و من خطبة له عليه السّلام في الملاحم و هى المأة و الخمسون من المختار في باب الخطب
و أخذوا يمينا و شمالا ظعنا في مسالك الغىّ، و تركا لمذاهب الرّشد، فلا تستعجلوا ما هو كائن مرصد، و لا تستبطئوا ما يجبى ء به الغد، فكم من مستعجل بما إن أدركه ودّ أنّه لم يدركه، و ما أقرب اليوم من تباشير غد، يا قوم هذا إبّان ورود كلّ موعود، و دنوّ من طلعة ما لا تعرفون
اللغة
(ظعن) ظعنا من باب منع و ظعنا بالتّحريك سار و (التباشير) أوائل الصّبح و كلّ شي ء، و (إبّان) الشي ء بكسر الهمزة و تشديد الباء الموحّدة وقته و زمانه
الاعراب
قال الشّارح المعتزلي: ينصب ظعنا و تركا على المصدريّة و العامل فيهما من غير لفظهما و هو أخذوا، انتهى. و الصّواب أنّهما حالان من فاعل أخذوا على التّأويل بالفاعل، أى ظاعنين و تاركين، و يا قوم بكسر الميم منادى مرّخم
المعنى
اعلم أنّه عليه السّلام يذكر في هذه الخطبة قوما من فرق الضّلال زاغوا عن طريق الهدى إلى سمت الرّدى و مدارها على فصول:
الفصل الاول
قوله عليه السّلام: (و أخدوا يمينا و شمالا ظعنا في مسالك الغيّ و تركا لمذاهب الرّشد) أى مرتحلين في مسالك الغيّ و الضّلال، و تاركين لمذاهب الرّشد و السّداد، فانّ اليمين و الشّمال مضلّة و الطّريق الوسطى هي الجادّة على ما تقدّم تفصيلا في شرح الفصل الثّاني من الكلام السّادس عشر، فمن أخذ بالشّمال و اليمين ضلّ لا محالة عن النّهج القويم و الصراط المستقيم.
ثمّ نهاهم عن استعجال ما كانوا يتوقّعونه من الفتن الّتي أخبرهم الرّسول صلّى اللَّه عليه و آله و هو عليه السّلام بوقوعها في مستقبل الزّمان، و كانوا يسألونه عليه السّلام عنها و يستبطئون حصولها فقال: (فلا تستعجلوا ما هو كائن مرصد) أى مترقّب و معدّ (و لا تستبطئوا ما يجي ء به الغد) و علّل النّهى عن الاستعجال بقوله (فكم من مستعجل بما إن أدركه) حريص عليه (ودّ أنّه لم يدركه) و ذلك لأنّه ربّما يستعجل أمرا غفلة عمّا يترتّب عليه من المفاسد و المضارّ، و جهلا بما يتضمّنه من الشّرور و المعايب فاذا أدركه ظهر له ما كان مخفيّا عنه فيودّ أن لا ينيله و لا يدركه قال سبحانه: «وَ عَسى أَنْ تُحِبُّوا شَيْئاً وَ هُوَ شَرٌّ لَكُمْ وَ اللَّهُ يَعْلَمُ وَ أَنْتُمْ لا تَعْلَمُونَ».
و لمّا نهاهم عن استبطاء ما يجي ء به الغد أشار إلى قربه بقوله (و ما أقرب اليوم من تباشير غد) و أوائله كما قال الشّاعر: غد ما غد ما أقرب اليوم من غد.
ثمّ قال عليه السّلام: (يا قوم هذا إبّان ورود كلّ موعود) أى وقت وروده و زمانه و المستفاد من شرح البحراني أنّ المقصود بهذه الجملة تقريب ذلك الموعود من الفتن، و من شرح المعتزلي أنّها إشارة إلى قرب وقت القيامة و ظهور الفتن التي يظهر أمامها، و الانصاف أنّ كلامه عليه السّلام متشابه المراد، لأنّ السيّد (ره) حذف أوّل الخطبة و ساقها على غير نسق، فأوجب ذلك إبهام المرام و إعضال الكلام، و كم له (ره) من مثل هذا الاسلوب المخالف للسّليقة في هذا الكتاب الموجب للغلق و الاضطراب هذا.
و قوله: (و دنوّ من طلعة ما لا تعرفون) أى هذا وقت قرب ظهور ما لا تعرفون من تلك الملاحم و الفتن الحادثة بالتّفصيل.
قال الشّارح المعتزلي: لأنّ تلك الملاحم و الأشراط الهايلة غير معهود مثلها، نحو دابّة الأرض، و الدّجال و فتنته و ما يظهر على يده من المخاريق و الامور الموهمة، و واقعة السّفياني و ان يقتل فيها من الخلائق الذي لا يحصى عددهم، انتهى
|