(و رجل ثالث سمع من رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم شيئا يأمر به ثمّ نهى عنه و هو لا يعلم) بنهيه (أو سمعه ينهى عن شي ء ثمّ أمر به و هو لا يعلم) بأمره (فحفظ المنسوخ و لم يحفظ الناسخ فلو علم أنه منسوخ لرفضه و لو علم المسلمون إذ سمعوه منه أنه منسوخ لرفضوه) و لكنه لجهله و غفلته عن الناسخ روى المنسوخ لغيره فقبلوه منه بحسن وثوقهم به روى فى الكافى بسند موثّق عن محمّد بن مسلم عن أبي عبد اللّه عليه السّلام قال: قلت له: ما بال أقوام يروون عن فلان و فلان عن رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم لا يتّهمون بالكدب، فيجي ء منكم خلافه قال عليه السّلام: إنّ الحديث ينسخ كما ينسخ القرآن.
و فيه بسنده عن منصور بن حازم عن أبي عبد اللّه عليه السّلام في حديث قال: قلت
فأخبرنى عن أصحاب رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم صدقوا على محمّد أم كذبوا قال: بل صدقوا، قال: قلت: فما بالهم قد اختلفوا فقال عليه السّلام: أما تعلم أنّ الرّجل كان يأتي رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم فيسأله عن المسألة فيجيبه فيها بالجواب، ثمّ يجيئه بعد ذلك بما ينسخ ذلك الجواب فنسخت الأحاديث بعضها بعضا.
قال الشهيد الثاني فى دراية الحديث عند تعداد أقسام الأحاديث: و سادس عشرها الناسخ و المنسوخ، فانّ من الأحاديث ما ينسخ بعضها بعضا كالقرآن.
و الأوّل و هو الناسخ ما أى حديث دلّ على رفع حكم شرعىّ سابق، فالحديث المدلول عليه بما بمنزلة الجنس يشمل الناسخ و غيره و مع ذلك خرج به ناسخ القرآن و الحكم المرفوع شامل للوجودى و العدمى و خرج بالشرعى الذى هو صفة الحكم الشرعىّ المبتدأ بالحديث، فانه يرفع به الاباحة الأصلية لكن لا يسمى شرعيا، و خرج بالسابق الاستثناء و الصفة و الشرط و الغاية الواقعة فى الحديث، فانها قد ترفع حكما شرعيا لكن ليس سابقا.
و الثاني و هو المنسوخ ما رفع حكمه الشرعى بدليل شرعىّ متأخّر عنه و قيوده يعلم بالمقايسة على الأوّل، و هذا فنّ صعب مهمّ حتّى أدخل بعض أهل الحديث فيه ما ليس منه لخفاء معناه، و طريق معرفته النصّ من النبيّ صلّى اللّه عليه و آله و سلّم مثل كنت نهيتكم عن زيارة القبور ألا فزوروها، و نقل الصحابى مثل كان آخر الأمرين من رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم: أنه ترك الوضوء مما مسّته النار، أو التاريخ فانّ المتأخّر منهما يكون ناسخا للمتقدّم لما روى عن الصحابة كنا نعمل بالأحاديث فالأحاديث أو الاجماع كحديث قتل شارب الخمر فى المرّة الرّابعة نسخه الاجماع على خلافه حيث لا يتخلّل الحدّ و الاجماع لا ينسخ بنفسه و انما يدلّ على النسخ، انتهى كلامه رفع مقامه.
و ينبغي أن يعلم أنّ النسخ إنما يكون فى الأحاديث الواردة عن النبىّ صلّى اللّه عليه و آله و سلّم إذ لا ينسخ بعده.
|