411- و قال (لقائل قال بحضرته أستغفر اللّه): ثكلتك أمّك أ تدري ما الاستغفار الاستغفار درجة العليّين. و هو اسم واقع على ستّة معان: أوّلها النّدم على ما مضى. و الثّاني العزم على ترك العود إليه أبدا. و الثّالث أن تؤدّي إلى المخلوقين حقوقهم حتّى تلقى اللّه أملس ليس عليك تبعة. و الرّابع أن تعمد إلى كلّ فريضة عليك ضيّعتها فتؤدّي حقّها. و الخامس أن تعمد إلى اللّحم الّذي نبت على السّحت فتذيبه بالأحزان حتّى تلصق الجلد بالعظم و ينشأ بينهما لحم جديد. و السادس أن تذيق الجسم ألم الطّاعة كما أذقته حلاوة المعصية فعند ذلك تقول أستغفر اللّه.
المعنى
معنى الاستغفار طلب المغفرة.. و لكل مذنب أن يسأل اللّه العفو و المغفرة بلا قيد و شرط تماما كما نقول: لا إله إلا اللّه محمد رسول اللّه طائعين و عاصين للّه و رسوله، بل لا مانع من العقل و الشرع أن يغفر اللّه بعض الذنوب لسبب آخر غير التوبة و طلب المغفرة، لأن رحمته وسعت و تسع كل شي ء، و لأنه تعالى أمر عباده بالعفو عمن أساء اليهم بلا طلب من المسي ء، و أمر بالإحسان الى المحاويج بلا سؤال من المحتاج.. و ما أمرهم بذلك إلا لأنه أهل العفو و الجود.
و المعاني الستة التي ذكرها الإمام هي شروط للمستغفر الذي يطمح الى الدرجة العليا عند اللّه بدليل قوله: (الاستغفار درجة العليين، و هو اسم واقع على ستة معان).
1- (الندم على ما مضى) أي الشعور بالذنب، و الخوف من عاقبته و آثاره، و تأنيب النفس على فعله، و يعبّر عن هذا المعنى أدباء العصر بنقد الذات.
2- (العزم على ترك العود اليه أبدا). هذا هو العلاج الشافي و الدواء الكافي لاستئصال الداء من الجذور، و بقية الشروط لدرجة العليين.
3- (أن تؤدي الى المخلوقين حقوقهم إلخ).. لأن على اليد ما أخذت حتى تؤدي الشي ء الذي أخذته إما بعينه ان كان لا يزال قائما، و اما بمثله أو قيمته مع التلف، و لا يسقط بمجرد العزم على ترك العودة كبعض الحقوق الإلهية.
4- (ان تعمد الى كل فريضة عليك إلخ).. إذا فاتك شي ء من العبادات الواجبة كالصلاة و الصيام فعليك أن تقضيه كما فات، سواء تبت من ذنوبك، أم لم تتب، و الفرق أنك إذا قضيت بلا توبة تعاقب على تهاونك بتأخير الفريضة عن وقتها، و أيضا تعاقب على ترك التوبة، أما إذا قضيت مع التوبة فلا حساب عليك و لا عقاب إطلاقا.
5- (ان تعمد الى اللحم الذي نبت على السحت إلخ).. و هو المال الحرام.. و من أكل منه حتى اشتد العظم و نبت اللحم فينبغي له أن يخفف وزنه بطريق أو بآخر حتى لا يبقى سوى جلده و عظمه فقط، أما من أكل لقمة واحدة من الحرام أو أكثر فيخفف وزنه بمقدار ما أكل من الحرام. و عن رسول اللّه (ص): «من أكل لقمة من حرام لا تقبل منه صلاة أربعين ليلة، و لا تستجاب له دعوة أربعين صباحا، و كل لحم ينبت من حرام فإلى النار، و اللقمة الواحدة ينبت بها اللحم».
و إذا كان للّقمة الواحدة من الحرام هذا الأثر البالغ فكيف بمن يسعى سعيه المحموم لينهب و يسيطر على أقوات العباد في شرق الأرض و غربها، كما حوّل معظم الانتاج الى الصناعة العسكرية للغاية نفسها 6- (أن تذيق الجسم ألم الطاعة إلخ).. كفّر عن سيئاتك بفعل الحسنات، و عن تقصيرك بالجد و الاجتهاد في خدمة الناس، و مغالبة النفس و أهوائها الشيطانية.
( . فی ضلال نهج البلاغه، ج 4، ص 457 و 458)
|