134- من أعطي أربعا لم يحرم أربعا: من أعطي الدّعاء لم يحرم الإجابة و من أعطي التّوبة لم يحرم القبول، و من أعطي الاستغفار لم يحرم المغفرة، و من أعطي الشّكر لم يحرم الزّيادة و تصديق ذلك في كتاب اللّه تعالى قال اللّه عزّ و جلّ في الدّعاء «ادعوني أستجب لكم» و قال في الاستغفار «و من يعمل سوءا أو يظلم نفسه ثمّ يستغفر اللّه يجد اللّه غفورا رحيما». و قال في الشّكر «لئن شكرتم لأزيدنّكم». و قال في التّوبة «إنّما التّوبة على اللّه للّذين يعملون السّوء بجهالة ثمّ يتوبون من قريب فأولئك يتوب اللّه عليهم و كان اللّه عليما حكيما».
المعنى
و الأربع هي: 1- (من أعطي الدعاء لم يحرم الإجابة). قال سبحانه: وَ قالَ رَبُّكُمُ- 60 غافر. و أيضا قال: وَ إِذا سَأَلَكَ عِبادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذا دَعانِ فَلْيَسْتَجِيبُوا لِي- 186 البقرة. و إذا عطفنا إحدى الآيتين على أختها نستخرج منهما معا أن اللّه سبحانه يستجيب الدعاء ممن سمع و أطاع، و يؤخذ هذا المعنى من قوله تعالى لموسى و هرون: قَدْ أُجِيبَتْ دَعْوَتُكُما فَاسْتَقِيما وَ لا تَتَّبِعانِّ سَبِيلَ الَّذِينَ لا يَعْلَمُونَ- 89 يونس. و تومئ هذه الآية الى أنه إذا لم يستقيما على سبيل الذين يعلمون فلا تستجاب لهما دعوة، و تقدم الكلام عن الدعاء في شرح الرسالة 30. و الكلمة الأخيرة: أفضل أنواع الدعاء ترك الذنوب.
2- (و من أعطي التوبة لم يحرم القبول). أودع سبحانه في الإنسان ميولا و رغبات تقوده و تتجه به نحو المعصية و اقتراف الذنوب، و هو لا يملك نفسه في كل حين، فاقتضت حكمة اللّه و عدالته أن يفتح للعاصي من عباده باب التوبة، فإذا استجاب و تاب عفا عنه و أثابه من فضله، و ان أصر قامت عليه الحجة و استحق العقاب. قال سبحانه: ثُمَّ تابَ عَلَيْهِمْ لِيَتُوبُوا- 118 التوبة أي فتح لهم باب التوبة ليدخلوا منه الى مغفرته.. و أية حجة أقوى من هذه و أبلغ.
و بعد، فإن المعصية داء، و التوبة دواء، و هي واجبة على الفور و بلا تأجيل إجماعا و كتابا و سنّة، بل وجوب التوبة ثابت بضرورة الدين تماما كوجوب الصوم و الصلاة. و تقدم الكلام عن ذلك بشتى المناسبات.
3- (و من أعطي الاستغفار لم يحرم المغفرة). الاستغفار أعم و أشمل من التوبة، لأنه مطلق بلا قيد، أما التوبة فمن شروطها العزم على ترك الذنوب و المعصية، و عليه يكون ذكره بعد التوبة من باب ذكر العام بعد الخاص مثل قوله تعالى: وَ ما أُوتِيَ مُوسى وَ عِيسى وَ النَّبِيُّونَ- 84 آل عمران.
4- (و من أعطي الشكر لم يحرم الزيادة) و كل ما رأى أن من به نعمة صغرت أم كبرت هي من اللّه وحده لا شريك له- فهو من الشاكرين الذاكرين.
و من النعم العافية من البلاء. قال الإمام جعفر الصادق (ع): «من أنعم اللّه عليه بنعمة فعرفها بقلبه فقد أدى شكرها». و أفضل أنواع الشكر ترك المحرمات.
( فی ضلال نهج البلاغه، ج 4 ص 304 و 305)
|