365- العلم مقرون بالعمل فمن علم عمل. و العلم يهتف بالعمل فإن أجابه و إلّا ارتحل عنه.
المعنى
العلم تنوير الأرض بالكهرباء، و طائرات و سفن فضاء، و تحويل البحر الى عذب فرات، و الصحراء الى جنات، و عمليات جراحية، و عقول الكترونية، و أنابيب يتدفق منها نفط الشرق الى الغرب أبحرا، و كل أسباب الحضارة و أدوات الإنتاج و الراحة و ما يهدي اليها هي علم و دين و أخلاق أيضا.. هذا و كل ما يرضي اللّه سبحانه و يقربنا اليه هو علم عند الإمام أمير المؤمنين (ع) و هو الذي أراده و عناه بقوله: «العلم مقرون بالعمل إلخ».. و ما اهتدت العقول الى هذه الحقيقة إلا بعد التقدم العلمي المذهل، و على أساسها تم تصحيح الكثير من الفلسفات و النظريات القديمة.
و قبل أن يموت الرياضي الكبير اينشتين أوصى بتشريح مخه ليعرف العالم كله: هل يختلف مخ العالم عن مخ الجاهل، و بعد التشريح الدقيق تبين ان مخ الأحمق تماما كمخ العبقري المبدع، و معنى هذا ان الفرق الأول و الأخير بين الاثنين هو العمل و ما يهدي اليه.
و تسأل: و لكن اللّه قال: هَلْ يَسْتَوِي الَّذِينَ يَعْلَمُونَ وَ الَّذِينَ لا يَعْلَمُونَ- 9 الزمر و لم يقل: الذين يعملون و الذين لا يعملون الجواب، و أيضا قال سبحانه: إِنَّما يَخْشَى اللَّهَ مِنْ عِبادِهِ الْعُلَماءُ- 28 فاطر.
و المراد بخشية اللّه هنا العمل بطاعته، و عليه تكون هذه الآية بيانا و تفسيرا لآية الزمر، و ان المراد بالعلم فيها هو العمل بالذات.. هذا الى آيات كثيرة تدل بصراحة ان الحساب و الجزاء غدا على العمل لا على مجرد العلم، منها يَوْمَ تَجِدُ كُلُّ نَفْسٍ ما عَمِلَتْ- 30 آل عمران. وَ تُوَفَّى كُلُّ نَفْسٍ ما عَمِلَتْ- 111 النحل. و قال الرسول الأعظم (ص): «و الذي بعثني بالحق نبيا لا ينجي إلا عمل مع رحمة» أي مع مصلحة و منفعة، و يدلنا هذا على ان العلم بلا عمل لا يجدي شيئا، كما يدلنا أيضا ان كل عمل فهو هباء إلا ما يخدم الحياة، و يجعلها أكثر خصبا و عدلا و أمنا.
فالعلم عند اللّه سبحانه هو العمل النافع، و عنه أخذ الرسول (ص) و أخذ الإمام جميع معتقداته و آرائه عن رسول اللّه.. حتى رأيه في المرأة، و أثبتنا ذلك في شرح الخطبة 78 فقرة «علي و المرأة»، و في شرح قوله: «المرأة شر كلها» في الحكمة 237.. و قد تبين معنا الآن، و نحن نشرح قول الإمام: «العلم مقرون بالعمل إلخ».. ان مصدر هذا القول هو كتاب اللّه و سنّة نبيه مع العلم بأنه يتفق تماما مع قول سقراط: «من عرف الخير يتجه الى عمله حتما، و من وقع في الشر فمرده الى الجهل به». فإن كان نهج البلاغة منحولا- كما زعم المشككون- لأن بعض ما فيه يتفق مع الفلسفة اليونانية التي عرفها المسلمون في عصر متأخر عن عهد الإمام، إن كان النهج منحولا لهذا السبب فعلى من ارتاب فيه أن يرتاب أيضا في كتاب اللّه و سنّة نبيه، لأن بعض ما فيهما يتفق مع الفلسفة اليونانية، و من ذلك ان العلم بلا عمل ليس بشي ء.
( . فی ضلال نهج البلاغه، ج 4، ص 427 و 428)
|