الفصل الثاني منها و يؤمى بذلك الى وصف الاتراك
كأنّى أراهم قوما كأنّ وجوههم المجانّ المطرقة، يلبسون السّرق و الدّيباج، و يعتقبون الخيل العتاق، و يكون هنالك استحرار قتل حتّى يمشى المجروح على المقتول، و يكون المفلت أقلّ من المأسور.
اللغة
(المجانّ) بفتح الميم و تشديد النّون جمع المجن بكسر الميم و هو الترس أو المجنّة بالكسر أيضا كالمحاشّ و المحشّة و هو الدّبر إلّا أنّه بالفتح و هو مأخوذ من الجنّ و هو السّتر كأنّ التّرس يستتر به و منه الجنّ لاستتاره عن النّظر و الجنين لاستتاره في الرّحم، و المجنون لاستار عقله، و الجنان للقلب و الجنّة لالتفافها بالأشجار و استتارها بها و قال سبحانه: «فلمّا جنّ عليه اللّيل» أى ستره.
و (المطرقة) و زان مكرمة من باب الافعال قال في القاموس و المجانّ المطرقة كمكرمة الذي يطرق بعضها على بعض كالنّعل المطرقة المخصوفة، و يروي المطرقة بالتّشديد كمعظّمة أي الّتي طرّق و ركب بعضها على بعض و اطراق البطن ما ركب بعضها على بعض، و الطّراق كلّ خصيفة يخصف بها النّعل و يكون حذوها سواء، و كلّ صنعة على حذو، و جلد النّعل و أن يقوّر جلد على مقدار التّرس فيلزق بالتّرس. و (السرق) محرّكة شقق الحرير الأبيض أو الحرير عامّة و الواحدة سرقة و (يعتقبون الخيل) أي يحتبسونها و يرتبطونها من اعتقب السلعة إذ احبسها من المشتري ليقبض الثّمن أو يجبنونها لينتقلوا من غيرها إليها
الاعراب
قوما منصوب على البدل من ضمير الجمع في أراهم و ابدال الظاهر من الضّمير الغائب لا غبار عليه بتصريح علماء الأدبيّة، و جملة يلبسون منصوبة المحلّ على الحال من ضمير الجمع أيضا
المعنى
اعلم أنّ الموجود في نسخ النّهج غير نسخة الشّارح البحراني عنوان خطبه 128 نهج البلاغه بخش 2 هذا الفصل بلفظ: منها، و أمّا نسخة الشّارح فالعنوان خطبه 128 نهج البلاغه بخش 2 فيها بقوله: و من كلام له عليه السّلام و هو يفيد كون ذلك كلاما مستقلّا لا من فصول الكلام السّابق و الأمر سهل.
قال السّيد ره: و يؤمى به إلى وصف الأتراك، و هم امّة تسمّون بالتّتار، و كانت مساكنهم في أقاصي بلاد المشرق في جبال طخاج من حدود الصّين، و بينهم و بين بلاد الاسلام الّتي ما وراء النّهر ما يزيد على مسير ستّة أشهر، و كان عددهم في الكثرة متجاوزا عن حدّ الاحصاء، و كانوا من أصبر النّاس على القتال لا يعرفون الفرار، و يعملون ما يحتاجون إليه من السّلاح بأيديهم و من أصبر خلق اللّه على الجوع و العطش و الشّقاء، يأكلون الميتة و الكلاب و الخنازير، و كان ثيابهم من أخشن الثياب، و منهم من يلبس جلود الكلاب و الدّواب الميتة، و هم أشبه شي ء بالوحش و السّباع، و كان چنگيز خان رئيسهم و ابن رئيسهم، و ما زال سلفه رؤساء تلك الجهة، و كان شجاعا مدبّرا عاقلا موفقا منصورا في الحرب فأحبّ الملك و طمع في البلاد فنهض بمن معه من أقاصي الصّين، إلى حدود تركستان في سنة ستّ عشر و ستّ مأئة، و حارب الملوك ملوك الخطاء و قفجاق و ما وراء النّهر و خراسان و العراقين و آذربيجان و أرمنيّة و الشام و غيرها، و ملك هذه البلاد، و قتل من الذّكران و الاناث في كلّ ما مرّ عليه جيشه من البلدان ما لا يحصى عددهم إلّا اللّه سبحانه، و قد نهبوا أكثر ما مرّوا عليه من المدن و القرى، و أحرقوه و خرّبوه و استأصلوا أهله، و سبوا الخرم، و استرّقوا الغلمان، و فعلوا كلّ قبيح منكر فيها، و لم يتركوا من الظّلم و الجور على المسلمين و المعاهدين شيئا على ما هو في كتب التّواريخ و السّير مسطور، و في الألسنة إلى زماننا هذا و قد مضى من زمانه نحوا من سبعمائة سنة مشهور مأثور، و كان ظهورهم في عصر الشّارح المعتزلي، فأورد طرفا من حالهم و وقائعهم في الشّرح من أراد الاطلاع فليراجع إليه.
إذا تمهّد لك ذلك فأقول: إنّه عليه السّلام يخبر عن حالهم و يقول (كأنّي أراهم قوما كأنّ وجوههم المجانّ المطرقة) تشبيهها بالمجان في الاستدارة و العظم و الانبساط و توصيفها بالمطرقة للخشونة و الغلظة (يلبسون السّرق و الدّيباج) و لا منافاة بين ذلك و بين ما قدّمنا من كون لباسهم أخشن اللّباس، لأنّ ما قدّمناه كان في بدو حالهم و ذلك بعد ما ظهر دولتهم و علا أمرهم، أو أنّ ذلك وصف حال الرؤساء، و ما قدّمنا وصف ثياب الأتباع مع أنّه لا داعي إلى الجمع لأنّ ما تقدّم من نقل أرباب التواريخ و كلام الامام هو الصّحيح الأحقّ بالاتباع.
(و يعتقبون الخيل العتاق) أى يحتبسونها لينتقلوا من غيرها إليها عند مسيس الحاجة و مقام الضّرورة (و يكون هناك استحرار قتل) و شدته (حتّى) ينتهي الأمر إلى أن (يمشي المجروح) منهم (على المقتول) منهم لعدم مبالاة الجرحى بقتل القتلى أو من مقاتليهم فيكون إشارة إلى كونهم مجروحين و كون مقابليهم مقتولين (و يكون المفلت) النّاجي من أيديهم (أقلّ من المأسور
|