325: وَ قَالَ ع لِابنْهِ يَا بُنَيَّ إِنِّي أَخَافُ عَلَيْكَ الْفَقْرَ- فَاسْتَعِذْ بِاللَّهِ مِنْهُ- فَإِنَّ الْفَقْرَ مَنْقَصَةٌ لِلدِّينِ- مَدْهَشَةٌ لِلْعَقْلِ دَاعِيَةٌ لِلْمَقْتِ
نبذ من الأقوال الحكيمة في الفقر و الغنى
هذا موضع قد اختلف الناس فيه كثيرا- ففضل قوم الغنى و فضل قوم الفقر- فقال أصحاب الغنى- قد وصف الله تعالى المال فسماه خيرا- فقال إِنِّي أَحْبَبْتُ حُبَّ الْخَيْرِ عَنْ ذِكْرِ رَبِّي- و قال ممتنا على عباده- واعدا لهم بالإنعام و الإحسان- وَ يُمْدِدْكُمْ بِأَمْوالٍ وَ بَنِينَ- و قال وَ جَعَلْتُ لَهُ مالًا مَمْدُوداً- . و
قال النبي ص المال الحسب إن أحساب أهل الدنيا هذا المال
و قال ع نعم العون على تقوى الله المال
- .قالوا و لا ريب أن الأعمال الجليلة العظيمة الثواب- لا يتهيأ حصولها إلا بالمال- كالحج و الوقوف و الصدقات و الزكوات و الجهاد- . و قد جاء في الخبر خير المال سكة مأبورة أو مهرة مأمورة
- . و قالت الحكماء المال يرفع صاحبه- و إن كان وضيع النسب قليل الأدب- و ينصره و إن كان جبانا- و يبسط لسانه و إن كان عيا- به توصل الأرحام و تصان الأعراض- و تظهر المروءة و تتم الرئاسة- و يعمر العالم و تبلغ الأغراض- و تدرك المطالب و تنال المآرب- يصلك إذا قطعك الناس- و ينصرك إذا خذلوك- و يستعبد لك الأحرار- و لو لا المال لما بان كرم الكريم- و لا ظهر لؤم اللئيم- و لا شكر جواد و لا ذم بخيل- و لا صين حريم و لا أدرك نعيم- . و قال الشاعر
المال أنفع للفتى من علمه و الفقر أقتل للفتى من جهله
ما ضر من رفع الدراهم قدره
جهل يناط إلى دناءة أصله
- و قال آخر
دعوت أخي فولى مشمئزا و لبى درهمي لما دعوت
- و قال آخر
و لم أر أوفى ذمة من دراهمي و أصدق عهدا في الأمور العظائم
فكم خانني خل وثقت بعهده
و كان صديقا لي زمان الدراهم
- و قال آخر
أبو الأصفر المنقوش أنفع للفتى من الأصل و العلم الخطير المقدم
و ما مدح العلم امرؤ ظفرت به يداه و لكن كل مقو و معدم
- و قال الشاعر
و لم أر بعد الدين خيرا من الغنى و لم أر بعد الكفر شرا من الفقر
- . و قال العتابي- الناس لصاحب المال ألزم من الشعاع للشمس- و هو عندهم أرفع من السماء و أعذب من الماء- و أحلى من الشهد و أزكى من الورد- خطؤه صواب و سيئته حسنة و قوله مقبول- يغشى مجلسه و لا يمل حديثه- و المفلس عندهم أكذب من لمعان السراب- و من رؤيا الكظة- و من مرآة اللقوة و من سحاب تموز- لا يسأل عنه إن غاب و لا يسلم عليه إذا قدم- إن غاب شتموه و إن حضر طردوه- مصافحته تنقض الوضوء و قراءته تقطع الصلاة- أثقل من الأمانة و أبغض من السائل المبرم- . و قال بعض الشعراء الظرفاء- و أحسن كل الإحسان مع خلاعته-
أصون دراهمي و أذب عنها لعلمي أنها سيفي و ترسي
و أذخرها و أجمعها بجهدي
و يأخذ وارثي منها و عرسي
فيأكلها و يشربها هنيئا على النغمات من نقر و جس
و يقعد فوق قبري بعد موتي
و لا يتصدقن عني بفلس
أحب إلي من قصدي عظيما كبيرا أصله من عبد شمس
أمد إليه كفي مستميحا
و أصبح عبد خدمته و أمسي
و يتركني أجر الرجل مني و قد صارت كنفس الكلب نفسي
- .
و قال أصحاب الفقر- الغنى سبب الطغيان قال الله تعالى- كَلَّا إِنَّ الْإِنْسانَ لَيَطْغى أَنْ رَآهُ اسْتَغْنى - و قال تعالى- وَ إِذا أَنْعَمْنا عَلَى الْإِنْسانِ أَعْرَضَ وَ نَأى بِجانِبِهِ- و كان يقال الغنى يورث البطر- و غنى النفس خير من غنى المال- . و قال محمود البقال-
الفقر خير فاتسع و اقتصد إن من العصمة ألا تجد
كم واجد أطلق وجدانه
عنانه في بعض ما لم يرد
و مدمن للخمر غاد على سماع عود و غناء غرد
لو لم يجد خمرا و لا مسمعا
يرد بالماء غليل الكبد
كم من يد للفقر عند امرئ طأطأ منه الفقر حتى اقتصد
- . و كان يقال- الفقر شعار الصالحين و الفقر لباس الأنبياء- و لذلك قال البحتري-
فقر كفقر الأنبياء و غربة و صبابة ليس البلاء بواحد
- و كان يقال الفقر مخف و الغني مثقل- . و
في الخبر نجا المخفون
- و ما أحسن قول أبي العتاهية-
أ لم تر أن الفقر يرجى له الغنى و أن الغنى يخشى عليه من الفقر
- و قد ذم الله تعالى المال فقال- وَ اعْلَمُوا أَنَّما أَمْوالُكُمْ وَ- .
و كان يقال المال ملول المال ميال- المال غاد و رائح طبع المال كطبع الصبي- لا يوقف على وقت رضاه و لا وقت سخطه- المال لا ينفعك حتى يفارقك- و إلى هذا المعنى نظر القائل-
و صاحب صدق ليس ينفع قربه و لا وده حتى تفارقه عمدا
يعني الدينار- . و ما أحسن ما قاله الأول-
و قد يهلك الإنسان حسن رياشه كما يذبح الطاوس من أجل ريشه
- و قال آخر
رويدك إن المال يهلك ربه إذا جم و استعلى و سد طريقه
و من جاوز الماء الغزير فمجه
و سد طريق الماء فهو غريقه
( . شرح نهج البلاغه (ابن ابی الحدید) ج 19، ص 227 - 231)
|