و ما هو إلّا وقتك الضيق النّزر
فصبرا على الأيّام حتّى تجوزها فعمّا قليل بعدها يحمد الصبر
( شرح حکم نهج البلاغه شیخ عباس قمی، ص101)
|