و له في موضع العرف فنزعة خضراء موشاة (موشّاة)، و مخرج عنقه كالإبريق، و مغرزها إلى حيث بطنه كصبغ الوسمة اليمانيّة، أو كحريرة ملبّسة مراتا ذات صقال، و كأنّه متلفّع بمعجر أسحم إلّا أنّه يخيّل لكثرة ماءه و شدّة بريقه أنّ الخضرة النّاضرة ممتزجه به، و مع فتق سمعه خطّ كمستدقّ القلم في لون الاقحوان أبيض يقق فهو ببياضه في سواد ما هنالك يأتلق. و قلّ صبغ إلّا و قد أخذ منه بقسط، و علاه بكثرة صقاله و بريقه، و بصيص ديباجه و رونقه، فهو كالأزاهير المبثوثة لم تربّها أمطار ربيع و لا شموس قيظ، و قد يتحسّر من ريشه و يعرى من لباسه فيسقط تترى و ينبت تباعا فينحتّ من قصبه انحتات أوراق الأغصان، ثمّ يتلاحق ناميا حتّى يعود كهيئته قبل سقوطه، لا يخالف سالف ألوانه، و لا يقع لون في غير مكانه، و إذا تصفّحت شعرة من شعرات قصبه أرتك حمرة وردّية، و تارة خضرة زبرجديّة، و أحيانا صفرة عسجديّة.
اللغة
(الوسمة) بكسر السين كما في بعض النسخ و هي لغة الحجاز و أفصح من السكون، و أنكر الأزهرى السكون، و بالسكون كما في بعضها و (اللفاع) ككتاب الملحفة أو الكساء أو كلما تتلفّع به المرأة، و تلفع الرّجل بالثوب إذا اشتمل به و تغطى، و في بعض النسخ متقنّع من القناع و (أبيض يقق) بالتحريك و بالكسر أيضا وزان كتف شديد البياض. و (يتحسّر) في بعض النسخ مضارع تفعل يقال: تحسّر البعير أى سقط من الاعياء، و في بعض النّسخ تنحسر على صيغة الانفعال تقول: حسره كضربه فانحسر أى كشفه فانكشف و (سالف ألوانه) في بعض النسخ بدلها ساير ألوانه و الأوّل أظهر و (العسجد) كجعفر الذّهب
الاعراب
مغرزها، مبتدأ خبره كصبغ الوسمة، و بطنه بالرّفع مبتدأ محذوف الخبر أى مغرزها إلى حيث بطنه موجودا و ممتدّا و منتهى إليه كصبغ. و حيث تضاف إلى الجملة غالبا و إضافتها إلى المفرد تشذّ في الشّعر، و هو في المعنى مضافة إلى المصدر الّذي تضمّنته الجملة قالوا: حيث و إن كانت مضافة الى الجملة في الظّاهر، لكن لمّا كانت في المعنى مضافة إلى المصدر فاضافتها إليها كلا إضافة، و لذا بنيت على الضمّ كالغايات على الأعرف قال نجم الأئمة: قد حذف خبر المبتدأ الّذي بعد حيث غير قليل، و التّنوين في قوله: بقسط، للتّفخيم، و جملة: علاه عطف على جملة أخذ.
المعنى
ثمّ أخذ في وصف قنزعته بقوله: (و له في موضع العرف) مستعار عن عرف الدّابة و هو شعر عنقه (قنزعة) و هى رويشات يسيرة طوال في مؤخّر رأسه بارزة عن ريش رأسه استعارة عن قنزعة الصّبي و هي الخصلة من الشّعر يترك على رأسه (خضراء موشاة).
ثمّ أخذ في وصف عنقه بقوله: (و مخرج عنقه كالابريق) أى محلّ خروج عنقه كمحلّ خروج عنق الابريق فيشعر بأنّ عنقه كالابريق أو أنّ خروجه كخروج عنق الابريق على أنه مصدر فيكون الاشعار أقوى (و مغرزها) أى مثبت عنقه، و تأنيث الضمير على لغة أهل الحجاز (إلى حيث بطنه كصبغ الوسمة اليمانيّة) في الخضرة الشديدة الضاربة إلى السواد (أو كحريرة سوداء ملبسة مرآتا ذات صقال) في لونها المخصوص و مخالفة بصيص المرآة لها (و كأنه متلفّع) أى مكتس (بمعجر أسحم) أى بثوب كالعصابة ذي سحم و سواد (إلّا أنّه يخيّل لكثرة مائه و شدّة بريقه أنّ الخضرة النّاضرة ممتزجة به).
ثمّ وصف الخطّ الأبيض عند محلّ سمعه فقال: (و مع فتق سمعه خطّ) دقيق (كمستدقّ القلم في) لون مثل (لون الاقحوان) أى البابونج (أبيض يقق فهو) أى ذلك الخطّ (ببياضه في سواد ما هنالك يأتلق) و يلمع.
ثمّ أجمل في تعديد ألوانه فقال: (و قلّ صبغ إلّا و قد أخذ منه بقسط) وافر (و علاه) أى زاد على الصبغ و غلب عليه (بكثرة صقاله و بريقه) أى جلائه و لمعانه (و بصيص ديباجه و رونقه) أى حسنه و بهائه (فهو كالأزاهير المبثوثة) المتفرّقة (لم تربّها أمطار ربيع و لا شموس قيظ) لما كان من شأن الأزاهير أنّ تربيتها و كمالها بالشّمس و المطر، و شبّه عليه السّلام ألوان هذا الطائر بالأزاهير المبثوثة أتى بهذه الجملة تنبيها على أن تربيتها ليست بالشّموس و الأمطار و إنّما هي بتدبير الفاعل المختار ففيه من الدّلالة على عظمة الصانع تعالى و قدرته ما لا يخفى.
و الظاهر أنّ الجمع في الأمطار باعتبار الدّفعات، و في الشّموس بتعدّد الاشراق في الأيام، أو باعتبار أنّ الشّمس الطالع في كلّ يوم فرد على حدة لاختلاف التّأثير في تربية الأزهار و النباتات باختلاف الحرّ و البرد و غير ذلك.
ثمّ بيّن له حالة اخرى هى محل الاعتبار في حكمة الصّانع و قدرته فقال: (و قد يتحسّر) و يتعرّى (من ريشه و يعرى من لباسه) و ذلك في الخريف عند سقوط أوراق الأشجار (فيسقط تترى) أى شيئا بعد شي ء (و ينبت تباعا) بدون فترة بينهما (فينحت) أى يسقط (من قصبه انحتات أوراق الأغصان ثمّ يتلاحق ناميا) و ذلك في الرّبيع إذا بدء طلوع الأوراق (حتّى يعود كهيئته قبل سقوطه لا يخالف) لون ريشه الثّاني (سالف ألوانه و لا يقع لون في غير مكانه).
ثمّ أشار إلى ما هو ألطف و أدقّ مما مضى و أعظم في الدّلالة على قدرة الصّانع المتعال فقال: (و إذا تصفّحت شعرة واحدة من شعرات قصبه أرتك) تلك الشعرة من شدّة بصيصها ألوانا مختلفة فتارة (حمرة ورديّة و تارة) أخرى (خضرة زبرجديّة و احيانا صفرة عسجديّة).
|