إنّ هؤلاء قد تمالئوا على سخطة إمارتي و سأصبر ما لم أخف على جماعتكم فإنّهم إن تمّموا على فيالة هذا الرّأي انقطع نظام المسلمين و إنّما طلبوا هذه الدّنيا حسدا لمن أفائها اللّه عليه فأرادوا ردّ الامور على أدبارها و لكم علينا العمل بكتاب اللّه و سنّة رسوله صلّى اللّه عليه و آله و سلّم و القيام بحقّه و النّعش لسنّته.
اللغة
(و تمالئوا) على الأمر تعاونوا. و قال ابن السكيت اجتمعوا و (فال) رأيه يفيل قيلولة و فيلة أخطأ و ضعف كتفيّل و رجل فيل الرّأى بالكسر و الفتح ككيس و فاله وفاء له و فاءل من غير اضافة ضعيفة جمعه أفيال و في رواية بدل فيالة (فيولة).
الاعراب
السين في قوله و سأصبر ليست لتخليص المضارع للاستقبال كما هو غالب موارد استعمالها و انما هي لتأكيد وقوع الصبر كما نبّه به الزّمخشري حيث قال انها إذا دخلت على فعل محبوب أو مكروه أفادت أنه واقع لا محالة. و قال في تفسير قوله: «فَسَيَكْفِيكَهُمُ اللَّهُ» معنى السين أنّ ذلك كاين لا محالة و إن تأخر إلى حين، و في تفسير «وَ الْمُؤْمِنُونَ وَ» السين مفيدة وجود الرحمة لا محالة و هي تؤكّد الوعد كما تؤكّد الوعيد إذا قلت سأنتقم منك، و حسدا منصوب على المفعول لأجله.
المعنى
ثمّ نبه على ضلال طلحة و الزّبير و عائشة و إيّاهم أراد بقوله (إنّ هؤلاء القوم قد تمالئوا) أى تعاونوا و تساعدوا و اجتمعوا (على سخطة إمارتي) و كراهيّتها سخيمة و مقتا (و سأصبر) على بغيهم و خروجهم (ما لم أخف على) حوزة (جماعتكم) و على انفصام حبل الاسلام (فانهم إن تمّموا) ما أرادوه و بلّغوه أجله مستقرّين (على فيالة هذا الرّأى) يعني أنهم إن أتمّوا ما تصدّوه في مسيرهم و مخالفتهم و بقوا على هذا الرّأى الضعيف (انقطع نظام المسلمين) و انفصم حبل الدّين، و تضعضع سوارى المتقين.
ثمّ بيّن علّة سخطهم لامارته بقوله (و إنما طلبوا هذه الدّنيا) يعني أنّ علة تمالؤهم عليّ ليست ما أظهروه من الطلب بدم عثمان و إنما هي تنافسهم في الدّنيا و طلبهم لها (حسدا لمن أفائها اللّه عليه) و ردّها إليه.
قال الشارح المعتزلي بعد تفسير الفي ء بمعنى الرجوع و هذا الكلام لا يشعر بأنه عليه السّلام كان يقتصد أنّ الأمر له و أنه غلب عليه ثمّ رجع إليه و لكنه محمول على أنه من رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم بمنزلة الجزء من الكلّ و أنهما من جوهر واحد فلما كان الوالي قديما هو و رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم ثمّ تخلل بين ولايتهما و لا يات غريبة سمّى ولايته فيئا و رجوعا لأنها رجعت الى الدّوحة الهاشميّة انتهى.
و أنت خبير بأنّ كلامه عليه السّلام صريح في ما ذكره الشارح أوّلا و انكار الشارح للإشعار عجيب و الحمل الذي تمحّله غريب، و كم له عليه السّلام في هذا الكتاب من كلام صريح في اغتصاب الخلافة، و انتهاب الوراثة، و كفى بذلك شهيدا الخطبة الثالثة، و الكلام السادس، و الخطبة السادسة و العشرين، فضلا عن غيرها.
بل قد ادّعى الشارح نفسه في شرح الخطبة المأة و الاحدى و السبعين تواتر الأخبار الواردة عنه عليه السّلام في هذا المعنى و هو كذلك و سنحكى كلامه إذا بلغ الشرح محلّه و ما أدرى ما ذا أعدّه الشّارح للجواب يوم الحساب، مع علمه بالأخبار المتواترة في هذا الباب، لو لم يكن ما يمحّله من التكلّفات و التأويلات، تقيّة من ذوى الأذناب، و اللّه عالم بالسرائر خبير بالضمائر هذا.
و قوله (فأرادوا ردّ الامور على أدبارها) أى أرادوا انتزاع أمر الخلافة منه عليه السّلام بعد إقباله إليه كما انتزعت أوّلا أسوة بما وقع من قبل ثمّ أخبر بما لهم عليه إن قاموا بوظايف الطاعة فقال (و لكم علينا العمل بكتاب اللّه تعالى و سيرة رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم و القيام بحقه) أى بحق الرّسول صلّى اللّه عليه و آله الواجب علينا القيام به (و النعش لسنّته) أى الرفع لشريعته و الاعلاء لكلمته صلواة اللّه و سلامه عليه و آله.
|