و قد ترون عهود اللّه منقوضة، فلا تغضبون، و أنتم لنقض ذمم آبائكم تأنفون، و كانت أمور اللّه عليكم ترد، و عنكم تصدر، و إليكم ترجع، فمكنتم الظّلمة من منزلتكم، و ألقيتم إليهم أزمّتكم، و أسلمتم أمور اللّه في أيديهم، يعملون في الشّبهات، و يسيرّون في الشّهوات، و أيم اللّه لو فرّقوكم تحت كلّ كوكب لجمعكم اللّه لشرّ يوم لهم.
اللغة
(الذّمة) العهد و الامان و الضمان و الحرمة و الحقّ و (اليد) النّعمة و (أنف) انفا من باب فرح استنكف.
الاعراب
الواو في قوله عليه السّلام: و أنتم للحال، و الجملة بعدها حال من فاعل تغضبون، و جملة يعملون في الشبهات استينافية بيانية أو حال من الضمير المجرور في أيديهم و لو في قوله: و لو فرقوكم، بمعنى ان الشرطية إذ لو ابقيت على معناها الأصليّ لدلّت على الانتفاء عند الانتفاء كما في قوله تعالى: لَوْ كانَ فِيهِما آلِهَةٌ إِلَّا اللَّهُ لَفَسَدَتا.
و هو باطل و الاتيان بالشرط و الجواب ماضيين إشارة إلى تصوير غير الحاصل بصورة الحاصل أو تنبيها على وقوعهما لا محالة.
المعنى
و لما قرّر نعمة اللّه و منته عليهم أردفه بالتوبيخ لهم على التقصير في أداء واجب حقّه، و أشار إلى ارتكابهم بعض مسببات كفران نعمته بقوله: (و قد ترون عهود اللّه منقوضة فلا تغضبون) أراد بذلك رؤيتهم من أهل الشّام و أمثالهم فعل المنكرات من مخالفة الأحكام الشّرعية و الأوامر الالهية و البغى و الخروج على الامام المفترض الطّاعة، و الاغارة على المسلمين و المعاهدين و عدم إنكارهم على ذلك و سكوتهم عليه مع تمكّنهم من إزالته و دفعه بالجهاد و الجدل.
و بالجملة فالمراد أنكم ترون عهود اللّه التي أخذها على العباد باتيان الواجبات و ترك المنهيّات منقوضة فلا تنكرونه و تسكتون عليه (و أنتم لنقض ذمم آبائكم تأنفون) و تستنكفون، و لا ريب أنّ السكوت عن انكار تلك المنكرات مع الاستنكاف عن نقض ذمم الآباء يدلّ على أنّ عهود اللّه سبحانه أهون و أضعف عندهم من عهود آبائهم، و هو في حدّ الكفر.
(و كانت امور اللّه عليكم ترد و عنكم تصدر و إليكم ترجع) قال العلّامة المجلسيّ (ره) أى أنتم المخاطبون بالأوامر و النواهى، أو كنتم قبل ذلك في أيام الرّسول صلّى اللّه عليه و آله و سلّم موارد الامور و مصادرها مطيعين له منكرين للمنكرات، و كان المراد بالورود السّؤال و بالصدور الجواب و بالرّجوع التحاكم. و يمكن تعميم المراد بالورود و الصّدور، فالمراد بالرّجوع رجوع النفع و الضرر في الدّارين.
و قال الشّارح المعتزلي: كانت الأحكام الشّرعية إليكم ترد منّي و من تعليمي إيّاكم و تثقيفى«» لكم، ثمّ يصدر عنكم إلى من تعلّمونه إيّاها من أتباعكم و تلامذتكم، ثمّ يرجع إليكم بأن يتعلّمها بنوكم و إخوتكم من هؤلاء الاتباع و التّلامذة. (ف) فررتم من الزّحف لما أغارت جيوش الشام عليكم و (مكّنتم الظلمة من منزلتكم) بتخاذلكم عن جهادكم (و ألقيتم إليهم أزمّتكم) كالدّابة التي زمامها بيد راكبها يوجّهها أين شاء و يتصرّف فيها كيف يشاء (و أسلمتم أمور اللّه في أيديهم) أى جعلتم امور اللّه و أحكامه الجارية في بلاده و عباده مسلّمة مفوّضة إليهم موكولة إلى آرائهم، و كلّ ذلك بالتقصير عن مجاهدتهم.
(يعملون في) التكاليف الشرعية و الأحكام الالهيّة با (الشبهات) الفاسدة و الآراء الكاسدة يزعمونها حججا باهرة و براهين ساطعة (و يسيرون في الشّهوات) النفسانية و ينهمكون فيها.
ثمّ أخبر بمآل حال بني اميّة المشار إليهم بالظلمة تحذيرا لهم و إنذارا بقوله: (و ايم اللّه لو فرّقوكم تحت كلّ كوكب) و بدّدوكم في البلاد (لجمعكم اللّه لشرّيوم لهم) و ينتقم بسوء أعمالهم عنهم، و كنّى بشّر اليوم عن ظهور المسورة من أهل العراق و خراسان و انتقامهم من بني اميّة و أهل الشام، و يحتمل أن يكون إشارة إلى ظهور إمام الزّمان عليه السّلام و جمعهم في الرّجعة، و المراد جمع صنفهم و اللّه وليّ التّوفيق.
|