169: الْإِعْجَابُ يَمْنَعُ مِنَ الِازْدِيَادِ قد تقدم لنا قول مقنع في العجب- و إنما قال ع يمنع من الازدياد- لأن المعجب بنفسه ظان أنه قد بلغ الغرض- و إنما يطلب الزيادة من يستشعر التقصير- لا من يتخيل الكمال- و حقيقة العجب ظن الإنسان بنفسه استحقاق منزلة- هو غير مستحق لها- و لهذا قال بعضهم لرجل رآه معجبا بنفسه- يسرني أن أكون عند الناس مثلك في نفسك- و أن أكون عند نفسي مثلك عند الناس- فتمنى حقيقة ما يقدره ذلك الرجل- ثم تمنى أن يكون عارفا بعيوب نفسه- كما يعرف الناس عيوب ذلك الرجل المعجب بنفسه- . و
قيل للحسن من شر الناس قال من يرى أنه خيرهم
- . و قال بعض الحكماء- الكاذب في نهاية البعد من الفضل- و المرائي أسوأ حالا من الكاذب- لأنه يكذب فعلا و ذاك يكذب قولا- و الفعل آكد من القول- فأما المعجب بنفسه فأسوأ حالا منهما- لأنهما يريان نقص أنفسهما و يريدان إخفاءه- و المعجب بنفسه قد عمي عن عيوب نفسه- فيراها محاسن و يبديها- . و قال هذا الحكيم أيضا- ثم إن المرائي و الكاذب قد ينتفع بهما- كملاح خاف ركابه الغرق من مكان مخوف من البحر- فبشرهم بتجاوزه قبل أن يتجاوزه- لئلا يضطربوا فيتعجل غرقهم- . و قد يحمد رياء الرئيس إذا قصد أن يقتدى به في فعل الخير- و المعجب لا حظ له في سبب من أسباب المحمدة بحال- . و أيضا فلأنك إذا وعظت الكاذب و المرائي- فنفسهما تصدقك و تثلبهما لمعرفتهما بنفسهما- و المعجب فلجهله بنفسه يظنك في وعظه لاغيا- فلا ينتع بمقالك- و إلى هذا المعنى أشار سبحانه بقوله- أَ فَمَنْ زُيِّنَ لَهُ سُوءُ عَمَلِهِ فَرَآهُ حَسَناً- ثم قال سبحانه فَلا تَذْهَبْ نَفْسُكَ عَلَيْهِمْ حَسَراتٍ- تنبيها على أنهم لا يعقلون لإعجابهم- . و قال ع ثلاث مهلكات- شح مطاع و هوى متبع و إعجاب المرء بنفسه
- . و في المثل إن إبليس قال- إذا ظفرت من ابن آدم بثلاث لم أطالبه بغيرها- إذا أعجب بنفسه و استكثر عمله و نسي ذنوبه- . و قالت الحكماء- كما أن المعجب بفرسه لا يروم أن يستبدل به غيره- كذلك المعجب بنفسه لا يريد بحاله بدلا و إن كانت رديئة- . و أصل الإعجاب من حب الإنسان لنفسه- و قد قال ع حبك الشي ء يعمي و يصم
- و من عمي و صم تعذر عليه رؤية عيوبه و سماعها- فلذلك وجب على الإنسان- أن يجعل على نفسه عيونا تعرفه عيوبه- نحو ما قال عمر أحب الناس إلي امرؤ أهدى إلي عيوبي- . و يجب على الإنسان إذا رأى من غيره سيئة- أن يرجع إلى نفسه- فإن رأى ذلك موجودا فيها نزعها و لم يغفل عنها- فما أحسن ما قال المتنبي-
و من جهلت نفسه قدره رأى غيره منه ما لا يرى
- . و أما التيه و ماهيته فهو قريب من العجب- لكن المعجب يصدق نفسه و هما فيما يظن بها- و التياه يصدقها قطعا كأنه متحير في تيه- و يمكن أن يفرق بينهما بأمر آخر- و يقول إن المعجب قد يعجب بنفسه- و لا يؤذي أحدا بذلك الإعجاب- و التياه يضم إلى الإعجاب الغض من الناس- و الترفع عليهم فيستلزم ذلك الأذى لهم- فكل تائه معجب و ليس كل معجب تائها
( شرح نهج البلاغة(ابن أبي الحديد)، ج 18 ، صفحه ى 391-393)
|