كتاب اللّه تبصرون به، و تنطقون به، و تسمعون به، و ينطق بعضه ببعض، و يشهد بعضه على بعض، و لا يختلف في اللّه، و لا يخالف لصاحبه عن اللّه
المعنى
و أمّا قوله (كتاب اللّه) فيحتمل أن يكون كلاما منفصلا عمّا قبله أسقط السّيد (ره) ما بينهما فارتفع الارتباط بالتّقطيع و الالتقاط، أو أنّه خبر لمبتدأ محذوف أى هذا كتاب اللّه و يظهر من الشّارح البحرانى الاتّصال حيث قال: كتاب اللّه خبر مبتدأ إمّا خبر ثان لذلك«» و ما كان بمنزلة الحكمة خبر أوّل، أو لمبتدأ محذوف تقديره: و هو كتاب اللّه و يحتمل أن يكون عطف بيان لما كان بمنزلة الحكمة. أقول: لم يتقدّم في كلامه عليه السّلام لفظ ما كان بمنزلة الحكمة حتّى يجعل خبرا أوّلا أو معطوفا عليه للكتاب، و انّما قال عليه السّلام: و إنّما ذلك بمنزلة الحكمة.
فان قلت: لعلّه مقدّر في ضمن الكلام.
قلت: لا دليل على تقديره، مع أنّا لم نر بيانا حذف مبيّنه.
و كيف كان فقد وصف الكتاب بأوصاف: الأوّل انكم (تبصرون به) لكونه سببا لابصار طريق الحقّ بما فيه من الآيات البيّنات و أدلة الصّدق.
(و) الثّاني انكم (تنطقون به) في مقام الاحتجاج و ترفعون من المعاندين الشّبه و اللّجاج كما قال اللّه سبحانه و تعالى: فانّما يسّرناه بلسانك لتبشّر به المتّقين و تنذر به قوما لدّا.
(و) الثالث انّكم (تسمعون به) الخطابات الالهيّة و التّكاليف الشّرعيّة تطيعونها و تؤمنون بها و تصلون إلى المراتب العالية العليّة تنزيل من الرّحمن الرّحيم كتاب فصّلت آياته قرآنا عربيّا لقوم يعلمون، بشيرا و نذيرا فأعرض أكثرهم فهم لا يؤمنون.
(و) الرابع انّه (ينطق بعضه ببعض و يشهد بعضه على بعض) أى يفسّر بعضه بعضا و يكشف بعضه عن بعض و يستشهد ببعضه على بعض فانّ فيه مطلقا و مقيّدا و مجملا و مبيّنا و عامّا و خاصّا و محكما و متشابها، بعضها يكشف القناع عن بعض و يستشهد ببعضها على المراد ببعض آخر.
(و) الخامس أنّه (لا يختلف في اللّه) قال الشّارح البحراني: لما كان مدار الكتاب على بيان القواعد الكلّية الّتي بها يكون صلاح نوع الانسان في معاشه و معاده، و كانت غاية ذلك الجذب إلى اللّه سبحانه و الوصول إلى جواره، لم يكن فيه لفظ يختلف في الدّلالة على هذه المقاصد، بل كلّه متطابق الألفاظ على مقصود واحد، و هو الوصول إلى الحقّ سبحانه بصفة الطهارة عن نجاسات هذه الدّار
و إن تعدّدت الأسباب الموصلة إلى ذلك المقصود انتهى.
و محصّله أنّه لا يختلف في الدّلالة على المقاصد الموصلة إلى اللّه سبحانه و الأظهر أنّ المراد به أنّه لا يختلف في الجذب إلى اللّه، لأنه معجز النّبوة المقصود بها الايصال إلى اللّه سبحانه كما قال تعالى: أفلا يتدبّرون القرآن و لو كان من عند غير اللّه لوجدوا فيه اختلافا كثيرا، أى لكان الكثير منه مختلفا متناقضا قد تفاوت نظمه و بلاغته و معانيه كما في الكشّاف، فكان بعضه بالغا حدّ الاعجاز، و بعضه قاصرا عنه يمكن معارضته، و بعضه إخبارا بغيب قد وافق المخبر عنه، و بعضه اخبارا مخالفا للمخبر عنه، و بعضه دالّا على معنى صحيح عند علماء المعاني، و بعضه دالّا على معنى فاسد غير ملتئم، فلمّا تجارب كلّه بلاغة معجزة فائتة «فائقة ظ» لقوى البلغاء و تناصر صحّة معان و صدق اخبار علم أنّه ليس إلّا من عند قادر على ما لا يقدر عليه غيره، و عالم بما لا يعلمه أحد سواه.
السّادس أنّه (و لا يخالف بصاحبه عن اللّه) أى لا يسدّه عنه سبحانه و لا يضلّه عن سبيله فانّه يهدى للّتي هي أقوم، و من اعتصم به فقد هدى إلى صراط مستقيم.
|