اللغة
(التّداكّ) الازدحام الشديد مأخوذ من الدّك و هو الدّق و (الهيم) بالكسر
العطاش و (الورد) بالكسر الشّرب أو الاشراف على الماء دخله أو لم يدخله، و في بعض النّسخ يوم ورودها و (هدج) يهدج من باب ضرب مشى مشيا ضعيفا مرتعشا قال الفيروز آبادي: الهدجان محرّكة و كغراب مشية الشّيخ و (تحامل) في الأمر تكلّفه على مشقّة و (حسرت) أى كشفت عن وجهها و في نسخة الشّارح البحراني و حسرت عن ساقها الكعاب و (كعب) الجارية تكعب من باب ضرب و قعد كعوبا نهد ثديها، و جارية كعاب وزان سحاب النّاهدة الثدى و الجمع كواعب قال تعالى وَ كَواعِبَ أَتْراباً
الاعراب
فاعل بلغ محذوف و قوله: أن ابتهج أن مصدريّة و مدخولها في تأويل المصدر و محلّ النّصب بنزع الخافض، و مفعول حسرت محذوف بقرينة الكلام و قوله: اليها متعلّق بقوله حسرت على تضمين معنى الشوق و الرّغبة
المعنى
اعلم أنّ هذا الكلام كما قال الرّضيّ وارد (في وصف بيعته عليه السّلام بالخلافة و قد تقدّم مثله بألفاظ مختلفة) الظاهر أنّ مراده بما تقدّم ما مرّ في الكلام المأة و السّابع و الثّلاثين من قوله: قبضت يدي فبسطتموها و نازعتكم يدي فجاذبتموها، و يحتمل أن يكون مراده به ما مرّ في الخطبة الثالثة و الخمسين من قوله: فتداكّوا عليّ تداكّ الابل الهيم يوم ورودها، و لم يتقدّم في الكتاب ما يشبه ألفاظ هذا الكلام غير هذين.
نعم تقدّم منّا في شرح الخطبة السّادسة و العشرين رواية طويلة عن كتاب الغارات لابراهيم الثّقفي و الأشبه أن يكون هذا الكلام ملتقطا منها لكنّها مختلفة الألفاظ جدّا كما يظهر بالرّجوع إلى ما تقدّم.
و كيف كان فهذا الكلام منه عليه السّلام وارد مورد الاحتجاج على النّاكثين لبيعته و محصّله أنّكم قد كنتم على غاية الحرص و الميل إلى بيعتي مع إباء منّي فمن كان هذا حاله فكيف ينكث و أشار إلى مزيد حرصهم عليها بقوله (و بسطتم يدي فكففتها) شوقا منكم إلى البيعة و تمانعا منّي (و مددتموها فقبضتها) رغبة منكم إليها و استنكافا منّى (ثمّ تداككتم علىّ تداكّ الابل الهيم على حياضها يوم وردها) و هو من تشبيه المحسوس بالمحسوس أي ازدحمتم ازدحاما شديدا يدكّ بعضكم بعضا كما يدكّ الابل العطاش بعضها لبعض على الحياض عند شربها و وجه الشبه مزيد الازدحام.
قال الشّارح البحراني: و يمكن أن يلاحظ في وجه الشبه كون ما عنده من الفضايل الجمّة العلميّة و العملية تشبه الماء و كون المزدحمين عليه في حاجتهم و تعطّشهم إلى استفادة تلك الفضايل النّافعة لعلّتهم كالعطاش من الابل يوم ورودها انتهى، و الأوّل أظهر و أشبه .
أقول: و في تخصيص الصغير و الكبير و العليل و الكعاب بالذّكر زيادة توكيد و تقرير للغرض المسوق له الكلام، فانّ من شأن الصّغير على ماله من عدم التميز عدم الالتفات و التّوجه إلى كثير من الامور، و من شأن الكبير على ما به من ضعف الكبر عدم المشى إليها، و كذلك المريض على ما فيه من ثقل المرض و من شأن الكعاب الاستحياء عن كشف وجهها لا سيّما في منتدى الرّجال و بين ملاء النّاس فسرور الأوّل بالبيعة و سعى الثّانيين إليها بالتكلّف و المشقّة، و حسر الرابعة إليها كاشف عن فرط رغبة العامّة و حرصهم عليها فالبيعة الواقعة على هذا الوجه ليس لأحد أن يتخلّف أو ينكث عنه.
كما أشار عليه السّلام إلى ذلك في كلامه الذى رواه في الارشاد عن الشعبي قال: لمّا اعتزل سعد بن أبي وقاص و عبد اللّه بن عمر و محمّد بن سلمة و حسّان بن ثابت و اسامة بن زيد أمير المؤمنين و توقفوا عن بيعته حمد اللّه و أثنى عليه ثمّ قال: أيّها النّاس إنّكم بايعتموني على ما بويع عليه من كان قبلي، و انّما الخيارللنّاس قبل أن يبايعوا فاذا بايعوا فلا خيار لهم، و إنّ على الامام الاستقامة و على الرّعيّة التسليم، و هذه بيعة عامّة من رغب عنها رغب عن دين الاسلام و اتّبع غير سبيل أهله و لم تكن بيعتكم إيّاى فلتة، الحديث، هذا و قد تقدّم تفصيل كيفيّة بيعته عليه السّلام في شرح الكلام الواحد و التّسعين فليراجع ثمة
|