و من خطبة له عليه السّلام
و هى المأة و الخامسة و الستون من المختار في باب الخطب و الظاهر أنها ملتقطة من خطبة طويلة قدّمنا روايتها في شرح الخطبة السابعة و الثمانين من الكافي فليراجع هناك و هذه متضمّن لفصلين:
الفصل الاول
ليتأسّ صغيركم بكبيركم، و ليرؤف كبيركم بصغيركم، و لا تكونوا كجفاة الجاهليّة، لا في الدّين تتفقّهون، و لا عن اللّه تعقلون، كقيض بيض في أداح يكون كسرها وزرا، و يخرج حضانها شرّا.
اللغة
(تتفقّهون) و (تعقلون) في بعض النسخ بصيغة الخطاب و في بعضها بصيغة الغيبة و (قيض البيض) بالفتح قشرة البيض العليا اليابسة و قيل الّتي خرج ما فيها من فرخ. و قال الشارح البحراني تبعا للشارح المعتزلي: قيض البيض، كسره تقول قضت البيضة كسرتها و (انقاضت) تصدّعت من غير كسر، و (تقيّضت) تكسّرت فلقا فعلى قولهما يكون القيض مصدرا و على ما ذكرناه اسما و هذا أظهر و أولى بقرينة قوله عليه السّلام يكون كسرها وزرا فافهم. و (الأداح) مخفّف أداحي جمع اداحى بالضمّ مثل خرطوم و خراطيم، و عرقوب و عراقيب، و قد يكسر و هو الموضع الّذي تبيض فيه النّعامة و تفرخ، و هو افعول من دحوت لانّها تدحوه برجلها أى تبسطه ثمّ تبيض فيه و ليس للنعام عشّ و (حضن) الطائر بيضه حضنا و حضانا بكسرهما ضمّه تحت جناحه فهى حاضن لأنّه وصف مختصّ و حكى (حاضنة) على الأصل
الاعراب
الضمير في كسرها راجع إلى القيض و التّانيث امّا لكونها بمعنى القشرة أو باعتبار كسبها التأنيث عن المضاف إليه و هي قاعدة مطّردة قال الشاعر كما شرقت صدر القناة من الدّم و حضانها بالضمّ فاعل يخرج و قوله كقيض بيض بدل من قوله كجفاة الجاهليّة و الباقي واضح.
المعنى
اعلم أنّ مدار هذه الخطبة على ما التقطها السيد رحمه اللّه على فصلين:
الفصل الاول
مسوق لنصح المخاطبين و هدايتهم على ما فيه انتظام امورهم و صلاح عملهم من حيث الدّين و الدّنيا و هو قوله (ليتأسّ صغيركم بكبيركم) أمر الصغار بتأسّي الكبار لأنّ الكبير أكثر تجربة و أكيس فهو أليق بأن يتأسّى به (و ليرؤف كبيركم بصغيركم) أمر الكبار بالرّأفة على الصغار لأنّ الصغير مظنّة الضعف فهو أحقّ بأن يرحم عليه و يرأف.
قال الكيدري في محكىّ كلامه أى ليتأسّ من صغر منزلته في العلم و العمل بمن له متانة فيهما، و ليرحم كلّ من له جاه و منزلة في الدّنيا بالمال و القوّة كلّ من دونه (و لا تكونوا كجفاة الجاهليّة) أى كأهل الجاهلية الموصوفين بالجفاء و القسوة و الفظاظة و الغلظة (لا في الدّين تتفقّهون، و لا عن اللّه تعقلون) أشار إلى وجه الشّبه الجامع بين الفرقتين و هو جهلهم بمعالم الدّين، و غفلتهم عن أحكام ربّ العالمين قال تعالى وَ مَثَلُ الَّذِينَ كَفَرُوا كَمَثَلِ الَّذِي و قوله: (كقيض بيض في أداح يكون كسرها وزرا و يخرج حضانها شرّا) قال الشارح المعتزلي وجه الشبه أنها إن كسرها كاسر أثم لأنّه يظنّه بيض النعام و إن لم يكسر يخرج حضانها شرا اذ يخرج أفعيا قاتلا، و استعار لفظ الأداحى للاعشاش مجازا لأنّ الأداحى لا تكون إلّا للنعام.
و قال الشارح البحراني نهاهم عليه السّلام أن يشبهوا جفاة الجاهليّة في عدم تفقّههم في الدين، فيشبهون إذا بيض الأفاعى في أعشاشها و وجه الشّبه أنه إن كسر كاسر أثم لتأذّى الحيوان به فكذلك هؤلاء إذا شبّهوا جفاة الجاهليّة لا يحلّ أذيهم لحرمة ظاهر الاسلام، و إن اهملوا و تركوا على الجهل خرجوا شياطين.
أقول: و ببيان أوضح إنّ بيض الأفاعى كما أنّ في كسرها سلامة من شرّ ما يخرج منها لو أبقيت على حالها إلّا أنّ فيه وزرا على كاسرها و في عدم كسرها لا يكون على أحد وزر إلّا أنّ ما يخرج منها تكون منشأ الشّرور و الأذى فكذلك هؤلاء إن اقيمت فيهم مراسم السّياسة المدنيّة بالتّأديب و التعزير و التّعذيب لاستقامت الامور و انتظمت وظايف الخلافة لكن في اقامتها وزرا على المقيم لأنّ فيه مخالفة لأمر اللّه سبحانه أو نهيه كما قال عليه السّلام في الكلام الثامن و الستّين: و انّي لعالم بما يصلحكم و يقيم أودكم و لكنّي لا أرى إصلاحكم بافساد نفسي، و إن تركوا على حالهم كانوا منشأ الشرور و المفاسد فيضلّون كثيرا و يضلّوا عن سواء السّبيل.
|