213- و قال عليه السّلام:
مَنْ أَصْبَحَ عَلَى الدُّنْيَا حَزِيناً- فَقَدْ أَصْبَحَ لِقَضَاءِ اللَّهِ سَاخِطاً- وَ مَنْ أَصْبَحَ يَشْكُو مُصِيبَةً نَزَلَتْ بِهِ- فَقَدْ أَصْبَحَ فَإِنَّمَا يَشْكُو رَبَّهُ- وَ مَنْ أَتَى غَنِيّاً فَتَوَاضَعَ لَهُ لِغِنَاهُ ذَهَبَ ثُلُثَا دِينِهِ- وَ مَنْ قَرَأَ الْقُرْآنَ فَمَاتَ فَدَخَلَ النَّارَ- فَهُوَمِمَّنْ كَانَ مِمَّنْ يَتَّخِذُ آيَاتِ اللَّهِ هُزُواً- وَ مَنْ لَهِجَ قَلْبُهُ بِحُبِّ الدُّنْيَا الْتَاطَ قَلْبُهُ مِنْهَا بِثَلَاثٍ- هَمٍّ لَا يُغِبُّهُ وَ حِرْصٍ لَا يَتْرُكُهُ وَ أَمَلٍ لَا يُدْرِكُهُ
أشار إلى خمس خصال نفّر عن كلّ منها بما يلزمه من الشرّ:
إحداها. الحزن على فائت الدنيا. و يلزمه سحظ العبد لقضاء اللّه
لأنّ فوت ذلك كان بقضاء منه و سحظ قضائه كفر.
الثانية: شكوى المصيبة. و يلزمها الشكوى من اللّه
لأنّ اللّه تعالى هو المبتلى بها.
الثالثة: التواضع للغنىّ باعتبار غناه. و يلزمه ذهاب ثلثى دين المتواضع
لوجوه: أحدها: أنّ مدار الدين على كمال النفس الإنسانيّة بالحكمة، و كمال القوّة الشهويّة بالعفّة و قوّة الغضب بالشجاعة. و لمّا كان التواضع للغنىّ من جهة غناه يستلزم زيادة محبّة الدنيا و الخروج عن فضيلة الشهوة إلى طلب الفجور حتّى كأنّه عابد لغير اللّه، و يستلزم الخروج عن الحكمة الّتى مقتضاها وضع كلّ شي ء موضعه و هى فضيلة النفس الناطقة كان خارجا عن فضيلتي هاتين القوّتين و هما ثلثا الدين. الثاني: أنّ مدار الدين على الاعتقاد بالقلب و الإقرار باللسان و العمل بالأركان. و من شأن المتواضع للغنىّ لغناه اشتغال لسانه بمدحه و شكره و اشتغال جوارحه بخدمته عن طاعة اللّه و القيام بشكره فهو مهمل لثلثى دينه. قيل: إنّ التواضع للغنىّ لغناه يستلزم حبّ الدنيا و حبّها رأس كلّ خطيئة. فاستعمل عليه السّلام لفظ الثلثين هنا في الأكثر مجازا إطلاقا لاسم الملزوم على لازمه.
الرابعة: كون قراءة القرآن مع دخول النار مستلزما لكون القاري ممّن كان يتّخذ آيات اللّه هزوا
و ذلك أنّ قراءة القرآن للّه بالإخلاص و العمل بمقتضاه يستلزم دخول الجنّة فعدم دخولها و دخول النار يستلزم عدم الإخلاص في قراءة القرآن و عدم العمل به فيكون في قراءته إذن كالمستهزئ بآيات اللّه إذ شأن المستهزء أن يقول ما لا يعتقده و لا يعمل به. فاستعار له لفظ المستهزء.
الخامسة: و من لهج قلبه بحبّ الدنيا التاط
أى لصق و اختلط منها بثلاثة.
و وجه لزوم الثلاثة للحرص و الولوع بها أنّ حبّها يستلزم الجدّ في طلبها و جمعها، و لمّا كان حصولها مشروطا بأسباب مقدورة للعباد و أسباب غير مقدورة و المقدورة منها قد لا يكون مقدورة للطالب و إن كانت لكنّها تكون متعسّرة منه لتوقّفها على أسباب كثيرة أو عسرة لا جرم يلزمه الحزن غالبا في تحصيلها و الهمّ الّذى لا يغبّه: أى لا يأتيه غبّا و هو يوم لا و يوم نعم ثمّ في حفظها و خوف فوتها و الحرص على استخراجها من وجوهها و طول الأمل في وجوه مكاسبها و أرباحها و تجاراتها و عماراتها. و نبّه على طوله بقوله: لا يدركه. و نفّر عنه بذلك.
( شرح ابن میثم، ج 5 ص 356 - 358)
|