11: إِذَا قَدَرْتَ عَلَى عَدُوِّكَ- فَاجْعَلِ الْعَفْوَ عَنْهُ شُكْراً لِلْقُدْرَةِ عَلَيْهِ قد أخذت أنا هذا المعنى فقلت في قطعة لي-
إن الأماني أكساب الجهول فلا تقنع بها و اركب الأهوال و الخطرا
و اجعل من العقل جهلا و اطرح نظرا
في الموبقات و لا تستشعر الحذرا
و إن قدرت على الأعداء منتصرا فاشكر بعفوك عن أعدائك الظفرا
- . و قد تقدم لنا كلام طويل في الحلم و الصفح و العفو- . و نحن نذكر هاهنا زيادة على ذلك- شجر بين أبي مسلم و بين صاحب مرو كلام- أربى فيه صاحب مرو عليه و أغلظ له في القول- فاحتمله أبو مسلم و ندم صاحب مرو- و قام بين يدي أبي مسلم معتذرا- و كان قال له في جملة ما قال يا لقيط- فقال أبو مسلم مه لسان سبق و وهم أخطأ- و الغضب شيطان و أنا جرأتك علي باحتمالك قديما- فإن كنت للذنب معتذرا فقد شاركتك فيه- و إن كنت مغلوبا فالعفو يسعك- فقال صاحب مرو أيها الأمير- إن عظم ذنبي يمنعني من الهدوء- فقال أبو مسلم يا عجبا أقابلك بإحسان و أنت مسي ء- ثم أقابلك بإساءة و أنت محسن فقال الآن وثقت بعفوك- . و أذنب بعض كتاب المأمون ذنبا- و تقدم إليه ليحتج لنفسه فقال يا هذا قف مكانك- فإنما هو عذر أو يمين فقد وهبتهما لك- و قد تكرر منك ذلك- فلا تزال تسي ء و نحسن و تذنب و نغفر- حتى يكون العفو هو الذي يصلحك- . و كان يقال أحسن أفعال القادر العفو و أقبحها الانتقام- . و كان يقال ظفر الكريم عفو و عفو اللئيم عقوبة- . و كان يقال- رب ذنب مقدار العقوبة عليه إعلام المذنب به- و لا يجاوز به حد الارتفاع إلى الإيقاع- . و كان يقال ما عفا عن الذنب من قرع به- . و من الحلم الذي يتضمن كبرا مستحسنا- ما روي أن مصعب بن الزبير لما ولي العراق- عرض الناس ليدفع إليهم أرزاقهم- فنادى مناديه أين عمرو بن جرموز- فقيل له أيها الأمير إنه أبعد في الأرض- قال أ و ظن الأحمق أني أقتله بأبي عبد الله- قولوا له فليظهر آمنا و ليأخذ عطاءه مسلما- . و أكثر رجل من سب الأحنف و هو لا يجيبه- فقال الرجل ويلي عليه و الله ما منعه من جوابي- إلا هواني عنده- . و قال لقيط بن زرارة-
فقل لبني سعد و ما لي و ما لكم ترقون مني ما استطعتم و أعتق
أ غركم أني بأحسن شيمة
بصير و أني بالفواحش أخرق
و أنك قد ساببتني فقهرتني هنيئا مريئا أنت بالفحش أحذق
- . و قال المأمون لإبراهيم بن المهدي لما ظفر به- إني قد شاورت في أمرك فأشير علي بقتلك- إلا أني وجدت قدرك فوق ذنبك- فكرهت قتلك للازم حرمتك- فقال إبراهيم يا أمير المؤمنين- إن المشير أشار بما تقتضيه السياسة و توجيه العادة- إلا أنك أبيت أن تطلب النصر إلا من حيث عودته من العفو- فإن قتلت فلك نظراء و إن عفوت فلا نظير لك- قال قد عفوت فاذهب آمنا- . ضل الأعشى في طريقه فأصبح بأبيات علقمة بن علاثة- فقال قائده و قد نظر إلى قباب الأدم- وا سوء صباحاه يا أبا بصير هذه و الله أبيات علقمة- فخرج فتيان الحي فقبضوا على الأعشى- فأتوا به علقمة فمثل بين يديه- فقال الحمد لله الذي أظفرني بك من غير ذمة و لا عقد- قال الأعشى أ و تدري لم ذلك جعلت فداك قال نعم- لانتقم اليوم منك بتقوالك علي الباطل مع إحساني إليك- قال لا و الله و لكن أظفرك الله بي ليبلو قدر حلمك في- فأطرق علقمة فاندفع الأعشى فقال-
أ علقم قد صيرتني الأمور إليك و ما كان بي منكص
كساكم علاثة أثوابه
و ورثكم حلمه الأحوص
فهب لي نفسي فدتك النفوس فلا زلت تنمي و لا تنقص
- . فقال قد فعلت- أما و الله لو قلت في بعض ما قلته في عامر بن عمر- لأغنيتك طول حياتك- و لو قلت في عامر بعض ما قلته في ما أذاقك برد الحياة- . قال معاوية لخالد بن معمر السدوسي- على ما ذا أحببت عليا قال على ثلاث- حلمه إذا غضب و صدقه إذا قال و وفاؤه إذا وعد
( شرح نهج البلاغة(ابن أبي الحديد)، ج 18 ، صفحه ى 109-111)
|