و من كلام له عليه السّلام
و هو المأة و الثالث و الثمانون من المختار في باب الخطب قاله للبرج بن مسهر الطّائي و قد قال له بحيث يسمعه: لا حكم إلّا للّه، و كان من الخوارج: أسكت قبّحك اللّه يا أثرم فو اللّه لقد ظهر الحقّ فكنت فيه ضئيلا شخصك، خفيّا صوتك، حتّى إذا نعر الباطل نجمت نجوم قرن الماعز.
اللغة
(البرج) بضمّ الباء الموحّدة و الراء المهملة ثمّ الجيم و (مسهر) بضمّ الميم و كسر الهاء و (قبّحك اللّه) بالتخفيف و التشديد أى نحّاك و قيل: من قبحت الجوزة كسرتها و (الثرم) بالفتح سقوط الاسنان و (ضؤل) الرّجل بالضمّ ضؤلة نحف و حقر، و ضؤل رأيه صغر و (الماعز) واجد المعز من الغنم اسم جنس و هو خلاف الضّأن.
الاعراب
جملة قبّحك اللّه دعائيّة لا محلّ لها من الاعراب و قوله: كنت فيه ضئيلا شخصك: يجوز أن يكون كان ناقصة اسمها تاء الخطاب و ضئيلا خبرها و فيه متعلّقا به مقدّما عليه للتوسّع و شخصك بالرّفع فاعل ضئيلا قام مقام الضمير الرابط للجرّ إلى الاسم من أجل اضافته إلى كاف الخطاب الّذي هو عين الاسم أو أنه بدل من اسم كان.
و يجوز أن تكون تامّة و ضئيلا حالا من فاعلها و شخصك فاعل الحال و باضافته إلى كاف الخطاب استغنى أيضا عن الرابط للحال أو أنه حال من شخصك مقدّم على صاحبه و شخصك بدل من فاعل كان، و هذا مبنيّ على ما هو الأصحّ من مذهب علماء الأدبيّة من أنّ العوامل اللّفظيّة كلّها تعمل في الحال إلّا كان و أخواتها و إلّا فيجوز على تقدير كون كان ناقصة جعل ضئيلا حالا أيضا فيكون فيه خبرها و يكون ظرفا مستقرّا، فافهم جيّدا.
المعنى
اعلم أنّ هذا الكلام حسبما أشار إليه السيّد (قاله للبرج بن مسهر الطائى) على وجه التعريض و التحقير (و قد قال له) البرج بشعار الخوارج (بحيث يسمعه لا حكم إلّا للّه) أى لا لك، و في نسخة الشارح البحراني لا حكم إلّا اللّه أى لا أنت (و كان) البرج ذلك (من الخوارج) من شعرائهم المشهورة.
فقال عليه السّلام (اسكت قبّحك اللّه) أى نحّاك عن الخير أو كسرك (يا أثرم) أى الساقط الثنية دعاه بافته إهانة و تحقيرا كما هو العادة في تنقيص صاحب العاهات و إهانتهم، فيقال: يا أعور و يا أعرج و نحو ذلك (فو اللّه لقد ظهر الحقّ فكنت فيه) أى في ظهور الحقّ و قوّة الاسلام و زمان العدل (ضئيلا شخصك) أى حقيرا خامل الذكر (خفيّا صوتك) كناية عن عدم التفات أحد إلى أقواله و عدم الاستماع و التوجّه إليها (حتّى إذا نعر الباطل) أى صاح.
قال الشارح البحراني استعار لفظ النعير لظهور الباطل ملاحظة لشبهه في قوّته و ظهوره بالرجل الضّائل الصائح بكلامه عن جرأة و شجاعة.
(نجمت نجوم قرن الماعز) أى طلعت بلا شرف و لا سابقة و لا شجاعة و لا قدم، بل بغتة و على غفلة كما يطلع قرن الماعز، و الغرض من التشبيه توهين المشبّه و تحقيره حيث شبّهه بأمر حقير.
|