إنّ أفضل النّاس عند اللّه من كان العمل بالحقّ أحبّ إليه- و إن نقصه و كرثه- من الباطل و إن جرّ إليه فائدة و زاده.
فأين يتاه بكم و من أين أتيتم استعدّوا للمسير إلى قوم حيارى عن الحقّ لا يبصرونه، و موزعين بالجور لا يعدلون به. جفاة عن الكتاب. نكّب عن الطّريق. ما أنتم بوثيقة يعلق بها. و لا زوافر عزّ يعتصم إليها. لبئس حشّاش نار الحرب. أفّ لكم لقد لقيت منكم برحا، يوما أناديكم و يوما أناجيكم، فلا أحرار عند النّداء، و لا إخوان ثقة عند النّجاء.
اللغة:
كرثه: اشتد عليه الغم. يتاه بكم: يسار بكم الى الهلاك. و موزعين: جمع موزع- بسكون الواو- من أوزع به أي أغرى به. و الزوافر: الأنصار. و حشاش- بضم الحاء و تشديد الشين الأولى- جمع حاش من حش النار اذا أوقدها. و البرح: الشدة و الأذى و الشر. و النّجاء: المناجاة.
الإعراب:
(إن أفضل الناس عند اللّه إلخ).. إن حبيب اللّه هو الذي يتبع الحق و إن خسر دنياه، و تراكمت عليه المصائب و الكوارث، و لا يتبع الباطل و إن زاد في ماله و جاهه. و مثله قول الإمام: الايمان أن تؤثر الصدق حيث يضرك على الكذب حيث ينفعك.
حيارى و جفاة و نكب صفات لقوم، و بوثيقة الباء زائدة، و وثيقة صفة لخبر محذوف أي ما أنتم عروة وثيقة، و في بعض النسخ الراء من زوافر مفتوحة، و الصحيح كسرها لأن زوافر مضافة الى عز، و أف اسم فعل بمعنى أتضجر، و يوما الأول متعلق بأناديكم، و الثاني بأناجيكم.
المعنى:
(فأين يتاه بكم و من أين أتيتم) لما ذا تعمون عن الحق و ما الذي أعماكم عنه انكم تسيرون في طريق التهلكة من حيث لا تشعرون (استعدوا للمسير- الى- نكب عن الطريق). ما لكم و لوساوس الشيطان و ألا عيبه.
أجمعوا أمركم و قاتلوا أعداء اللّه و أعداءكم، فلقد استحوذ عليهم الشيطان، و أعماهم عن الحق، و أغراهم بالجور و الباطل، و يستحيل أن يعدلوا عنه بعد أن هجروا القرآن الكريم، و اتبعوا الشيطان الرجيم (و ما أنتم بوثيقة يعلق بها) لستم بركن يعتمد عليه، و لا بعروة يتمسك بها.. و تقدم في الخطبة 119 قول الإمام: أريد أن أتداوى بكم و أنتم دائي كناقش الشوكة بالشوكة.
(و لا زوافر عز يعتصم اليها) و لستم من أهل النجدة و أنصار الحق (لبئس حشّاش نار الحرب أنتم) لا تغنون في الحرب شيئا (أفّ لكم) و لجبنكم و تخاذلكم (لقد لقيت منكم برحا) الشدائد (يوما أناديكم، و يوما أناجيكم). هذا مثل قوله في الخطبة 95: و اسمعتكم فلم تستمعوا، و دعوتكم سرا و جهرا فلم تستجيبوا (فلا أحرار صدق عند النداء) لا تستجيبون لمن يستغيث بكم (و لا إخوان ثقة عند النجاء) و لا تكتمون لأحد سرا.
|